الإطار القانوني لحظر استخدام الأسلحة الكيمائية في النزاعات المسلّحة: أصبحت سوريا عضو طرف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر 2013 بعد الهجوم الكيميائي الذي استهدف الغوطة الشرقية في ريف دمشق بتاريخ 21 آب/أغسطس 2013 والذي أودى بحياة المئات وإصابة مئات آخرين. وتنص الاتفاقية على أن تتعهد كل دولة بأن لا تقوم:
"(أ) باستحـداث أو إنتاج الأسلحة الكيميائية أو احتيازها بطريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها، أو نقل الأسلحة الكيميائية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى أي كان؛
(ب) باستعمال الأسلحة الكيميائية؛
(ج) بالقيام بأي استعدادات عسكرية لاستعمال الأسلحة الكيميائية؛
(د) بمساعدة أو تشجيع أو حث أي كان بأي طريقة على القيام بأنشطة محظورة على الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية."[1]
ومن أهم مقتضيات الاتفاقية إنشاء لجنة التفتيش في الأمانة الفنية وإعطائها القدرة على القيام بالتحقيق في ادعاءات استخدام أسلحة كيميائية. وتعتبر اللجنة مستقلة وتقنية وإذا ما وجدت لجنة التحقيق أن دولة طرف قد قامت بانتهاك الاتفاقية فلها أن:
"يجوز للمؤتمر، في جملة أمور، أن يقيد أو يعلق حقوق الدولة الطرف وامتيازاتها بموجب الاتفاقية، بناء على توصية المجلس التنفيذي، إلى أن تتخذ الإجراءات اللازمة للوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاقية. "[2]
وفي الحالات الخطيرة:
"عرض القضية، بما في ذلك المعلومات والاستنتاجات ذات الصلة، على الجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة."[3]
ولقد أصبح الحظر على استخدام الأسلحة الكيمائية في النزاعات الدولية والغير دولية قاعدة عرفية بموجب القانون الدولي الإنساني.[4] ومن أمثلة تجريمه في النزاعات الدولية والغير دولية اتفاقية روما المتعلقة بإنشاء المحكمة الدولية الجنائية حيث تنص الاتفاقية على ان ما يلي يتم اعتباره جريمة حرب: "استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات وجميع ما في حكمها من السوائل أو المواد أو الأجهزة."[5] وبناء على ما سبق، فإن استخدام الأسلحة الكيمائية من الممكن اعتباره جريمة حرب يتم المحاسبة عليها في أي محكمة أو شبه محكمة مختصة بمحاسبة الجرائم المرتكبة في نطاق النزاع السوري.
الحظر على استخدام الأسلحة الكيميائية والنزاع السوري:
كانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا -التي تمّ إنشاؤها من قبل مجلس حقوق الإنسان في 22 آب/أغسطس من العام 2011 بموجب القرار S-17/1 الذي اعتُمد في دورة المجلس الاستثنائية السابعة- ذكرت في البند رقم (128) من تقريرها السبع الصادر في 12 شباط/فبراير 2014 أنّه قد "توفرت للجناة إمكانية الوصول إلى مخزون الأسلحة الكيميائية التابع للجيش السوري[6]. في إشارة إلى الهجوم الكيميائي الذي وقع في بعض مدن وبلدات ريف دمشق بتاريخ 21 آب/أغسطس2013"
وفي 27 أيلول/سبتمبر 2013 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2118) المؤيد لقرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوي المتضمن إجراءات خاصة للتعجيل بتفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية السوريّة وإخضاعه لتحقيق صارم، وكان القرار (2118) قد ذكر في بنده الواحد والعشرين أنه سوف يفرض تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم امتثال سوريا لهذا القرار. بالإضافة إلى طلبه في المادة الرابعة بأن لا تقوم سوريا باستخدام أسلحة كيميائية أو استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها بأي طريقة أخرى أو تخزينها أو الاحتفاظ بها. وذكر في مادته الخامسة أنّ لا يقوم أي طرف في سوريا باستخدام الأسلحة الكيميائية. أمّا المادة رقم (15) من القرار نفسه تضمّنت ضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.
اللجنة المشتركة التي تم إنشاؤها من قبل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، أصدرت تقريراً مؤرخاً في 21 تشرين الأول/أكتوبر 2016، وهو التقرير الرابع للجنة، حيث ذكرت فيه أن قوات الحكومة السورية وتنظيم "الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا باسم "داعش") استخدمت مواد كيميائية كأسلحة، وكانت اللجنة المشتركة تقوم بالتحقيق في تسع حوادث مختلفة في سوريا، إلاّ أنّها توصلت إلى تحديد المسؤولية في أربع حالات وهي (تلمنس 21 في نيسان/أبريل 2014) وحادثة (سرمين في 16 آذار/مارس 2015) وحادثة (قمّين في 16 آذار/مارس 2015) وحادثة (مارع في 21 آب/أغسطس 2015)، وجاء في التقرير أن التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" والمعروف باسم تنظيم داعش، كان متورطاً في استخدام الخردل الكبريتي في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، أمّا القوات الحكومية السورية كانت متورطة في استخدام مواد كيميائية سامّة كأسلحة في حوادث (تلمنس 21 في نيسان/أبريل 2014) وحادثة (سرمين في 16 آذار/مارس 2015) وحادثة (قمّين في 16 آذار/مارس 2015).
مجلس الأمن الدولي كان قد أدان بأشد العبارات في القرار (2209) في العام 2015، استخدام أي مواد كيميائية سمّية، مثل الكلور، كسلاح. وأكد على ضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين، وهدد مرة أخرى بفرض تدابير بموجب الفصل السابع في حالة زيادة استخدام المواد الكيميائية كأسلحة. صوت لصالح ذلك القرار أربع عشر عضواً في مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا، وامتنعت فنزويلا عن التصويت يومها.
ولكن في المقابل استخدمت كلٌ من روسيا والصين حق النقض "الفيتو" بتاريخ 28 شباط فبراير 2017، ضد قرار يفرض عقوبات على الحكومة السورية بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية، وكان القرار قال نال موافقة تسعة أعضاء واعتراض ثلاث دول وهي روسيا والصين وبوليفيا وامتناع ثلاث دول هي كازاخستان وإثيوبيا ومصر.
ومع فشل القرارات الهادفة إلى فرض العقوبات الأممي، إلا أن تقارير اللجنة المشتركة وقرارات مجلس الأمن السابقة شجعت بعض الدول على استخدام قوانينها المحلية وفرض العقوبات بشكل أحادي. على سبيل المثال، قامت الولايات المتحدة بوضع (18) مسؤول من الجمهورية العربية السورية ممن كان لهم صلة ببرنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا على لائحة حظر التعامل.[7]
وفي تاريخ 7 نيسان/ابريل 2017 أصدرت عدّة منظمات سوريّة بياناً صحفياً أدانت فيه بشدة التطورات التي آل إليها النزاع المسلح في سورية والهجمات الجوية على مدينة خان شيخون بريف ادلب الجنوبي يوم الثلاثاء الواقع في 4 نيسان/أبريل 2017، باستخدام سلاح غير مميز يرقى لسلاح إبادة. وطالبت المنظمات بتفعيل بنود اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا والعمل بموجب القرار (2118) للتدخل تحت البند السابع من أجل حماية المدنيين ومنع تكرار استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً.
واجتمعت الهيئة التنفيذية للاتفاقية في 13 نيسان/أبريل 2017 للبحث في الهجمات على خان شيخون وأعربت عن قلقها بشأن الاتهامات الموجهة بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية وأفادت بأن لجنة التفتيش تقوم حالياً بتجميع المعلومات والأدلة للتحليل. واتفقت الهيئة على الاجتماع مرة أخرى في أسبوع 20 نيسان/أبريل 2017 من أجل البحث في نتائج تحقيق اللجنة.[8]
المنهجية:
عقب الهجوم الذي تعرّضت مدينة خان شيخون – في محافظة إدلب في صباح يوم الثلاثاء 4 نيسان/أبريل 2017، قامت منظمة العدالة من أجل الحياة ومنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتشكيل فريق بحث ميداني[9]، حيث أوكل للفريق مهام الذهاب إلى المدينة ومعاينة مكان معظم الضربات، وجمع الأدلة وإجراء لقاءات مع ناجين ومصابين إضافة إلى شهود عيان وكوادر طبّية وفرق دفاع مدني وذوي الضحايا وغيرهم. ونتيجة للغارات الجوّية المكثفة في الأيام التي تلت هجوم الثلاثاء 4 نيسان/أبريل 2017 أضطر فريق البحث للذهاب إلى المدينة يوم الأحد 9 نيسان/أبريل 2017، وفق خطّة محكمة ومتكاملة حول الأشخاص الذين يجب مقابلتهم من أجل الحصول على أكبر قدر من المعلومات حول هذا الهجوم الذي استخدم فيه مواد كيميائية سامّة.
بالإضافة إلى الجهات المذكورة التي قام فريق البحث الميداني بإجراء اللقاءات معها أثناء الجولة الميدانية، فقد تمّ إجراء عدّة مقابلات أخرى مع جهات وأشخاص آخرين حول الحادثة نفسها عن طريق وسائل تواصل بديلة على شبكة الانترنت، وسوف يتم الإشارة إلى الوسيلة وتاريخ إجراء كل مقابلة تباعاً.
قام فريق الباحثين العامل على التقرير أيضاً، بتحليل عشرات مقاطع الفيديو والصور وخاصّة تلك التي تظهر المصابين و/أوالقتلى، وذلك من أجل التحقق من مصداقيتها والتأكدّ من الأعراض التي ظهرت على المصابين أو الذين فقدوا حياتهم في هذا الهجوم.
بالإضافة إلى ذلك راجع الفريق العامل على التقرير (أحوال الطقس في يوم الهجوم) وذلك من أجل تحديد جهة الرياح ومحاولة معرفة المساحة التي يمكن أن تكون قد تأثرت بهذه الغازات الكيميائية.
في المحصلة، اعتمّد هذا التقرير في منهجيته على أكثر من (15) مقابلة سواء مع ناجين أو شهود عيان مباشرين، أو من ذوي الضحايا وخبراء محليين.
التحدّيات:
القصف الجوي المكثّف الذي تعرّضت له مدينة خان شيخون عقب هجوم يوم الثلاثاء 4 نيسان/أبريل 2017، وتنوع أماكن السيطرة العسكرية والتحديات الأمنية واللوجستية كانت أبرز المصاعب التي واجهت فريق البحث الميداني، إضافة إلى ذلك كان الوضع النفسي المزري عند سكان المدينة والناجين وأقارب الضحايا بسبب هول الكارثة والعدد الكبير للضحايا عائقاً في جمع المزيد من الشهادات وجمع جميع أسماء المصابين والقتلى.
من بين التحديات التي واجهت فريق البحث أيضاً هو التفاوت والاختلاف ما بين أعداد القتلى نتيجة الهجوم، ويعود ذلك لعدّة أسباب:
-
كان هنالك من ضمن القتلى والمصابين، نسبة من السكان النازحين داخلياً من مناطق أخرى من سوريا، حيث كان من الصعب على الفريق الميداني التحقق بشكل كامل من هوية جميع القتلى والمصابين.
-
تم توثيق حالات لإناس قاموا بإسعاف أقارب وأفراد عوائلهم بشكل فردي دون المرور على النقاط الطبيّة المعروفة أو مراكز الدفاع المدني أيّ أنّ الجهات المذكورة لم تقم بعملية الإحصاء لهم.
-
تم نقل ما لا يقل عن (30) حالة خطرة وشديدة التأثّر إلى تركيا، ثم وردت معلومات متضاربة عن عدد الوفيات ضمن هذا العدد.
-
نتج عن الضربة سقوط المئات ما بين قتيل ومصاب، وحيث أنّ المدينة ونقاطها الطبّية غير مجهزة لاستقبال ضحايا هجوم كيماوي بمثل هذا العدد، فقد تمّ توزيع وإرسال المصابين إلى قرى وبلدات ومدن أخرى، وكان من الصعوبة بمكان حصر جميع القرى والبلدات التي تم إسعاف ضحايا الهجوم إليها.
كانت إحدى التحديات -التي واجهت الفريق العامل على التقرير- متعلقة بنقطة تتعلق بفرضية احتمال إحتواء الصواريخ الأخرى على مواد كيميائية سامّة (وليس الصاروخ الأول فقط الذي وقع بالقرب من صوامع الحبوب) وما دعم هذه الفرضية شهادات من سكان قرب مكان سقوط الصواريخ الأخرى وحجم الدمار الخفيف نسبياً الذي خلفته الصواريخ الأخرى مقارنة مع صواريخ فراغية أخرى.
ولكن في المقابل، أدى هبوب رياح شمالية-جنوبية، إلى دعم فرضية احتواء الصاروخ الأول فقط على المواد الكيميائية السامّة ، حيث تأثّر الناس على بعد بضعة مئات من الأمتار.
مقدمة:
يُعتبر الهجوم الذي تعرّضت له مدينة خان شيخون في صباح يوم الثلاثاء 4 نيسان/أبريل 2017 ثاني أكبر هجوم استخدمت فيه مواد كيماوية/سامّة في سوريا، وهو يأتي عقب الهجوم الكيميائي –الأكبر- المروّع الذي ضرب مناطق في الغوطة الشرقية بريف دمشق والمعضمية بتاريخ 21 آب/أغسطس 2013.
"مدينة خان شيخون مدينة سورية ومركز ناحية وتتبع لمنطقة معرة النعمان في محافظة إدلب. تبعد مسافة 37 كم عن مدينة حماة و 110 كم عن مدينة حلب و 70 كم عن مدينة إدلب. تقع خان شيخون على الطريق الدولي بين حلب ودمشق في موقع استراتيجي بمسافات قريبة من أهم المواقع في سورية. بلغ عدد سكانها (52,972) نسمة في عام 2004 حسب إحصاء المكتب المركزي للإحصاء."
بعد موجات النزوح المتكررة إلى المدينة من قرى وبلدات مختلفة من سوريا نتيجة المعارك الدائرة، ارتفع عدد سكان المدينة ليبلغ (63000) نسمة، ولكنّ هذا العدد تراجع إلى (45000) بعد الهجوم الكيميائي الذي وقع في 4 نيسان/أبريل 2017. ويبلغ عدد النازحين داخلياً بحسب مصادر متقاطعة (إحداها المجلس المحلي للمدينة) حوالي (12500) نازح داخلياً، نزح منهم إلى الشمال السوري وأمكان أخرى حوالي (7400) بعد الضربة.
المربع الأزرق يشير إلى موقع مدينة خان شيخون بالنسبة إلى سوريا
أولاً: مكان سقوط الصواريخ المحمّل بالمواد السامّة:
بعد معاينة المكان من قبل فريق البحث الميداني، إضافة إلى الاستناداً إلى شهادات سكان الحي الشمالي تبيّن أن الصاروخ الذي سقط في حي الصوامع هو المرجّح أن يكون أكثر الصواريخ المحمّلة بمواد كيميائية سامّة، وهو الحي الذي يحتوي على مخازن لتخزين الحبوب. حيث وقع الصاروخ في منتصف طريق سريع (أوتستراد) يفصل ما بين صوامع الحبوب وحي سكني يحتوي أيضاُ محلّات تجارية وهو ما ينفي فرضية ومزاعم استهداف "معامل لتصنيع المواد الكيماوية" حسب ما ذكرته بعض وسائل الإعلام القريبة من روسيا والحكومة السورية.
وعلى بعد مئات الأمتار من مكان الصاروخ الأول سقطت الصواريخ الأربعة الأخرى، ومن المرجّح أن يكون عددٌ من صواريخ "الضربة الثانية" تحتوي على مواد سامّة وذلك بحسب شهادات من أهالي المناطق التي سقطت فيها الصواريخ الأربعة المتبقية.
ولكن وبعد العودة إلى سجلات الطقس في ذلك اليوم تبيّن هبوب رياح شمالية-جنوبية، مما يزيد فرضية انتقال الغاز السام من الحي الشمالي إلى الأحياء الجنوبية بشكل رئيسي وسقوط أعداد أكبر من المصابين. وفي كلتا الحالتين، يجب أن يتمّ إجراءا تحقيق دولي محايد ومستقل وشفاف حتى يحدد تماماً حيثيات الهجوم ومعرفة الصواريخ التي كانت محمّلة بهذه المواد الكيميائية السامّة ونوع الغاز المستخدم في ذلك اليوم بالتحديد.
صورة توضّح حركة الرياح والطقس في صباح يوم الثلاثاء الرابع من 4 نيسان/أبريل 2017 في المنطقة المستهدفة وتظهر حركة الرياح من الشمال إلى الجنوب وهو ما قد يفسّر إصابة المدنيّين في الأحياء الجنوبيّة. وهو السبب الذي ربما دفع ببعض السكان و الناجين إلى القول بأنّ صواريخ الضربة الأخرى كانت تحتوي أيضاً على مواد سامّة.
وبحسب فريق البحث الميداني فإنّ الصاروخ الأول الذي وقع في حي الصوامع أحدث حفرة بعمق (85 سم) وبقطر (160 سم) وتبعد عن منازل الحي السكني (16 متراً) فقط، وعن الصوامع مسافة (18 متراً)، أمّا الصاروخ الثاني فقد وقع على بعد حوالي (250 متراً) وسقط على منزل المواطن (علي العمر)، وكان شبيهاً بالصواريخ الفراغية ولم يتمّ التأكيد بشكل نهائي فيما إذا كان هو الآخر يحتوي على مواد كيميائية أم لا.
المربع الأزرق يشير إلى مكان سقوط الصاروخ الأوّل المحمّل بالمواد الكيميائية السامّة في شمال خان شيخون
إحداثيّات سقوط الصاروخ الأوّل:
Latitude: 35°26'59.71"N Longitude: 36°38'56.01"E
المحامي عثمان الخضر (مواليد العام 1983) من أبناء محافظة إدلب، وباحث ميداني لدى المعهد السوري للعدالة قال في شهادة [10] لفريق الباحثين القائم على التقرير بعد أن ذهب إلى المدينة وأجرى مسحاً ميدانياً حول الحادثة:
"بالنسبة للمواقع المستهدفة كانت أكثر من مكان واحد، ولم يكن موقعاً واحداً، حيث كانت هنالك عدّة ضربات تبلغ المسافة بينهم ما بين (400 إلى 500) متراً، وكانت على شكل مثلّث. إحدى الضربات كانت على الاتستراد الرئيسي مقابل مركز الحبوب، والثانية في الشارع الرئيسي المؤدي إلى منتصف المدينة والثالثة في "جادة الخمائل"، لتحدث أكبر قدر من الضرر، لكنّها لم تحدث ضرراً كبيراً مثل الصواريخ الفراغية التي نراها عادة."
وأضاف المحامي عثمان الخضر:
"لم يكن الصاروخ الذي وقع على الاتستراد –مقابل مركز الحبوب- الوحيد المحمّل بالمواد الكيماوية، بكل كانت الصواريخ الثلاثة الأخرى في (الرشقة الأولى) أيضاً محمّلة بهذه المواد والتي سقطت في الاتستراد المقابل لمركز الحبوب أي في الشارع الرئيسي المؤدي إلى منتصف المدينة وفي "جادة الخمائل"، وذلك استناداً على شهادات أهالي تلك الأحياء، أي أننا نتحدث عن عدّة صواريخ محمّلة بغازات سامّة. فعند معاينتنا مكان الضربة الثانية التي أصابت أحد البيوت، وجدنا طيور الحمام وهي مختنقة نتيجة الغاز ولا يوجد آثار الدم عليها، وهنا نحن نتكلم عن ضربة شارع الخمائل، وهذا ما أكدّ عليه السكان القريبون من المكان أيضاً. وحتى الضربة التي تلت ضربة "جادة الخمائل" كانت تحوي على مواد كيميائية."
أظهر شريط فيديو بثّه المركز السوري للعدالة مكان سقوط الصاروخ الأوّل بالإضافة إلى المنطقة الجغرافيّة المحيطة بالمكان, ويظهر الفيديو أيضاً أحد باحثي المعهد وهو يقوم بجمع عيّنات من التربة.
أظهر فيديو آخر نشره المعهد السوري للعدالة نفوق بعض الدواجن بسبب هجمات يوم 4 نيسان/أبريل 2017 علماً أنّ المكان الذي تمّ تصوير هذا الفيديو فيه هو مكان مختلف عن مكان سقوط الصاروخ الأوّل والذي يبعد حوالي 200م عن هذا المكان.
صورة مأخوذة من الفيديو السابق
بعد حوالي ساعة تماماً من الهجوم الكيماوي تعرّض المشفى الذي تمّ تحويل المصابين إليه (مشفى الرحمة) للاستهداف من قبل الطيران الحربي السوري، وكان المكان أيضاً يحتوي على مركز للدفاع المدني، بحسب المحامي عثمان الخضر.
صور تظهر بعض الطيور النافقة نتيجة انتشار المواد الساّمة (المصدر: فيديو منشور من قبل نشطاء سوريّين)
من جهته قام فريق البحث الميداني المكلّف من قبل منظّمة العدالة من أجل الحياة وسوريّون من أجل الحقيقة والعدالة بتصوير مقطع فيديو يظهر جزء من المنطقة الجغرافيّة المحيطة بمكان الضربة الأولى وبسبب الوضع الأمني الخطر وكثافة الطيران الحربي لم يستطع تصوير جميع المناطق الدقة بالدقة المطلوبة.
صورة تحليليّة لمكان سقوط الصاروخ الأوّل، والأماكن الجغرافيّة المحيطة به كما وردت في الصور.
قال الناشط الإعلامي محمد السلوم العبد [11] والذي قام بتصوير مقطع فيديو اللحظات التي تلت الهجوم مباشرة، أنّه استيقظ على صوت طائرة حربية كانت تحوم فوق مدينة خان شيخون في ذلك الصباح، وأفاد أنّ الطائرة كانت تحوم على فوق الجزء الشمالي-الشرقي من المدينة، ثم ذهبت إلى الجزء الشمالي-الغربي، وعادت إلى الجزء الشمالي وانقضّت على المدينة باتجاه الجنوب، أثناء انقضاضها رمت أربع قنابل متتالية، سقطت ثلاث قنابل منها في الجزء الشمالي من المدينة، أمّا الصاروخ الرابع فسقط في الحي الغربي، في منتصف المدينة.
وأضاف:
"لم أكن أعرف أن هنالك استهداف بالمواد الكيميائية في البداية إلا عندما ذهب أحد عناصر الدفاع المدني إلى المكان وأخبرنا عن طريق القبضة اللاسلكية أنّه ينام (يشعر بالنعاس) ثم فقدنا الاتصال معه بعد ذلك. ثم أطلقنا النداء للمدنيين وأخبرناهم أنّ هنالك هجوم بالمواد السامّة. ثم بدأت تردنا أسماء ضحايا عانوا من الاختناق وخروج الزبد من الفم وسقط على إثرها العشرات ما بين قتيل ومصاب."
وفي معرض حديثه عن طبيعة الانفجارات قال العبد أنّ الانفجار الذي وقع في الحي الشمالي، كان يحتوي على مادة مثل مادة الزيت، وعندما توجه إلى المكان بعد حوالي ثلاث ساعات، بدأت الأعراض تظهر عليه من قبل السعال والصداع في الرأس وحرقة في الإنف."
صورة تظهر مكان سقوط الصاروخ الأول والذي بحسب شهود العيان والأشخاص الذين تمّت مقابلتهم فقد كان يحتوي على الكميّة الأكبر من غاز تتوافق أعراضه مع أعراض غاز السارين السام، والمكان الظاهر في الصورة هو موجود في الحي الشمالي حيث وقع الصاروخ في وسط الأتوستراد الفاصل ما بين صوامع الحبوب والأحياء السكنيّة.
(مصدر الصورة: الناشط الإعلامي: محمّد السلّوم العبد).
صورة أخرى تظهر مقطعاً أكبر لمكان سقوط الصاروخ الأوّل المحمّل بالمواد السامّة، وكما يبدو في الصورة فإنّ صوامع الحبوب واضحة في الجهة اليمينيّة والأحياء السكنيّة على الجهة اليسرى (مصدر الصورة: الأرشيف السوري).
صورة بانوراميّة مأخوذة من الفيديو الذي زوّدنا به الناشط محمّد سلّوم العبد تظهر أماكن سقوط الصواريخ الأربعة في الانقضاض الثاني للطائرة الذي أعقب سقوط الصاروخ المحمّل بالمواد السامّة قرب صوامع الحبوب، علماً أنّ الروايات تضاربت حول احتواء صواريخ الضربة الثانية على مواد كيماويّة. (هذه الصورة عبارة عن ثلاث صور مأخوذة من مقطع الفيديو ومدمجة في صورة بانوراميّة واحدة)
هضبة التي تتوسّط مدينة خان شيخون
صورة توضّح مواقع سقوط الصواريخ في هجوم يوم 4 نيسان/أبريل 2017 علماً أنّ الصورة (A) تظهر موقع سقوط الصاروخ الأوّل والذي يرجّح احتوائه على أكبر كمّية من المواد السّامة.
أمّا الصورة (B) و (C) و الموقع (D) يظهران مواقع سقوط صواريخ الضربة الثانية.
الصورة (A) تظهر مكان سقوط الصاروخ الأول عند صوامع الحبوب.
الصورة (B) تظهر مكان سقوط أحد الصواريخ في الهجمة الثانية.
الصورة (C) تظهر مكان سقوط أحد الصواريخ في الهجمة الثانية
ثانياً: تفاصيل الهجوم:
أكدّ جميع من قابلتهم البعثة الميدانية والأشخاص والجهات الأخرى التي تمّت مقابلتها على قيام طيران حربي يُعتقد أنّ÷ سوخوي (22) تابع للجيش النظامي السوري في هذا الهجوم، ولم يدرك الأهالي والنشطاء أنّ بعض الصواريخ محمّلة بمواد كيميائية سامّة إلى بعد ورود نداءات من أشخاص قريبين من المكان الذي سقطت فيه الصواريخ. وزاد في أعداد وقوع القتلى والمصابين ساعة الاستهداف، حيث وقعت الهجمات في حوالي الساعة (6:40) دقيقة صباحاً، حيث كان معظم سكّان المدينة نائمون بالإضافة إلى هبوب رياح شمالية جنوبية وهو ما ساعد على الأرجح من انتقال الغاز السام إلى الأحياء الأخرى.
قام "فريق البحث الميداني" المشكّل من قبل منظمة العدالة من أجل الحياة وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة والمكلّف بالذهاب إلى المدينة بإجراء لقاءات عديدة وتحقيقات مكثفة حول الحادثة، وكان من بين الأشخاص الذين تمّت مقابلتهم، الأستاذ رضوان الأطرش (رئيس الهيئة السياسية في محافظة إدلب) والذي أكدّ خلو المناطق المستهدفة من اي مقرّات عسكرية، ورجّح أن تكون الطائرة التي قامت بالهجوم من نوع سوخوي (22)، وأضاف:
"في يوم 4 نيسان/أبريل 2017 وفي حوالي الساعة السادسة والنصف صباحاً، تمّ قصف مدينة خان شيخون – حي الصوامع- بغاز االسارين، وهو حي يقع في المنطقة الشمالية من المدينة، وهو حي مأهول بالسكان ، وتمّ استهداف المدينة بعدّة غارات متتالية أودت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا وإصابة عدد كبير آخر بسبب عدم وجود الخبرة الكافية في التعامل مع مثل هكذا حالات. الأهالي كانوا يظنّون أن هذا الانفجار كسابقاته حصل بواسطة صاروخ فراغي أو ما شابه، ولكن لم يكن بمعلومهم أنّ هنالك غاز سام تم استخدامه في الهجوم."
وبحسب رضوان الأطرش فقد أدّى التوقع الخاطئ عن طبيعة السلاح المستخدم إلى وفاة عدد كبير، نتيجة خطأ في الإسعاف، حيث هرعت الناس بدافع الإنسانية لإسعاف المصابين وبمجرد ملامسة المريض أو إسعافه كان الشخص القادم للمساعدة يتعرّض للأذيّة نفسها، فقد كان الاعتقاد أنّ ما حدث هجوم بواسطة الصواريخ الفراغية.