الرئيسية صحافة حقوق الإنسان سوريا: دور خطاب الكراهية في المجازر التي شهدها الساحل في آذار/مارس 2025

سوريا: دور خطاب الكراهية في المجازر التي شهدها الساحل في آذار/مارس 2025

توصي "سوريون" السلطات السورية الانتقالية بالإسراع في سنّ تشريعات واضحة تُجرّم خطاب الكراهية والتحريض الطائفي وباعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمكافحته بما يعزز العدالة والمساءلة لجميع الانتهاكات ويُرسّخ أسس السلم الأهلي المستدام

بواسطة bassamalahmed
100 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

1. تمهيد: أحداث العنف التي شهدها الساحل السوري في آذار/مارس 2025:

في السادس من آذار/مارس 2025، انطلقت الشرارة الأولى لما عُرف بـ “أحداث الساحل السوري”. فإثر مقتل أكثر من خمسة عشر عنصراً أمنياً في كمائن مُنسقة استهدفتهم في جبلة ومناطق ساحلية أخرى، أطلقت السلطة السورية حملة أمنية واسعة النطاق استهدفت من وصفتهم بـ “فلول النظام” في محافظات حمص واللاذقية وطرطوس. تزامنت هذه التطورات المتسارعة مع انتشار واسع النطاق للأخبار المضللة وغير الموثوقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. وأدى كل هذا إلى احتقان طائفي حادّ، خاصة في بعض المناطق التي يسكنها أبناء الطائفة السنية؛ حيث نُظِرَ إلى الأحداث على أنها “محاولة انقلابية” يقودها أنصار للرئيس المخلوع بشار الأسد (الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية).

شهدت العديد من المدن مسيرات تأييد للعملية العسكرية التي أطلقتها السلطة السورية في مناطق الساحل معقل الطائفة العلوية في سوريا، كما انتشرت الدعوة إلى “نفير عام” عبر مآذن المساجد، وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي انتشاراً واسع النطاق لخطاب الكراهية والتحريض على العنف ودعوات إلى “إبادة العلويين”.[1]

في خضم هذه الأجواء المشحونة بالتوترات الأمنية والسياسية، لعب الانتشار الواسع للمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة دوراً محورياً في تأجيج العنف الجماعي والعشوائي الذي شهدته مناطق الساحل السوري خلال شهر آذار/مارس 2025. فمن خلال تضخيم الأحداث وتقديم روايات مُبسَّطة أو مُحرِّضة، ساهمت هذه المعلومات في ترسيخ الانقسام الطائفي وتأجيج مشاعر الكراهية والانتقام لدى فئات مختلفة من السكان. وقد تزامن ذلك مع انتشار خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنابر الدينية، الذي عمل على شيطنة “الطرف الآخر” وتبرير أعمال العنف ضده، مما أدى في نهاية المطاف إلى تفاقم الأوضاع وخروجها عن السيطرة.

يأتي هذا التقرير في ظل تصاعد غير مسبوق لخطاب الكراهية في سوريا، لا سيما بعد أحداث العنف التي شهدها الساحل السوري، ويهدف إلى تحليل دور خطاب الكراهية في تأجيج هذا العنف، واستعراض السياق القانوني والحقوقي المتعلق به، وتسليط الضوء على الثغرات القانونية القائمة، وصولًا إلى تقديم توصيات عملية للحدّ من خطاب التحريض وتعزيز السلم الأهلي في المرحلة الانتقالية.

2. جدلية الظلم في التاريخ السوري:

شهدت سوريا منذ عام 2011 نزاعاً مسلحاً اتخذ أبعاداً أهلية في كثير من الأحيان. استند هذا النزاع إلى مظلوميات مختلفة ومتنوعة بتنوع أطراف النزاع. إذ برزت المظلومية السنية مقابل المظلومية التاريخية للشيعة أو العلوية أو الدروز، إضافة إلى المظلومية الكردية، ومظلومية الريف مقابل المدينة وغيرها. وجدير بالذكر أن لمعظم هذه المظلوميات أسس واقعية متجذرة في الظلم الذي تعرضت له جميع مكونات المجتمع السوري وشرائحه خلال عقود الاستبداد الستة الماضية، علاوةً على أن لبعضها جذور تعود إلى تواريخ وحقب تاريخية أقدم من ذلك.

إذن شهد المجتمع السوري طوال السنوات الأربع عشرة الماضية نزاعاً مركباً اتخذ في العديد من منعطفاته شكل النزاع الأهلي، وخلَّف الكثير من الآثار السلبية والشقاقات بين مكونات المجتمع المختلفة، وفاقم الشعور بالظلم، ووصل في أحيان كثيرة حدَّ الشعور بالتهديد الوجودي، عند معظم مكونات المجتمع السوري. ومعلومٌ أن النزاعات الأهلية تشكل تربة خصبة لانتشار خطاب الكراهية والتحريض على العنف على أساس طائفي أو عرقي. ويزداد الأمر سوءاً حين تستثمر أطراف النزاع في هذا الخطاب، وعندما تتبناه في خطابها الرسمي والإعلامي مستندةً على مظلومية الجماعة التي تمثلها، خصوصاً في ظل انتشار السلاح العشوائي في مختلف أنحاء البلاد.

3. خطاب الكراهية في العهود والوثائق الدولية:

يُعرّف خطاب الكراهية، وفقاً للأمم المتحدة، بأنه أي تواصل شفهي، كتابي، أو سلوكي يهاجم أو يميز ضدّ فرد أو مجموعة بناءً على هويتهم (مثل الدين، العرق، الجنس).  وتحظر التشريعات الدولية الخطاب المحرض على الكراهية والتمييز والعنف، كالمادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمادة 4 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

ونظرًا للتداخل المفاهيمي في بعض السياقات بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، تبرز الحاجة إلى رسم حدود دقيقة بينهما، إذ لا يجوز أن تُقيّد هذه الحرية إلا ضمن الضوابط التي يجيزها القانون الدولي لحقوق الإنسان، تمامًا كما يجب ألا تُستخدم حرية التعبير ذريعة لحماية خطاب يحرض على الكراهية أو العنف. ولضمان عدم التعارض بين مكافحة خطاب الكراهية وحرية التعبير، قدمت منظمة “المادة 19” مبادئ كامدن في عام 2009، والتي تحدد “الكراهية” و”العداء” كمشاعر ازدراء وبغضاء تجاه مجموعة، و”الدعوة إلى العنف” كنية لنشر العداوة علناً، و”التحريض” كتصريحات تنطوي على خطر وشيك للتمييز أو العنف ضد مجموعة معينة. وبالمثل، تقترح خطة عمل الرباط ستة معايير صارمة لتمييز وتحديد التحريض على الكراهية، وهي:

  1. السياق: تلعب الظروف الاجتماعية والسياسية التي يُقال فيها الكلام دورًا حاسمًا في تحديد ما إذا كان يشكل تحريضًا على الكراهية.
  2. حالة المتحدث: مكانة المتحدث أو سلطته في المجتمع يمكن أن تزيد من تأثير خطابه وقدرته على التحريض.
  3. النية: يجب تقييم ما إذا كان المتحدث يقصد بالفعل التحريض على الكراهية أو العنف ضد مجموعة معينة.
  4. المحتوى: تحليل مضمون الكلام نفسه، بما في ذلك اللغة المستخدمة والصور أو الرموز، لتحديد ما إذا كان يحرض على الكراهية.
  5. مدى الانتشار: عدد الأشخاص الذين تعرضوا للخطاب وكيف تم نشره يؤثر على احتمالية حدوث ضرر.
  6. أرجحية الضرر الوشيك: يجب تقييم إن كان هناك احتمال معقول بأن ينجح الخطاب في التحريض على اتخاذ إجراء فعلي ضد المجموعة المستهدفة.

وسيتضح فيما يلي من هذا التقرير، وعند استعراض نماذج من الخطاب الذي انتشر بين السوريين تزامناً مع أحداث الساحل، مدى توفر هذه المعايير الستة فيه، بما لا يدع مجالاً للبس في مسألة كونه خطاب كراهية وحض على العنف ينبغي مكافحته، لا حرية رأي وتعبير يتوجب الدفاع عنها.

4. خطاب الكراهية في القانون السوري:

يشكّل الإعلان الدستوري، الصادر في آذار/مارس 2025، الوثيقة القانونية الأساس في سوريا بعد سقوط نظام الأسد وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير. وفيما يتصل بموضوع بحثنا؛ فرغم تأكيد الإعلان على مبادئ الوحدة الوطنية والتعايش السلمي، إلى إنه افتقر إلى نصّ صريح يجرم خطاب الكراهية. فالمادة السابعة منه تحظر أشكال الفتنة والانقسام وإثارة النعرات، إذ نصَّت على ما يلي: “تلتزمُ الدولةُ بتحقيق التعايش والاستقرار المجتمعي وتحفظ السِّلمَ الأهلي وتمنعُ أشكالَ الفتنة والانقسام وإثارة النعرات والتحريض على العنف”. لكن هذا لا يرقى إلى مستوى التجريم المحدد لجميع أشكال التحريض على الكراهية والحض على العنف أو التمييز على أساس طائفي أو عرقي. لذا ترى “سوريون” هذا النص (المادة 7 من الإعلان الدستوري) قاصراً عن التعامل مع مشكلة خطاب الكراهية في سوريا لسببين أساسيين:

  1. تركز المادة 7 على منع الأعمال التمييزية من قبل الدولة، ولا تتناول بشكل مباشر خطاب الكراهية الصادر عن الأفراد أو الكيانات غير الحكومية. لذلك، فإن الاعتماد فقط عليها في مكافحة خطاب الكراهية لن يكون كافياً على الأرجح. فالنصّ بعدم التمييز يهدف عادةً إلى ضمان المساواة في المعاملة بموجب القانون، بينما يصدر خطاب الكراهية في كثير من الأحيان عن جهات غير حكومية، وبالتالي لا توفر المادة 7 علاجاً قانونياً مباشراً وفعالاً في هذه الحالات.
  2. من ناحية أخرى، وعلى الرغم من أن المادة 7 من الإعلان الدستوري، التي تُلزم بمنع التحريض على العنف، قد تُوفّر أساساً قانونياً للتعامل مع أحد أشكال خطاب الكراهية، فإن المعايير الدولية، وفي مقدمتها خطة عمل الرباط، تؤكد أن خطاب الكراهية قد يُلحق أضراراً جسيمة حتى عندما لا يتضمن تحريضًا مباشرًا على العنف. ولذلك، فإن الاعتماد على المادة 7 وحدها، من شأنه أن يُبقي العديد من التعبيرات المؤذية خارج إطار التنظيم القانوني. فبينما يُعد التحريض على العنف من أخطر أشكال الخطاب ويستوجب الحظر، يمتد خطاب الكراهية إلى تعبيرات تُجرِّد فئات معينة من إنسانيتها، أو تُكرّس صوراً نمطية ومواقف تمييزية ضدها، حتى في غياب دعوة واضحة إلى ممارسة العنف.
لقراءة التقرير كاملاً بصيغة PDF إضغط/ي هنا.

 


 

[1] تقرير “سوريا: مخاوف حقيقية حول قدرة لجنة التحقيق في أحداث الساحل على القيام بتحقيقات مستقلّة وفعّالة“. سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 7 نيسان/إبريل 2025.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد