خلفية: رغم الاتفاق بين عدّة أطراف دوليّة فاعلة في النزاع السوري حول تحديد مناطق “خفض التصعيد” في سوريا، إلّا أنّ الهجمات العشوائيّة والمتعمّدة لم تتوقّف بشكلٍ كامل، فما يزال تسجيل الانتهاكات المخالفة للقانون الدولي و”خروقات خفض التصعيد” تتمّ بشكل يومي في سوريا، وليس آخر هذه الانتهاكات استهداف المرافق العامّة وعلى رأسها المشافي والنقاط الطبيّة والتي ازدادت وتيرة الاعتداءات بحقّها في شهر أيلول/سبتمبر 2017 حيث تمّ قصف مركزين طبيّين على الأقل في الغوطة الشرقيّة قبل عقد مؤتمر الآستانة بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2017 بالإضافة إلى ست هجمات ضدّ مشافٍ ومراكز طبيّة مختلفة أخرى بعد عقد المؤتمر.
وقد كانت منظّمة سوريّون من أجل الحقيقة والعدالة بالشراكة مع منظّمة العدالة من أجل الحياة والأرشيف السوري قد أصدروا تقريراً موسّعاً عن سلسلة من الهجمات التي استهدفت مرافق طبيّة خلال شهر نيسان/أبريل 2017 وتحديداً في محافظة إدلب، حيث جاء التقرير تحت عنوان “مرافق صحيّة تحت النار” متوسّعاً في التحقيق حول هجمات على مستشفيات ومرافق طبيّة كانت تقدّم الخدمات الطبيّة لأكثر من 1.3 مليون شخص.
السياق السياسي والعسكري:
عُقد مؤتمر الآستانة 6 في تاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2017 في العاصمة الكازاخستانيّة، حيث تمّ الاتفاق ما بين الدول الضامنة (روسيا، تركيّا، إيران) على عدّة نقاط وذلك بحسب البيان الذي صدر عند ختام المؤتمر، وكان من بين تلك النقاط:
- إعلان إقامة مناطق خفض التوتر، وفقا للمذكرة المؤرخة في 4 مايو/أيار 2017، في الغوطة الشرقية، وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، وفي محافظة إدلب، وبعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سوريا.
- نشر قوات لمراقبة خفض التوتر وفقا للخرائط المتفق عليها في أنقرة في 8 سبتمبر، وبموجب شروط نشر هذه القوات التي وضعتها لجنة العمل المشتركة، في المنطقة الآمنة بإدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة لمنع وقوع اشتباكات بين الأطراف المتنازعة.
- تشكيل لجنة إيرانية روسية تركية مشتركة لتنسيق عمل قوات المراقبة.
عسكريّاً تخضع محافظة إدلب لسيطرة شبه كاملة من قبل “هيئة تحرير الشام[1]” ففي تاريخ 15 تموز/يوليو 2017، شهدت مناطق واسعة في محافظة إدلب وريفها، اشتباكات ومواجهات عسكرية ما بين “حركة أحرار الشام الإسلامية”[2] من جهة و”هيئة تحرير الشام” من جهة أخرى، وبحسب باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فقد اندلعت المواجهات بين الطرفين إثر خلافات حاد واستفزازات متبادلة بينهما سبقت المواجهات، وذلك رغبةً من كل طرف في بسط أكبر لسيطرته على مدينة إدلب مركز المحافظة. ووفقاً لأحد باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فقد شملت تلك المواجهات معظم محافظة إدلب من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، ما أسفر عن وقوع العشرات ما بين قتلى وجرحى ضمن صفوف المدنيين. وكانت تلك المواجهات قد انتهت بسيطرة هيئة تحرير الشام على كامل “إدلب المدينة” ومناطق واسعة من ريفها وذلك حتى تاريخ 23 تموز/يوليو 2017، بعد انسحاب حركة أحرار الشام الإسلامية من تلك المناطق والتوصل إلى اتفاق فيما بينهما، حيث نص هذا الاتفاق في بعض بنوده على وقف إطلاق النار وإخلاء المحتجزين بين الطرفين.
وكانت عدّة فصائل جهاديّة ومعارضة مسلّحة قد أعلنت عن بدء معركة “يا عباد الله اثبتوا” بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2017 ضدّ معاقل قوّات الجيش النظامي السوري في ريف حماه الشمالي، وكانت الفصائل المشاركة في المعركة هي “هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني[3] وجيش النخبة[4] وجيش العزّة[5] وجيش النصر[6] وجيش إدلب الحر.[7] “
مقدمة:
يغطّي هذا التقرير عدد من الحوادث التي وقعت في شهر أيلول/سبتمبر 2017 وتمّ استهداف وقصف مرافق طبيّة فيها، سواءً في المناطق الموجودة أصلاً ضمن مناطق خفض التصعيد أو المناطق التي تمّ الإعلان عن شملها بهذا الاتفاق لاحقاً.
وسوف يوثّق هذا التقرير الهجمات التي وقعت قبل عقد مؤتمر الآستانة 6 بتاريخ 14 أيلول/سبتمبر 2017 (وتحديداً الهجوم على مركزين طبيّين في الغوطة الشرقيّة بريف دمشق)، والهجمات التي وقعت بعد عقد المؤتمر.
المنهجية:
يعتمد هذا التقرير في منهجيته على العديد من الشهادات والمقابلات التي تمّ إجراؤها، سواء من قبل باحثي المركز الميدانيين في محافظة أدلب أو من قبل الفريق القائم على التقرير، حيث تمّ مقابلة كوادر طبّية وشهود عيان وأهالي وعمّال إغاثة، كما قام الفريق القائم على التقرير بتحليل عشرات الصور والفيديوهات التي تُظهر العديد من الهجمات التي يغطيها هذا التقرير (شهر أيلول/سبتمبر 2017).
يمكنكم قراءة وتحميل التقرير بشكل كامل وبصيغة ملف PDF من خلال الضغط هنا.
[1] بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الاندماج تحت مسمّى “هيئة تحرير الشام” وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي (جبهة فتح الشام – تنظيم جبهة النصرة سابقاً وحركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنّة) إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[2] حركة أحرار الشام الإسلاميّة تم تأسيسها بتاريخ 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ويقدر عدد مقاتليها بحوالي 25 ألف مقاتل، وهي إحدى الفصائل العسكريّة الإسلاميّة والتي تشكّلت بعد اندماج أربع فصائل إسلاميّة وهي (كتائب أحرار الشام وحركة الفجر الإسلاميّة وجماعة الطليعة الإسلاميّة وكتائب الإيمان المقاتلة) وتنشط الحركة في الكثير من المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السوريّة وخاصّة في محافظات إدلب وحلب وحماه. يترأّس الحركة حاليّاً السجين السابق لمدّة 12 سنة في سجن صيدنايا العسكري (حسن صوفان/أبو البراء) وهو من مواليد محافظة اللاذقيّة 1979، وقد تمّ الإفراج عنه إثر صفقة تبادل أجريت في نهاية عام 2016..
[3] ينحدر مقاتلوه من تركستان الشرقية في الصين، حيث انتقل مقاتلوه إلى سورية بعد مقتل زعيم طالبان حكيم الله مسعود في عام2013، وهم يقاتلون بالتعاون مع جبهة النصرة بشكل أساسي وذلك لقربهم من فكر القاعدة، كما أنهم يتوزعون في ريف ادلب الغربي ويقدر عددهم بحوالي 4000 آلاف مقاتل.
[4] جيش النخبة: كان يسمّى سابقاً جيش التحرير وهو فصيل معارض عسكري تأسّس في أواخر شهر شباط/فبراير 2016 عبر اندماج خمسة فصائل عسكريّة هي: (جبهة الشام والفرقة 46 والفرقة 312 واللواء التاسع وسرايا الحق 314).
[5] جيش العزّة: وكان يسمّى سابقاً تجمّع العزّة، وهي جماعة معارضة عسكريّة تنشط في سهل الغاب شمال حماه، ويقع مقر الجماعة في مدينة اللطامنة في محافظة حماه.
[6] جيش النصر: وهو فصيل معارض عسكري تأسّس في آب/أغسطس 2015 بعد اندماج عدّة فصائل مقاتلة في إدلب وحماه وريفها، وكان الهدف المعلن من تشكيل جيش النصر هو تحرير مدينة حماه وريفها من قوّات الحكومة السوريّة.
[7] جيش إدلب الحر: هو تحالف عسكري سوري معارض يتألّف من ثلاث جماعات مسلّحة معارضة تنشط في شمال/غرب سوريا وهي: (الفرقة 13 والفرقة الشماليّة ولواء صقور الجبل).