الرئيسية تحقيقات مواضيعية تحقيق حول عمليات التسريح الجماعي في سوريا عقب سقوط نظام الأسد

تحقيق حول عمليات التسريح الجماعي في سوريا عقب سقوط نظام الأسد

توصي "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بضرورة مراجعة جميع القرارات التي قضت بمنح إجازات إجبارية للموظفين/ات أو فصلهم تعسفياً والتراجع عنها بما يضمن إعادة جميع العاملين/ات المتضررين إلى وظائفهم دون تأخير احتراماً للحقوق الوظيفية المكفولة وعدم التمييز في الخدمة العامة

بواسطة bassamalahmed
105 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

1. الملخص التنفيذي:

يغطي هذا التحقيق الموسع حملات التسريح الجماعية التي طالت موظفي وموظفات القطاع الحكومي السوري، والتي شهدتها البلاد عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024. ويرصد التحقيق اتخاذ حكومة تسيير الأعمال إجراءات تعسفية وموجزة وارتجالية، أدّت إلى فصل الآلاف من الموظفين/ات وإنهاء خدماتهم، كدفعات أولية في إطار ما أعلنت عنه الإدارة العسكرية المؤقتة تحت مسمى “إعادة هيكلة الاقتصاد ومكافحة البطالة المقنعة، والتي من المفترض أن تشمل شطب أكثر من 300 ألف موظف/ة، في واحدة من أكبر عمليات الفصل الجماعية في تاريخ سوريا الحديثة.

شملت حملات الفصل التعسفي مختلف أجهزة الدولة والقطاعات الحكومية الإنتاجية والخدمية، وامتدت إلى عدة مدن سورية. وقد نُفّذت هذه الإجراءات خلال فترة زمنية قصيرة ومضغوطة، على نحو يعكس طابعها العشوائي والجماعي، ويُشير إلى غياب أي عملية تدقيق حقيقية من قبل جهات أو لجان مستقلة. وأثار هذا النهج تساؤلات جدية حول المعايير المعتمدة في قرارات الفصل، ومدى التزام الإدارة الجديدة بالأصول القانونية والإجرائية المنصوص عليها في قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004 (المواد رقم 132 إلى 139).

تم تنفيذ عمليات التسريح عبر ثلاث آليات رئيسية. تمثّلت الأولى بعدم تجديد العقود السنوية للموظفين/ات، بينما جاءت الثانية بإنهاء الخدمة من خلال الفصل الفوري وفسخ العقود دون إنذار مسبق أو مبررات واضحة. أما الآلية الثالثة – وهي الأكثر إثارة للجدل – فقد تمثلت في إصدار قرارات تقضي بإجبار آلاف العاملين والعاملات على إجازات مدفوعة الأجر وفق سلم الرواتب القديم، تَبِع عدد كبير منها قرارات بإنهاء الخدمة بشكل نهائي وبأثر رجعي. وقد استهدفت هذه الإجراءات شريحة واسعة من الموظفين/ات، بمن فيهم المتعاقدون/ات بعقود سنوية والمثبّتون/ات بعقود دائمة، في قطاعات حيوية تشمل الطاقة، المياه، الاتصالات، الإدارة المحلية، ووزارات الزراعة والعدل والصحة.

تُعدّ هذه الحملات أكبر عملية تسريح جماعي تشهدها سوريا في تاريخها المعاصر، والتي تشبه عمليات اجتثاث حزب البعث التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين في العراق، نظراً لطابعها الجماعي والاستئصالي. وتُثير هذه الإجراءات مخاوف جدّية بشأن تداعياتها على كفاءة وفعالية المؤسسات الحكومية المعنية، فضلاً عن آثارها الاجتماعية والاقتصادية المباشرة على آلاف الأسر التي وجدت نفسها محرومة من مصدر دخلها الوحيد، دون وجود شبكات حماية اجتماعية أو بدائل تعويضية.

استند هذا التحقيق إلى 19 شهادة ميدانية من متضررين/ات وشهود عيان، بالإضافة إلى 13 وثيقة رسمية حصلت عليها “سوريون”، والتي كشفت في مجموعها عن افتقار قرارات التسريح وآليات تنفيذها للشفافية والمعايير القانونية والإدارية. كما أظهرت هذه المواد وجود استهداف غير متناسب لفئات بعينها، من بينها أفراد الطائفة العلوية بشكل خاص، وأعضاء حزب البعث، والاتحاد النسائي، والمنظمات الشعبية، إضافة إلى عائلات وذوي “قتلى” الجيش النظامي، والعسكريين السابقين الذين شاركوا في العمليات العسكرية خلال العقد الماضي.

استنادًا إلى هذه الشهادات والوثائق، خلُصت “سوريون” إلى أن حكومة تسيير الأعمال، وخلال أحد أول اجتماعاتها في 24 كانون الأول/ديسمبر 2024 –أي بعد أسبوعين فقط من تشكيلها في أعقاب سيطرة فصائل المعارضة على دمشق– اتخذت قراراً بتسريح آلاف الموظفين/ات في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية.[1] ورغم استناد غالبية هذه القرارات إلى قانون العاملين الأساسي في الدولة رقم 50 لعام 2004، تعذّر التأكد من مدى الالتزام بالإجراءات والشروط المنصوص عليها فيه، وخاصة المادة رقم 137 التي تخوّل رئيس مجلس الوزراء اتخاذ مثل هذه القرارات بناءً على اقتراح لجنة مختصة مؤلفة من وزير العدل ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل، ورئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، مع اشتراط القانون أن تستند قرارات التسريح إلى معايير واضحة ومحددة تضمن الشفافية والعدالة في التنفيذ.

وتشير الوثائق الرسمية التي حصلت عليها “سوريون”، إلى أن الوزارات والإدارات المعنية سارعت إلى إصدار قرارات تنفيذية تتضمن قوائم اسمية بالمسرّحين/ات، وذلك بعد أيام قليلة فقط من صدور القرار الحكومي، الأمر الذي يثير تساؤلات جدّية حول مدى توفر الوقت الكافي للتحضير والتحقّق من أسماء المتضررين/ات. وقد استهدفت هذه القرارات بشكل أساسي الموظفين/ات المعيّنين عبر مسابقات توظيف خاصة، بوصفهم مجموعة موحّدة ومجردة، دون أي مؤشرات على إجراء تقييمات فردية سابقة أو مراجعة جدّية للتأكد مما إذا كان جميع المسرّحين/ات يندرجون فعلاً ضمن ما وصفته الحكومة بـ”العمالة الشبح“.

يوثق هذا التحقيق عدداً من الحالات التي تمّ فيها دفع الموظفين/ات إلى التوقيع على “طلبات انفكاك” واستكمال إجراءات التسريح دون تزويدهم بأي مستند رسمي يُثبت نفاذ قرار فصلهم. كما لم يتلقَّ بعضهم تعويضاتهم القانونية المستحقة حتى تاريخ تقديم شهاداتهم لباحثي “سوريون”.

بينما نجحت بعض التحركات المطلبية والضغط الشعبي في تعليق عدد من قرارات التسريح العشوائي، كما حصل في مديرية الصحة بمحافظة درعا بحسب الشهادات، وفي حالتي مؤسستي الكهرباء والزراعة في محافظة السويداء وفقاً لناشطين محليين، وثقت “سوريون” تشكيل لجان خاصة لمراجعة الاعتراضات على قرارات التسريح، كما في حالة مؤسسة الكهرباء في دمشق. إلا أنه لم يتسنَّ التأكد من مراجعة هذه الاعتراضات أو من صدور أي ردود رسمية بشأنها، سواء بالقبول أو الرفض.

كما وثّقت الشهادات وجود ممارسات تنفيذية خارج إطار القانون، شملت تدخلات من جهات أمنية في عمليات صرف الرواتب، بما في ذلك إجراء تحرّيات عشوائية وتسجيل أسماء عدد من الموظفين/ات، لا سيما النساء، دون تقديم أي مبررات واضحة أو إخطار رسمي يبرر هذه الإجراءات.

في المحصلة، أدّت موجة التسريحات هذه إلى اندلاع حركات احتجاجية منذ مطلع كانون الثاني/يناير 2025، شملت قطاعات متعددة من بينها الصحة، والتربية، والإعلام، والصناعة، والتجارة، والمصارف، إضافة إلى قطاعات إنتاجية وخدمية وإدارية أخرى. وشارك في هذه التحركات عدد كبير من الموظفين/ات المتضررين/ات من قرارات الفصل والتوقيف عن العمل، في عدة مدن سورية، من بينها دمشق والسويداء وحماه وحلب واللاذقية وطرطوس. وأسهمت هذه الإجراءات في تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمسرّحين/ات وعائلاتهم.

توصي “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحكومة السورية الانتقالية، برئاسة أحمد الشرع، بإجراء تقييم فوري وشامل لهذه السياسات، وتشكيل لجان مستقلة لمراجعة قرارات الفصل والتأكد من قانونيتها. كما تدعو إلى توفير برامج دعم اقتصادي متكاملة، تشمل تعويضات عادلة وتأهيلًا مهنيًا للمتضررين/ات. وتؤكد المنظمة على ضرورة ضمان الشفافية في أي قرارات مستقبلية تتعلق بإعادة هيكلة القطاعات الوظيفية، ومنع توظيف هذه الإجراءات لأغراض سياسية أو أمنية أو انتقامية.

2. منهجية التحقيق:

لغرض هذا التحقيق، أجرت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بين شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير 2025، عملية جمع وتوثيق شاملة عبر شبكة باحثيها الميدانيين/ات، شملت 19 إفادة مفصّلة حول وقائع التسريح الجماعي. كما أجرت عمليات تحقق معمّقة عبر المصادر المفتوحة، وراجعت نسخًا من قرارات رسمية وقوائم اسمية لمتضررين/ات في قطاعات الكهرباء، والصحة، والعدل، والزراعة، والإدارة المحلية.

تضمنت المقابلات التي أجرتها “سوريون” موظفين وموظفات ممّن طالهم أو شهدوا تنفيذ قرارات الفصل في محافظات دمشق، درعا، حمص، واللاذقية. وقد قدموا إفادات مفصّلة حول ملابسات عمليات التسريح، وما رافقها من أحداث، وانعكاساتها على المستوى الشخصي والمهني. أُجريت المقابلات باللغة العربية، وكان من بينها عشر مقابلات ميدانية مباشرة، التقى خلالها الباحثون/ات بالشهود في أماكن آمنة للطرفين، فيما أُجريت المقابلات التسع المتبقية عن بُعد، مع الالتزام باستخدام تطبيقات تواصل آمنة تضمن خصوصية المشاركين/ات.

وثّق الباحثون/ات إفادات الأشخاص الذين قابلتهم “سوريون” بعد الحصول على موافقتهم المستنيرة، حيث تم اطلاع الشهود والمصادر على كيفية استخدام المعلومات التي شاركوها، بما في ذلك نشر هذا التقرير، إلى جانب شرح المخاطر المحتملة التي قد تواجههم. وبناءً عليه، فضّل معظم من جرت مقابلتهم إخفاء هوياتهم أو أي معلومات قد تكشف عنها، خشية التعرّض لأعمال انتقامية من قبل الإدارة العسكرية المؤقتة أو الجهات الداعمة لها.

إلى جانب الإفادات، راجعت “سوريون” عشرات الوثائق الرسمية، والمنشورات، ومقاطع الفيديو، والصور ذات الصلة، سواء من خلال المصادر المفتوحة أو مما شاركه الشهود والمصادر بشكل مباشر، وقد تم تضمين بعضها في هذا التقرير بعد التحقق من صحتها. كما اطّلعت “سوريون” على عدد من التقارير الإعلامية والحقوقية التي وثّقت هذه الحملات، واستندت في بعض المواضع إلى المعلومات الواردة فيها.

3.    خلفية وسياق:

لطالما شكّل القطاع العام ركيزة أساسية في سوق العمل السوري، إذ كان المشغّل الرئيسي لشريحة واسعة من القوى العاملة على مدى عقود. ووفقًا لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بلغت حصة القطاع العام نحو 59% من إجمالي سوق العمل في سوريا عام 2015.

ينظّم القانون رقم 50 لعام 2004، والذي يُعد النظام الأساسي للعاملين في الدولة، عملية التوظيف في القطاع الحكومي في سوريا، بما يشمل إجراءات التعيين، التثبيت، وإنهاء الخدمة. وينص الفصل الخامس من القانون، في مادته رقم 16، على تخصيص بعض التعيينات الاستثنائية لأعضاء حزب البعث (الحاكم سابقًا)، والاتحاد النسائي، وغيرها من “المنظمات الشعبية”. في المقابل، تحصر المادة 131 من القانون أسباب إنهاء الخدمة في تسع حالات فقط، هي: (1) إتمام الستين من العمر، (2) الاستقالة أو ما في حكمها، (3) التسريح لأسباب صحية، (4) ثبوت عدم صلاحية العامل المتمرن، (4) التسريح بسبب ضعف الأداء، (5) التسريح التأديبي، (6) الطرد، (7) الصرف من الخدمة أو الوفاة. في حين تبيّن المواد من 132 إلى 139 الإجراءات القانونية الملزمة الواجب اتباعها لإنهاء خدمة أي من موظفي الدولة.

شهد العقد الماضي تزايداً ملحوظاً في اعتماد المواطنين/ات على الوظائف الحكومية، باعتبارها مصدراً أكثر استقراراً لتأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش، وذلك في ظل الندرة الحادّة في فرص العمل المستدام في القطاع الخاص، والتحديات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.

أعقبت اندلاع الاحتجاجات المعارضة للنظام السابق في عام 2011، موجة تصاعدية من عمليات فصل الموظفين/ات من القطاع العام، تحت ذرائع تتعلق بالولاء السياسي أو التعاون مع المعارضة. ففي عام 2018، طالت قرارات الفصل عشرات الموظفين/ات في محافظات القنيطرة ودرعا والحسكة بسبب مواقفهم السياسية. كما شهد القطاع العام في عام 2017 حملات تسريح جماعي بهدف دعم صفوف الجيش النظامي بالمقاتلين. في المقابل، اتجه النظام السابق تدريجياً إلى فتح باب التوظيف الاستثنائي لفئات واسعة من ذوي “شهداء” الجيش النظامي والمسرّحين من الخدمة. ففي عام 2014، صدر القانون رقم 36، الذي نظّم آلية توظيف استثنائي في مؤسسات الدولة لصالح ذوي القتلى من عناصر الجيش، مخصصاً لهم 50% من الشواغر الحكومية. وفي عام 2017، صدر القرار رقم 7 الذي منح الزوجة غير الموظفة للجندي القتيل حق الحصول على وظيفة لها أو لأحد أبنائها، عبر عقد سنوي يُجدّد تلقائياً. وبحلول عام 2024، بلغ عدد هذه العقود نحو 2800. وفي السنوات الأخيرة، تم تنظيم مسابقات توظيف خاصة للمسرّحين من الجيش والقوات الأمنية، أدّت إلى تعيين قرابة 18 ألف شخص في وظائف حكومية حتى نهاية عام 2021.

عقب سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، أطلقت الإدارة العسكرية المؤقتة حملات تسريح جماعية استهدفت آلاف الموظفين والموظفات في القطاع الحكومي، في خطوة أعادت إنتاج سياسات العقاب الجماعي (الشبيهة لسياسات نظام الأسد)، وذلك من خلال استهداف فئات واسعة من المجتمع السوري على أساس افتراضات تتعلق بولائها أو دعمها للنظام السابق بقيادة بشار الأسد. وقد جاءت هذه الإجراءات ضمن سياق مشابه لما شهدته سوريا خلال العقد الماضي، وكذلك لما حدث في العراق عقب سقوط نظام صدام حسين، ضمن ما عُرف آنذاك بعمليات “اجتثاث البعث”.

ورغم ترويج حكومة تسيير الأعمال لهذه السياسات باعتبارها جزءً من جهودها لتقليص التوظيف غير الفعّال في القطاع العام، إلا أن سرعة تنفيذها، وغياب أي مؤشرات على اتباع خطوات موضوعية لتحديد الموظفين/ات غير الفعّالين/ات، إلى جانب الطابع الانتقائي الواضح الذي طبع قرارات الفصل، أثار انتقادات واسعة بشأن قانونية هذه الإجراءات وافتقارها إلى آليات تعويض عادلة. في مشهد يحاكي سياسات النظام السابق، ويُفاقم تعقيد المشهدَين الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.

 

لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF اضغط/ي على الرابط هنا.

 


 

[1] رغم تعذر الوصول الى محضر الاجتماع وقراراته الرسمية، فإن كافة الوثائق الرسمية الصادرة حول التسريح وإنهاء التعاقد التي حصلت عليها “سوريون”، أسندت قراراتها بشكل مباشر إلى مخرجات هذا الاجتماع مع تحديد بعضها المادة رقم 5 فيما يخص تسريح أعضاء الحزب والمنظمات الشعبية السابقة، والمواد 4 و6 فيما يخص فئات مُسرّحي الجيش وذوي الشهداء أو القتلى بحسب لغة القرارات.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد