مقدمة: واصلت القوات النظامية السورية وحلفاؤها تصعيدها العسكري على محافظة إدلب، وذلك خلال شهر أيار/مايو 2018، إذ قُتل تسعة مدنيين من عائلة واحدة، وذلك إثر القصف الذي طال أحد الملاجئ في بلدة معرزيتا بريف إدلب، ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد قام طيران حربي يُعتقد أنه روسي، بشنّ غارة على مكان الملجأ بواسطة صاروخين فراغيين، وهو ما تسبّب في مقتل عائلة بأكملها كانت قد لجأت إلى الملجأ هرباً من القصف، وكان جلّهم من النساء والأطفال.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ بلدة معرزيتا[1] تبعد عن مدينة خان شيخون قرابة (15) كم، ويقصدها العديد من الأهالي كونها بلدة صغيرة وآمنة نسبياً، فضلاً عن خلّوها من أي مقار عسكرية، كما أن المجلس المحلي فيها هو من يتولى إدارة الأمور فيها بشكل كامل، إلا أنّ عمليات القصف التي شهدتها هذه البلدة في الآونة الأخيرة، ولا سيّما عقب الهجوم على أحد الملاجئ بتاريخ 9 أيار/مايو 2018، إضافةإلى استهداف منازل المدنيين بتاريخ 6 أيار/مايو 2018، جعل العديد من أهالي البلدة ينزحون باتجاه مناطق مجاورة أكثر أماناً، مثل قرية معرة حرمة، ولافتاً إلى أنّ هذه المجزرة المرّوعة كانت قد وقعت نتيجة إلقاء الطيران الحربي صاروخين فراغيين، أحدهما وقع على الملجأ بشكل مباشر والآخر وقع بالقرب منه، مضيفاً بأنّ القوات النظامية السورية وحلفائها تعمد من خلال تلك الهجمات إلى إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية.
ويأتي هذا الهجوم في إطار الحملة العسكرية التي شنتها القوات النظامية السورية وحلفاؤها على عموم مدن وبلدات محافظة إدلب اعتباراً من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، والتي بدأتها بمحاولات للسيطرة على قرى وبلدات في ريف حماه الشمالي[2] ومن ثمّ قرى وبلدات أخرى في ريف إدلب الشرقي والجنوبي.
وكان قد سبق للقوات النظامية السورية وحلفائها الهجوم على أحد الملاجئ المكتظة بالمدنيين في بلدة كفربطيخ بريف إدلب، وذلك بتاريخ 21 آذار/مارس 2018، الأمر الذي تسبّب في مقتل (20) مدنياً، معظمهم من النساء والأطفال، وذلك بحسب تقرير سابق أعدته سوريون من أجل الحقيقة والعدالة وحمل عنوان "مجزرة مروّعة تودي بحياة (20) شخصاً معظمهم أطفال في بلدة كفربطيخ بريف إدلب -الهجوم وقع على أحد الملاجئ في البلدة عقب احتماء المدنيين بداخله من الطيران الحربي بتاريخ 21 آذار/مارس 2018."
كما كانت قد ارتكبت مجزرة أخرى راح ضحيتها (43) شخصاً بينهم نساءُ وأطفال، وذلك عقب القصف على أحد الأسواق الشعبية التي تعجّ بالمدنيين في مدينة حارم بتاريخ 22 آذار/مارس 2018، وذلك بحسب تقرير سابق أعدته سوريون من أجل الحقيق والعدالة وحمل عنوان "مجزرة مرّوعة في مدينة حارم بريف إدلب عقب القصف على أحد الأسواق الشعبي -الهجوم أودى بحياة (43) مدنياَ بينهم نساء وأطفال."
تفاصيل الحادثة:
في تمام الساعة (8:00) مساءً من يوم 9 أيار/مايو 2018، قام طيران حربي يُعتقد أنه روسي، باستهداف الأحياء السكنية في بلدة معرزيتا، وبعد عدة دقائق عاد الطيران الحربي وقام بقصف أحد الملاجئ التي تحتمي بها إحدى العائلات، وهو ما تسبّب في مقتل تسعة مدنيين من عائلة واحدة، وهو الأمر الذي أكده "مهنا القسوم" وهو رئيس المجلس المحلي في بلدة معرزيتا، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"في مساء ذلك اليوم شنّت طائرة حربية روسية غارة على البلدة، وأسقطت خلالها عدة صواريخ الفراغية، وقد تسببّ هذا القصف بأضرار مادية كبيرة في ممتلكات المدنيين، وعلى إثر هذا الهجوم قام العديد من المدنيين بالاحتماء داخل ملاجئ وحفرِ تمّ تجهيزها تحت الأرض لهذا الغرض، وبعد عدة دقائق عادت الطائرة الحربية وقامت بتنفيذ غارة أخرى مستهدفة من خلالها أحد الملاجئ التي تحتمي بها عائلة من آل الحسين، وهو ما أدى إلى وقوع مجزرة مرّوعة راح ضحيتها أفراد العائلة التسعة، وقد كان معظمهم من الأطفال والنساء، مع العلم بأنّ طيران الاستطلاع كان يحلّق في أجواء البلدة، قبيل المجزرة المرّوعة التي وقعت، وعلى ما يبدو أن طائرة الاستطلاع كانت تقوم برصد تحركات المدنيين وخاصةً من توجه منهم إلى الملاجئ، حيث قامت بإعطاء الإحداثيات للطيران الحربي حتى يعمد إلى استهدافهم، وكان قد سبق للبلدة أن تعرضت لعمليات قصف عنيفة من قبل الطيران الحربي بتاريخ 6 أيار/مايو 2018، حيث تمّ استهداف منازل المدنيين أيضاً في البلدة، وهو ما تسبّب في نزوح أعداد كبيرة من الأهالي باتجاه القرى المجاورة كمدينة خان شيخون وقرية معرة حرمة."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من محاولات الدفاع المدني انتشال الضحايا من تحت الركام، وذلك إثر القصف الذي طال أحد الملاجئ في بلدة معرزيتا بتاريخ 9 أيار/مايو 2018.
وفي شهادة أخرى أدلى بها "أحمد عبد الكريم حسين" وهو قريب أحد الضحايا، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الأهالي كانوا قد علموا من خلال مراصد الطيران الحربي، بأنّ طائرة حربية يعتقد أنها روسية، كانت قد أقلعت من قاعدة حميميم العسكرية في محافظة اللاذقية، ومن ثمّ اتجهت إلى محافظة إدلب وتحديداً إلى بلدة معرزيتا، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"في حوالي الساعة (7:45) من مساء ذلك اليوم، وبينما كنت في زيارة إلى منزل أخي، علمنا من خلال المراصد بأنّ طائرة حربية تتجه إلى البلدة، وعلى الفور خرجت مسرعاً إلى منزلي، بينما أسرع أخي وعائلته المؤلفة من زوجة وستة أطفال إلى الملجأ الواقع بالقرب من منزله، وفي هذه الأثناء وبعد خمسة دقائق تقريباً من وصولي إلى المنزل،نفذّت الطائرة الحربية أولى غاراتها على الأطراف الجنوبية للبلدة، وماهي إلا دقائق حتى عادت ونفذّت غارةأخرى بالصواريخ الفراغية، وكانت جهة القصف هذه المرة قريبة جداً من منزل أخي، لذا قمت على وجه السرعة بالذهاب إلى هنالك، وصُدمت عندما وجدت بأنّ ملجأهم كان قد انهار وسدّ بشكل كامل، وخلال دقائق قليلة وصلت فرق الدفاع المدني للعمل على فتح الملجأ وإنقاذ العالقين تحت الركام، وقد تطلّب هذا العمل منهم وقتاً طويلاً حتى تمكنوا من استخراج جميع أفراد العائلة، لكنهم كانوا قد فارقوا الحياة جميعاً بسبب انقطاع الأوكسجين عنهم وبقاؤهم تحت ركام الملجأ."
وأشار الحسين إلى أنّ البلدة كانت قد تعرضت قبيل أيام فقط لقصف مقاتلات حربية يُعتقد أنه روسية، مع العلم بأنّ البلدة تخلو تماماً من أي مقار عسكرية كما يتواجد فيها العديد من المدنيين المهجرّين من مناطق ريف دمشق وحمص، ولافتاً إلى أنّ العديد من أهالي البلدة باتوا يفضلون البقاء داخل منازلهم على الاحتماء داخل الملاجئ والحفر التي قاموا بتجهيزها، وذلك خوفاً من أن يتكرر مشهد القصف على الملاجئ مرة أخرى.
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني، جانباً من انتشال جثث الأطفال الضحايا من تحت الركام، وذلك إثر القصف الذي طال أحد الملاجئ في بلدة معرزيتا بتاريخ 9 أيار/مايو 2018.
صورة مأخوذة من مقطع فيديو السابق تظهر أحد الأطفال الضحايا الذين تمّ انتشالهم، عقب القصف على أحد الملاجئ في بلدة معرزيتا بريف إدلب وذلك بتاريخ 9 أيار/مايو 2018.
"عبادة الذكرى" وهو قائد قطاع معرة النعمان للدفاع المدني السوري، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنهم تلقواً نداءً في تمام الساعة (8:10) من مساء يوم 9 أيار/مايو 2018، من أجل إرسال فرق الإنقاذ إلى بلدة معرزيتا عقب القصف على أحد الملاجئ من قبل طائرة حربية يُعتقد أنها روسية، وهو ما تطلّب التدخل السريع لفرق للإنقاذ وإحضار الآليات الثقيلة لرفع الأنقاض عن العالقين، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"لمّا وصلنا إلى مكان الهجوم كان حجم الدمار كبيراً جداً وكان جميع منافذ الملجأ قد سدّت تماماً من الردم، لذا بقينا نعمل حتى ثلاث ساعات متواصلة على أمل إخراج الضحايا العالقين، وبعد عمل مضنِ تمكنا من ذلك وقمنا بإخراج امرأتين ورجل وستة أطفال، إلا أنهم جميعاً كانوا قد فارقوا الحياة، وذلك لأنّ الملجأ كان عبارة عن حفرة بعمق قرابة (2) متر، وكان قد انهار عليهم بشكل كامل بسبب شدة انفجار هذه الصواريخ، ولا أخفي أنّ ما حصل كان من أصعب المواقف وأكثرها تأثيراً في نفسي."
"أكرم المصري" وهو أحد النشطاء الإعلاميين في بلدة معزريتا، أفاد لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه كان قد توجه إلى مكان الهجوم عقب دقائق من وقوعه، ففوجئ بحجم الدمار الناجم عن الغارات التي استهدفت البلدة بصواريخ فراغية، وأضاف قائلاً في هذا الصدد:
"كان من الواضح بأنّ الطيران الحربي استهدف مكان الملجأ بصاروخين فراغيين، حيث سقط أحدهما علبى الملجأ بشكل مباشر بينما سقط الصاروخ الآخر بالقرب منه، وهو ما تسبّب في هذا الدمار الهائل الذي فوجئنا به، وأثناء تواجدي بالقرب من الملجأ وبينما كنت أقوم بتوثيق لحظات استخراج الضحايا من تحت الركام، كان مشهداً قاسياُ جداً، إذ كان معظم الضحايا من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين (3-13) عاماً، وكانوا يعتقدون بأنّ الاحتماء داخل الحفرة سوف يجنبهم خطر الموت قصفاً، إلا أنّ ذلك لم يحصل."
صورة تظهر جانباً من آثار الدمار التي لحقت بأحد الملاجئ في بلدة معرزيتا، وذلك عقب تعرضها لقصف جوي بتاريخ 9 أيار/مايو 2018، مصدر الصورة: الناشط الإعلامي: علي حاج سليمان.
تحليل الأدلة البصرية.
وقد استطاع الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، توثيق أسماء الضحايا الذين سقطوا إثر الهجوم الذي وقع على أحد الملاجئ في بلدة معرزيتا وذلك بتاريخ 9 أيار/مايو 2018، وقد كان معظمهم من النساء والأطفال، وهم كالتالي:
-
محمد عبد الكريم الحسين.
-
السيدة مريم الحسين زوجة محمد.
-
الطفل عبد الكريم الحسين.
-
الطفلة شذا الحسين.
-
الطفل أحمد الحسين.
-
الطفل عبد الزراق محمد الحسين.
-
الطفلة ميساء محمد الحسين.
-
السيدة سلام عبد الكريم الحسين.
-
السيدة أسماء الحسين.
[1] يسيطر على بلدة معزريتا فصيل صقور الشام وجيش العزة.
[2] ويأتي هذا التصعيد من قبل القوات النظامية السورية، عقب تمكن هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة من السيطرة على قرية أبو دالي في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة حماة وذلك بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلا أنّ القوات النظامية السورية استطاعت مدعومة بالطيران الحربي التابع لسلاح الجو الروسي، استعادة هذه القرية إضافة إلى عدة قرى في ريف حماة الشمالي، وذلك بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، كما تمكنت القوات النظامية السورية وحلفاؤها من التقدم باتجاه ريف ادلب الجنوبي الشرقي، حيث سيطرت على عدة قرى مثل (عطشان و الخوين و سنجار) بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير 2018، وذلك بهدف الوصول الى مطار "أبو الضهور" العسكري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، ووفقاً لباحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ العمليات العسكرية أسفرت عن السيطرة على المطار من قبل القوات الحكومية السورية والميليشيات المتحالفة معها بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير 2018.