الرئيسية صحافة حقوق الإنسان الجنوب السوري: العمليات العسكرية تدفع المئات لاتخاذ قرار المغادرة إلى الخارج

الجنوب السوري: العمليات العسكرية تدفع المئات لاتخاذ قرار المغادرة إلى الخارج

يعرض هذا التقرير شهادات لأهالي وسكان تم اعتقالهم أثناء عمليات التهريب وابتزاهم مادياً من قبل سلطات الأمر الواقع والمجموعات الممتهنة لعمليات الاتجار بالبشر في سوريا

بواسطة communication
258 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

دفعت الحملة العسكرية في الجنوب السوري خلال أشهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس 2021، وتحديداً في محافظة درعا، الآلاف من الأشخاص إلى النزوح من أماكن سكناها الأصلية، نحو مناطق مجاورة أكثر أماناً، تزامن ذلك مع محاولات مئات آخرين من الأشخاص للتوجه نحو الشمال السوري، بغية دخول الأراضي التركية والتوجه نحو القارة الأوروبية. فيما حاول المئات الآخرين الوصل إلى الأراضي اللبنانية.

الحملة العسكرية التي قامت بها الحكومة السورية مدعومة بالقوات الروسية، لعبت دوراً حاسم في اتخاذ قرار الرحيل من الجنوب السوري، إلى جانب أسباب أخرى؛ منها الوضع الاقتصادي المزري للسكان وتدهور قيمة الليرة السورية، إضافة إلى ازدياد حالات الخطف والاغتيالات في الجنوب السوري عموماً (درعا والسويداء والقنيطرة).

أمّا بالنسبة للفئة الشابّة، وخاصة من هم في سن الالتحاق بالخدمة الإلزامية، أو المتخلفين عن الخدمة في الجيش السوري، أوالأشخاص الذين لم يستطيعوا “تجديد بطاقة التسوية” بحسب الاتفاقيات الأولى في المنطقة عام 2018، فقد فضّل الكثير منهم الرحيل على البقاء والانخراط في الجيش النظامي وعملياته العسكرية.

عمليات نقل وتهريب الأشخاص من الجنوب السوري، موضوع هذا التقرير، حدثت عبر شبكات ممتهنة لعمليات الاتجار بالبشر مقابل مبالغ مالية طائلة، وبحسب الشهادات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، فإنّ عدداً من ضباط وأفراد من الجيش النظامي السوري، مشاركون في عمليات التهريب تلك، حيث يقومون بنقل السكان بسياراتهم العسكرية الخاصة من خلال “الخطوط العسكرية” المخصصة لأفراد القوات السورية المسلّحة.

  1. أرقام وشهادات:

وثّقت منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة احتجاز أكثر من 57 شخصاً من قبل أطراف النزاع المخلتفة المسيطرة على المعابر المحلية، بينهم أطفال ونساء، وذلك خلال الفترة الممتدة من الأول من آب/أغسطس وحتى 10 أيلول/سبتمبر 2021 [أي في مدة 40 يوم فقط]، وهم من الفئات التي نزحت من الجنوب السوري باتجاه شماله، وأطلق سراح 36 شخصاً منهم لقاء مبالغ مالية وصلت أحياناً إلى 15 ألف دولار، فيما بقي الغموض يلف مصير باقي المحتجزين.

وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة؛ مازال العدد الكبير من الأهالي في الجنوب السوري يتكتم على حوادث دفع الفدية لقاء إطلاق سراح أبناءهم، ويفضلون عدم الحديث عنه أو إخبار أحد حتى أقربائهم لأسباب مختلفة، أهمها أمنية، لهذا فمن الصعب إحصاء العدد الدقيق للذين يتم احتجازهم و/أو الذين وقعوا ضحية للابتزاز المادي خلال رحلتهم طلباً للجوء، إذ يتم تهريب ونقل شبان إلى خارج البلاد بطرق غير شرعية بشكل شبه يومي.

الناشط “محمد الخالدي” ابن بلدة تل شهاب بريف درعا، عزا أسباب هجرة الشباب لعدة أمور، وكشف لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:

كل يوم، هناك دفعات جديدة لشبان من درعا والقنيطرة يحاولون الخروج من البلاد بطرق غير شرعية، إما لأسباب معيشية أو هرباً من الأوضاع الأمنية أو لكليهما معاً، هذا وقد تزايد عددهم بعد العملية العسكرية التي شنتها قوات الحكومة المركزية على درعا البلد، ولأجل ذلك يتم التنسيق مع شبكة من المهربين واللذين يرتبطون بضباط في جيش الحكومة المركزية السورية أو القوات المساندة لها، حيث يقوم هؤلاء بنقل الشبان بسياراتهم بمهمة أمنية إما من مناطق تواجدهم أو يتم نقلهم من دمشق باتجاه الحدود السورية اللبنانية للراغبين بدخول لبنان، أو إلى معابر في الشمال للراغبين بدخول مناطق سيطرة المعارضة ومن ثم إلى تركيا. وهناك يتم التنسيق مع مهربين آخرين لنقلهم نحو وجهتهم التالية.”

كشف “الخالدي” أيضاً، أن الكثير من هؤلاء الأشخاص الذين يحاولوا الهجرة، لا يصلون إلى وجهتهم دائماً، فقد أكّدت عدة حوادث وقعت مؤخراً، وجود نوع من التنسيق ما بين جهات أمنية وعسكرية تتبع للقوات الحكومية السورية، ومهربين، بحيث يتم احتجاز الأشخاص، بغية التفاوض مع ذويهم وطلب مبالغ مادية لقاء الإفراج عنهم. وعلى رأس تلك الجهات: هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة مرتبطة بالجيش الوطني السوري، الذي يتواجد في مناطق السيطرة التركية بشكل أساسي.

  1. أطراف نزاع متورطة في عمليات الاحتجاز والابتزاز:

  • أشخاص مرتبطين بالأجهزة الأمنية السورية:

بتاريخ 25 آب/أغسطس 2021، قامت قوات تابعة لجهاز الأمن العسكري السوري (شعبة المخابرات العسكرية) باعتقال 14 شخصاً، بينهم 4 نساء و4 أطفال، وذلك في بلدة مسكنة بريف حلب الشرقي، أثناء محاولتهم الهروب باتجاه المناطق الخاضعة للسيطرة التركية. وقد حدثت عملية الاعتقال تلك بعد قيام “المهرّب” بتسليم هؤلاء الأشخاص إلى الأجهزة الأمنية السورية.

يسرى محمد/25 عاماً، متزوجة ولديها طفلين، كانت ضمن الحافلة التي تم اعتقال الأشخاص منها، قالت للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهادتها ما يلي:

“أخبرني زوجي الذي يقيم في ألمانيا منذ ثلاث سنوات، بأن إجراءات (لم الشمل) قد تطول أكثر من المدّة المتوقعة، ومن المستبعد تسهيل عملية وصولنا إلى القارة الأوروبية في وقت قريب. لهذا، اتفقنا أنا وصديقتي التي لجأ زوجها أيضاً إلى ألمانيا، بالتواصل مع أحد المهربين لنقلنا باتجاه الشمال السوري حيث تسيطر المعارضة السورية، وكانت الخطة تقضي لاحقاً بالسفر إلى تركيا فاليونان فألمانيا.”

تكفل زوج “يسرى” بعملية التنسيق والتواصل مع المهربين، واتصل بها يوم 24 آب/أغسطس 2021، وأخبرها أنّ هنالك شخصاً سوف يقوم بنقلهم للشمال السوري في اليوم التالي، وأكملت حديثها بالقول:

“تم نقلنا بواسطة (سيرفيس) من دمشق الى حلب، وهناك في منطقة لا أعرفها توقف السرفيس وقام شخص آخر ينتظرنا هناك بنقلنا بسيارة نوع كيا إلى بلدة مسكنة (شرقي مدينة حلب)، حيث وصلنا هناك قرابة الساعة العاشرة مساءاً، فنقلنا المهرب الى منزل منفرد في البلدة وكان عبارة عن غرفتين ومطبخ. تمّ وضع النساء والأطفال في غرفة وباقي الشبان في غرفة أخرى.”

وأضافت الشاهدة في حديثها عن الكمين الذي نُصب لهم والخَديعة التي تعرضوا لها من قبل “المهرب”، ما يلي:

“قال لنا المهرب أنه سيغيب مدة نصف ساعة ويعود لإحضار الطعام، لكن، وبعد مرور حوالي ربع ساعة فقط، داهمت عناصر أمنية مكان تواجدنا، ثم قاموا بنقلنا لمقر أمني في بلدة مسكنة وعرفنا لاحقاً أنّه مقر تابع للاستخبارات العسكرية، وهناك طلب منا أحد العناصر الاتصال بذوينا وإبلاغهم عن مكان تواجدنا وكانت معاملتهم جيدة ولم يسيئوا لأحد؛ بتنا تلك الليلة في المفرزة، وبعد يومين قاموا باستدعائنا، وأخبرونا أنهم سيقومون بنقلنا الى الفرع 220 في سعسع في ريف دمشق وأننا لا ينبغي أن نخاف.”

تمّ نقل “يسرى” والمجموعة المرافقة لها في “سرفيس مدني” إلى فرع “سعسع” بريف دمشق، والذي يُعرف باسم الفرع (220)، ثم توسط أحد وجهاء المنطقة من أجل إطلاق سراح المجموعة، نقلت “يسرى” في شهاداتها لسوريون قائلة:

“بعد يومين من احتجازنا في فرع سعسع، وفي صباح اليوم الثالث تم إطلاق سراحنا وقد استقبلنا أحد وجهاء المنطقة المعروفين. ولم أكن أعرفه لكن الشباب اللذين كانوا معنا قالوا إنه أحد أعضاء وفد المصالحة في القنيطرة. وحين وصلت إلى المنزل اتصلت بزوجي وأعلمته أني والأولاد بخير، فأخبرني أن حصل على معلومات تفيد بأن المهرب كان على اتفاق مع عناصر الأمن وفرع سعسع. ويبدو أنّهم تقاسموا المبالغ التي دفعناها من أجل الخروج من سوريا فيما بينهم (المهرب والأجهزة الأمنية السورية).”

  • جهات حليفة للقوات الحكومية السورية:

إضافة إلى محاولات معظم الأشخاص التوجه نحول الشمال السوري والأراضي التركية، فقد تمّ توثيق عمليات احتجاز وطلب فدية لأشخاص حاولوا الخروج من الأراضي السورية باتجاه الأراضي اللبنانية أيضاً.

محمد خالد/44 عاماً، من أبناء سكان مدينة نوى (ريف درعا الغربي)، هو أحد الأشخاص الذي قاموا بإرسال ابنه الشاب الذي يبلغ من العمر 18 عاماً، باتجاه الأراضي اللبنانية، بغية العمل والحصول على لقمة عيشه. سرد لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قصة ابنه قائلاً:

“حصلت على رقم أحد المهربين من شبان كان قد تمّ نقلهم إلى الأراضي اللبنانية من قبل ذلك الشخص، ولم أكن أعرفه مسبقاً. قمت بالتنسيق معه من أجل إخراج ابني إلى لبنان. حيث وعدني المهرّب بأنّ ابني سوف يكون آمناً ولن يتم توقيفه من قبل أي حواجز عسكرية.”

اتفق “محمد” مع المهرب على دفع مبلغ وقدرع 6000 $ لقاء تهريب ابنه إلى بيروت، وكان الاتفاق أن يستلم المهرب المبلغ حين يصل ابنه إلى وجهته، لكن وفي عصر يوم 6 آب/أغسطس 2021، وهو اليوم الذي خرج ابنه من منزله، انقطع الاتصال بين الأب وابنه، وبين الأب والمهرب أيضاً.

في اليوم التالي استلم “محمد” مقطعاً صوتياً عبر “تطبيق واتس آب”، من هاتف ابنه، ولكنّ من شخص آخر، ادعى أنّ ابنه محتجز لديهم، وسيقومون بإطلاق سراحه مقابل مبلغ 15 ألف دولار أميركي. أضاف الأب في هذا الصدد قائلاً:

“أنا لا أستطيع تأمين هذا المبلغ، حتى لو بعت كل ما أملك.. استحلفتهم بالله أن يطلقوا سراحه لكنهم أصرّوا على طلب الفديه .. هنا تركتهم وراح أخي يفاوضهم، وبعد أسبوعين تم الاتفاق على مبلغ 3000 دولار، قمت ببيع بعض أغراض منزلي واستدنت الباقي. وحين سألتهم عن الطريقة التي سأوصل بها المبلغ أخبروني أن تسليم المال سيكون في محافظة حمص، وحين وصلت الى حمص أبلغتهم بمكاني، فأخبروني أن أبقى مكاني وسياتي شخص لاستلام المبلغ، وبالفعل بعد نصف ساعة قدمت سيارة سوداء، ثم فتحت النافذة وتكلّم الشخص الذي حصل على النقود بلهجة لبنانية..”

يعتقد “محمد” أنّ الأشخاص الذين قاموا بعملية التهريب، ومن ثم الاحتجاز لاحقاً وطلب الفدية، هم مجموعة واحدة مختصة في تهريب والاتجار بالبشر، وقال بأنّهم ينتمون لحزب الله اللبناني الذي يتواجد عناصره بكثافة في سوريا.

  • جهات مرتبطة بفصائل معارضة مسلّحة:

تتخذ بعض الفصائل المسلحة المرتبطة بتركيا في شمال سوريا من الخطف وتهريب البشر وسيلة للتربح والتمويل، حيث تصل المبالغ التي يطالبون بها أحياناً إلى  15 ألف دولار عن الرهينة الواحدة.

الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، روى، نقلاً عن شهود وضحايا حاولوا الوصول إلى تركيا عبر مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري، قيام عناصر من “الوطني” باحتجاز مجموعة قادمة من درعا بتاريخ 18 آب/أغسطس 2021، بعد وصولهم إلى منطقة رأس العين/سري كانيه، ومحاولتهم الدخول إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية.

أحد الأشخاص المتواجدين ضمن المجموعة التي كان يبلغ عددها ثمانية أشخاص، وهو من أهالي محافظة درعا (حسن / 35 عاماً) قال في شهادته ما يلي:

“سارت الأمور بشكل جيد حين قدمنا من درعا .. إلى أن دخلنا مدينة رأس العين، هناك قام أحد الحواجز العسكرية التابعة للجيش الوطني بتوقيفنا، ثم سألنا حول من نكون وإلى أين وجهتنا. فأجاب صديقي “سعيد” أننا قدمنا اليوم من درعا ونرغب في دخول الأراضي التركية… على الفور تم اعتقالنا.. اعتقد “سعيد” أنهم حين يعلمون أننا من درعا وهربنا من مناطق سيطرة النظام سيرحبون بنا وسيسمحون بعبورنا بسهولة.”

وأكمل “حسن” حول مشاهداته قائلاً:

تم اقتيادنا إلى أحد المقرات العسكرية وسط المدينة، هناك قاموا بضربنا وحجزنا في غرفة صغيرة. أمضينا ليلة كاملة ولم يحقق معنا أحد، في اليوم التالي تم استدعاؤنا وسألونا عدة أسئلة: هل نحن منشقون عن الجيش السوري؟ وهل والينا النظام؟ وهل أجرينا اتفاق تسوية؟ ولماذا نريد العبور إلى تركيا؟ الجيد في الأمر؛ أن لا عسكريين معنا، جميعنا كنا مدنيين. طلبوا منا أرقام هواتف لذوينا، ثم عادوا واقتادونا إلى مركز الاحتجاز، مكثنا هناك 21 يوماً دون أي تحقيق.

في اليوم الثاني والعشرين قام أحد العناصر باستدعائي أنا وسعيد وأربعة آخرين فقط، في حين بقي شابان من درعا من بلدة تل شهاب ولم يتم استدعائهم. طلبوا منا الحديث مع ذوينا، تحدث معي والدي وأخبرته: أني بخير. لكنه قال لي: أنه سيرسل المبلغ الذي طلبوه اليوم وسيتم إطلاق سراحي. ثم أقفل الهاتف وقاموا باعادتنا للحجز، هناك قال جميع الشبان اللذين معي في السجن أنهم اتصلوا بذوينا وطلبوا فدية 1000 دولار أميركي على كل شخص لقاء الإفراج عنا. في حين الشابان الآخران لم يكن لذويهم قدرة على دفع المال. وحين تم إطلاق سراحنا تركتهم خلفي ولا أعلم ما حل بهم.”

  • هيئة تحرير الشام:

استطاع الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، توثيق شهادة شقيق أحد الأشخاص المنشقين عن الجيش النظامي السوري، والذي حاول الوصول إلى الأراضي التركية مروراً بمناطق سيطرة حكومة الإنقاذ التي تتبع لهيئة تحرير الشام.

مديَن (32 عاماً) أحد الأشخاص المنشقين عام 2012، وهو من سكان مدينة جاسم غرب محافظة درعا، انتقل هو ورفيقه “أحمد” (29 عاماً) وهم من سكان درعا البلد،  وقاموا بالتوجه شمالاً للوصول الى تركيا، حين تم اعتقالهم على يد عناصر من هيئة تحرير الشام. قال شقيق “مدين” لسوريون حول تلك الحادثة ما يلي:

شقيقي مدين منشق عن الجيش النظامي السوري منذ العام 2012، ولم ينخرط في العمل مع أي من الفصائل المسلحة في الجنوب خلال سنوات سيطرة المعارضة. وحين جرى اتفاق التسوية عام 2018 أجرى اتفاق تسوية كغيره وتمت إعادته لقطعته العسكرية. وفي كانون الثاني/يناير 2020، قرر الانشقاق مرة أخرى. وحين دخلت قوات الحكومة المركزية مدينة درعا البلد في شهر تموز/يوليو 2021، قرر هو وصديقه أحمد التوجه للشمال السوري، وقد رفضوا الخروج في الحافلات التي جلبها الجيش الحكومي السوري لتهجير أبناء درعا البلد وذلك لأنهم يعلمون أن من يتم تهجيره بواسطة تلك الحافلات قد يدفع ذلك قوات النظام التضييق على ذويه بعد خروجه. لهذا اتخذا طريق التهريب، وبالفعل دخلوا مدينة إدلب بتاريخ 11 آب/أغسطس 2021، لكن ما إن دخلوا المدينة حتى تم القاء القبض عليهم من قبل هيئة تحرير الشام.”

وأضاف شقيق الضحية قائلاً:

“تمت محاكمة شقيقي وصديقه من قبل أحد القضاة الشرعيين هناك، وصدر الحكم بحق مدين بالسجن 5 سنوات بتهمة قمع متظاهرين سلميين أثناء أداءه الخدمة العسكرية. كان الحكم جائراً وبدون أي دليل إنما قام على أساس التكهن والتخمين. كان الحكم في البداية 11 سنة لكن تم تخفيفه بعد أن قمنا بالاتصال بعدة وجهاء في المنطقة هناك وبأصدقاء لنا. أما صديقه أحمد فقد أطلق سراحه بعد دفع أهله مبلغ 12 مليون ليرة سورية”.

  1. رأي قانوني:

إن الإشكالية المتعلقة بتهريب والاتجار بالبشر ليست حول الهجرة بحد ذاتها لأنها تعد شكلاً من أشكال الوصول الى حق التنقل والسكن والتي صانته المواثيق والأعراف الدولية. حيث أن المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان نصت على: حرية الأفراد في التنقل واختيار محل الإقامة داخل حدود كل دولة (..) كما ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها.” وأيضاً أكّد الإعلان على أنّ: لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، وفي العودة الى بلده. ولكنّ المشكلة تكمن في اتباع وسائلٍ وطرقٍ وألياتٍ غير قانونية ومحفوفة بالمخاطر، تقوم بها مجموعة من الأفراد الذي يشكلون فيما بينهم شبكات وعصابات منظمة، تمتلك من الخبرة بنقل وتهريب المهاجرين بالسر، فتعرض حياة المُهرَبيين للمخاطر وكل هذا قد يترافق بتنفيذ نشاطات في فترة النزاعات المسلحة كالاستغلال الجنسي والرشوة لتمتد الى الاتجار بالأعضاء البشرية.

علاوة على ذلك؛ فقد أكد القرار 2331 لعام 2016، أنّ على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى النظر في التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولها المتعلق بالاتجار بالأشخاص وإلى اتخاذ إجراءات حاسمة وفورية لمنع وتجريم والتحقيق في جرائم الاتجار بالبشر أثناء النزاعات المسلحة وملاحقة المتورطين فيها.

  • القوانين المحلية السورية لمكافحة الاتجار بالبشر:

انضمت سورية كغيرها من الدول إلى البروتوكول التابع لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية لسنة 2000. ولكن إذا بحثنا في التشريع السوري المحلي، فإننا لا نجد نصاً يجرم هذه الجريمة في قانون العقوبات بشكل محدد قبل صدور القانون الخاص بمنع تهريب الأشخاص عام2021، بالرغم من ذلك؛ فإن قانون العقوبات جرم بعض الأفعال الداخلة في تكوين هذه الجريمة، كفعل إعداد وثيقة سفر أو هوية مزورة أو حيازة الوثيقة المزورة.

ونظرا لاستفحال هذه الظاهرة فقد أقر مجلس الشعب السوري القانون رقم /14/ لعام 2021، الخاص بمنع تهريب الأشخاص وحماية المهاجرين ويأتي هذا قانون في نصوصه متوائمًا مع البروتوكول الدولي لـ”منع الإتجار بالأشخاص” في مادته الـ11 بحيث يتناول مجموعة من العقوبات و الإجراءات التي تحد أو تمنع من تنامي هذه الظاهرة فقد نصت المادة الثانية منه:

  • يعاقب بالسجن من خمس سنوات حتّى خمس عشرة سنة وبغرامة قدرها ستة ملايين ليرة سورية كل من أنشأ أو نظّم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب الأشخاص، أو تولى دوراً فيها.
  • يعاقب بالسجن من خمس سنوات حتّى عشر سنوات وبغرامة قدرها خمسة ملايين ليرة سورية كل من ارتكب جريمة تهريب الأشخاص.

كما وتشدد العقوبات إذا ارتكبت الجريمة من الموظف العام الذي استغل وظيفته استخدم الجاني الأطفال في ارتكاب الجريمة.

في الواقع العملي؛ رغم صدور القانون رقم 14 عام 2021 بهدف ردع مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر ومعاقبتهم أياً كانت صفتهم، مازالت عمليات تهريب الأشخاص أو المساهمة بها نشطة ومستمرة في مناطق النزاع المختلفة؛  مما يعكس الفجوة الحاصلة بين الانتهاكات المرتكبة على أرض الواقع من جهة وتطبيق القوانين والإجراءات المحلية من جهة أخرى، بالإضافة الى عدم توافر الجدية في مكافحة التهريب من قبل الحكومة المركزية السورية و سلطات الأمر الواقع في مناطق النفوذ المختلفة.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد