الرئيسية صحافة حقوق الإنسانقصص وشهاداتقصص مكتوبة مع “ضياع” وثائق الإحصاء ضاع مستقبل “أفراد عائلة” عزيز

مع “ضياع” وثائق الإحصاء ضاع مستقبل “أفراد عائلة” عزيز

قصة عزيز برو .. الحق في التعليم هو الحق الأسمى

بواسطة wael.m
149 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية, الكردية حجم الخط ع ع ع

حينما توجه "عزيز برو" بصحبة (12) طالباً آخراً للتسجيل في جامعة دير الزور فرع (ر.ف) عام 1993، نجح أصدقائه في التسجيل باستثنائه، فعاد أدراجه خائباً إلى المنزل، فقط لأنه واحد من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية وتحديداً من فئة "مكتومي القيد"، حيث لم يكن يحمل في جعبته آنذاك وثيقة اجتياز المرحلة الثانوية، على عكس زملائه. مازالت معاناة "عزيز" مستمرة حتى يومنا هذا، وخاصةً أنه لم يفلح في الحصول على الجنسية السورية رغم بذله العديد من المحاولات.

"عزيز برو" من مواليد مدينة القامشلي/قامشلو عام (1973)، متزوج ولديه طفلان، درس في كلية الحقوق في جامعة الفرات[1] في الحسكة، إلا أنه أمضى أعواماً من حياته وهو يعمل كمزارع، ويعتبر "عزيز" واحداً من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية وتحديداً من فئة "مكتومي القيد"، وفي هذا الخصوص تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 30 تموز/يوليو 2018، حيث قال:

"أثناء إجراء الإحصاء الاستثنائي في العام 1962، قامت لجان الإحصاء بتسجيل أسماء جدّي وأعمامي ولكن والدي كان متواجداً في قرية أخرى، وأخبرتنا الحكومة أنّ أوراق تلك القرية ضاعت ولم يتم العثور عليها. ورغم تقديم اعتراضين من قبل والدي إلاّ أنّ ذلك لم يأتِ بأي نتيجة، مع العلم بأنّ والدي كان مختاراً للقرية، وهو من كان يقوم بختم الأوراق التي يحتاجها الأهالي ومن ضمنها شهادات التعريف التي كان يمنحها لنفسه ولنا، وما زلنا كالكثير من مكتومي القيد، لم يتغير شيء في وضعنا، بسبب عدم منح موافقات من قبل شعبة الأمن السياسي في العاصمة دمشق على الملفات التي تقدّمنا بها لتعديل وضعنا القانوني."

يصف عزيز حال "مكتومي القيد" بالأسوأ على الإطلاق، مشيراً إلى أنّ هنالك بعض الميزات التي تتمتع بها فئة أجانب الحسكة، على الرغم من أنّ هذه الميزات هي أقل بكثير من الحقوق التي يتمتع بها المواطن الحاصل على الجنسية السورية، إلا أنها ورغم قلتها فقد كانت ممنوعة على "مكتومي القيد"، وتابع قائلاً:

"ربّما كانت الحقوق الأكثر تقييداً هي الحقّ في التعلمّ، ففي أسرتنا، تمّ منع أخوين لي من متابعة دراستهم، بينما تمّ السماح لاثنين آخرين باستكمال تعليمهم بعد العام 2000. في الدول المتحضرة، حتى المجرمين المجرّدين من الحقوق المدنية والسياسية يحقّ لهم متابعة التعليم من داخل السجون، فمثلاً لي شقيق ويدعى "بهزاد عرب داوود"، درس حتى المرحلة الثانوية الصناعية، وحصل على المرتبة الأولى في محافظة الحسكة عام 1996، ولكنّه مُنع من استكمال دراسته رغم حصوله على رسالة دعم موقعة من عدد من أعضاء البرلمان السوري آنذاك، أما أنا فقد مُنعتُ من أن أكون طالباً في قسم "الرياضيات والفيزياء" بسبب منعهم لي من استكمال تسجيل أوراقي في العام 1993 بسبب عدم الحصول على وثيقة اجتياز مرحلة الثانوية العامّة من مديرية التربية، ولم ألتحق بالجامعة على إثرها، لأقوم باستكمال دراستي بعد عمر الأربعين وأدرس الحقوق، وما زلت أذكر حينما ذهبت مع أصدقائي للتسجيل في جامعة دير الزور، كنا حوالي 12 طالباً، وجميعهم تمكنوا من التسجيل باستثنائي، حيث أكملوا طريقهم إلى حلب للالتحاق بالجامعة أما أنا فقد عدت خائباً إلى  منزلي. هل بالإمكان تصور كم لهذا الموقف أن يخلق نفوراً في نفسية صاحبه؟"

وأضاف عزيز في شهادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه كان قد شارك عدة مرات في المظاهرات التي خرجت احتجاجاً على حرمان الكرد السوريين من الجنسية ما بين الأعوام 2003 و 2008، وهو ما جعله يتعرّض للاحتجاز مراراً وتكراراً من قبل الأجهزة الأمنية السورية، عدا عن حالات اقتحام منزله بعد تظاهرة ضدّ المرسوم رقم 49 والذي اعتبر محافظة الحسكة منطقة حدودية بالكامل، حيث أوقف صدور المرسوم عمليات الإنشاء البيع والشراء والآجار وارتفعت نسبة البطالة لمستويات قياسية في الجزيرة السّورية، حيث علّق على ذلك قائلاً:

"كانوا يسألونني هل أنت سوري، كنت أقول نعم أنا كردي سوري، لكنهم كانوا يخبرونني بأنه ليس لديك اثبات بأنك سوري، وكنت أتعرّض للإهانة وهم يقولون لي بأنه ليس هناك شيء اسمه كردي سوري، إما أن تكون كردياً أو سورياً."

كسائر المحرومين من الجنسية، لم يكن من حق "عزيز" الحصول على الطبابة في المشافي العامة، كما لم يكن من حقه الحصول على وثيقة تثبت تخرّجه من الجامعة، ويذكر أنه مارس مهنة التدريس في إحدى الفترات، إذ كان يقوم بتعليم بعض الأطفال من القرى بشكل تطوعي، لكن دون أي مقابل مادي بسبب وضعه القانوني، كما روى بأنه وعائلته كانوا يمتلكون أراضِ زراعية وقاموا بنقلها من اسم جدّه إلى اسم أعمامه المواطنين الحاصلين على الجنسية السورية، نظراً لعدم قدرتهم على تسجيلها باسمهم، كذلك الأمر بالنسبة إلى بقية أملاكهم من منازل وسيارات، فقد كانت مسجّلة أيضاً باسم أحد جيرانهم، وتابع حول بقية المصاعب التي كانت تعترضه بسبب وضعه القانوني حيث قال:

"أذكر في إحدى المرات، كيف ذهبت إلى العاصمة دمشق، وبقيت حتى منتصف الليل كي أحصل على ورقة من الضابط المناوب في مبنى محافظة دمشق، من أجل السماح لي بالنوم في فندق. ناهيك عن الحرمان من الحصول على شهادة سواقة، وتسجيل محاصيلنا الزراعية على أسماء غيرنا ومن ثمّ بيعها بأثمان بخسة للتجار بسبب عدم قبول الحكومة شراء المحصول منّا بشكل مباشر."

وأشار "عزيز" إلى أنّ هنالك مخاوف كبيرة من عدم التعامل مع قضية "مكتومي القيد" كقضية "أجانب الحسكة"، وخاصة فيما يتعلق بأمور الخدمة الإلزامية، لافتاً إلى أنّ "أجانب الحسكة" الذين حصلوا على الجنسية السورية، تمّ إعفاء كل من تجاوز سن (18) عاماً منهم، من الخدمة الإلزامية، وقد تمّ تطبيق القرار رسمياً في بداية العام 2012، وتابع "عزيز" قائلاً:

" من المهم الإشارة إلى أنّ الكثير ممن تمّ تجريدهم من جنسيتهم استمروا في تقديم الاعتراضات إلى لجان الإحصاء حتى السبعينيات. وحصل العديد منهم على الجنسية السورية رغم دفع العديد منهم مبالغ طائلة لتصحيح وضعهم القانوني. وفي التسعينيات حصلنا على أرقام كان مصدرها دائرة نفوس الحسكة تفيد بوجود ما لا يقل عن (90) ألف كوردي سوري تمّ تصنيفهم تحت فئة مكتومي القيد، مع العلم بأنّ نسبة المكتومين ازدادت بسبب الولادات، سواء للمكتومين نفسهم أو بسبب عدم تسجيل أولاد الأجانب. وبعد صدور المرسوم التشريعي رقم (49) للعام 2011، عمل الكثير من فئة مكتومي القيد على تصحيح وضعهم القانوني ليندرجوا بعدها ضمن فئة "أجانب الحسكة" ومن ثم يتمتعوا بالجنسية السورية. كما أنّ العدد التقديري لمكتومي القيد الذين مازالوا مقيمين في سوريا، يتراوح حالياً ما بين 20 إلى 25 ألف نسمة، لعدّة أسباب منها: تصحيح عدد كبير منهم أوضاعهم القانونية من فئة مكتومي القيد إلى فئة الأجانب ومنه إلى مواطن سوري، وأيضاً بسبب الهجرات التي عصفت بالمنطقة وخاصة بعد العام 2011 حيث هاجر عشرات الآلاف من المنطقة إلى دول إخرى بحثاً عن مستقبل أفضل، كما أنه وقبيل عام، صدر مرسوم رئاسي خاص بحوالي (150) عائلة من فئة مكتومي القيد من أجل منحهم الجنسية السورية."

يرى عزيز بأنّ حلّ قضية المجرّدين والمحرومين من الجنسية يتطلّب رؤية شاملة، تبدأ من إعادة الجنسية إلى جميع المحرومين منها سواء أكانوا "أجانب" أو "مكتومي قيد"، مروراً بتعويض الناس وخاصةً عن الأراضي التي حُرموا منها، لافتاً إلى أنه وعند البدء بما سمّي وقتها بعملية "استصلاح الأراضي الزراعية" تمّ حرمان الأجانب والمكتومين من هذه الأراضي، كما تمّ عدم اعتبارهم سوريين، حيث حُرمت حوالي (11) ألف عائلة من الاستفادة من خطوة الإصلاح الزراعي هذه بل وعوضاً عن ذلك تمّ توزيع الأراضي الخصبة في المنطقة المجاورة للحدود التركية والتي تسمى "خط العشرة" إلى عرب سوريين آخرين قادمين من محافظتي الرقة وحلب والذين يطلق عليهم   تسمية "الغمر" بحجة غمر مياه سدّ الفرات لأراضيهم، وأنهى حديثه قائلاً:

"هنالك من ولد ومات وظلّ محروماً من الجنسية السّورية، فقط أتمنى ألا يتعرض شعب المنطقة من عرب وكرد ومسيحيين ومسلمين للعنصرية بسبب انتمائهم الديني أو العرقي، لأن هذا الشيء خلق لدينا وعي كبير حول معنى أن تتعرض للعنصرية بسبب انتمائك القومي، فليس ذنباً أننا ولدنا كرداً.. وأرى أنّ التعويضّ الأفضل هو ضمان عدم تكرار هذه السياسات في هذا الوطن الذي لا يجب أنّ يَحرم أي إنسان من حقوقه بسبب عرقه أو جنسه أو دينه .."

 


[1] قال عزيز تعقيباً على حصوله بمحض الصدفة على وثيقة تخرّج من الكلّية، أنّهم في البداية لم ينتبهوا إلى كونه أحد الأشخاص المكتومين، حيث قاموا بإعطائه وثيقة التخرج، ثم لاحظ "عزيز" بعدها أنّ هنالك خطأ في كتابة عام مواليده، فعاد إلى الجامعة لتصحيح الخطأ فتنبّه الموظف إلى ذلك وقام بالذهاب إلى عميد الكلّية آنذاك "خالد الخطيب" الذي أوصلا بإتلاف الوثيقة القديمة ولم يمنحه أي وثائق جديدة، وأخبره بالخطأ الذي حدث وبدأ بكون صدور اسمه ضمن قائمة المتخرجين، لإنّه عادة لا تتضمن قوائم المتخرجين أسماء مكتومي القيد.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد