مقدمة: عقب (48) ساعة فقط من إدخال مساعدات الأمم المتحدة إلى المدنيين المحاصرين في مدينة دوما[1]، قامت الطيران الحربي وتحديداً في يوم الأربعاء الموافق 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بشن غارة جوية استهدفت مستودع الأغذية التابع للمجلس المحلي في مدينة دوما، وذلك بعدما تمّ إيداع قسم من المعونات داخله. ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أسفر هذا القصف عن تلف وضرر في الأغذية والمعونات المودعة داخل المستودع، وضاعف ذلك من تفاقم الوضع الإنساني داخل المدينة بعد حرمان المدنيين المحاصرين من وصول المساعدات إليهم أصلاً.
ومن جهة أخرى فقد جاء هذا القصف في إطار الحملة العسكرية الشرسة التي تشنّها القوات النظامية السورية على عموم مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة، وذلك عقب المعركة التي أطلقتها حركة أحرار الشام الإسلامية بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر2017، والتي أطلقت عليها اسم معركة "بأنهم ظلموا"[2]، وذلك بغية السيطرة على إدارة المركبات العسكرية والمتاخمة لكل من بلدات حرستا ومديرا وعربين.
ومن الجدير ذكره أنّه وبتاريخ 4 أيار/مايو 2017، كانت الدول الراعية لمحادثات آستانة (روسيا وتركيا وإيران) قد وقعت على مذكرة تفاهم لإقامة مناطق خفض التصعيد في سوريا، حيث شملت تلك المناطق كلاً من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ومحافظة إدلب وبعض أجزاء شمال محافظة حمص، إضافة إلى بعض أجزاء المحافظات المتاخمة لها (اللاذقية، وحماة، وحلب) وبعض أجزاء جنوب سوريا، وكان من أبرز بنودها وقف الاعمال العدائية بين الأطراف المتصارعة وتوفير الظروف لإيصال المساعدات الطبية.
وفي تاريخ 22 تموز/يوليو 2017، شارك جيش الإسلام في التوقيع على اتفاقية خفض التصعيد في سوريا، ثم تبعه فصيل فيلق الرحمن بتاريخ 18 آب/أغسطس 2017.
خارطة تظهر أمكان السيطرة في الغوطة الشرقية – ريف دمشق
خارطة توضّح الموقع الجغرافي لإدارة المركبات في حرستا – الغوطة الشرقية – ريف دمشق
أولاً: تضييق الخناق على المدنيين المحاصرين وحملات لفك الحصار:
تعاني مدينة دوما -كغيرها من مدن وبلدات الغوطة الشرقية- من الحصار المفروض عليها من قبل القوات النظامية السورية منذ عدة سنوات، وزادت المعاناة بشكل كبير مع اشتداد الحصار منذ شهر شباط/فبراير 2017، ولاسيما عقب خروج كافة الأنفاق الواصلة مابين الغوطة الشرقية ومناطق من العاصمة دمشق عن الخدمة بسبب تأثرها بالعمليات العسكرية التي جرت ما بين القوات النظامية من جهة وقوات المعارضة المسلّحة من جهة أخرى.
على إثر ذلك قام ناشطون بالتعاون مع عدد من الإعلاميين بإطلاق حملة اكسروا_حصار_الغوطة، وذلك بهدف الضغط على القوات النظامية السورية للسماح لمكاتب الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الإنسانية، كما وقعّت تسع وتسعون منظمة مدنية سورية غير حكومية عريضة طالبت فيها الأمم المتحدة بالتحرك العاجل لإنهاء معاناة المدنيين المحاصرين، ولاسيما بعد تزايد الوفيات الناتجة عن نقص الغذاء والدواء[3].
وبعد هذه الضغوطات والحملات وتحديداّ بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، تمكنت قوافل الأمم المتحدة من إدخال مساعدات[4] لمدينة دوما، إذ أنها تألفت من (22) شاحنة، منها عشر شاحنات كانت محملة بالمواد الغذائية، وتسع شاحنات كانت محملة بالأدوية، كما بلغ عدد السلات الغذائية (4300) سلة، وزن الواحدة منها (55) كغ، وكان من المفترض أن توزع على (27243) عائلة بين مقيمين ونازحين داخلياً، مايعني أن الوجبة الواحدة سيتم توزيعها على عدد من العائلات يتراوح من (6) إلى (10) عائلة بحسب عدد الأفراد، وبذلك ينال الفرد الواحد (1,3) كغ فقط بحسب ما قالت مديرة المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في مدينة دوما لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
صورة تظهر دخول قوافل الأمم المتحدة إلى مدينة دوما بتاريخ 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، مصدر الصورة: صفحة الفيس بوك الخاصة بالمجلس المحلي في مدينة دوما.
ثانياً: ازدياد المعاناة وقصف مستودع الأغذية من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها:
رغم شح المساعدات الإنسانية التي أدخلتها الأمم المتحدة إلى مدينة دوما، بادر المجلس المحلي إلى توزيع السلات الغذائية على مراكز التوزيع الكائنة في أحياء مدينة دوما، إلا أنّ التصعيد العسكري الأخير الذي انتهجته القوات النظامية السورية في عموم مدن وبلدات الغوطة الشرقية، أعاق إتمام ذلك التوزيع، وبقي ثلث السلات الغذائية في مستودع الأغذية التابع للمجلس المحلي في انتظار إمكانية استئناف العمل من جديد.
وفي يوم الأربعاء الموافق 15 تشرين الثاني/ نوفمبر2017، قام الطيران الحربي السوري/الروسي، بقصف مستودع الأغذية التابع للمجلس المحلي، ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أدى هذا القصف إلى إتلاف ما لا يقل عن (40) وجبة غذائية من المواد المودعة فيه إضافة إلى (50) وجبة أخرى لحقها الضرر جرّاء القصف الذي طال مراكز التوزيع في مدينة دوما في اليوم ذاته، وفي هذا الصدد تحدثت مديرة المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في مدينة دوما، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:
"إنّ استهداف المستودعات والمعونات يأتي في إطار الحملة الممنهجة التي يشنها النظام السوري ضد المدنيين، وإنّ أعضاء المجلس المحلي بدورهم كانوا قد أوصلوا رسالة لوفد الأمم المتحدة أثناء إدخالهم المساعدات إلى مدينة دوما، إذ أنهم ركزوا فيها على ضرورة تحييد المدنيين وحماية المؤسسات المدنية، وعلى أنّ النظام السوري هو من يتسبب بإعاقة وصول المعونات إلى المدنيين خلافاً لما يروج له إعلام النظام من أن فصائل المعارضة هي التي تتسبّب بذلك."
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر الأضرار التي لحق بمعونات الأمم المتحدة التي أودعت في مستودع الأغذية التابع للمجلس المحلي في مدينة دوما، وذلك عقب تعرضها للقصف من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر.
صورة تظهر الأضرار التي لحق بمعونات الأمم المتحدة التي أودعت في مستودع الأغذية التابع للمجلس المحلي في مدينة دوما، وذلك عقب تعرضها للقصف من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، مصدر الصورة: قناة التلغرام الخاصة بمركز دمشق الاعلامي.
ومن جهته أدان المجلس المحلي في مدينة دوما، القصف الذي طال مستودعه ومراكز التوزيع التابعة له، من خلال بيان أصدره بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، حيث طالب فيه الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها والضغط على القوات النظامية السورية لتحييد المدنيين والمؤسسات المدنية عن الصراع، كما أوضح فيه نسبة الخسائر التي خلفها القصف.
صورة تظهر البيان الذي نشره المجلس المحلي في مدينة دوما، والذي أدان فيه قصف القوات النظامية السورية لمستودعاته بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وطالب فيه الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها والضغط على القوات النظامية السورية لتحييد المدنيين والمؤسسات المدنية عن الصراع، مصدر الصورة: صفحة الفيس بوك الخاصة بالمجلس المحلي في مدينة دوما.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد نشرت في وقت سابق تقريراً يسلط الضوء على التصعيد العسكري الأخير الذي تنتهجه القوات النظامية السورية في الغوطة الشرقية عقب معركة "إدارة المركبات"، حيث تناول التقرير قصف مدينة حرستا بمواد حارقة.
[2] وفقاً لمصادر عديدة فقد تمكن المقاتلون من السيطرة على أجزاء واسعة من المباني في إدارة المركبات العسكرية.
[3] أفاد "يان إيغلاند" مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بحسب ما أفادت به صحيفة الحياة، أن 400 ألف شخص محاصرون في الغوطة الشرقية قرب دمشق، وأن 7 مرضى قد توفوا لعدم إجلائهم من الغوطة، كما أن 29 آخرين على شفا الموت بينهم 18 طفلاً. وأضاف إيغلاند أن نحو 400 شخص ثلاثة أرباعهم نساء وأطفال يجب أن يتم إجلاؤهم بسبب نقص الأغذية والأدوية، ودعا إلى تسهيل وصول المساعدات العاجلة إلى المدنيين.
[4] يذكر أن آخر مرة دخلت فيها قوافل الأمم المتحدة إلى مدينة دوما كان بتاريخ 17 آب/أغسطس2017، حيث دخلت 48 قافلة إلى كل من مدن وبلدات دوما والنشابية والشيفونية، وكانت محملة بـ 7000 وجبة غذائية ما اضطر الفعاليات المدنية لتقسيم الوجبة الواحدة على أربع عائلات لتغطي كافة عائلات المناطق المذكورة.