الرئيسية صحافة حقوق الإنسان سوريا: استمرار ظاهرة رفع أجور العاملين في القطاع العسكري دون سواهم

سوريا: استمرار ظاهرة رفع أجور العاملين في القطاع العسكري دون سواهم

ينال العسكريون دخلاً أعلى وامتيازات أكثر ويُعفَون من الضرائب التي تقوم أساساً على مبدأ توزيع العبء على جميع المواطنين/ات

بواسطة bassamalahmed
768 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع
جنود من الجيش السوري خلال إحدى العمليات العسكرية. المصدر: وزارة الدفاع السورية.

1.     مقدمة:

قبل نهاية العام الفائت بأيام معدودة، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 25 لعام 2022، ونصت المادة 1 منه على تعديل رواتب عسكريي قوى الأمن الداخلي المحددة في قانون خدمة قوى الأمن الداخلي المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2012 لتصبح على النحو المحدد في جدولين مرفقين بالمرسوم الجديد.

تجدر الإشارة إلى أن رواتب المدنيين في القطاع العام يحكمها نظام العاملين الأساسي في الدولة القانون 50 لعام 2004، أما رواتب العسكريين فيحكمها قانون الخدمة العسكرية المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 لعسكريي الجيش، وقانون خدمة قوى الأمن الداخلي المرسوم التشريعي 1 لعام 2012 لأفراد قوى الأمن الداخلي.

إن المراسيم العديدة التي تصدرها الدولة السورية والتي تشمل منح امتيازات وإعفاءات لفئة العاملين في القطاع العسكري دون سواهم، تزيد الفجوة بين العسكريين ونظرائهم المدنيين العاملين في الدولة.

2.      تمييز العسكريين على المدنيين في القطاع العام وزيادة الفجوة بين رواتب الفئتين:

لاحظت “سوريون” تحول المراسيم في الأعوام الأخيرة من منح زيادات وإعفاءات تشمل رواتب العاملين المدنيين والعسكريين على حد السواء، إلى تفضيل العسكريين وإصدار مراسيم خاصة بزيادة رواتبهم وحدهم. في الواقع، لا توجد مراسيم أو قوانين تقضي برفع رواتب المدنيين وحدهم دون العسكريين، لذا يزداد مع الوقت اتساع الفجوة بين أجور المدنيين والعسكريين.[1]

منذ بداية النزاع السوري عام 2011، صدر عدد من المراسيم التشريعية المتعلقة بالرواتب وزيادتها بشكل عام شملت هذه القوانين العاملين في القطاع العام من المدنيين والعسكريين دون تمييز فعلي بين الفئتين.

على سبيل المثال: المرسوم التشريعي 40 لعام 2011 حول زيادة الرواتب والأجور، وتعديله في المرسوم التشريعي 44 لعام 2011، المرسوم التشريعي 38 لعام 2013 حول زيادة رواتب وأجور العاملين المدنيين والعسكريين في القطاع العام، المرسوم التشريعي 7 لعام 2015 حول منح التعويض المعيشي، والمرسوم التشريعي 41 لعام 2015 حول إضافة مبلغ قدره 2500 ليرة سورية إلى الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة للعاملين، المرسوم التشريعي رقم 23 لعام 2019 القاضي بإضافة مبلغ عشرين ألف ليرة سورية إلى الرواتب والأجور الشهرية المقطوعة، المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2021 القاضي بإضافة نسبة 50 بالمئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة النافذة بتاريخ صدور هذا المرسوم للعاملين المدنيين والعسكريين، والمرسوم التشريعي رقم 29 لعام 2021 حول زيادة الرواتب والأجور المقطوعة بنسبة 30 بالمئة.

ولكن كما ذكرنا آنفاً، صدر أيضاً في السنوات الأخيرة عدد من المراسيم التشريعية التي تشمل العسكريين دون المدنيين وترفع أجورهم بينما لا يتمتع المدنيون بفرص مشابهة. فبالإضافة إلى المرسوم الجديد رقم 25 لعام 2022 المذكور أعلاه، هناك أيضاً المرسوم التشريعي 8 لعام 2018 القاضي بزيادة رواتب العسكريين بنسبة 30 بالمئة من مجموع الراتب بعد إضافة التعويض المعيشي إلى الراتب المقطوع النافذ للعسكريين وعده جزءاً منه، المرسوم التشريعي رقم 9 للعام 2018 القاضي بإضافة زيادة قدرها 20 بالمئة من المعاش التقاعدي إلى المعاشات التقاعدية للعسكريين ويضاف التعويض المعيشي الممنوح لهم إلى المعاش التقاعدي بعد احتساب الزيادة المنصوص عليها في هذا المرسوم ويعد جزءاً منه. والمرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2018 القاضي بتعديل راتب الطيران للضباط الطيارين.

3.     إعفاء العسكريين دون المدنيين من ضريبة الرواتب والأجور:

على مر السنين، لم يكتفِ القانون السوري بمنح العاملين في القطاع العسكري زيادات أكثر على رواتبهم، بل قام أيضاً بإعفائهم من ضريبة الرواتب والأجور إلى جانب إعفاءات أخرى، ونص على ذلك في عدة نصوص قانونية خاصة بالعسكريين.

يمكننا أن نرى هذا جلياً في المادة 67(ب) من قانون ضريبة الدخل رقم 24 لعام 2003 التي تنص على أنه “يعفى من ضريبة الرواتب والأجور… ‌ب- العسكريون التابعون للقوات المسلحة وعناصر قوى الأمن الداخلي وعناصر الإطفاء”، ولا تشتمل هذه المادة على أي فقرات مشابهة خاصة بالموظفين المدنيين.

وفي ذات السياق، تنص المادة 181 من قانون الخدمة العسكرية المرسوم التشريعي رقم 18 لعام 2003 على إعفاءات أخرى: “يستفيد عسكريو الجيش والقوات المسلحة القائمون بالخدمة الفعلية من الإعفاءات التالية:

‌أ. الطابع البريدي في المراسلات الداخلية المرسلة منهم.

‌ب. كافة الضرائب والرسوم المطبقة في الدولة على الرواتب ومختلف التعويضات والعلاوات بما فيها تعويضات الانتقال والمكافآت والإكراميات بمختلف تسمياتها.

‌ج. طوابع الرتب والعرائض والتقارير الطبية المتعلقة بالخدمة.

‌د. الرسوم والتأمينات والنفقات القضائية في الدعاوى التي لها علاقة بالخدمة.

هـ. الرسوم والضرائب المترتبة على المواد المشتعلة وفقاً لتعليمات تصدر بقرار من القائد العام.”

وبشكل مشابه، نصت المادة 155 من قانون خدمة عسكريي قوى الأمن الداخلي المرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2012 على أنه: “يستفيد عسكريو قوى الأمن الداخلي القائمون بالخدمة مما يلي:

  1. إعفاء جميع رواتبهم وتعويضاتهم وعلاواتهم ومكافآتهم وإكرامياتهم من الضرائب والرسوم كافة.
  2. من الإعفاءات الآتية:

‌أ. الطابع البريدي في المراسلات الداخلية المرسلة منهم.

‌ب. طوابع الرتب والعرائض والتقارير الطبية المتعلقة بالخدمة.

‌ج. الرسوم والتأمينات والنفقات القضائية في الدعاوى التي لها علاقة بالخدمة.

د. الرسوم والضرائب المترتبة على المواد المشتعلة وفقاً لتعليمات تصدر بقرار من القائد العام.”

وإذا كان لزيادة أجور العاملين في الحقل العسكري ما يبرره من حيث المبدأ، بالنظر إلى خطورة وصعوبة الأعمال التي يمارسونها عادة في حالة السلم أو الحرب، إذ تكون حياتهم معرضة للخطر أكثر من غيرهم، وساعات العمل غالباً ما تكون في أوقات راحة الآخرين،[2] فإن الإعفاء الكلي من الضرائب لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال، وذلك لأن فلسفة الضريبة تقوم أساساً على توزيع عبء الخدمات التي تقدمها الدولة على الجميع ودون تمييز بينهم، وذلك كي يشعر الجميع بمساهمتهم في تقديم تلك الخدمات، كالصحة والتعليم والطرقات والحدائق وغيرها من المرافق العامة. علماً أن العسكريين مقيمون في البلد الذي يتقاضون أجورهم منه، وبالتالي يستفيدون من تلك الخدمات على حساب سواهم من دافعي الضرائب.[3]

هذا وإن إعفاء هؤلاء من تحمل العبء الضريبي يتنافى مع العدالة الاجتماعية، ويتناقض مع المبادئ الاقتصادية التي نص عليها الدستور السوري لعام 2012، حيث نصت المادة 13(2) على أنه “تهدف السياسة الاقتصادية للدولة إلى تلبية الحاجات الأساسية للمجتمع والأفراد عبر تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية للوصول إلى التنمية الشاملة والمتوازنة والمستدامة”، كما نصت المادة 18 من الدستور على أن النظام الضريبي يقوم على أسس عادلة.

4.     التمييز لصالح العسكريين ظاهرة قديمة مستمرة في سوريا:

عملياً، ترى “سوريون” أن التمييز لصالح القطاع العسكري في سوريا ظاهرة قديمة وليست جديدة، فمنذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد كان جزء كبير من الموازنة العامة في سوريا يصرف لوزارتي الدفاع والداخلية بذريعة “الحرب ضد إسرائيل” وكجزء من استراتيجية تدعيم وتوطيد سلطات الدولة. ولكن بعد اندلاع النزاع السوري عام 2011، أضيفت ذريعة جديدة إلى دعم القطاع العسكري ألا وهي “الحرب ضد الإرهاب”، خاصة أن السلطة في سوريا كانت وما تزال ديكتاتورية عسكرية، فهي دولة يحكمها العسكريون ممن لا تنقصهم الذرائع لتفضيل مصالحهم، ولا تعوزهم الأدوات لتحقيق ذلك.

من ناحية أخرى، بالإضافة إلى أن هذه الإعفاءات والزيادات على الرواتب تحمل في طياتها مكافأة أو شكراً للمدافعين عن الحكومة السورية في وجه معارضيها ومن يخالفها الرأي، لا بد من الإشارة إلى أنها تشكل عامل جذب هام لرفد القطاع العسكري بالقوى البشرية ولضمان ولاء هذا القطاع، خصوصاً عند النظر إلى هذه الامتيازات على أنها “سلة واحدة” تتضمن راتباً أفضل وإعفاءات أكثر وصلاحيات أوسع وإمكانيات اقتصادية قد تفوق الراتب أحياناً.


 

[1] مع العلم أن معدل الرواتب في سوريا زهيد جداً بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المزري بسبب تدهور القيمة الشرائية لليرة السورية أمام الدولار، وهذا يقتضي زيادة رواتب العاملين في القطاع العام أضعافاً لسد الحاجات الأساسية للمواطنين.

[2] في ظل النزاع السوري، ترى “سوريون” بأن جميع المتورطين بجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان من هؤلاء العاملين في الحقل العسكري والأمني يفترض تقديمهم للمحاكمة أمام محاكم مستقلة ومحايدة لمحاسبتهم على التهم التي تنسب إليهم، لا أن يتم تقديم الامتيازات والاعفاءات لهم.

[3] كان من الأفضل النظر في إعفاء جميع السوريين من العبء الضريبي، كون الحكومة السورية باتت شبه عاجزة عن تقديم الخدمات العامة في أغلب المجالات، وبالتالي يكون دفع الضريبة في سوريا غالباً بلا مقابل.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد