يمثل تجدد القتال بمحافظة إدلب والتهديدات بمزيد من التصعيد مخاطر جسيمة تهدد حياة السكان المدنيين. فمنذ مطلع فبراير/شباط 2020، قُتل ما لا يقل عن 100 مدنيًا بينهم 35 طفلاً، فضلاً عن إصابة الكثيرين، بسبب العملية العسكرية التي نفذتها الحكومة السورية وحلفاؤها، كما أضطر أكثر من 900 ألف نسمة في إدلب للنزوح عن بيوتهم لأماكن اللجوء نتيجة القتال هذا العام. ومع ظروف الشتاء القارس وعدم كفاية الملاجئ للنازحين وتكدس أماكن السكن المؤقت، يواجه المدنيون في إدلب وضعًا إنسانيًا مروعًا، حيث يموت الأطفال بسبب انخفاض درجات الحرارة وتدهور الظروف المعيشية في المخيمات الخاصة بالنازحين.
وفي ظل استمرار العملية العسكرية السورية الروسية لاسترداد إدلب، فإن مجرد إدانة الانتهاكات لم تعد كافية، كما ثبت في السنوات الثمانية المؤسفة الأخيرة. فلا تزال أغلب مناطق إدلب خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام وهي جماعة كانت تنتمي لتنظيم القاعدة، في حين تسيطر مجموعات وفصائل أخرى على بعض المناطق الأخرى في إدلب.
إدلب معرضة حالياً لأزمة إنسانية آخذة في التدهور، ولقد أدت بالفعل حتى الآن إلى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتزيد من انعدام الاستقرار بالمنطقة.
من جانبه حذر هاني مجلي، من بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سورية، من أن أعمال الترهيب بحق السكان المدنيين في إدلب، والتي تمثل محاولة لإخلاء المناطق من السكان واسترداد الأراضي تمثل جريمة حرب، ومن ثم فلا بد ألا تؤدي أية اتفاقات وقف إطلاق نار بين أطراف النزاع إلى مزيد من النزوح.
وفي هذا السياق على المجتمع الدولي أن يصمم على وقف فوري لإطلاق النار تلتزم به جميع الأطراف، والضغط على الحكومتين السورية والروسية والجماعات المسلحة، لكي تسمح وتيسر دخول الوكالات الإنسانية الدولية إلى المناطق المتضررة، بما تفتضيه الالتزامات الدولية الخاصة بحماية المدنيين. كما يفترض أن يستمر المجتمع الدولي في الضغط على القوات السورية والروسية لكي تفي بالتزاماتها، وتحترم القانون الدولي الخاص بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
يواجه السكان في أدلب القصف العشوائي المستمر والهجمات الموجهة للبنية التحتية المدنية، بما في ذلك مدارس ومستشفيات. كما هاجمت جماعات من المتمردين والجهاديين في إدلب قرى حدودية خاضعة للحكومة السورية، ما أدى إلى تعريض حياة المدنيين للخطر أيضاً. وفي واقعة أخرى، كشفت محادثات لاسلكية تم اعتراضها مؤخرًا عن تعمد القوات الحكومية السورية إطلاق النار على مجموعة من النساء المسنات وقتلهن. كما يمثل استخدام تركيا الطائرات المسيرة لاستهداف المواقع العسكرية السورية في إدلب تصعيدًا خطيرًا في أعمال القتال، يعرّض المدنيين للخطر.
لقد أدى فشل المجتمع الدولي المتكرر في التحرك بشكل فعال لحماية المدنيين في أدلب، إلى تشجيع القوات السورية والروسية على ارتكاب جرائم الحرب الممنهجة والانتهاكات الأخرى للقانون الدولي، بما في ذلك الهجمات المستهدفة للبنية التحتية المدنية والمرافق الطبية، وانتشار الهجمات العشوائية بالمناطق المأهولة. ومنذ 1 يناير/كانون الثاني، تعرضت 10 منشآت طبية إما للاستهداف المباشر أو تضررت جراء هجمات على مناطق قريبة.
طبقاً للناطق باسم هيئة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، روبرت كولفيل: “لا يمكننا تحديد إذا كان كل هجوم وقع كان متعمدًا، ولكن اتساع نطاق هذه الهجمات يوحي بقوة بأن القوات الحكومية [السورية] تنفذ هذه الهجمات، على الأقل جزئياً إن لم يكن كلياً، بشكل متعمد ضد المنشآت الصحية.”
وفي هذا الإطار، تعرب المنظمات الموقعة على هذا البيان عن عميق القلق إزاء استخدام حرس الحدود اليونانيين للقوة المفرطة على الحدود مع تركيا وفي البحر، مما أسفر عن مقتل لاجئ سوري، وذلك بعد قرار تركيا فتح الحدود مع اليونان في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي كي يدعم عملية تركيا العسكرية في إدلب. كما علقت تركيا نظر طلبات اللجوء لشهر واحد على الأقل.
تواجه الدول المستضيفة للغالبية العظمى من اللاجئين- 5.6 مليون لاجئ- ضغوطاً كبيرة على قدراتها الخاصة بالخدمات العامة، وفي ذلك نطالب المجتمع الدولي بزيادة دعمه لهذه الدولة لكي تفي بالمطالب المفروضة عليها. كما ندعو كافة الدول إلى الامتناع عن استخدام القوة المفرطة أو غير المتناسبة ضد اللاجئين وطالبي اللجوء، وأن تحافظ على نظم لنظر طلبات اللجوء التي تصلها، والامتناع عن الإعادة القسرية، بما يتسق مع الالتزامات الدولية.
كما ندعو دول الجوار وكافة الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، إلى توسيع نطاق قبول اللاجئين وأن تبذل قصارى جهودها لتيسير إعادة التوطين، بحيث يمكن للسوريين الهاربين من العنف أن يصلوا إلى الملاذ الآمن. وعلى الحكومة التركية أيضاً أن تكف عن استخدام اللاجئين كورقة ضغط لإحراز مكاسب سياسية.
في هذا السياق، نوصي بما يلي:
- على كافة الأطراف وقف الهجمات التي تستهدف المدنيين، وتضمن حمايتهم، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية اللازمة لهم. وعلى المجتمع الدولي أن يتخذ إجراءات فورية لدعوة سوريا وروسيا وتركيا إلى إنهاء القتال في إدلب وشمال شرق سوريا على الفور، والالتزام باتفاقات وقف إطلاق النار ذات الصلة.
- على الأطراف من الدول والأطراف غير التابعة لدول أن تتشارك في جمع وتقديم كافة الأدلة على الجرائم الخطيرة المرتكبة في شمال غرب سوريا مع الآلية الدولية المحايدة والمستقلة ومع بعثة تقصي حقائق الأمم المتحدة المعنية بسوريا. وعلى هذه الهيئات الاستمرار في إجراء التحقيقات العاجلة وجمع الأدلة الخاصة بالهجمات الأخيرة في إدلب وشمال غرب سوريا. وعلى كافة الدول والأطراف غير التابعة لدول أن تتعاون بالكامل مع هيئات التحقيق. وعلى المجتمع الدولي أن يسعى للمحاسبة عبر الملاحقات الجنائية على أية جرائم مرتكبة، وهذا عبر كافة المحافل المتوفرة لإحقاق العدالة.
- على الأمين العام للأمم المتحدة أن يصدر على الملأ ما خلصت له لجنة تحقيق الأمم المتحدة بشأن تدمير البنية التحتية المدنية، مع وذكر الجناة بالأسماء، وتسليط الضوء على الاستهداف الممنهج للرعاية الصحية في سوريا. كما ندعو الأمين العام إلى توسيع نطاق ولاية التقصي بحيث يشمل التحقيق بشكل شامل في الاستهداف المتفشي والممنهج لتلك المنشآت من قبل الجيش السوري والقوات الجوية الروسية والجماعات المسلحة.
- على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بأسره الاستمرار في المراقبة وفرض جزاءات على الفاعلين بالقطاع الخاص المرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة ضد الشعب السوري، وتوسيع نطاق التدابير التقييدية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي لتشمل أي جناة بغض النظر عن انتماءاتهم.
- على مكتب الأمين العام زيارة إدلب والمعبر الحدودي مع تركيا والاستمرار في دعوة كافة الأطراف إلى اعتماد وقف فوري لإطلاق النار، وضمان حماية المدنيين.
- على مجلس الأمن أن يتخذ خطوات فورية لتنفيذ قراراته العديدة التي دعت لإنهاء القتال في سوريا من مختلف الأطراف، وإعلاء أولوية التدابير الخاصة بحماية السكان المدنيين في إدلب وحولها.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مؤسسة دولتي
- المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
- سوريون من أجل الحقيقة والعدالة
معلومات خلفية:
تقع الفظائع التي تشهدها إدلب خلال 9 سنوات من النزاع، وخلالها عانى الشعب السوري كثيراً من تصرفات مختلف أطراف النزاع، لا سيما من الحكومة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد.
أدت الحرب الأهلية السورية إلى نزوح 5.7 مليون لاجئ، وتعريض 6.2 مليون نسمة آخرين للنزوح الداخلي. نتيجة للحرب الأهلية السورية زاد تعداد سكان إدلب من 1.5 مليون نسمة إلى نحو 4 ملايين نسمة، تعرض نصفهم للنزوح مرة واحدة على الأقل. ونحو 80 بالمئة من النازحين الجدد هم من النساء والأطفال والمسنين.