الرئيسية صحافة حقوق الإنسانقصص وشهاداتقصص مكتوبة “كنا ومازلنا كالغرباء في مجتمعنا”

“كنا ومازلنا كالغرباء في مجتمعنا”

قصة "رشيد حسن حسين".. والحرمان من كل شيء..

بواسطة wael.m
66 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية, الكردية حجم الخط ع ع ع

مازال رشيد يتحسّر على نفسه حتى يومنا هذا، فهو لم يتمكن من إتقان اللغة العربية ولم يكن من حقه إتمام تعليمه، بل إنه اضطرّ للعمل في طلاء المنازل "دهان" في سن مبكرة، لكسب قوت عائلته التي ليس لها معيل سواه، وكل ذلك لأنه واحد من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية.

"رشيد حسن حسين" من مواليد مدينة رأس العين/سري كانييه عام (1977)، متزوج ولديه ابنتان، وعلى الرغم من مضي 56 عاماً على الإحصاء الاستثنائي الذي أجري عام (1962)، لازال أفراد عائلة "رشيد حسين"، محرومين من الجنسية وتحديداً من فئة "مكتومي القيد" في سوريا، وهو ما سبّب لهم خيبة أمل كبيرة على حد وصفه، حيث روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر تموز/يوليو 2018 قائلاً:

"لازلنا أنا وكافة أفراد عائلتي العشرة مكتومي القيد، باستثناء والدتي التي تحمل الجنسية السورية منذ ولادتها، ورغم صدور المرسوم القاضي بمنح الجنسية لأجانب الحسكة، إلا أنّ وضعنا القانوني لم يتغير، فبعد صدور القرار المذكور راجعت دائرة النفوس مراراً وتكراراً لمدة سنة، وفي كل مرة كان الموظفون هناك يطلبون منا الانتظار والترّيث، ويقولون لنا بأنهم سيبدأون بمنح الجنسية لمكتومي القيد بعد الانتهاء من منحها للأجانب، وذلك وفقا للتعليمات الواردة إليهم، وبقينا ننتظر لأكثر من عام، حيث كنت أُسيّر خلالها بعض الإجراءات للحصول على الجنسية، وقمت بتجديد شهادة التعريف الخاصة بي كمكتوم قيد لدى المحكمة الشرعية في رأس العين/سري كانيه، حتى أقدمها للنفوس عند فتح باب منح الجنسية لمكتومي القيد، ولكن لم أنل سوى خيبة الأمل، فقد أخبرني موظفو النفوس لاحقاً في منتصف عام 2012 بورود قرار إليهم يقضي بعدم منح الجنسية لمكتومي القيد، وبأنّ القرار رقم /49/ يشمل الأجانب فقط، ولم يأتِ بذكر مكتومي القيد، ومنذ حينها وأنا أراجع النفوس دورياّ، ولكن بدون فائدة، وذلك حتى مطلع عام 2018، حيث سمعت أنّ بعض من اقربائي مكتومي القيد أصبحوا مواطنين وحصلوا على دفتر العائلة عن طريق أحد المحامين المقرّبين من الحكومة السورية، بعد أن دفعوا مليوني ليرة سورية مقابل كل دفتر عائلة، وأخبرونا بأنها الطريقة الوحيدة لنصبح مواطنين، وفعلاً قابلت المحامي وقال لي بأنّ الإجراءات تسير بشكل قانوني حيث سنصبح أجانب وبعدها مواطنين سوريين بموجب القرار رقم /49/، ولكن مقابل دفعنا مليوني ليرة سورية كثمن لذلك، عدا عن تكاليف الإجراءات القانونية الأخرى حتى الحصول على دفتر العائلة ولاحقاّ الهوية الشخصية لكل أفراد العائلة، ولكن ليس باليد حيلة، فوضعي المادي سيء جداً ولا أملك شيئا أعوّل عليه لأنهي محنة عائلتي، وعليه سنبقى كذلك سنين أخرى، عسى أن يتغير شيء".

يعمل رشيد في طلاء المنازل، ويشقى لكسب قوت عائلته، التي ليس لها معيل سواه، محروماً من حقوقه الاقتصادية منذ ولادته، وتحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد حيث قال:

"أعمل في طلاء المنازل منذ بداية دخولي في معترك العمل، وربما هو السبيل الوحيد لتأمين لقمة عيش عائلتي، المؤلفة من زوجتي وابنتيّ، بالإضافة إلى أمي وإحدى شقيقاتي، لأنني كمكتوم قيد لا يحق لي العمل لدى مؤسسات الحكومة السورية، وحتى في القطاع الخاص لم يكن مرغوب بنا لدى أرباب العمل، فعدم حيازتنا أي وثائق ثبوتية معترف بها لدى الحكومة السورية كان يعرضنا دائما للمساءلة، ولهذا السبب فإنّ وضع العائلة المادي سيء جداً، ولا نملك سوى المنزل الذي نقطنه في رأس العين/سري كانيه، والذي تركه لنا والدي، ولازال مسجلا باسم أحد اصدقائه، لأننا لا نحظى بحق امتلاك عقار أو ارض أو سيارة أو أي شيء آخر، وللأسف فأن هذا الوضع لم يتغير بعد صدور القرار رقم /49/ كما كنا متوقعين، ولا أعلم متى سنحصل على هذا الحق المشروع، إلا وهو حق المواطنة".

يُلم "رشيد حسين" القراءة والكتابة باللغة العربية نوعاً ما، لأنه درس حتى الصف السادس الابتدائي فقط، قبل أن يترك مقاعد الدراسة ليعمل على تأمين لقمة عيش العائلة، ولازال يعاني كما باقي افراد عائلته الحرمان من أبسط الحقوق الاجتماعية، حيث تحّدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"جميع أفراد العائلة لم يدرسوا أبعد من المرحلة الابتدائية، لأنه لا يحق لنا كمكتومي القيد الحصول على شهادة تخرّج من الجامعات السورية، العامة منها والخاصة، وحتى التسجيل في المدرسة الابتدائية يتمّ بموجب ورقة سند إقامة من مختار الحي، لذا فقد كان الصف السادس الابتدائي محطتي الأخيرة في رحلة الدراسة، لأنتقل إلى رحلة العمل، إلا أنني بقيت على صلة مع القراءة عبر الكتب والمجلات وغيرها، فقد كان همّي ألا أكون شخصاً جاهلاً، وأن أحظى بما أمكن من الثقافة، وفي الجانب الصحي أيضاً لا يحق لنا الاستطباب في المشافي العامة، باستثناء بعض المرات في الحالات الإسعافية فقط. ولا زلنا مضطرين للحصول على العلاج في المشافي والعيادات الخاصة، والتي تثقل تكاليفها كاهلنا".

وصف "رشيد حسين" حالة التأقلم مع أن تكون "مكتوم القيد" في سوريا بالصعبة، نظراً لأنه وباقي أفراد عائلته لم يكن يتمتع بأي حقوق مدنية أو سياسية، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:

"لم نحظَ بحق الترّشح أو التصويت في أي مرحلة من مراحل العملية السياسية في سوريا، لأننا لم نكن نملك أي وثائق تثبت هويتنا، باستثناء انتخابات الإدارة الذاتية المحلية خلال السنوات الأربع الأخيرة، والتي حصلت فيها على حق التصويت والترشح لأنه ليس معترفاً بها لدى الحكومة السورية، فالقانون السوري ينظر إلينا كغرباء أو دخلاء، والأسوأ من ذلك أنه وعلى الرغم من عدم اعتبارنا مواطنين سوريين، ليس مسموحاً لنا السفر إلى خارج سوريا أيضاً، والداخل السوري هو المساحة الوحيدة التي نستطيع التحرك ضمنها، بالإضافة إلى عدم إمكانية الحجز والنوم في الفنادق، وذلك لعدم امتلاكنا أي اوراق ثبوتية، وحتى زواجنا أنا واخوتي تمّ بحسب الشريعة الإسلامية ولم يتم تسجيله قانونياً، وأنا لا أملك أية وثيقة سورية حتى الآن، باستثناء شهادة التعريف المصدّقة من المحكمة الشرعية في رأس العين/سري كانيه، والتي تثبت أنني مكتوم القيد".

اعتبر "رشيد حسين" أن الحلّ الوحيد لتعويض "مكتومي القيد" هو بمنحهم الجنسية والاعتذار لهم، وتحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:

"واجهت الكثير من المواقف المحرجة طوال حياتي لأنني لم أكن مواطناً، فالأجانب مثلا كانوا يحملون وثيقة حمراء اللون كإثبات حول شخصيتهم ومكان إقامتهم، وكان بعض الناس يسمونها "وثيقة البقر" ويستهزؤون بها، أما نحن فكان وضعنا أصعب، فحتى هذه الوثيقة لم نكن نملكها، وفي المرحلة الابتدائية كان بعض الطلاب يستهزئون بي أحيانا عن غير قصد لأنني مكتوم القيد، ولم يكن يتم إشراكي في النشاطات المدرسية كمسابقة الرواد ومعسكر الطلائع، ما كان يخلق لدي إحساسا بعدم الانتماء إلى المدرسة، وأن الدراسة غير مجدية، فقد كنا نعامل كغرباء في مجتمعنا، والوضع خارج محافظة الحسكة كان أصعب، فموظفي المؤسسات الحكومية والناس العاديون على حد سواء، لم يكونوا على دراية بقصة مكتومي القيد، وكانوا عندما يعرفون أنني مكتوم القيد ولا أملك بطاقة شخصية سورية، يعتقدون أنني قادم من دولة أخرى أو ما شابه، وبرأيي فإنّ السبيل الوحيد لتعويض مكتومي القيد هو بمنح الجنسية السورية لجميعهم، لأنّ الكثير مثلنا مكتومي القيد ولازالوا مجردين من الجنسية، كما يجب منحهم كافة الوثائق القانونية التي تعيد لهم اعتبارهم، وأتمنى أن يحصل ذلك قريباً، كما يجب اعفاء الذكور الذين تجاوزوا التاسعة عشر عاماً من الخدمة العسكرية".

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد