مقدمة: تمكن جيش الإسلام[1] من فرض سلطته بالقوة على "دائرة السجل المدني" في مدينة دوما، وذلك عقب قيام مجموعة من عناصر الأمن التابعين له بالدخول إلى مقر المجلس المحلي في المدينة، والإعلان عن نقل السجل المدني من صلاحيات المجلس المحلي إلى صلاحيات قيادة الشرطة[2] في دمشق وريفها- والتي تتبع فعلياً لجيش الإسلام- وذلك في يوم السبت الموافق 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ ماحدث أثار ردود أفعال غاضبة داخل المجلس وخارجه، حيث ابتدأت بإعلان موظفي المجلس إضرابهم عن العمل اعتباراً من يوم السبت الموافق 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وانتهاءً بيوم الأثنين الموافق 23 تشرين الأول/اكتوبر 2017، ومن ثمّ تلاها إعلان رئيس المجلس المحلي "خليل عيبور" استقالته من منصبه في يوم الاثنين الموافق 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017.
وحسبما أكدّت العديد من المصادر وأهالي مدينة دوما لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإن تلك الحادثة تعكس نية جيش الإسلام في زيادة سلطاته وتوسيعها حتى لاتبقى محصورة في المجال العسكري، وذلك من خلال تحجيم دور المؤسسات المدنية وجعلها تابعة له بشكل أو بآخر.
أولا:ً خلفية عن المجلس المحلي ودائرة السجلات المدنية في مدينة دوما
يعدّ المجلس المحلي في مدينة دوما مؤسسة مدنية إدارية منتخبة ذات شخصية اعتبارية مستقلة، إذ أنها لا تتبع لأي تيار سياسي أو تشكيل عسكري أو هيئة شرعية، كما أنها تهدف إلى توحيد جهود أبناء المدينة لإدارة خدماتها وتأمين احتياجات مواطنيها بالشكل الأنسب ووفق الإمكانيات المتاحة، كما أنها تتولى المحافظة على المنشآت والمرافق والأملاك العامة والعمل على إعادة تفعيلها واستثمارها.
تأسس المجلس المحلي للمرة الأولى بتوافق أهالي مدينة دوما في شهر أيلول/سبتمبر 2012، ويضم كادر المجلس ما يزيد عن (312) موظفاً ضمن (8) دوائر، ومنها دائرة السجلات المدنية، التي يتمّ فيها تسجيل القيود وواقعات الأحوال المدنية استناداً إلى وثائقها الرسمية، إضافة إلى استصدار البطاقات الشخصية والبيانات الأسرية وبيانات الولادة والوفاة والطلاق والزواج وكذلك البيانات العائلية الخاصة بحصر الإرث والقيود المدنية واستصدار البطاقات الانتخابية والإحصاء السكاني، كما أنها تضم المكاتب التالية:
1-مكتب السجلات المدنية:
يتولى توثيق وإصدار الوثائق الرسمية استناداً الى السجلات وذلك ضمن صلاحيات المكتب، وكذلك يعمل على تدقيق القيود والبيانات الواردة اليه إضافة الى منح البطاقة الاسرية الجديدة لأول مرة.
2-مكتب الواقعات:
يقوم بتسجيل واقعات الطلاق والزواج والولادة والوفاة وما يتفرع عنها، استناداً إلى وثائقها الرسمية وذلك ضمن سجلات الواقعات الخاصة بالدائرة.
3-مكتب الأتمتة والأرشيف:
يتمّ فيه تنظيم أعمال المكتب وآلية عمل الموظفين والتنسيق فيما بينهم وإدارة شؤونهم وتدقيق ومراجعة التقارير والوثائق والبيانات ضمن المكتب والتوقيع عليها أصولا.
4-مكتب الإحصاء:
ويتولى جمع المعلومات والبيانات الإحصائية المتعلقة بنشاط المدينة إضافة إلى تحليلها وإصدار النشرات والتقارير لها.
صور تظهر جانباً من عمل دوائر المجلس المحلي في مدينة دوما، ومن بينها دائرة السجل المدني والدائرة المالية والدائرة القانونية، مصدر الصور: صفحة الفيس بوك الخاصة بالمجلس المحلي لمدينة دوما.
ثانياً: تفاصيل حادثة الاستيلاء على السجل المدني
طالب جيش الإسلام المجلس المحلي في مدينة دوما، بنقل دائرة السجل المدني إلى مقر قيادة الشرطة التابع له والكائن في المدينة، وذلك في أواخر شهر آب/أغسطس 2017، وهو الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل المجلس المحلي، باعتبار أن السجل المدني وشؤون المدنيين من صلاحياته، وعلى إثر ذلك أوفد المجلس المحلي المدعو "أبو علي" وهو مدير السجل المدني، بهدف التفاوض مع جيش الإسلام بهذا الخصوص.
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد استمرت المفاوضات مدة شهرين، إلى أن تمّ الكشف عن تعاون سري بين جيش الإسلام وموفد المجلس المحلي في يوم الثلاثاء الموافق 17 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وذلك بغية نقل السجل المدني وتنفيذ أوامر جيش الإسلام.
ومن جهته بادر المجلس المحلي في مدينة دوما، إلى حجب الثقة عن موفده، وإقالته من عمله كرد فعل على موقفه من الأزمة، وهو ما أدى إلى تأزم العلاقات مابين المجلس المحلي وجيش الإسلام، حيث أثارت إقالة موفد المجلس المحلي -مدير السجل المدني-غضب جيش الإسلام، ما دفعه إلى تهديد رئيس المجلس المحلي بغية الضغط عليه وإعادة مدير السجل المدني إلى العمل.
وفي يوم الخميس الموافق 19 تشرين الأول/أكتوبر، دخل عناصر أمن تابعين لجيش الإسلام إلى مقر المجلس المحلي في مدينة دوما، وقاموا بإغلاق السجل المدني بالقوة وختمه بالشمع الأحمر، وفي يوم السبت الموافق 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017، عاد عناصر جيش الإسلام مجدداً إلى المجلس المحلي، لكن هذه المرة برفقة مدير السجل المدني "أبو علي" واثنين من أبنائه، إذ أنهم قاموا بفتح مكتب السجل المدني وأعادوا تفعيله ممهوراً بشعار قيادة الشرطة، وهو مايعني أنه بات تحت سلطتهم مع الاحتفاظ بمقر مكتب السجل المدني ضمن مقر المجلس المحلي، وفي هذا الصدد تحدّث أحد موظفي المجلس المحلي[3] لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"بعد الكشف عن مساعي جيش الإسلام لنقل دائرة السجل المدني إلى مقر قيادة الشرطة، تمت إقالة مدير السجل المدني-موفد المجلس المحلي- وهنا بدأ تدخل جيش الإسلام بشكل واضح، إذ أنه طالب رئيس المجلس المحلي بإعادة الثقة إلى مدير السجل المدني "أبو علي"، كما أنّه طالب بإعادته إلى العمل من جديد، وقام مدير أمن المنطقة التابع لجيش الإسلام بالاجتماع مع رئيس المجلس المحلي، ووجه له عبارات لاذعة مفادها أنّ نقل السجل المدني ليس خياراً بل سيتمّ فرضه بالقوة، وعلى إثر ذلك طلب رئيس المجلس المحلي مقابلة قائد جيش الإسلام "عصام بويضاني" بغية التفاوض معه بهذا الشأن، إلا أنّ الأخير رفض مقابلته."
ثالثاً ردود أفعال غاضبة وإعلان استقالة رئيس المجلس وإضراب الموظفين
ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أثار استيلاء جيش الإسلام على السجل المدني في مدينة دوما، ردود أفعال غاضبة داخل المجلس المحلي وخارجه، حيث ابتدأت بإعلان موظفي المجلس إضرابهم عن العمل وذلك اعتباراً من يوم السبت الموافق 21 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وانتهاءً بيوم الاثنين الموافق 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وعقب هذا الإضراب أعلن رئيس المجلس المحلي المهندس "خليل عيبور"[4] استقالته عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وذلك احتجاجاً على تدخل جيش الإسلام بشكل سافر في شؤون المجلس المحلي.
صورة تظهر المنشور الذي نشره رئيس المجلس المحلي السابق في مدينة دوما "خليل عيبور" بتاريخ 23 تشرين الأول/أكتوبر 2017، والذي أعلن من خلاله استقالته من منصبه احتجاجاً على الإجراءات غير القانونية من قبل قيادة الشرطة التابعة لجيش الإسلام في الاستيلاء على السجل المدني، مصدر الصورة: حساب الفيس بوك الخاص برئيس المجلس المحلي السابق في مدينة دوما "خليل عيبور" .
ومن الجدير ذكره أنّ استقالة رئيس المجلس المحلي، جاءت عقب تصريح نشرته قيادة الشرطة في دمشق وريفها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، توجهت فيه بالشكر للمجلس المحلي عموماً، ورئيس المجلس خصوصاً، لتسهيلهم نقل مديرية الأحوال المدنية إلى قيادة الشرطة ملتفين بإعلانهم هذا على الأساليب التي انتهجها جيش الإسلام لتدخله بشؤون المؤسسات المدنية.
صورة تظهر المنشور الذي نشرته قيادة الشرطة في دمشق وريفها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، والذي ادّعت فيه تعاون المجلس المحلي معها بغية نقل السجل المدني إليها، مصدر الصورة: حساب الفيس بوك الخاص بمقر قيادة الشرطة في دمشق وريفها.
[1] جيش الإسلام: في أيلول/سبتمبر 2011 أعلن "زهران علّوش" السجين السابق في سجن صيدنايا عن تشكيل "سريّة الإسلام" المعارضة، والتي أصبحت فيما بعد وتحديداً في منتصف عام 2012 إلى "لواء الإسلام". وفي 29 أيلول/سبتمبر 2013 اندمج اللواء مع عدد آخر من الفصائل ليتم الإعلان عن تشكيل "جيش الإسلام"، ثمّ انضمّ لاحقاً في نفس العام إلى "الجبهة الإسلاميّة" وضمّت في صفوفها كتائب إسلامية أخرى منها " ولواء التوحيد وصقور الشام إضافة إلى حركة أحرار الشام الإسلامية ولواء الحق"، وشغل زهران علوش فيها منصب القائد العام. وينشط الجيش حالياً وبشكل رئيسي في منطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق، إلاّ أنّه يتواجد أيضاً في معظم المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية ما عدا المناطق الخاضعة لتنظيم داعش وقوات سوريا الديمقراطية.
[2] تشكلت قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية بريف دمشق في شهر شباط/فبراير 2015، تحت مظلة القيادة الموحدة التي تضم مجموعة من فصائل المعارضة السورية المسلحة كجيش الإسلام وفيلق الرحمن، لكن على خلفية المواجهات العسكرية التي اندلعت مابين تلك الفصائل في أواخر عام 2016 وبدايات عام 2017، انقسمت قيادة الشرطة إلى قسمين، وهما "قيادة الشرطة في دمشق وريفها" وتنشط في قطاع دوما (ويضم مدن وبلدات دوما ومسرابا وأوتايا والنشابية والشيفونية ) وتتبع فعلياً لسيطرة جيش الإسلام، وأيضاً هناك "قيادة الشرطة" في القطاع الأوسط ( كمدن وبلدات جسرين وزملكا وعين ترما) والتي تتبع فعلياً لسيطرة فيلق الرحمن.
[3] رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.
[4] من مواليد مدينة دوما عام 1989، درس الهندسة الميكانيكية في دمشق والتحق بالنشاط المدني في المؤسسات العاملة في الغوطة الشرقية إبان سيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة على الغوطة وآلت إليه رئاسة المجلس عام 2016م.