ملخص تنفيذي:
في 28 كانون الثاني/يناير 2022، عُقدت جلسة الاستعراض الدوري الشامل لسوريا أمام مجلس حقوق الإنسان في إطار الجولة الثالثة للاستعراض. قدمت الحكومة السورية في هذه الجلسة تقريرها الوطني إلى جانب التقرير التجميعي المقدم من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان وملخص لتقارير أصحاب المصلحة. وفي 30 حزيران/يونيو 2022، تم اعتماد المخرجات النهائية لتقارير هذه الجولة. والتي تم اختتامها بإشارة من الحكومة السورية إلى التقدم المحرز من سوريا في حماية حقوق الإنسان على الرغم من مواجهة تحديات استثنائية خارجية. وحسب الحكومة السورية، هذه التحديات تتمثل في وجود الاحتلال الإسرائيلي والتركي والأمريكي، والاجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سوريا، ووجود جماعات إرهابية مسلحة مدعومة خارجياً في بعض المناطق من الإقليم، وتسييس العمل الإنساني بضغط من الدول المانحة. فضلاً عن إقحام الحكومة السورية من خلال تقريرها وخططها الوطنية الملحقة به رؤيتها لسوريا ما بعد النزاع.
إن هذا الطرح الذي قدمته الحكومة السورية في جلسة الاستعراض الدوري الشامل لا يمكن عزله عن المشهد الأوسع لمجموعة التغييرات التي تقوم بها الدولة أمام المجتمع الدولي. حيث بات من الملحوظ في الآونة الأخيرة أن الدولة السورية تتعمد إعادة موضعة نفسها على الساحة الدولية بمظهر الطرف المنتصر، المتسامح، والمتعاون الذي يسعى للإعمال الكامل لحقوق الإنسان في البلاد بموجب خطط استراتيجية بعيدة المدى وتشريعات قانونية جديدة لسوريا ما بعد الحرب، ولكنها تخضع لضغط خارجي يمنعها من ذلك.
ولذلك كانت أهمية هذه الدراسة القانونية النقدية. فهي تحاول بشكل موضوعي تفنيد هذا الطرح الذي باتت تستخدمه الحكومة السورية بما يستند إلى موجبات القانون الدولي والسياق المثبت والموثق على المستوى الأممي لحالة الانتهاكات المستمرة في سوريا. حيث تحاجج الدراسة بأن الحكومة السورية قد استندت على ذكر وقائع مغلوطة مغفلة جوانب حقيقة واقع حقوق الإنسان في سوريا، مما أفضى إلى تصوير حالة غير واقعية لوضع حقوق الإنسان في البلاد. كما تجادل هذه الدراسة بوجود حلقة مفرغة من الانتهاكات التشريعية والقضائية والتي لا ترتبط بأي شكل من الأشكال بالتحديات الخارجية التي أشارت إليها الحكومة السورية، مثل انتهاكات الضمانات القضائية والاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والإعدام بإجراءات موجزة والإفلات المستمر من العقاب. وهذا يشير إلى أن مرحلة ما بعد النزاع التي تروج لها الحكومة السورية ليست سوى إعلان انتصار ومحاولة لفرض نموذج الحكومة «للعدالة » على مسار العدالة، وتجاهل كافة الانتهاكات السابقة، وإجبار الضحايا على المصالحة والإصلاح من أجل تجنب تكرار الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة.
تم إعداد هذه الدراسة من قبل محاميين سوريين ممارسين لمهنة المحاماة في المحاكم السورية ومختصين في القانون الدولي، وذلك من أجل تقديم قراءة نقدية للتقرير الوطني من منظور القانون المحلي وتطبيقاته العملية بالمقارنة مع التزامات سوريا الدولية والسياق العام لواقع حقوق الإنسان في سوريا. تطرح هذه الدراسة محاججتها القانونية بعد المقدمة من خلال قسمين أساسيين. يوضح القسم الأول مجموعة من المغالطات الواردة في التقرير الوطني الذي قدمته الحكومة السورية ممهداً الطريق أمام الدخول بتفاصيل القسم الثاني، والذي يفند الحلقة المفرغة من الانتهاكات التشريعية والقضائية التي تتحمل مسؤوليتها الدولة السورية. هذه الحلقة من الانتهاكات سيتم تناولها في القسم الثاني من التقرير ضمن ستة محاور أساسية تتناول انتهاكات الاحتجاز التعسفي، الإفلات من العقاب والمحاكمة العادلة، الاختفاء القسري، التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، الإعدامات بإجراءات موجزة، والعفو عن الجناة. حيث سيتم من خلال كل محور استعراض ما أوردته الحكومة السورية في تقريرها الوطني، وتحليله نقدياً بالاستناد إلى الإطار القانوني الدولي والوطني وتطبيقاته العملية في ظل سياق واقع حقوق الإنسان في البلاد.
تحديات الإعمال الكامل للاحترام والحماية والوفاء بالتزامات حقوق الإنسان في سوريا:
تدعي الحكومة السورية في تقريرها الوطني أنها تبذل كافة التدابير اللازمة لتحسين واقع حقوق الإنسان في البلاد، ولكن جهودها هذه تصطدم بتحديات خارجية فقط، كالتدابير القسرية الأحادية واحتلال بعض المناطق من الإقليم. تحاول الحكومة السورية بطرحها هذا التواري عن حقيقة أن الدولة مسؤولة أولاً عن ضمان احترام وحماية والإعمال الكامل لحقوق الإنسان على إقليمها. وإن عزو الواقع المتردي لحقوق الإنسان في البلاد إلى تحديات خارجية لا يعدو أن يكون تنصلاً من مسؤولية الدولة التي ينظم إطارها القانون الدولي. وبالتالي يجب عدم إغفال المسؤولية الكاملة للدولة في الإعمال الفعال لحقوق الإنسان في البلاد وعدم حصر التركيز فقط على التحديات الخارجية التي أشارت إليها الحكومة السورية.
فضلاً عن ذلك، تحاول الحكومة السورية التكتم على كافة الانتهاكات التي تقوم بها أجهزتها المختلفة والتي لا علاقة لها بهذه التحديات. فوجود قوى احتلال على بعض أراضي الدولة أو عقوبات خارجية لا يبرر أعمال التعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري والإعدامات بإجراءات موجزة والمحاكمات غير العادلة. هذا واضح في التقرير الوطني المقدم من الحكومة السورية، والذي احتوى على بعض المعلومات المغلوطة والكثير من المعلومات التي تجافي الإحاطة الكاملة بمشاغل حقوق الإنسان في سوريا، مما قد يلفت نظر المجتمع الدولي عن واقع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تمارسها أجهزة الدولة في البلاد. وبنفس الوقت، فإن هذه المعلومات المغلوطة تثير الشك في العديد من المعلومات التي أوردتها الحكومة السورية في تقريرها بالمقام الأول، خاصة عندما تمنع ممارسات الدولة المراقبين المستقلين من التحقق من هذه المعلومات، مثل تلك المتعلقة بعدد القضايا المنظورة أمام القضاء ضد عناصر الدولة والأعداد الحقيقية للمفرج عنهم.
تمّ إعداد هذه الدارسة من قبل “البرنامج السوري للتطوير القانوني” بتنسيق من قبل “تحالف نحن هنا“، وقد انضمت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إلى قائمة المنظمات المؤيّدة للدارسة.