الرئيسية تحقيقات مواضيعية شمال شرق سوريا: أكثر من 120 مفقود نتيجة “نبع السلام” دون مصير معلوم

شمال شرق سوريا: أكثر من 120 مفقود نتيجة “نبع السلام” دون مصير معلوم

تقرير مشترك بين رابطة "تآزر – Synergy" للضحايا و "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" يرصد الإهمال والتغيبب لقضية المفقودين خلال وعقب العملية العسكرية التركية، ومطالبة عائلاتهم بالكشف عن مصير أحبائهم

بواسطة communication
467 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية, التركية حجم الخط ع ع ع

:ملخص تنفيذي

على عكس الاسم الذي حملته العملية التركية المسمّاة “نبع السلام”، فلم يجلب التوغل التركي لشمال شرق سوريا بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، سوى المزيد من الويلات على سكان المنطقة الممتدة ما بين مدينة رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، والذين عانوا طوال سنوات قبل ذلك التاريخ من هجمات مشابهة بدأتها مجموعات مسلّحة  نهاية العام 2012، واستكملها تنظيم “الدولة الإسلامية” والمعروف باسم داعش في السنوات التالية لذلك التاريخ.

وثقت رابطة “تآزر – Synergy” للضحايا في شمال شرق سوريا ومنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة“، وبدعم من اللجنة الدولية لشؤون المفقودين، اختفاء ما لا يقل عن 120 شخصاً من سكان المنطقة الأصليين، على اختلاف انتماءاتهم الإثنية والدينية، أثناء وعقب الهجوم العسكري التركي. ممن لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى لحظة كتابة هذا التقرير في شهر آذار/مارس 2022.

لقد وقعت حالات الإختفاء تلك، بشكل أساسي في منطقتي تل أبيض ورأس العين/سري كانيه والقرى المحيطة بهما/ في الأيام التي تلت العملية العسكرية التركية المسمّاة “نبع السلام” مباشرةً. وبحسب الإحصائيات التي تمّ جمعها وتوثيقها لغرض هذا التقرير، فقد تبيّن أنّ غالبية المفقودين هم من الذكور البالغين، ومعظمهم من السكان المدنيين (ممن لم يشاركوا بأي عمليات عدائية بحسب شهادات عائلاتهم).

في المقابل، فقد أبلغت بعض العائلات عن مفقودين كانوا يعملون ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية المدنية، بالإضافة إلى مقاتلين ضمن صفوف وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ و/أو قوات سوريا الديمقراطية.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها المنظمتان الشريكتان، فإنّ عائلات غالبية المفقودين نتيجة تلك العملية العسكرية، تعتقد أن أحبائها ربّما كانوا متواجدين في سجون داخل الأراضي التركية، أو لدى فصائل الجيش الوطني السوري/المُعارض داخل سوريا. بينما اتهمت عائلة واحدة قوات سوريا الديمقراطية باعتقال واخفاء ابنها، خلال وعقب عملية “نبع السلام” في شمال شرق سوريا.

تعرّف اللجنة الدولية للصليب الأحمر المفقودين بأنّهم: “الأفراد الذين انقطعت أخبارهم عن أسرهم و/أو الذين جرى الإبلاغ عن فقدهم استنادًا إلى معلومات موثوق بها، نتيجة نزاع مسلح – دولي أو غير دولي – أو عنف داخلي أو اضطرابات داخلية أو أي سبب آخر.” بينما حاولت المواد (202 إلى 206) من قانون الأحوال الشخصية السوري، معالجة أحوال المفقود والغائب قائلة:

  • المفقود: هو كل شخص لا تعرف حياته أو مماته أو تكون حياته محققة ولكنه لا يعرف له مكان (المادة 202).
  • يعتبر كالمفقود الغائب: الذي منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى مقامه أو إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة وتعطلت بذلك مصالحه أو مصالح غيره (المادة 203).

في ظلّ الحماية القانونية المعدومة والإجراءات غير الواضحة إن وجدت، واجهت أسر المفقودين في شمال شرق سوريا، عقبات هائلة في الحصول على معلومات عن أحبائهم المفقودين. فقد لعب نزوح عائلات المفقودين من مكان سكنهم الأصلي، عاملاً مهماً من عوامل عدم قدرة الأهالي على معرفة مصير أبنائهم وبناتهم، بينما سعى العشرات الآخرين منهم دون جدوى للوصول إلى سجون الحكومة التركية بعد توارد معلومات عن نقل عشرات المحتجزين إلى سجن “حلوان” في ولاية أورفا التركية.

تُعدّ أسر المفقودين من أكثر الجهات الفاعلة أهمية في عملية البحث عن المفقودين وتحديد هويتهم. وبصفتها ضحية لجريمة اختفاء أبنائها، الذي يرقى أحياناً إلى جريمة الاختفاء القسري، لا بدّ من إيلاء الأولوية لحقوقها ومشاركتها في البحث عن المفقودين.

لم تُوفر الحماية الكافية لأسر المفقودين، كما لم يتم تمكين تلك العائلات للمشاركة في عمليات التوثيق المرتبطة بخسائر عملية “نبع لاسلام”، لتحديد مكان وجود المفقودين أو هويتهم، بل يبدو أنها بالأحرى مُستبعدة تماماً. بناءً على ذلك، اتسمت مشاركتها في عمليات التوثيق غالباً، بطابع خاص واتخذت شكل جهود فردية.

لا تزال ظروف فقدان معظم المختفين في شمال شرق سوريا غير معروفة بشكل دقيق؛ وذلك بسبب المخاوف الأمنية الملازمة لعمليات السؤال والبحث، وعدم وجود الوعي الكافي بأهمية عملية التوثيق، والتغيّرات المتكررات للجماعات السياسية والعسكرية التي تسيطر على المنطقة، والمواجهات العسكرية التي لم تنته فعلياً، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى فقدان أثر المئات، وربّما الآلاف في عموم مناطق شمال شرق سوريا، وخاصة تلك المناطق الخارجة عن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية والخاضعة للسيطرة التركية الآن، دون إهمال المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية والحكومة السورية.

وعلى الرغم من أن الجهات الفاعلة الرئيسية التي كانت مسيطرة على المنطقة، منها الحكومة السورية وتنظيم داعش هم المسؤولون عن آلاف حالات الاختفاء الرئيسية في شمال شرق سوريا. إلاّ أنّ المئات قتلوا، أو فُقدوا، نتيجة عملية “نبع السلام” التركية في شمال شرق سوريا، على يد فصائل المعارضة السوريّة المسلحة المدعومة من تركيا خلال عام 2019، والأعوام التالية، كما تمّ توثيق وقوف جهات أمنية تابعة للإدارة الذاتية وراء حالات أخرى منذ تأسيسها.

لقد تُركت معظم أسر المفقودين نتيجة عملية “نبع السلام” التركية لتتدبّر أمورها بنفسها، إذ أدّت هذه الأسر دور الجهات الفاعلة الرئيسية المسؤولة عن تحديد مكان وجود ذويها، وهو ما زاد من معاناتهم اليومية، خاصة في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية غير المستقرة، والإغلاقات التي صاحبت انتشار جائحة كورونا.

وفي ظل تغييب وإهمال قضية المفقودين نتيجة عملية “نبع السلام” التركية في شمال شرق سوريا، من الجهات الفاعلة. عملت الكثير من الأسر بلا كلل للحصول على معلومات عن ذويها المفقودين، ولكن من دون نجاح يُذكر.

وكانت منظمة “هيومن رايتس وتش”، قد أكّدت في تقرير صدر عنها بتاريخ 3 شباط/فبراير 2021، أنّ تركيا و”الجيش الوطني السوري” اعتقلا ونقلا بشكل غير شرعي 63 مواطناً سورياً على الأقلّ من شمال شرق سوريا إلى تركيا لمحاكمتهم على خلفية تهم خطيرة قد تزجهم في السجن المؤبد. وقد بيّنت الوثائق التي حصلت عليها “وتش” أنّ المحتجزين اعتُقلوا في سوريا ونُقلوا إلى تركيا، بما ينتهك التزامات تركيا بموجب “اتفاقية جنيف الرابعة” كسلطة احتلال في شمال شرق سوريا. وقال التقرير:

“تركيا هي سلطة احتلال لأجزاء من شمال شرق سوريا غزتها في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وتمارس سيطرة لفعلية في المنطقة من دون موافقة الحكومة السورية في دمشق. تنصّ المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على “حظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي والترحيل للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال… أيّا كانت دواعيه”. ينطبق الحظر بغضّ النظر عما إذا كان الأشخاص الخاضعون للنقل القسري أو الترحيل من المدنيين أو المحاربين.”

وأضافى التقرير بأنّ القوات التركية والجيش الوطني السوري ملزمة بالامتثال لقوانين حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك في معاملة المحتجزين بإنسانية والحرص على تأمين جميع حقوقهم. حيث أنّ القانون الدولي يحظر الاحتجاز التعسفي ويستوجب من السلطات تسجيل جميع الاعتقالات بطريقة صحيحة وتقديم معلومات عن وضع أي شخص محتجز ومكان وجوده لمَن يطلبها. ينبغي أن يُسمح للمحتجزين الاتصال بعائلاتهم.

:التوصيات

  • إلى جميع أطراف النزاع:
  1. ينبغي منح العائلات والمنظمات الدولية المحايدة ومنظمات حقوق الإنسان إمكانية الوصول إلى مرافق الاحتجاز بحثاً عن المفقودين. بالإضافة إلى ذلك، يجب على السلطات إنشاء قاعدة بيانات تحتوي على هويات المعتقلين والسجناء والتي يمكن للأسر الوصول إليها في إطار بحثها عن ذويها المفقودين.
  2. ينبغي على كافة أطراف النزاع، الدول منها، والأطراف الفاعلة من غير الدول، الإعلان عن أسماء كافة المعتقلين من المدنيين أو سجناء الحرب من باقي الأطراف في معتقلاتهم، والسماح لهم بالتواصل مع ذويهم، والإفراج عنهم إذا لم تكن هناك تهم موجهة ضدهم، أو عرضهم على محكمة عادلة، بدون أي تأخير.
  3. ينبغي الالتزام بمسؤولية جميع الأطراف في البحث عن القتلى من المدنيين أو الجنود/المقاتلين وتحديد هوياتهم وأماكن دفنهم، ومحاولة التواصل مع ذويهم أو مع المنظمات الدولية الفاعلة في هذا الشأن.
  4. ينبغي على جميع أطراف النزاع تسليم جثث ضحايا الحرب الموجودة لديهم، من المدنيين أو المقاتلين إلى عائلاتهم أو ذويهم، وفتح تحقيق حول الانتهاكات التي تعرّضوا لها، في حال وجود اشتباه بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
  5. الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى الإخفاء القسري، كالاعتقال التعسفي والاحتجاز خارج القانون، وملاحقة ومحاسبة أي جهة كانت أو أفراد متورطين في هكذا أعمال.
  6. الامتناع عن نقل الأسرى والمحتجزين خارج الحدود، أو إلى أماكن احتجاز غير رسمية.
  7. اعادة كافة المعتقلين أو المحتجزين الذين تم نقلهم خارج المناطق المحتلة، واطلاق سراحهم أو عرضهم على محكمة عادلة، في حال اُعتقد بتورطهم بارتكاب انتهاكات.
  • توصيات بشأن التوثيق وتبادل البيانات:
  1. يجب العمل إنشاء قاعدة بيانات مركزية، آمنة ووطنية، للأشخاص المفقودين، مخصّصة للعثور عليهم. حيث يُعدّ جمع البيانات ومعالجتها وحمايتها في نظام بيانات مركزي وآمن ضرورياً للعثور على الأشخاص المفقودين. تتنوع مصادر البيانات بدءاً من أسر المفقودين، إلى منظمات المجتمع المدني، إلى المنظمات الدولية، وصولاً إلى المسؤولين عن التحقيقات، بما في ذلك السلطات الحكومية.
  2. يمكن للمنظمات الدولية أن تقدم الدعم بصفتها قنوات محايدة لجمع ومعالجة وحماية البيانات من مجموعة متنوّعة من المصادر والمواقع، ومن خلال تبادل البيانات بإذن كتابي من أسر المفقودين وغيرها للغرض المحدّد المتمثّل في العثور على شخص مفقود وضمان حقوق الناجين، بما في ذلك الحق في العدالة. يُعتبر الدعم الدولي ضروري بشكل خاص في أعقاب النزاع وانتهاكات حقوق الإنسان والكوارث والجريمة المنظمة وفي سياق الهجرة غير النظامية.
  3. يجب دعم التوثيق المفصّل للأشخاص المفقودين، بالاعتماد خصوصاً على أسر المفقودين والمجتمعات في شمال شرق سوريا والمنطقة للحصول على المعلومات. كما يجب زيادة الجلسات التوعوية حول أهمية توثيق المفقودين، بمن فيهم النساء المفقودات. بالإضافة إلى ذلك، يجب دعم المجتمعات المحلّية، بما في ذلك أسر المفقودين، مالياً وتقنياً لتوثيق المفقودين بطريقة أكثر شمولية ومنهجية مما كان عليه الحال حتى الآن، والبناء على جهود سابقة في هذا المجال.
  • إلى المنظمات الدولية والمانحين:
  1. توفير الدعم المالي والقانوني وفي مجال المناصرو والتوثيق وغيره من أشكال الدعم التقني لأسر المفقودين: ينبغي تقديم دعم متزايد لأسر المفقودين لتنظيم نفسها بطرق مجدية، ذلك من خلال تدريب الأسر على عملية تحديد مكان وجود المفقودين وهويتهم، وينبغي الاعتماد عليها كشريك أساسي في العملية المتعلقة بالمفقودين لتوثيق الأشخاص المفقودين وتوفير الدعم في أي من آليات المساءلة الحالية والمستقبلية.
  2. توفير الدعم النفسي الاجتماعي لأسر المفقودين في شمال شرق سوريا، نظراً إلى أن معظم الأسر تُركت لتتدبّر أمورها بنفسها، أدّت هذه الأسر دور الجهات الفاعلة الرئيسية المسؤولة عن تحديد مكان وجود ذويها. وعاودت كثير منها اختبار اختفاء ذويها عشرات إن لم يكن مئات المرات أثناء محاولتها الحصول على معلومات حول مكان وجودهم.

:خلفية

بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، بدأ الجيش التركي عملية عسكرية داخل أراضي شمال شرق سوريا، أعلن فيها الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” توغل قوات بلاده مع مجموعات من المعارضة السوريّة المسلّحة/”الجيش الوطني السوري” تحت مسمّى عملية “نبع السلام”.

كان للهجوم التركي تداعيات خطيرة على السكان المدنيين، فقد أدى الغزو مباشرةً إلى نزوح أكثر من 180 ألف شخص من منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، خلال الأيام الأولى من العملية بحسب الأمم المتحدة، بمن فيهم عشرات آلاف النساء والأطفال، في موجات نزوح سريعة وغير منسقة.

وبتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وقعت تركيا اتفاقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية، قضى بتعليق العمليات العسكرية التركية في شمالي سوريا لمدة (120) ساعة، تلاه وقف عملية “نبع السلام” بعد استكمال قوات سوريا الديمقراطية انسحابها من المنطقة. مع تعهّد الحكومتين “بحماية الأقليات الدينية والقومية في المنطقة“.

أفضت عملية “نبع السلام” التي انتهت بتاريخ 22 تشرين الأول/أكتوبر 2019، إلى سيطرة تركيا والجماعات المسلّحة التي تدعمها “أنقرة” والتابعة لـ”الجيش الوطني السوري/المعارض” على شريط حدودي بطول 120 كم بين مدينتي رأس العين شمال غرب الحسكة، وتل أبيض شمال الرقة، وبعمق 32 كم.

رافقت وتلت عملية الغزو التركية مجموعة كبيرة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب التي تمّ توثيقها ونشرها تباعاً من قبل منظمات حقوقية سوريّة محلية، ومنظمات دولية ولجان تحقيق أممية. منها عمليات إعدام خارج نطاق القانون، ومنع العودة من قبل الجماعات المسلّحة المدعومة من تركيا.

:منهجية التقرير

تقدم رابطة “تآزر “للضحايا ومنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” هذا التقرير الموجز، كجزء من عمل مشترك لرصد الأهمال والتغييب لقضية المفقودين نتيجة عملية “نبع السلام”، وحملة مناصرة لتعزيز قدرات أسر المفقودين للمطالبة بأحبائهم، ذلك عقب جمع معلومات وشهادات من عائلات أشخاص فُقدوا خلال أو عقب العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا.

لغرض هذا التقرير، تواصل الباحثون الميدانيون لدى “تآزر” و”سوريون” مع عائلات (12) من المفقودين، من بينهم 8 مدنيين و 4 مقاتلين في صفوف قوات سوريا الديمقراطية. قبلت (5) عائلات بإدراج معلومات عن أبنائهم المفقودين. وقد تمّ إجراء اللقاءات خلال الفترة الممتدة بين منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وكانون الأول/ديسمبر 2021. حيث تم إجراء بعض المقابلات عبر الانترنت، وبعضها بشكل شخصي، وتمّ إدراج جزء من الشهادات التي تمّ الحصول عليها، مع مراعاة إخفاء بعض الأسماء والتفاصيل من أجل حماية المصادر وفقاً لرغبتهم.

اعتمدت المنظمتان أيضاً على المواد المتاحة للعموم، بما في ذلك التقارير والمقالات الإخبارية. ونظراً إلى وجود بعض التباين في المواد المُستمدة من المصادر المفتوحة، تمّ التحقّق من جميع المعلومات من المصادر المباشرة.

شهادات من عائلات بعض المفقودين:

في رأس العين/سري كانيه:
طلب مبلغاً كبيراً من المال لقاء الكشف عن مصير زوجها:

كان “وليد شيخو” (من مواليد عام 1979) يقيم مع عائلته في رأس العين/سري كانيه، لكنه فُقد نتيجة عملية “نبع السلام” التركية، في تشرين الأول/أكتوبر 2019. نزحت زوجتا “شيخو” وأطفاله من المدينة، مع بدء الهجوم العسكري التركي عليها، فيما بقى هو هناك من أجل الاعتناء بمنزله وطيوره، إذ كان يربّي سرباً من الحمام.

لكن أخباره انقطعت مع اشتداد حدة المعارك، منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2019، ولازال مفقوداً منذ ذلك الحين. وقالت “أمينة شيخو” زوجة “وليد”، إنها فقدت الاتصال به منذ يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وتابعت حديثها:

“حين اتصلت بوليد يومها، ردّ شخص غريب لا أعرفه، وقال إن اسمه تُركي. سألته عن زوجي، فقال إنه لا يعرفه، وأنه قد عثر على الهاتف المحمول الخاص بزوجي في الشارع. بعد ذلك عاود ذلك الشخص الاتصال بي، وطلب مبلغاً كبيراً من المال حتى يكشف عن مصير زوجي”.

لم تكن “أمينة” تملك المال ولم تخضع للابتزاز، وعوضاً عن ذلك، قامت بالبحث عن زوجها دون كلل، لكن دون جدوى. إذ سردت ذلك قائلة:

“بحثنا عنه في جميع مشافي الحسكة، لكننا لم نجده، وبحثنا في برادات الموتى، وبين صور الشهداء أيضاً، لكن دون جدوى، ولم نعرف عنه شيئاً حتى الآن”.

تعيش “أمينة” وضرتها “شاهة” وأطفالهن الثمانية حالياً في مدينة القامشلي/قامشلو، التي نزحوا إليها عقب عملية “نبع السلام” التركية.

أثّر فقدان “الزوج” على عائلته وأطفاله كثيراً، ولا تزال آثار هذا الفقد مستمرة. حيث قالت “أمينة” حول ذلك:

“يعمل ابني البالغ من العمر 12 عاماً وابن ضرتي ذو العشرة أعوام من أجل إعالتنا، كما تسرب أطفالنا من المدارس، ولازلنا بدون مدفأة أو وقود. ولا أحد يقدم لنا يد العوّن”.

لم تفقد عائلة “وليد” الأمل في إيجاده، وتتأمل عودته قريباً.

عُذب ابنها أمام عيناها وفقد أثره بعد ذلك:

في نفس المدينة، القامشلي/قامشلو، تحمل “شريفة سليمان” صورة ابنها المفقود “محمود” وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، متأملةً أن يرتاح قلبها بسماع شيء حول مصيره.

“شريفة” نازحة من مدينة رأس العين/سري كانيه، نتيجة عملية “نبع السلام” التركية، في تشرين الأول/أكتوبر 2019. عادت مع ابنها “محمود”، إلى مسقط رأسها في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، للاطمئنان على منزلهم وممتلكاتهم.

لكن وبسبب محاولة دخوله لمنزله، تعرّض ابنها للضرب والاعتقال من قبل مسلحي جماعات المعارضة السورية، أمام عيني والدته المسنة. التي تحدثت حول ما جرى قائلةً:

“قبل أن نجتاز باب منزلنا، علا صوت قوي في الأرجاء يقول: ليس لكم شيء في هذا المنزل! نظرت إلى الخلف، فإذا هم أربعة شبان مسلحين، وقد كانوا بنفس الطول تقريباً. أجبتهم: حسناً، ليس لدينا شيء هنا، كما تريدون. وحاولت إخراج محمود لنعود أدراجنا، ولكنه رفض، وقال لهم: سأدخل، هذا منزلي. فهاجموه وانهالوا عليه بالضرب، ثم وقع على الأرض، ولم يكتفوا عن ركله بأقدامهم، وضربه بواسطة الخراطيم. حاولت إنقاذه من بين أيديهم، ولكن أحدهم وضع فوهة البندقية على رقبته، وهددني بقتله إن لم أتراجع”.

صبرت “أم محمود” سبعة أشهر آملةً سماع خبر عن ابنها، الذي اعتقلته “فرقة الحمزة” التابعة للجيش الوطني السوري.

حتى منتصف تموز/يوليو 2020، ورد خبر إلى العائلة أنه قد توفي نتيجة التعذيب، بعد أسبوع على اعتقاله. دون أن تحصل على جثة ابنها، أو أي تأكيد على وفاته من تلك الجماعات أو مصيره. إذ قالت “شريفة”:

“أخبرونا أنه قد توفي في المحتجز، لكننا لم نرى جثته، أو نعرف أين تمَّ دفنه، ولا زلنا ننتظر الحصول على حقنا، ونشكو أمرنا لله، علّنا نعرف أين دُفن ابننا، أو نحصل على تأكيد على وفاته من عدمها”.

مضى أكثر من عامان، ولا تزال عائلة “محمود” لا تعلم شيئاً حول مصير ابنها، الذي كان يعاني من شلل دماغي.

انتهى المطاف بوالدة “محمود” نازحة في مدينة القامشلي/قامشلو، بعد أن فقدت منزلها وفلذة كبدها أيضاً، وتختصر ذلك قائلةً:

“نحن نازحون حالياً، بعد أن تركنا ديارنا وشقاء عمرنا خلفنا في رأس العين/سري كانيه. أسكن هنا مع ابنتاي وزوجي، وها نحن ننتقل من منزل نستأجره إلى آخر، فهذه المرة الثالثة التي ننتقل فيها، فماذا عسانِ أقول سوى: لا سامحهم الله”.

عاد للاطمئنان على ممتلكاته واختفى:

وفي قصة أخرى مشابهة، تبحث (ر.ع)، وهي نازحة من رأس العين/سري كانيه، عن زوجها الذي فُقد خلال الغزو العسكري التركي للمدينة في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

قالت الشاهدة إنه بعد نزوحها مع أطفالها، عاد زوجها إلى المدينة، بتاريخ 13 تشرين الأول/أكتوبر 2019 للاطمئنان على ممتلكاته، لكن أخباره انقطعت منذ ذلك اليوم. وتابعت قائلة:

“حاولنا الاتصال به، لكن هاتفه كان مغلقاً، ولم نعرف عنه شيئاً. أخبرنا البعض أنه استشهد، والبعض الآخر قال إنه قد اعتقل، ومنذ ذلك الحين، لم نصل لأي معلومة حوله”.

تقيم الشاهدة في بلدة معبدة/كركي لكي، وتعمل كمعلمة، من أجل تأمين معيشة أطفالها السبعة في ظل ظروف النزوح الصعبة، لكن ذلك لا يكفي لتعويضهم عن فقدان والدهم. إذ تحدثت حول ذلك قائلةً:

“نتيجة تدهور وضعنا المادي، ترك 4 من أولادي الدراسة، وبقي ثلاثة فقط يرتادون المدرسة. ولم حياتنا كما كانت في السابق. عندما كان والدهم موجوداً، كانت أمورنا بخير، لكنها ليست كذلك اليوم. حيث أثّر فقدانه علينا بشكل كبير، مادياً ومعنوياً”.

الابتزاز المالي لأسر المفقودين:

“ليلى الأحمد” سيدة أخرى من شمال شرق سوريا، تبحث عن زوجها الذي فُقد في مدينة رأس العين/سري كانيه، أثناء عمله في توزيع المواد الغذائية، في آذار/مارس 2020.

تعيش “الأحمد” في مدينة الحسكة، ويعمل زوجها كسائق وموزع للمواد الغذائية في مدن المحافظة، وقد فُقد بتاريخ 7 آذار/مارس 2020، أثناء عمله في مدينة رأس العين/سري كانيه. وقالت “الأحمد” إن علمت لاحقاً أن زوجها قد خُطف من قبل كتيبة “ميماتي باش” التابعة لـ “فرقة السلطان مراد” في “الجيش الوطني السوري”، وتابعت حديثها قائلةً:

“اتصلت المجموعة المسلحة بوالد زوجي، وأخبرته أنها قامت بخطف زوجي، وطالبت بفدية مالية قدرها 15 ألف دولار أمريكي مقابل الإفراج عنها، وهددت بقتله في حال لم يُدفع المبلغ”.

اضطرت عائلة المفقود إلى الخضوع للابتزاز، وقامت بتأمين المبلغ المطلوب وتحويله إلى مسلح من الفصيل في رأس العين/سري كانيه، لكن رغم ذلك، لم يعد زوج “ليلى” وما عادت المجموعة المسلحة تجيب بعد تلقيها الأموال.

لا تزال “ليلى” تبحث عن زوجها المفقود، ووالد طفلها الوحيد الذي لم يراه، إذ رزقت بطفل بعد فقدانه بأشهر، ما زاد مع أثر الفقدان عليها وعلى عائلة الزوج، حيث تشرح ذلك قائلةً:

“فُقد زوجي بعد زواجنا بثلاثة أشهر فقط، وأنا الآن اربي طفله الذي لم يراه. إذ بلغ ابني عامه الأول، ويحزنني التفكير بأن ابني سيُربي يتيماً. كما أثّر فقدان زوجي على والدته، فقد كان ابنها الوحيد، بعد أن فقدت ابنها البكر نتيجة قصف جوي نفذته الطائرات الروسية على ريف حلب، لذا أصيبت بنوبة قلبية عند سماع خبر فقدانه وتدهورت حالتها الصحية، بينما ساءت حالة والده النفسية”.

لم تفقد العائلة الأمل بعد، وتتأمل عودة ابنها قريباً، أو معرفة شيء حول مصيره.

لا معلومات نهائية حول ابنه المتطوع لدى قوات سوريا الديمقراطية:

يعتقد “صالح عثمان” وهو والد مفقود، والشهود الأربعة أعلاه، أن أولادهم المفقودين قد يكونوا معتقلين لدى تركيا أو فصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية لها.

“صالح عثمان” نازح من رأس العين/سري كانيه، نتيجة الغزو العسكري التركي للمدينة، في تشرين الأول/أكتوبر 2019. يقيم مع عائلته حالياً في مدرسة تقع جنوب بلدة “تل تمر”، تأوي نازحين فرّوا نتيجة عملية “نبع السلام” التركية.

منذ أكثر من عامين، يبحث “صالح” عن ابنه، الذي فُقد خلال هجوم تركيا والجيش الوطني السوري/المُعارض على شمال شرق سوريا.

أفاد صالح أن العائلة فقدت الاتصال مع ابنها، خلال الأيام الأولى من الهجوم. إذ كان المفقود يبلغ حينها 22 عاماً. وتابع حديثه قائلاً:

“المعلومات التي حصلنا عليها متضاربة، فالبعض يقول إنه مفقود والبعض الآخر يقول أنه اعتقل من قبل الجنود الأتراك، لكننا لم نصل لأي اثبات أو دليل يؤكد أنه حيّ أو ميّت”.

كان الابن المفقود متطوعاً ضمن صفوف قوات سوريا الديمقراطية، وكانت والدته تنتظر أن تزفه عريساً. لكن بعد فقدانه وانقطاع أخباره بأشهر، اعلنته قوات سوريا الديمقراطية أنّه فقد حياته في الهجوم، دون وجود دليل على صحة ذلك. وتحدث “صالح” حول إعلان مقتل ابنه دون أي دليل، وأثر ذلك على العائلة قائلاً:

“أقول لنفسي، إذا كانت النار تلفُّ كبدي، فكيف تشعر والدته، وهي التي أرضعته، وحملته في حضنها واعتنت به حتى كبر. حتى الآن، وعلى الرغم مضي أكثر من عامين على فقدانه، اتجنب الحديث عنه في وجودها، أما هي فتتحدث عنه دائماً، حول ما كان يحبه أو ما يرتديه، فينعقد لساني أمامها، وأهمُّ بالخروج”.

تعاني عائلة “صالح” المكونة من 13 شخص ظروف معيشية صعبة، لم تُفقدها الأمل في البحث عن ابنها، إذ تتأمل عودته قريباً. وقال طالباً الكشف عن مصير ابنه:

“نناشد الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي والمنظمات الدولية الفاعلة بالسعي للكشف عن مصير ابني المفقود. حتى إن كان ميتاً، فالموت حقٌ علينا جميعاً، كل ما نريده هو معرفة شيء حوله، سواءً أكان حيّاً أو ميّتاً أو معتقلاً”.

العائلة تتهم القوى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية بالوقوف وراء اختفاء ابنها:

بينما يتهم “حكمت محمد”، القوى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية/قوات سوريا الديمقراطية بالوقوف وراء اخفاء أخاه قسراً.

نزحت عائلة “حكمت محمد” من رأس العين/سري كانيه، مع بدء الاجتياح العسكري التركي للمدينة في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

أثناء نزوحهم، قام أخاه “حسن محمد” (من مواليد 1983) وهو مزارع، بنقل جراره الزراعي إلى خارج المدينة، لكنه فُقد آنذاك.

وأفاد “حكمت محمد” بأن العائلة علمت أن أخاه قد تعرض للاعتقال من قبل قوات سوريا الديمقراطية، بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر 2019، في قرية “تل طويل” شمال غربي بلدة تل تمر. وسرد “محمد” تفاصيل ما جرى قائلاً:

“بعد أن قام أخي بنقل الجرار الزراعي من قرية المسجد إلى بلدة تل تمر، قام بإيصال سائقه إلى منزله في قرية تل طويل بريف البلدة. وأخبرنا أحد الجيران أن دورية عسكرية تابعة لـ (قسد) جاءت إلى منزل السائق وسألت عن أخي حسن، ثم قامت باعتقاله واقتياده إلى جهة مجهولة”.

منذ ذلك الحين، لا تعلم عائلة “حسن” شيئاً عنه، وتطالب (قسد) بالكشف عن مصيره. حيث قال “محمد” حول ذلك:

“أخي معتقل بدون أي ذنب، ولم يتم الكشف عن مصيره، حيث لا نعرف لماذا اعتقل، ولا أين هو؟ كما لم يتم تقديمه لأي محاكمة حتى الآن. وإن كان قد اقترف ذنباً، فليفصحوا لنا عن ذلك علناً”.

منذ نزوحها، تعيش عائلة “حسن” في مدينة القامشلي/قامشلو، واضطرت زوجته إلى العمل، من أجل إعالة أطفالها، في ظل ظروف النزوح الصعبة. إذ شرح “حكمت محمد” معاناة عائلة أخيه، قائلاً:

“تعاني عائلة أخي ظروفاً إنسانية صعبة بعد فقدانه، فقد كان المعيل الوحيد لعائلته، حيث لديه ابن وحيد وأربعة بنات، أكبرهم الابن بعمر اثني عشر عاماً، فيما ترتاد البنات المدرسة. لذا وضعهم المادي متدهور جداً، ويعانون الأمرّين من أجل تأمين احتياجاتهم اليومية”.

في تل أبيض:
شوهد زوجها المفقود في معتقلات تنظيم أحرار الشرقية:

“فاطمة” نازحة من مدينة تل أبيض، فقدت زوجها، منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2019، أثناء توجهه من تل أبيض نحو مدينة الرقة، التي نزح إليها مع عائلته مع بدء عملية “نبع السلام” التركية.

وقالت “فاطمة” أن زوجها كان قد ذهب إلى تل أبيض لتأدية واجب عزاء أحد أقربائه، وقد فُقد أثناء عودته، وتابعت حديثها قائلةً:

“اتصل بي وقال إنه عائد، وفقدت الاتصال به قرب بلدة سلوك التي يسيطر عليها تجمع أحرار الشرقية التابع للجيش الوطني السوري، والذي نفى وجود زوجي لديهم، رغم أن شخص مُفرج عنه من سجن الفصيل أخبرنا أن زوجي معتقل لديهم، لكن ماذا نفعل، ما باليد حيلة، ولا اعلم شيئاً عنه منذ ذلك الحين”.

تقيم “فاطمة” في مدينة الرقة، وهي أم لثلاثة أطفال، توفي أحدهم متأثراً بإصابته بمرض السرطان، بعد فقدان والده بعدة أشهر. لتتحمل مسؤولية تربية شقيقيه، في ظل ظروف النزوح الصعبة. وشرحت الوالدة معاناتها قائلة:

“للأسف، لم أكن قادرة على تحمل تكاليف علاج ابني المصاب بالسرطان، فتوفي بعد ستة أشهر على فقدان والده، والآن أعاني الأمرّين لتربية ولداي الآخران، فقد كان زوجي هو من يعيلنا، وبدونه نحن بدون سند أو معيل”.

خُطف شقيقها على يدّ جهات مجهولة:

“لمى” شاهدة أخرى، فقدت أخاها بالقرب من بلدة “سلوك” في ريف مدينة تل أبيض الشرقي عقب عملية “نبع السلام” التركية.

كانت “لمى” تعيش مع أخيها، بعد وفاة والداهما، والذي كان يعمل لإعالتهما، لكنه فُقد مع مطلع كانون الأول/ديسمبر 2019، إذ ذهب إلى عمله ولم يعد. وأوضحت “لمى” إنها بحثت عن أخاها كثيراً، لكنها لم تعرف أي شيء حول مصيره، وتابعت حديثها قائلة:

“لم يكن من عادته البقاء خارج المنزل لوقت متأخر، لأنني ابقى لوحدي بغيابه، لكنه تأخر يومها، فاتصلت بشخص كان يعمل معه، والذي قال إنه رآه مستقلاً سيارة من نوع (هيونداي  H  100 ) مع شخص لا يعرفه، وكانت تلك آخر مرة يراه أحد فيها، وبحثت عنه في المشافي ولدى فصائل الجيش الوطني السوري وغيرها، لكن دون جدوى”.

تأثرت “لمى” كثيراً بعد فقدان أخاها، وبقيت وحيدة بدونه، ولا تزال آثار فقدانه مرافقة لها في حياتها، حيث مرت بتجربة زوجية لم تدم طويلاً، وتسكن مع صديقة لها، كما تبحث عن عمل يقدرها من الاعتماد على نفسها.

بقي في مدينته لحماية منزله وممتلكاته:

“نجوى العلي” هي الأخرى فقدت زوجها في الأيام الأولى من عملية “نبع السلام” التركية، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، أثناء محاولته الخروج من المدينة خلال العمليات العسكرية.

كان زوج “نجوى” كسائق أجرة خاص، وقد نزحت مع أطفالها إلى بلدة “عين عيسى” فيما بقي هو في تل أبيض من أجل الاعتناء بمنزله وممتلكاته.

وقالت “نجوى” إنها أصرت على زوجها الخروج من تل أبيض خوفاً على حياته، إلا أنها فقدته أثناء خروجه من المدينة، وتابعت حديثها قائلةً:

“مع اشتداد المعارك في المنطقة في خضم عملية نبع السلام، حاول زوجي الخروج من تل أبيض تلبيةً لطلبي، كنت على اتصال عندما كان لا يزال داخل المدينة، ثم فُقد الاتصال بعدها، وزوجي مفقود منذ ذلك الحين”.

تقيم “نجوى” الآن لدى أهلها في بلدة “عين عيسى”، ولديها ولدان صغيران تقوم بتربيتهما لوحدها، بعد أكثر من عامين على فقدان زوجها، وتشرح معاناتها قائلةً:

“لدي طفلان، أكبرهما عمره خمسة أعوام، أقوم وحدي بتربيتهما بمساعدة أهلي، كما اضطررت إلى العمل كمعلمة من أجل إعالة أولادي، الذين لا يكفون السؤال عن ابيهم، واجيبهم والدموع تملأ عيني أنه سيعود قريباً، وأتمنى أن يتحقق ذلك”.

شكوك حول وقوف “الجبهة الشامية” وراء إختفاء شقيقه:

وفي جنوب تل أبيض، فقد “محمد” أخاه الذي بقي في القرية للاعتناء بمنزله وأرضه الزراعية، أثناء عملية “نبع السلام” التركية، في تشرين الأول/أكتوبر 2019.

نزحت عائلة “محمد” مع بدء الهجوم العسكري على تل أبيض إلى مدينة الرقة، فيما بقي أخاه لوحده في منزله في القرية، ليُفقد الاتصال معه بعد أسبوع على بدء العمليات العسكرية. أفاد “محمد” أنه بحث عن أخاه كثيراً، لكنه لم يصل لأي معلومات أكيدة حول مصيره. وتابع حديثه قائلاً:

“كان أخي مدنياً، يعمل في الزراعة، وبحثت عنه لدى الأجهزة الأمنية والفصائل العسكرية، لكن لم استفد شيئاً. سمعت بعد فترة من اختفائه أنه قد اعتقل من قبل فصيل الجبهة الشامية، لكن عند السؤال حوله، نفى الفصيل أن يكون قد اعتقله، ولا نملك معلومات أكيدة حول مكان وجوده أو مصيره حتى الآن”.

كان المفقود متزوجاً ولديه أربعة أولاد، أثّر فقدانه عليهم بشكل كبير، حيث تخلت عنهم والدتهم بعد نحو عام على فقدان زوجها، من أجل الزواج بشخص آخر، ليعيشوا مع عمهم، الذي يحاول تعويضهم عن فقدان أبيهم، وقال حول ذلك:

“نمر بظروف صعبة نتيجة النزوح، حُرم على إثرها أولاد أخي من حقهم في الدراسة، كما أصيبت والدتي بداء السكري وهي تنظر إلى وضع أحفادها بأسى، بعد أكثر من عامين على فقدان والدهم، واستيلاء فصائل المعارضة السورية على أرضهم الزراعية وممتلكاتهم”.

وكغيرها من عائلات المفقودين، تتأمل عائلة “محمد” أيضاً عودة ابنها المفقود قريباً، وتناشد بالكشف عن مصيره.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد