مقدمة: بتاريخ 15حزيران/يونيو 2017، بدأت القوات النظامية السورية هجومها الأعنف على المناطق الواقعة شرقي العاصمة دمشق، وذلك بغية التقدم فيها ومحاصرة حي جوبر الدمشقي آخر معقل للمعارضة السورية المسلحة في العاصمة، لذا لم تتوقف عن محاولة استعادة تلك المناطق، مستخدمة ًخلال هجماتها كافّة أنواع الأسلحة من الطيران الحربي والمدفعية الثقيلة وصواريخ الفيل، وعلى الرغم من إبرام اتفاق خفض التصعيد[1] الذي شمل الغوطة الشرقية بتاريخ 4 أيار/مايو 2017، إلا أنه تم تسجيل ثلاث هجمات استخدمت فيها غازات سامة من قبل القوات النظامية السورية على عدة نقاط اشتباك مع فصائل المعارضة السورية المسلحة -فيلق الرحمن- خلال شهر تموز/يوليو 2017، وذلك وفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في الغوطة الشرقية، والذي قام بإجراء عدة مقابلات مع أشخاص تعرضوا لتلك الغازات وكوادر طبية تعاملت مع الحادثة.
أولاً: هجوم محمل بغازات سامة على إحدى نقاط الاشتباك في بلدة عين ترما:
في حوالي الساعة الخامسة صباحاً من تاريخ 20 تموز/يوليو 2017، تم استهداف إحدى نقاط الاشتباك في بلدة عين ترما بما يعتقد أنه غاز الكلور السام (تتوافق الأعراض التي ظهرت على المصابين مع أعراض استخدام غاز الكلور)، وذلك وفقاً لإفادات العديد من مقاتلي فصيل فيلق الرحمن، حيث أكد أحد مقاتلي الفصيل بأن مصدر الغاز السام كان قنبلة يدوية ألقيت عليهم من السواتر التي تتحصن بها القوات النظامية السورية، فيما أشار إلى أن الهجوم لم يسفر عن وقوع أي قتلى وتابع قائلاً:
"خلال تواجدنا على جبهة عين ترما، وبينما كنا في حالة استنفار شديد من محاولات النظام المتكررة لاقتحام نقاطنا، تناهى إلى مسامعنا صوت انفجار قنبلة، وماهي إلا لحظات حتى شممنا رائحة غريبة، وعلى الفور سارعت إلى وضع القناع الواقي، ثم قام أحد أحد زملائي بطلب المسعفين، إلا أن ثلاثة من زملائي المقاتلين كانوا قد أصيبوا بحالة من الاختناق والسعال وضيق التنفس، ماجعلنا نقوم بإسعافهم إلى عدة مراكز طبية نظراً لكثرة أعداد المصابين."
وقد أظهر شريط فيديو نشره المكتب الطبي لحي جوبر بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017، بعض المصابين الذين ظهرت عليهم أعراض الإصابة بالغازات السامة كالاختناق وضيق التنفس، وذلك في إحدى النقاط الطبية الكائنة في بلدة زملكا-الغوطة الشرقية- بريف دمشق.
الطبيب حمزة وهو الأطباء الذين كانوا متواجدين في النقطة الطبية التي تم نقل المصابين إليها، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول الأعراض التي ظهرت على المصابين قائلاً:
"في تمام الساعة الخامسة ونصف صباحاً، استقبلنا في المركز عشرات المصابين من مقاتلي فيلق الرحمن، وخلال علاجنا لعدد من الحالات، ظهرت على المصابين أعراض كاحتقان الملتحمة وتسارع التنفس إضافة إلى السعال الشديد وتخرش الأنف، الأمر الذي يرجح استخدام غازات سامة خلال الهجوم، ومن الجدير ذكره أن تلك الحالات التي وردت إلينا ظهر عليها التحسن بعد (24)ساعة من علاجها، إلا أننا لا نستطيع الجزم بأن الغاز المستخدم هو غاز الكلور إلا من خلال تحليله، الأمر الذي لا يمكننا فعله في ظل الحصار المطبق على الغوطة الشرقية، لكن وبحسب الأعراض التي ظهرت على المصابين فأنا أرجح أنهم تعرضوا لغاز الكلور."
وفي شهادة متقاطعة قال الممرض حسام -وهو أحد الذين كانوا متواجدين في النقطة الطبية التي تم إسعاف المصابين إليها- بأن الأعراض التي ظهرت على المصابين تشير إلى أن غاز الكلور هو الذي تم استخدامه في الهجوم، ولا سيما أن معظم الأعراض التي ظهرت على المصابين كانت تشير إلى ذلك، كالسعال الشديد وضيق التنفس فضلاً عن الرائحة التي انبعثت من ملابس المقاتلين، كما أضاف الممرض حسام بأنهم عالجوا تلك الأعراض من خلال وضع المصابين على "المنفسة الطبية" والتي تعمل على استخراج الغاز السام من الرئة، حيث استمر العلاج على هذا الحال عدة ساعات حسب وصفه.
صورة أخرى تظهر أحد المصابين بالغاز السام من مقاتلي فصيل فيلق الرحمن في إحدى النقاط الطبية في زملكا -الغوطة الشرقية- بريف دمشق وذلك بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017، مصدر الصورة: حساب الفيس بوك للمكتب الطبي لحي جوبر.
ثانياً: استهداف بعض نقاط الاشتباك في بلدتي عين ترما وزملكا بغازات سامة على مدار يومين متتالين:
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فليست تلك المرة الأولى التي تتعرض فيها نقاط تتمركز فيها فصائل المعارضة السورية المسلحة، إلى الهجوم بواسطة الغازات السامة، ففي حوالي الساعة (1:30) صباحاً من يوم 2 تموز/يوليو 2017، عاودت القوات النظامية السورية الهجوم بواسطة غاز سام يعتقد أنه غاز الكلور أيضاً، وذلك على إحدى النقاط التي يتمركز فيها فصيل فيلق الرحمن في بلدة زملكا– الغوطة الشرقية-بريف دمشق، وهو الأمر الذي أكده لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة العديد من العاملين في النقطة الطيبة التي تم نقل المصابين إليها، والذين أشاروا إلى أن الهجوم لم يسفر عن وقوع أي قتلى، بل أدى إلى إصابة العديد من المقاتلين بحالات اختناق شديد وأعراض ترجح أنها ناتجة عن استخدام غاز الكلور السام .
وفي يوم السبت الموافق 1 تموز/يوليو 2017، تعرضت إحدى نقاط الاشتباك التي يتمركز فيها فصيل فيلق الرحمن أيضاً في بلدة عين ترما-الغوطة الشرقية-بريف دمشق، إلى قصف مدفعي محمل بالغازات السامة، وفي هذا الصدد تحدث (عبد الله الأحمد) وهو أحد االممرضين الذين قاموا بعلاج المصابين في إحدى النقاط الطبية في زملكا-الغوطة الشرقية-بريف دمشق، حيث قال:
"في حوالي الساعة (3:00) عصراً ورد إلى مركزنا وحده حوالي الثماني إصابات من مقاتلي فيلق الرحمن، حيث كانوا يعانون من حالات اختناق شديد واحتقان ملتحمة وتسرع التنفس، مايشير إلى أن الغاز الذي تم استخدامه في ذلك اليوم هو غاز الكلور السام أيضاً، وعقب شهر أبريل/نيسان 2017، لم يكد يخلو أسبوع واحد إلا ونستقبل فيه مابين (1-4) إصابات نتيجة استنشاقهم لغاز الكلور السام، ومعظمهم مقاتلين من فيلق الرحمن."
وفي سياق متصل أكدت مديرية الصحة (شعبة الغوطة الشرقية) في بيانها الصادر بتاريخ 3 تموز/يوليو 2017، على أنه وفي عصر يوم السبت الموافق 1 تموز/يوليو 2017، ورد إلى مشافيها (30)مصاباً بحالة اختناق من جبهة "وادي عين ترما"، نتيجة قصفهم بغاز واخز الرائحة، كما أشارت إلى أن الأمر تكرر يوم الأحد 2 تموز/يوليو 2017، فقد وردت إلى مشافيها عشر حالات تعاني ذات الأعراض إثر تعرضهم للقصف بالغاز أيضاً على جبهة زملكا، حيث تم علاج المصابين وتحسنت حالتهم بشكل جيد خلال 24 ساعة مايرجح أنهم تعرضوا للقصف والإصابة بغاز الكلور.
صورة تظهر البيان الذي صدر عن مديرية الصحة (شعبة الغوطة الشرقية) بتاريخ 3 تموز/يوليو 2017، والذي أكد على تعرض بعض نقاط اشتباك في بلدتي زملكا وعين ترما، إلى الهجوم بواسطة غاز سام يعتقد أنه غاز الكلور وذلك بتاريخ 1 تموز/يوليو 2017، و2 تموز/يوليو 2017، مصدر الصورة: صفحة أخبار جوبر.
وبدوره كان فصيل فيلق الرحمن قد أصدر بياناً بتاريخ 3 تموز/يوليو 2017، وذلك عقب الهجومين اللذين وقعا بتاريخ 1 و2 تموز/يوليو 2017، واللذين استهدفا نقاط اشتباكهما مع القوات النظامية السورية في بلدة عين ترما وزملكا-الغوطة الشرقية- بريف دمشق، حيث دعا فيه المجتمع الدولي إلى اتخاذ الاجراءات اللازمة لوقف استخدام الغازات السامة والأسلحة الكيميائية ضد السوريين.
صورة تظهر البيان الذي صدر عن فصيل فيلق الرحمن بتاريخ 3 تموز/يوليو 2017، حيث جاء فيه تفاصيل الهجومين اللذين وقعا بتاريخ 1 و2 تموز/يوليو 2017، واللذين كانا محملين بما يعتقد أنه غاز الكلور، وذلك على عدة نقاط اشتباك بين فصيل فيلق الرحمن والقوات النظامية السورية في بلدة عين ترما وزملكا-الغوطة الشرقية-بريف دمشق، مصدر البيان: الصفحة الرسمية لفصيل فيلق الرحمن.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة كانت قد وثقت في تقرير سابق لها، استخدام القوات النظامية السورية لغازات سامة على إحدى نقاط الاشتباك مع فصائل المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، وذلك بتاريخ 22 نيسان/أبريل 2017. كما قامت المنظمة بالإشتراك مع منظمة (العدالة من أجل الحياة) بإصدار تقرير خاص حو الهجوم الكيميائي الذي تعرّضت له مدينة خان شيخون وذلك بتاريخ 4 نيسان/أبريل 2017.
[1] تم توقيعه خلال مؤتمر الآستانة ) 4 ( بين تركيا و روسيا و إيران، حيث تم الاتفاق على خفض التصعيد و إقامة أربع مناطق آمنة في سوريا لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، ومن ضمن هذه المناطق الغوطة الشرقية و محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة ( اللاذقية و حماه وحلب ).