مقدمة: واصلت الإدارة الذاتية في شمال سوريا، اعتقالها للعديد من الشبان في مناطق سيطرتها، وذلك بغية سوقهم وتجنيدهم إجبارياً، وذلك تحت بند واجب الدفاع الذاتي الذي تمّ الإعلان عنه رسمياً بتاريخ 21 تموز/يوليو 2014، ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليه سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر كانون الثاني/يناير 2018، فإنّ العديد من الشبان تمّ اقتيادهم مباشرة إلى معسكرات التجنيد التابعة للإدارة الذاتية، رغم أنهم مستثنون من الخدمة لأسباب عدة ومنها التأجيل الدراسي.
وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد عمدت الإدارة الذاتية إلى اعتقال المزيد من الشبان في محافظة الحسكة، وذلك بالتزامن مع العمليات العسكرية[1] التي بدأتها قوات سوريا الديمقراطية، من أجل طرد مسلحي تنظيم "داعش" من محافظتي دير الزور والرقة، ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، فحتى بعض العاملين في سلك التربية والتعليم لم يسلموا أيضاً من هذا الاعتقال والتجنيد الإجباري، رغم أنهم حاصلون على ورقة رسمية تخولهم التأجيل من الخدمة.
أولاً: الإدارة الذاتية وتشكيلها وإصدارها لقانون واجب الدفاع الذاتي:
بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2014، تمّ تشكيل الإدارة الذاتية في شمال سوريا من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب كردية وعربية وسريانية متحالفة معه، وتمّ على إثر ذلك تشكيل ثلاث مقاطعات وسميت بالـ "كانتونات" وهي:
- كانتون الجزيرة.
- كانتون كوباني.
- كانتون عفرين.
لتشكل كل مقاطعة مجلسها والتي ستتمثل في المجلس العام.
وتضم الإدارة الذاتية (16) هيئة وهي (هيئة البلديات والبيئة وهيئة العلاقات الخارجية وهيئة الدفاع والحماية الذاتية وهيئة الداخلية وهيئة شؤون الشهداء وهيئة المرأة وهيئة الثقافة والفن وهيئة السياحة وحماية الآثار وهيئة التربية والتعليم وهيئة الاقتصاد وهيئة المالية وهيئة العمل والشؤون الاجتماعية وهيئة الصحة وهيئة الطاقة وهيئة الشباب وهيئة العدل).
وبهذه الهيئات استطاعت الإدارة الذانية أن تحكم سيطرتها على المناطق التابعة لها، إذ أنّ هيئة الدفاع والحماية الذاتية كانت معنية أول الأمر بالشؤون العسكرية المتعلقة بوحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ ، لكن وبتاريخ 21 تموز/يوليو 2014، أصدرت هيئة الدفاع أول قانون لها ضمن بند الحماية الذاتية، حيث قضى هذا القانون بأنّ:
"على كل أسرة أن تقدم أحد أفراداها ممن تتراوح أعمارهم مابين (30-18) عاماً من أجل أداء واجب الدفاع الذاتي الذي يستمر مدة (6) أشهر".
وبحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ القرار السابق لم يلقَ أي استجابة تذكر من قبل الشبان المتواجدين في مناطق سيطرة الإدارة الذانية، ولاسيما أنّ العديد منهم نجح في تجنب الخدمة الإلزامية العسكرية في صفوف الجيش النظامي السوري منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، وذلك بسبب تواجدهم في المناطق الكردية.
صورة تظهر الدفتر الخاص بأداء واجب الدفاع الذاتي في مناطق سيطرة الإدراة الذاتية، مصدر الصورة: نشطاء من شمال سوريا.
ثانياً: بداية التجنيد الإجباري في معسكرات الإدارة الذاتية:
في يوم 1 شباط/فبراير 2015، بدأت قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية بشن حملة اعتقالات على الحواجز التابعة لها في مناطق سيطرتها، وذلك بغية سوق الشبان إلى واجب الدفاع الذاتي بالإجبار، وهو الأمر الذي أكده (حميد.خ) وهو أحد شبان مدينة القامشلي الذين تمّ سوقهم لهذا الغرض رغم كونه في حكم "المؤجل دراسياً"، وفي هذا الخصوص تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"بتاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، قدمت من مدينة القامشلي إلى مدينة الحسكة على متن أحد الحافلات من أجل تقديم امتحاناتي، إلا أنّ أحد الحواجز ويدعى حاجز (الصباغ) أو مايعرف بحاجز بداية الحسكة، قام بإيقافي بصحبة عدد من الشبان وطلب منا بطاقاتنا الشخصية، كما طلب منا الترجّل من الحافلة، ليتم بعدها إدخالنا إلى حافلة أخرى، ومن ثمّ تمّ اقتيادنا إلى مركز الأسايش العام في مدينة الحسكة وزجنا في زنزانة دون أي سبب أو تبرير، وبعد حوالي (5) ساعات، جاء إلينا أحد العناصر وطلب منا أن نتعهد بإصدار دفاتر خدمة واجب الدفاع الذاتي، وقال لنا بأنه اعتباراً من اليوم ولغاية أسبوع، إذا لم نقم بإصدار دفاتر أداء واجب الدفاع الذاتي، فإنهم سيقومون بمداهمة بيوتنا وسوقنا عنوة إلى الخدمة العسكرية."
وبهذا التصرف الذي لجأت إليه الإدارة الذاتية، تمّ إجبار العديد من الشبان على إصدار الدفاتر المخصصة بأداء واجب الدفاع الذاتي، وبتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2016، عمدت الإدارة الذاتية إلى رفع شهور الخدمة العسكرية إلى تسعة أشهر عوضاً عن ستة أشهر، وفي هذا الخصوص تحدث سهل عايد-اسم مستعار- (25) عاماً، وهو أحد شبان بلدة تل براك الواقعة جنوبي مدينة القامشلي، والذي تمّ سوقه إجبارياً إلى أداء واجب الدفاع الذاتي، رغم كونه هو الآخر في حكم "المؤجل دراسياً"، حيث اكتفى بالقول:
"بتاريخ 2 أيار/مايو 2015، تمّ اقتيادي إلى الخدمة الإلزامية، وخلال الفترة التي أمضيتها في معسكر تل البيدر الواقع شمال غربي مدينة الحسكة، كانوا يخبروننا على الدوام، بأنّ مدة خدمتنا العسكرية ستكون (9) أشهر بدلاً من (6) أشهر بحجة أننا لم نلتحق طواعية بالخدمة العسكرية."
ثالثاً: اعتقال عشرات الشبان في محافظة الحسكة رغم أنهم مستثنون من الخدمة:
تزامناً مع العمليات العسكرية التي بدأتها قوات سوريا الديمقراطية لطرد مسلحي تنظيم "داعش" من محافظتي دير الزور والرقة، قامت قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية إلى جانب عناصر من الشرطة العسكرية التابعة لواجب الدفاع الذاتي، بسوق عشرات الشبان إلى أداء واجب الدفاع الذاتي، حتى إن كانوا قد بلغوا سن الثامنة عشر لتوهم أو أنهم لم يتجاوزوه بعد-وذلك بحسب مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة- أو أنهم كانوا مستثنين من الخدمة لأسباب أخرى، وفي هذا الخصوص تحدث سلمان كامل-اسم مستعار- وهو أحد سكان مدينة الحسكة:
"بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، خرجت من منزلي بهدف زيارة أحد أقاربي في حي تل الحجر الكائن في مدينة الحسكة، وعندما وصلت إلى أحد الحواجز العسكرية ويعرف بحاجز "دوار الصناعة"، تمّ طلب دفتر التجنيد الخاص بي، ومن سوء حظي أنه لم يكن بحوزتي حينها، وعلى الفور تمّ وضعي في أحد الحافلات وبعدها تمّ اقتيادي إلى فرع التجنيد الخاص بالإدارة الذاتية في حي الكلاسة، وفي اليوم ذاته تمّ إلحاقي للخدمة داخل معسكر "كر زيرو" الواقع شمال شرقي مدينة الحسكة، علماً بأنني مؤجل دراسياً بما أنني طالب في كلية الاقتصاد، وفي اليوم التالي حاول والدي مراجعة فرع التجنيد، وإعطاءهم دفتر التجنيد الخاص بي، والتوضيح لهم بأنني مؤجل دراسياً، لكن دون جدوى."
وبهذه الوتيرة أصدرت الإدارة الذاتية قراراً بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر 2017، قضت بموجبه رفع شهور الخدمة العسكرية من تسعة أشهر حتى سنة كاملة.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر القرار الصادر عن الإدارة الذاتية والخاص بالمستثنين من
خدمة واجب الدفاع الذاتي.
أبو أحمد، رب أسرة ووالد لشابين تمّ سوق أحدهما لخدمة واجب الدفاع الذاتي، في أحد معسكرات الإدارة الذاتية الواقعة في منطقة "البانوراما" جنوب مدينة الحسكة، وذلك بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 2018، وفي هذ الخصوص تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"كان أحمد طالباً في كلية الهندسة المدنية في مدينة دمشق، وكان حاصلاً على التأجيل الدراسي بسبب ذلك، لكن ومع بداية عام 2018، تمّ إلقاء القبض عليه من قبل أحد الحواجز العسكرية في وسط مدينة الحسكة ويعرف باسم حاجز "الدولي، وذلك بعدما اتهمه أحد العناصر بأنّ تأجيله مزور،حيث تمّ اقتياده بدايةً إلى فرع التجنيد في مدينة القامشلي، وبعدها تمّ سوقه مباشرة إلى الخدمة الإلزامية، فحاولت مراجعة فرع التجنيد في مدينة القامشلي، وأكدت لهم على أنّ ابني طالب "ماجستير"، إلا أنهم طلبوا مني إحضار بيان صحة مصدقة من الكلية التي يدرس فيها، لكن ولدى مراسلتي إدارة الكلية أخبروني أنّ الأمر بحاجة إلى وكالة قانونية ودراسة أمنية حتى يتم النظر في أمور الدراسة والتأجيل، لكنني حتى الآن لم أتمكن من رؤية ابني أحمد حتى يقوم بالتوقيع على ورقة الوكالة القانونية."
وفي شهادة أخرى أدلى بها (سالم.خ) وهو والد لشاب في العقد العشرين من عمره، تمّ سوقه بالإجبار إلى صفوف خدمة واجب الدفاع الذاتي بتاريخ 10 كانون الثاني/يناير 2018، على الرغم من أنه عامل في سلك التربية والتعليم في مدينة الحسكة كما أنه حاصل على ورقة تخوله التأجيل من خدمة واجب الدفاع الذاتي، وفي هذا الخصوص تحدث قائلاً:
"في يوم 10 كانون الثاني/يناير 2018، بعثت هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية وراء ابني وعدد من المدرسين الذين يعلمون معه في المعهد، من أجل حضور اجتماع طارئ في مدينة القامشلي، وخلال الطريق تمّ إيقافهم من قبل أحد الحواجز التابعة للإدارة الذاتية، ومن ثمّ اعتقالهم وسوقهم إلى التجنيد الإجباري، وعلى الفور قمت بمراجعة فرع التجنيد الخاص في مدينة الحسكة، وبدورهم أخبروني بأنّ علي مراجعة هيئة التربية في مدينة القامشلي، لكنهم في هيئة التربية فاجأوني عندما قالوا لي بأن تأجيل ابني لم يعد سارياً رغم أنّه ليس كذلك، كما أخبروني بانّ ابني سيقوم بأداء واجب الدفاع الذاتي شاء أم أبى، فشعرت حينها بأنّ الاجتماع الذي تمّ طلب المدرسين إليه ماهو إلا حيلة من أجل الإيقاع بهم وسوقهم للخدمة الإلزامية بالإجبار."
الإطار القانوني:
أصدرت سلطات الإدارة الذاتية في 21 تموز/يوليو 2014، قانوناً يطالب كل أسرة أن تقدم واحداً من أفردها ممن هم بين سن 18 و 30 سنة لأداء الخدمة العسكرية لمدة ستة أشهر. والتي مددت لاحقاً إلى تسعة أشهر ومن ثم إلى سنة. وتفيد التقارير بأن الشبان غالباً ما يتم سحبهم إلى التجنيد الإجباري عند إيقافهم على الحواجز العسكرية. وأن سلطات الإدارة الذاتية تتجاهل بشكل روتيني الأوراق التي تسمح بتأجيلهم للخدمة العسكرية. تبحث هذه الورقة الإطار القانوني الدولي الساري على التجنيد القسري للبالغين في القوات المسلحة للأطراف الفاعلة من غير الدول.
مجموعة القوانين ذات الصلة – إمكانية تطبيقها:
القانونان ذوا الصلة هما القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. وكقاعدة عامة، القانون الدولي الإنساني لا يطبق إلاّ أثناء النزاعات المسلحة، في حين أن القانون الدولي لحقوق الإنسان يطبق في أوقات السلم والحرب على السواء. وعند تطبيق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان في سياق نزاع مسلح، فإنها تعدل جزئياً لتتناسب مع الظروف الخاصة لهذا النزاع.[2]
ويمكن القول بأن لكل من القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني صلة بالمسألة قيد النقاش. ومن المسلم به الآن عموما أن القانون الدولي الإنساني لا يطبق فقط في المناطق التي يحدث فيها القتال الفعلي، بل يطبق أيضاً على الأفعال التي تحدث في أماكن أخرى ولكنها "ذات صلة وثيقة" بالأعمال القتالية.[3] ويمكن القول بأن أعمال التجنيد القسري تندرج ضمن فئة الأفعال ذات الصلة الوثيقة بالأعمال القتالية حتى وإن وقعت في مناطق لا تتأثر بها مباشرة.
في النزاع المسلح غير الدولي، يطبق القانون الدولي الإنساني على كل من الدول والجماعات المسلحة المنظمة الغير تابعة للدولة. وإن الإدارة الذاتية منظمة بما يكفي لتكون قواتها المسلحة ملزمة بالقانون الدولي الإنساني. ويناقش المبدأ حالياً إمكانية تطبيق اللوائح الدولية لحقوق الإنسان على الجهات الفاعلة من غير الدول. إذ أنه ووفقاً للنهج التقليدي، فإن التزامات حقوق الإنسان لا تكون ملزمة إلا للدول ولا تلزم كيانات أخرى مثل الجهات الفاعلة غير الحكومية. وثمة من يجادل أن النهج التقليدي يصبح أقل إقناعاً تدريجياً وأن الجهات الفاعلة من غير الدول مثل الإدارة الذاتية ملزمة بنفس القدر بالتزامات حقوق الإنسان. ويؤيد عدد من المعلقين الفكرة القائلة بأن التزامات حقوق الإنسان تلزم الجهات الفاعلة من غير الدول، ولا سيما عندما يكون لديها سيطرة كبيرة على الأرض والسكان، وتتمتع بهيكل سياسي محدد المعالم.[4]
وبالإضافة إلى ذلك، فقد اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العقدين الأخيرين عدة قرارات تدعو الجهات الفاعلة من غير الدول إلى وقف انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يعني ضمناً تطبيق التزامات حقوق الإنسان على الجهات الفاعلة من غير الدول[5]. وأخيراً، أكدت الإدارة الذاتية صراحة وطواعية التزامها بالتقيد بالتزامات حقوق الإنسان. ففي كانون الثاني/يناير 2014 أقرت الإدارة الذاتية ميثاق العقد الاجتماعي، وهو الوثيقة الدستورية للأقاليم الخاضعة لسيطرتها. وتنص المادة 21 منه على أن "الميثاق يتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وغيرها من اتفاقيات حقوق الإنسان المعترف بها دولياً"[6]
إن حقيقة أن الجهات الفاعلة غير الحكومية ملتزمة بالتزامات حقوق الإنسان لا تعني أنها يمكن أن تعامل بنفس الطريقة التي تعامل بها الدول. وفي معظم الحالات، لا تملك الجهات الفاعلة غير الحكومية القدرة على ضمان تطبيق حقوق الإنسان الدولية في الإقليم الخاضع لسيطرتها بشكل كامل، ومن غير المناسب توقع ذلك. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يجمع المعلقين على أن مدى تطبيق التزامات حقوق الإنسان على الجهات الفاعلة غير الحكومية يعتمد على السياق.[7] فالجهات الفاعلة غير الحكومية تكون ملزمة بمزيد من التزامات حقوق الإنسان تبعاً بالقدر الذي تحل فيه محل سلطة الدولة.[8] وبالتالي، فإن الجهات الفاعلة من غير الدول التي حلت بالفعل محل سلطة الدولة والتي تمارس سيطرة كاملة على أراضٍ وسكان، مثل الإدارة الذاتية، تخضع لالتزامات أكبر بكثير في مجال حقوق الإنسان من تلك التي تخضع لها جماعة حرب العصابات في المراحل الأولية من التمرد.[9]
- التجنيد القسري في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان:
السخرة
إن السؤال الأول الذي يطرحه التجنيد القسري هو ما إذا كانت الخدمة العسكرية الإلزامية تعتبر عمل سخرة بموجب اللوائح الدولية لحقوق الإنسان. حيث أن المادة 8 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تحظر إخضاع الأفراد لأداء السخرة.[10] و إن العهد ينص على أن مصطلحي "العمل السخرة أو الجبري" لا ينبغي أن يشمل أية خدمة ذات طابع عسكري[11] وبالمثل، فإن اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 29 تستبعد تطبيق أحكام السخرة على الخدمة العسكرية.[12]
التجنيد من قبل جهات فاعلة من غير الدول
إن المشكلة الرئيسية التي تتعلق بتطبيق هذه القواعد على الإدارة الذاتية هي تحديد ما إذا كان يحق شرعاً للجهات الفاعلة من غير الدول أن تطلب التجنيد العسكري. ووفقا لنهج تقليدي أكثر، فإن الدول وحدها هي التي يحق لها بالقانون أن تطلب التجنيد العسكري.[13] ويبدو أن هذا النهج يستند إلى الحجة القائلة بأن الدول وحدها هي التي يمكنها أن تعتمد القوانين بشكل صحيح.[14] وإذا ما اتبع هذا النهج، فإن التجنيد القسري من جانب الإدارة الذاتية يعتبر تلقائياً انتهاكا لحقوق الأشخاص الذين تم تجنيدهم.
أثناء أداء الخدمة العسكرية، لا مناص من أن تكون حرية المجندين مقيدة. بالإضافة إلى إلزامهم بأداء الواجبات العسكرية. في الظروف العادية، لا تشكل هذه القيود والالتزامات المفروضة على المجندين انتهاكاً لحقوق الإنسان لأن القانون الدولي يسمح للدول بطلب التجنيد العسكري. و تبعاً للحجة الموضحة أعلاه، هذا لا ينطبق على التجنيد العسكري الذي تطلبه الجهات من غير الدول. لأنه في هذه الحال لا يمكن تبرير فرض القيود والتزامات التي يخضع لها المجندون بموجب القانون الدولي وبالتالي تشكل انتهاكات لحق حرية المجندين في التنقل ولقانون حظر السخرة[15].
وفي السنوات الأخيرة، ظهر نهج مختلف فيما يتعلق بقدرة الجهات الفاعلة من غير الدول على اعتماد القوانين كما يجب. فيما يتعلق بأداء السلطة القضائية من جانب الجهات الفاعلة من غير الدول، يؤيد بعض المعلقين الآن الرأي القائل بأن القواعد التي تعتمدها هذه الجهات الفاعلة في هذا السياق يمكن اعتبارها "قوانين" لأغراض القانون الدولي.[16] وإذا تم تطبيق النهج ذاته في هذا السياق، فإن التجنيد القسري من جانب الإدارة الذاتية لن يعتبر تلقائياً انتهاكاً لحقوق الأشخاص المجندين.
المتطلبات
وحتى إذا سلمنا بأن تكون الجهات الفاعلة من غير الدول مثل الإدارة الذاتية لها الحق في أن تطلب التجنيد العسكري، فإن قدرتها على التجنيد يجب أن تفسر بمعناها الضيق وأن تستوفي المعايير الأساسية التالية:
-يجب أن تكون منصوصاً عليها في القانون.
-يجب أن تنفذ بطريقة قانونية.
-يجب أن تطبق بطريقة غير تعسفية أو تمييزية.[17]
وفي حال انتهك التجنيد القسري هذه المعايير، وجدت لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان أن الدولة هي التي تتحمل مسؤولية انتهاك حقوق الفرد في الحرية الشخصية والكرامة الانسانية وحرية التنقل.[18] ومن الواضح أن الاجتهاد القضائي للجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان ليس ملزما للإدارة الذاتية، وأن النتائج التي توصلت إليها اللجنة تتوقف على الوقائع المحددة لحالة التجنيد.
وهذه الحالة تدل على أن حالات التجنيد القسري التي تنفذ بطريقة تعسفية أو غير قانونية قد تصل إلى انتهاك عدد من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في عدم التعرض للاحتجاز التعسفي، وحق حرية التنقل، وقانون حظر المعاملة اللاإنسانية والمهينة.
اعتبار التجنيد القسري كاضطهاد بموجب القانون الدولي للاجئين
بموجب القانون الدولي للاجئين، يعتبر التجنيد القسري اضطهاداً في بعض الحالات، وإذا استوفيت شروط أخرى، يمكن أن يعطى الشخص الخاضع له صفة اللاجئ.[19]
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف مجمع عليه عالمياً للاضطهاد، فإن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تعتبر بشكل عام اضطهاداً.[20] وبناء على ذلك إذا اعتبر الفعل اضطهاداً بموجب القانون الدولي للاجئين، فإن هذا الفعل يمثل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان. وبعبارة أخرى، فإن حالات التجنيد القسري التي يعتبر أنها تشكل اضطهاداً بموجب القانون الدولي للاجئين يمكن أن تشكل أيضاً انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويبدو أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي هيئة الأمم المتحدة المختصة بالمسائل المتعلقة باللاجئين، تعتبر أن كل حالة تجنيد قسري من جانب جهة فاعلة غير حكومية ترقى إلى أن تكون اضطهاداً.[21] ويستند هذا النهج مرة أخرى إلى افتراض مفاده أن الجهات الفاعلة غير الحكومية لا يحق لها أن تطلب أو تفرض التجنيد العسكري شرعاً كون هذه الجهات لا يمكنها تبني قوانين بشكل شرعي. ومع ذلك، إذا اتبعنا النهج الأكثر تقدماً والذي يمكن بموجبه للجهات الفاعلة غير الحكومية أن تطلب التجنيد العسكري الإلزامي بشكل شرعي، فإن هذا التجنيد سيرقى إلى حالة الاضطهاد فقط في السيناريوهات التالية:
-إذا كانت ظروف الخدمة العسكرية تشكل في حد ذاتها انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان؛[22]
– إذا كانت الجماعة المسلحة التي جند فيها الشخص قد ارتكبت انتهاكات للقانون الدولي الإنساني أو للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وكان هناك احتمال معقول بأن الشخص المعني سيكون مجبراً على ارتكاب مثل هذه الأفعال.[23]
فإذا كان أداء الخدمة العسكرية في إطار الإدارة الذاتية يجسد السيناريوهين المذكورين أعلاه، فإن فعل التجنيد القسري يمكن أن يشكل في حد ذاته انتهاكاً لالتزامات الإدارة الذاتية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.[24]
الاستنكاف الضميري
وثمة مسألة أخرى ينبغي النظر فيها وهي ما إذا كانت الإدارة الذاتية تعترف بالحق في الاستنكاف الضميري. وينطوي الحق في الاستنكاف الضميري على حظر إرغام الفرد على أداء الخدمة العسكرية وعلى استخدامه للقوة المميتة إذا كان هذا "قد يتعارض بشكل جدي مع حرية العقيدة والحق في إظهار الشخص لدينه أو معتقده".[25]
إن الحق في الاستنكاف الضميري من الخدمة العسكرية ليس حقاً بحد ذاته لأن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان لا تشير مباشرة إلى هذا الحق.
ويستمد الحق في الاستنكاف الضميري من تفسير حق الحرية الفكر والمعتقد والدين.[26]
تكرار العقوبة
وأخيراً، فإن المعايير الدولية توضح بأن العقوبة المتكررة على استمرار رفض أداء الخدمة العسكرية تتنافى مع مبدأ عدم جواز المحاكمة على ذات الجرم مرتين المنصوص عليه في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية. وقد تناولت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان هذه الحالة بالتحديد في تعليقها العام رقم 32 (2007) الذي قالت فيه: "إن تكرار معاقبة مستنكفي الضمير على عدم الانصياع مجدداً لأمر أداء الخدمة العسكرية قد يرقى إلى المحاكمة على ذات الجرم مرتين ويستند الرفض المتكرر على استمرار العزم على الامتناع عن تأدية هذه الخدمة لأسباب ضميرية."[27]
- التجنيد القسري بموجب القانون الدولي الإنساني:
تحظر اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة التجنيد القسري فيما يتعلق بأسرى الحرب وفي المناطق المحتلة.[28] وهذه القواعد لا تنطبق على التجنيد القسري في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية لأن الأفراد الذين جندوا قسراً ليسوا أسرى حرب وإن المنطقة لا تخضع للاحتلال. والأهم من ذلك أن القواعد المذكورة لا تنطبق إلا على النزاعات المسلحة الدولية ويعتبر النزاع السوري في الوقت الراهن-وبصفة رئيسية-نزاعاً مسلحاً غير دولي.
وتنص لوائح لاهاي لعام 1907 على أنه "لا يجوز لأي طرف محارب أن يجبر مواطني الطرف المعادي على المشاركة في عمليات حربية موجهة ضد بلدهم، حتى ولو كانوا يخدمون في قواته المسلحة قبل بدء الحرب".[29] وتشكل القاعدة الآن جزءاً من القانون الإنساني الدولي العرفي[30] وهي واسعة النطاق بما فيه الكفاية لتكون ذات صلة بالحوادث قيد البحث.
ومع ذلك، من حيث المبدأ، لا تنطبق القاعدة إلا على النزاعات المسلحة الدولية[31] ويمكن أن نحاول توسيع نطاق تطبيق القاعدة على النزاعات المسلحة غير الدولية بحجة أن أحداً من أطراف النزاع لا يمكن أن يجبر شخصاً ينتمي إلى طرف آخر على المشاركة في عمليات ضده، غير أن هذه الحجة لن تكون مقنعة كثيراً لأنه في النزاعات المسلحة الدولية يرتبط الأشخاص بالطرف الذي ينتمون إليه بمعيار موضوعي وهو (الجنسية) ولا ينطبق الشيء نفسه على السيناريو الموصوف.
ويمكن القول أيضاً بان التجنيد القسري للمدنيين يرقى إلى انتهاك للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف. وتقضي المادة 3 المشتركة بأن يعامل طرفا النزاع الأشخاص الغير مشتركين فعلياً في الأعمال الحربية معاملة إنسانية.[32]
وتناولت المفوضية السامية لحقوق الإنسان مسألة التجنيد القسري من جانب جهة فاعلة من غير الدول في التحقيق الذي أجرته بشأن الانتهاكات التي ارتكبها نمور تحرير تاميل إيلام في سياق النزاع في سريلانكا. وقد اعتمدت منظمة نمور تحرير تاميل إيلام سياسة فرض تجنيد شخص واحد من كل عائلة حيث يتعين على كل أسرة داخل مناطق سيطرتها أن تساهم بفرد واحد من أفرادها وتنفذ هذه السياسة من خلال أعمال التجنيد القسري، بما في ذلك عمليات الاختطاف.[33] ووجدت المفوضية أن عمليات الاختطاف التي قام بها نمور التاميل والتي أدت إلى التجنيد القسري تشكل انتهاكا للمادة 3 المشتركة.[34]
وأخيرا، تعالج المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة المتعلقة بالنزوح الداخلي مسألة التجنيد التمييزي.[35] ووفقا للمبدأ 13 (2): "يجب حماية الأشخاص المشردين داخلياً من أية ممارسات تمييزية لتجنيدهم في قوات أو جماعات مسلحة، بحكم وضعهم كمشردين. وبوجه خاص، تُحظر في جميع الظروف كل ممارسة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة تُجبر الشخص على قبول التجنيد أو تعاقبه على عدم قبوله..". إن المبادئ التوجيهية ليست ملزمة، غير أنها تعتبر مصدراً موثوقاً ينظم معاملة جميع المهجرين داخلياً من قبل جميع أطراف النزاع.
وإذا كان التجنيد القسري يستهدف تحديداً المهجرين داخلياً، فإنه يشكل خرقاً للمبدأ قيد النظر. وبصورة أعم، فإن التجنيد التمييزي سيشكل أيضا انتهاكاً للالتزام بموجب المادة 3 المشتركة بعدم التمييز بين أولئك الذين لا يشاركون في الأعمال الحربية.[36]
[1] في 9 أيلول/سبتمبر 2017، أعلن "مجلس دير الزور العسكري" المنضوي تحت قوات سوريا الديمقراطية بدء معركة "عاصفة الجزيرة" وذلك بدعم من قوات التحالف الدولي بغية السيطرة على الريف الجنوبي المتبقي من محافظة الحسكة والخاضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، إضافة إلى مناطق شرقي الفرات والتي تتبع إدارياً لمحافظة دير الزور.
[2] ولمزيد من التفاصيل حول تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة وعلى التفاعل بين القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان انظر: http://www.ohchr.org/Documents/Publications/HR_in_armed_conflict.pdfالقسم الثاني، وخاصة الصفحات من 46 إلى 68؛ https://casebook.icrc.org/glossary/human-rights-applicable-armed-conflicts https://www.icrc.org/en/international-review/article/challenges-applying-human-rights-law-armed-conflict
[3] المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة قرار الاستئناف في تاديتش الفقرة 69؛ قضية كوراناك للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، الحكم الصادر في 12 حزيران / يونيو 2002، الفقرة 57. للاطلاع على معلومات إضافية عن النطاق الجغرافي لتطبيق القانون الدولي الإنساني، انظر: https://papers.ss