مقدمة: في يوم الثلاثاء الموافق 26 كانون الأول/ديسمبر 2017، تمّ إجلاء أول دفعة من المرضى المحاصرين الموجودين على "قوائم الإخلاء" في الغوطة الشرقية بريف دمشق، حيث خرجت الدفعة الأولى والتي كانت عبارة عن خمس حالات من أصل (29) حالة مرضية وافقت الحكومة السوريّة على إخراجها من الغوطة الشرقية مقابل إفراج فصيل جيش الإسلام[1] عن (29) محتجزاً لديها، وكان من ضمن المحتجزين عدد من المدنيين الذين تمّ احتجازهم خلال اقتحام منطقة عدرا العمالية في ريف دمشق بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 2013، بعد قيام عدد من قبل فصائل معارضة مسلحة[2] بعملية عسكرية واسعة في المنطقة.
وبالإضافة إلى إجلاء (29) مريضاً، فقد تم إجلاء (56) مدنياً آخراً، وكانوا عبارة عن مرافقين للمرضى و/أو ذويهم.
وبحسب العديد من الشهادات التي حصل عليها مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، فإنّ عملية الإخلاء تمت على ثلاثة أيام/دفعات وبرعاية/وساطة الهلال الأحمر السوري، وكان معظم الذين تمّ إخلاؤهم من أصحاب الأمراض الاضطرارية المستعجلة التي تعذر علاجها بسبب الحصار المفروض على الغوطة الشرقية منذ عدة أعوام ونقص الدواء، كما كان من بين الحالات التي تمّ إخلاؤها (9) أطفال جلّهم من المصابين بمرض السرطان والفشل الكلوي، ووفقاً للعديد من الشهادات أيضاً فإنّ الحالات المرضية التي تمّ إخلاؤها هي من ضمن أكثر من (675) حالة مرضية مسجلة على لوائح الإخلاء الفوري من الغوطة الشرقية والتي تنتظر مصيراً قاتماً في حال عدم إخلائها.
ومن اللافت ذكره على أنّ الغوطة الشرقية تعتبر واحدة من مناطق خفض التصعيد في سوريا، إذ أنه وبتاريخ 4 أيار/مايو 2017، وقعت الدول الراعية لمحادثات آستانة (روسيا وتركيا وإيران) على مذكرة تفاهم لإقامة مناطق "خفض التصعيد" في سوريا، حيث شملت تلك المناطق كلاً من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ومحافظة إدلب وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، إضافة إلى بعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سوريا، وكان من أبرز بنودها وقف الاعمال العدائية بين الأطراف المتصارعة وتوفير الظروف لإيصال المساعدات الطبية.
وفي تاريخ 22 تموز/يوليو 2017، وقّع جيش الإسلام على اتفاقية خفض التصعيد في سوريا، ثم تبعه فصيل فيلق الرحمن بتاريخ 18 آب/أغسطس 2017.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق تقريراً يتحدث عن أكثر من (400) حالة مرضية تمّ تسجيلها على لوائح الإخلاء الفوري من الغوطة الشرقية في شهر أيلول/سبتمبر 2017، حيث تم تسجيل وفاة (14) مريض منهم، كما كانت المنظمة قد نشرت في وقت سابق تقريراً يتحدث عن مرض "سوء التغذية" الذي يجتاح الغوطة الشرقية بسبب اشتداد الحصار
وكان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا "يان إيغلاند" قد صرّح بإنه يتخوف من استخدام إجلاء الأطفال المرضى من الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة "كورقة للمساومة". وذلك في تعقيب له على موافق المعارضة السوريّة المسلّحة على إطلاق سراح محتجزين تابعين للحكومة السورية مقابل إخلاء أطفال مرضى.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها استخدام المدنيين كورقة مساومة، فقد أصدرت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة تقريراً خاصاً يتحدث عن عشرات حالات تبادل (كان المدنيون وقودها) خلال سنوات النزاع في سوريا.
أولاً: إخلاء المرضى على ثلاث دفعات:
"حسن سليك" أحد المسؤولين عن الملف الطبّي في الغوطة الشرقية قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة أنّ الدفعة الأولى تمّ غخلاؤها في حوالي الساعة (08:30) من مساء يوم الثلاثاء الموافق 26 كانون الأول/ديسمبر 2017، وأفاد أن عملية الإخلاء الأولى امتدت إلى ما بعد منتصف ليل ذلك اليوم. وأضاف:
"كان من بين الحالات الأولى ثلاث أطفال، كنّا قد قمنا بتجهيزهم لإخلاء، ومن اللافت الإشارة إلى أنّ العديد من أهالي المرضى رفضوا الخروج مع أبنائهم، وذلك خشية من اعتقال قوات النظام لهم، فحاولنا الحصول على ضمانات من أطراف محايدة إلا أننا لم نستطع الحصول على أي شيء مكتوب، لكن كان هناك لجنة أممية مرافقة للهلال الأحمر كانت قد أعطت ضمانات شفهية للمدنيين بعدم التعرض لهم."
وتابع حسن بأنّه وفي تمام الساعة (8:30) من صباح اليوم التالي (الأربعاء 27 كانون الأول/ديسمبر 2017) تمّ إخلاء الدفعة الثانية من المرضى، وتمّ إخراج (13) حالة مرضية في ذاك اليوم، جلّهم من الأطفال، وفي اليوم الثالث (الخميس 28 كانون الأول/ديسمبر 2017)، تمّ إخلاء الدفعة المتبقية، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"بلغ عدد الحالات التي تمّ إخلاؤها (29) حالة مرضية، وهي حالات مستعجلة واضطرارية وتعد من المستوى الأول وفق تصنيف وضعته لجنة طبية من قبل شعبة الهلال الأحمر في مدينة دوما، وتلك الحالات ماهي إلا جزء من الحالات المرضية التي بلغ عددها (675) حالة مرضية في الغوطة الشرقية، إذ أنها بحاجة ماسة إلى الإخلاء الفوري من الغوطة الشرقية."
صورة تُظهر عملية إخلاء أحد المرضى في الغوطة الشرقية من قبل أعضاء في الهلال الأحمر العربي السوري. مصدر الصورة: حساب التويتر الخاص بالهلال الأحمر العربي السوري.
ومن جهته فقد نشر جيش الإسلام على حسابه الخاص على "تويتر" بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر 2017، بياناً تحدث من خلاله عن قيامه بعملية تبادل مابينه وبين القوات النظامية السورية، حيث أشار إلى إخلاء (29) حالة مرضية مع عائلاتهم من الغوطة الشرقية، وذلك مقابل الإفراج عن (29) محتجزاً لديهم، لافتاً إلى أنه قام بالحصول على ضمانات من قبل الهلال الأحمر السوري بعدم تعرض القوات النظامية السورية للمصابين وذويهم.
صورة تظهر البيان الذي نشره جيش الإسلام على حسابه الخاص على "تويتر"، والذي أكدّ فيه على قيامه بعملية تبادل مابينه وبين القوات النظامية السورية، لإجلاء (29) حالة مرضية من الغوطة الشرقية، مقابل الإفراج عن (29) محتجزاً لديهم، مصدر الصورة: حساب جيش الإسلام الخاص على "تويتر".
وكانت الهيئة السياسية في جيش الإسلام قد قالت في تصريح صحفي أن عدداّ من اللذين تمّ الإفراج عنهم، هم فعلاُ من المحتجزين منذ أيام اقتحام منطقة عدرا في 11 كانون الأول/ديسمبر 2013.
بيان الهيئة السياسية لجيش الإسلام – المصدر قناة التلغرام الخاصّة بمحمد علوش القيادي في الجيش.
ومن جهة أخرى فقد نشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2017، تغريدة عبر موقع "تويتر"، قالت فيها أنها أتمت إجلاء (85) مدنياً من الغوطة الشرقية منهم (29) حالة مرضية حرجة بحاجة للعلاج في مشافي دمشق.
صورة تظهر التغريدة التي نشرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والتي قالت فيها أنها أتمت إجلاء (85) مدنياً من الغوطة الشرقية، منهم (29) حالة حرجة، مصدر الصورة: الحساب الخاص للجنة الدولية للصليب الأحمر على "تويتر".
ثانياً: مصابون بأورام سرطانية ضمن قائمة الإخلاء:
وفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد كان من بين الحالات المرضية التي تمّ إخراجها من الغوطة الشرقية، (8) أطفال مصابين بأورام سرطانية وجميعهم بحالة يرثى لها نظراً لانعدام القدرة على علاجهم في ظل الحصار المطبق على الغوطة الشرقية، وهو الأمر الذي أكدته أيضاً الطبيبة "وسام الرز" وهي مديرة مركز الرحمة للأورام السرطانية في الغوطة الشرقية، وفي هذا الصدد تحدثت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
"الأطفال الذين تمّ إخلاؤهم هم (زهير الغزاوي وصبا راشد ومؤيد حامد وروضة عباس وفهد الكردي وانجي طالب وسامر عريش ولؤي الملا)، ولكل واحد منهم قصة مأساة لايمكن التعبير عنها ببضع كلمات، كما أن معظمهم كانوا من الحالات الاضطرارية المستعجلة والتي كان الأمل كبيراً في شفائها لولا الحصار ونقص الدواء في الغوطة الشرقية، فعلى سبيل المثال الطفل "زهير الغزاوي" والبالغ من العمر عشرة أعوام، بدأت معاناته مع المرض منذ بداية العام 2017، وكان من المفترض أن يتلقى العلاج في الغوطة الشرقية، إلا أنّ الحصار ومنع دخول الأدوية زاد حالته تعقيداً، حيث قمنا بتخفيف جرعات العلاج المخصصة له، وذلك نظراً لعدم توفر العدد الكافي منها، وهو الأمر الذي أدى إلى بتر قدمه التي كانت مصابة بالورم، كما أنني قمت برؤيته قبل إخراجه من الغوطة الشرقية وكانت آثار التعب بادية عليه."
وروت الطبيبة وسام قصة طفل آخر وهو (مؤيد حامد) والبالغ من العمر عشر سنوات أيضاً، إذ أنه كان مصاباً بورم دماغي منذ العام 2012، مشيرة إلى أنّ بودار المرض التي أصابت الطفل، كانت تعود إلى عوامل نفسية، حيث تعرض منزل الطفل للقصف من قبل القوات النظامية السورية، ما أدى إلى مقتل خمسة من أفراد عائلته، وبعدها بأسبوع واحد تكرر قصف منزله مرة أخرى، ماسبب حالة من الرعب لديه، فأصيب بالانتكاس الشديد نتيجة ذلك، وقد حاول ذووه إخراجه عدة مرات لتلقي العلاج، وأضافت الطبيبة وسام قائلة:
"تمكن هؤلاء الأطفال من الخروج لتلقي العلاج، لكن غيرهم الكثيرين والذين يزيد عددهم عن (200) طفل مصاب بالسرطان وهم بحاجة ماسة للعلاج، فعلى سبيل المثال هنالك الطفلة (نور أبو أحمد) وهي مصابة بورم سرطاني بمنطقة العين، إذ أنها تعد من الحالات النادرة والمستعجلة للعلاج أيضاً، وفي حال لم تتمكن من إجراء العمل الجراحي بالسرعة القصوى فإن ذلك سيهدد حياتها، كما أنّ لنور شقيقة أخرى تدعى (سارة أبو أحمد) وكانت أيضاً من ضمن الحالات التي هي بحاجة إلى الإخلاء الفوري إلا أنها توفيت للأسف منذ حوالي الأربعة أشهر نظراً لسوء حالتها الصحية."
كما نشرت صفحة "دمشق الآن" بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2017، مقطع فيديو تظهر من خلاله ممثلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر "انجي صادي" في سوريا وهي تتحدث عن عمليات إخلاء (29) حالة مرضية من الغوطة الشرقية مشيرة إلى أن اللجنة ليست طرفاً في اي مفاوضات سياسية أو اتفاقات تمم ما بين أطراف النزاع، وأنّ هذا الاتفاق تمّ التوصل إليه ما بين أطراف النزاع داخل الغوطة الشرقية، وأكّدت أنّه تمّ الطلب منهم بالإضافة إلى الهلال الأحمر العربي السوري بتسهيل هذا الاتفاق. وأضافت إلى أنّ هنالك عائلات مرافقة للمرضى أنفسهم.
وكان محمد علوش أحد القياديين في جيش الإسلام وكبيرا المفاوضين في وفد المعارضة السورية إلى محادثات جنيف يناير/كانون الثاني 2016، قد قال في تغريدة لهّ أنّ عملية الإخلاء قد تمّت بالتعاون ما بين جيش الإسلام والهلال الأحمر فقط.
وكان علوش قد أكدّ في تغريدة أخرى أنّ إجلاء الحالات الإنسانية ال (29) حدث في مقابل إطلاق جيش الإسلام سرح (29) أسيراً.
وكانت مصادر إعلامية مؤيدة للحكومة السورية قد نشرت قائمة بأسماء المحتجزين الذين كان قد تمّ احتجازهم من قبل فصائل معارضة في أوقات مختلفة.
-
أحمد هشام داود آغا/اسم الأم: جميلة.
-
محمد سمير سمسمية/تولد: 1965.
-
براء ة سمسمية/تولد 2000.
-
علاء سمسمية/ تولد: 2005.
-
بسام/اسم الأب: هشام/اسم الأم بشيرة.
-
خالد دنون/اسم الأب: محمد/ تولد: 1968.
-
هند بكار/اسم الأب: يوسف/ تولد: 1962.
-
أمينة بنون/ اسم الأب: خالد/ تولد: 2000.
-
فاطمة/ اسم الأب: محمد/ اسم الأم: روان/تولد: 2000.
-
رائد حمود/ اسم الأب مرعي/تولد:2001.
-
زهير جحا/ اسم الأب: ياسين/ تولد: 1982.
-
عصام/ اسم الأب: خيرو/ تولد: 1971.
-
عصام الجرودي/ اسم الأب: صبحي/ تولد :1977.
-
علي صهيوني/اسم الأب : بشير/تولد: 1995.
-
علاء الحمد/اسم الأب: ابراهيم/ تولد: 1985.
-
فراس عيسى/ اسم الأب: يوسف/ تولد: 1981.
-
محمد ابراهيم جوقدري/اسم الأب نصرالله /تولد:2001.
-
محمد خليل/اسم الأب: حاتم/تولد 1992.
-
محمد السكري/اسم الأب: حسان/ تولد 1995.
-
منير طافش/ اسم الأب: عبدو/تولد 1973.
-
يحيى عبود/ اسم الأب: يونس/ تولد 1974.
-
محمد حيدر/اسم الأب: قيس/تولد 2009.
-
يونس حيدر/اسم الأب: قيس/تولد 2012.
-
ميسون سلامة/ اسم الأب : ابراهيم.
-
جودي اسعد/اسم الأب: وسيم.
-
وعد العلي.
[1] في أيلول/سبتمبر 2011 أعلن "زهران علّوش" السجين السابق في سجن صيدنايا العسكري عن تشكيل "سريّة الإسلام" المعارضة، والتي أصبحت فيما بعد وتحديداً في منتصف عام 2012 إلى "لواء الإسلام". وفي 29 أيلول/سبتمبر 2013 اندمج اللواء مع عدد آخر من الفصائل ليتم الإعلان عن تشكيل "جيش الإسلام"، ثمّ انضمّ لاحقاً في نفس العام إلى "الجبهة الإسلاميّة" وضمّت في صفوفها كتائب إسلامية أخرى منها " ولواء التوحيد وصقور الشام إضافة إلى حركة أحرار الشام الإسلامية ولواء الحق"، وشغل زهران علوش فيها منصب القائد العام. وينشط الجيش حالياً وبشكل رئيسي في منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، إلاّ أنّ له تواجد أيضاً في معظم المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية ما عدا المناطق الخاضعة لتنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية.
[2] بتاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 2013 قامت مجموعة من فصائل المعارضة المسلحة باقتحام مدينة عدرا العمالية والقيام بعملية عسكرية واسعة، وكان من أبرز التشكيلات العسكرية التي شاركت في الاقتحام (جيش الإسلام والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام وجبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام -آنذاك)، حيث دخلوا إلى المدينة وبدأوا بحملة اعتقالات طالت العديد من ضباط الجيش النظامي السوري بالإضافة إلى اعتقال واحتجاز العشرات من النساء والأطفال وكان أغلبهم من الطائفة العلوية والدرزية.