الرئيسية اخترنا لكم سوريا: استحالة إجراء انتخابات الإدارة المحلية بشكل نزيه ومستقل

سوريا: استحالة إجراء انتخابات الإدارة المحلية بشكل نزيه ومستقل

إن افتقار "اللجنة القضائية العليا للانتخابات" إلى الاستقلالية والحياد إضافة إلى الإحصاءات السكانية غير الدقيقة وعدم وجود "سجل انتخابي" يجعل من الانتخابات المزمع إجراءها باطلة وغير ممثلة تمثيلاً حقيقاً للسوريين/ات

بواسطة communication
465 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة:

بتاريخ 3 آب/أغسطس 2022، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي الذي حمل الرقم 216 لعام 2022، والذي تمّ بموجبه تحديد يوم 18 أيلول/سبتمبر 2022، موعداً لإجراء انتخابات أعضاء المجالس المحلية في سوريا، وقد صدر المرسوم المذكور بناء على أحكام قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 107 لعام 2011، وتعديلاته، وكذلك استناداً إلى أحكام قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014، وتعديلاته.

وفي ذات اليوم، أصدر وزير الإدارة المحلية والبيئة، المهندس “حسين مخلوف” قراراً (انظر المرفقات) حمل الرقم 1452/ق، وتضمن تحديد عدد أعضاء مجالس الوحدات الإدارية (محافظة – مدينة – بلدة – بلدية)، كما حُدّد بموجب (القرار) عدد أعضاء مجالس المحافظات بنسبة عضو واحد لكل عشرة آلاف نسمة بما لا يقل عن 50 عضواً ولا يزيد على مئة عضو.

وقد حدد القرار عدد أعضاء مجاس المحافظات وفقاً لعدد المحافظات السورية البالغة 14 محافظة، حيث تمّ تحديد 100 عضو لمحافظات (دمشق وريف دمشق وحلب وحمص وحماه واللاذقية وطرطوس وإدلب ودير الزور والحسكة والرقة ودرعا) باستثناء السويداء التي تمّ تحديد عدد الأعضاء فيها 57، والقنيطرة 60 عضواً.

أيضاً وفي نفس اليوم، أصدرت وزارة الإدارة المحلية القرار رقم 1450/ق، والمتضمن تحديد نسبة تمثيل قطاع العمال والفلاحين ونسبة تمثيل قطاع “فئات الشعب” في انتخابات أعضاء المجالس المحلية بمعدل 50 % لقطاع العمال الفلاحين و 50 % لباقي فئات الشعب. على أنه لا تشترط أن يتم تحقيق النسبة المئوية المذكورة عند توزيع المقاعد بين الفئتين في الدائرة الانتخابية الواحدة. (المادة 24 قانون الانتخابات العامة).

وقبل حوالي شهرين تقريباً، وتحديداً بتاريخ 22 أيار/مايو 2022، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم الذي حمل الرقم 131 والذي نص بموجبه على تشكيل “اللجنة القضائية العليا للانتخابات”، حيث رأت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عيوباً في آلية تعيين أعضاء اللجنة، واعتبرت الطريقة الحالية المتبعة شكلاً من أشكال خرق مبدأ “الفصل بين السلطات” وتعدياً لا لبس فيه من قبل رأس السلطات التنفيذية (رئيس الجمهورية) على أعمال السلطة القضائية، وأنّ ذلك ينزع عن تلك اللجنة وأعضائها الاستقلالية أو الحيادية.

  1. استحالة إجراء انتخابات إدارة محلية نزيهة وحيادية في الوقت الحالي:

تعتقد “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بأنّ هذه الانتخابات، ولكي تكون انتخابات نزيهة وحيادية، يجب الإشراف عليها من قبل جهة قضائية تتصف بالحياد والاستقلالية والموضوعية والنزاهة، وبعيدة كل البعد عن سطوة وتدخل السلطات التنفيذية. وهذه الشروط غير متوفر حالياً  في اللجنة العليا للانتخابات واللجان الفرعية التابعة لها.

فمن الناحية النظرية: من المفترض أن تقوم “اللجنة” بمهاها بشفافية وحيادية، وعدم السماح بارتكاب المخالفات أو التدخل بشؤونهم أو مهامهم من قبل أي جهة كانت، إضافة إلى أنها ستتعاطى مع العملية الانتخابية بكافة مراحلها ضمن حدود القانون مشيرة إلى الدور المنوط بالمؤسسة القضائية بإدارة الانتخابات بنزاهة ودقة عالية.

أما من الناحية العملية، فإن أحد الإشكاليات الأساسية لهذه اللجنة تتمثل بأن وزير العدل، وبصفته نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، هو من يقوم فعلياً بترقية القضاة وندبهم (نقل مؤقت) ونقلهم (تغيير دائم) والسماح بتحريك الدعوى العامة ضدهم، وبالتالي فإن كامل المؤسسة القضائية في سوريا على مختلف دراجاتها وأنواعها تخضع لقرارات وإملاءات وزير العدل (ممثل السطلة التنفيذية). هذا أولاً.

ومن ناحية ثانية، فإنّ قيام رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) بتعيين القضاة بشكل مباشر، وإصدار مرسوم بتشكيل (اللجنة القضائية العليا) وتحديد مكافآت أعضائها، يشكّل خرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات وتعدياً لا لبس فيه من قبل رأس السلطات التنفيذية (رئيس الجمهورية) على أعمال السلطة القضائية. مما يعتبر انتهاكاً للدستور الحالي لعام 2012، وتحديداً المادة 140 منه، وينزع عن تلك اللجنة وأعضائها أي صفة من الاستقلالية أو الحيادية والتي من المفترض أن تتمع بها، كونها تقوم بإدارة الانتخابات الرئاسية والتشريعية والإدارة المحلية والاستفتاءات المهمة.

ومن النقاط التي تثير الشكوك في مسألة نزاهة هذه الانتخابات وصحتها، هو السماح لعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي (الشرطة) بممارسة حق الانتخاب في انتخابات المجالس المحلية، (المادة 6 والمعدلة بموجب القانون رقم 8 لعام 2016). ومن المعروف ولاء هؤلاء المطلق لرئيس الجمهورية وللتعليمات التي ستصدر لهم من الأجهزة الأمنية.

  1. مجالس الإدارة المحلية واستقلالية مفقودة:

نص دستور سوريا النافذ لعام 2012، في المادة 130 منه، على أن الجمهورية العربية السورية تتألف من وحدات إدارية، ومن ثمّ أحال إلى القانون، تحديد عددها وحدودها واختصاصاتها ومدى تمتعها بالشخصية الاعتبارية واستقلالها المالي والإداري (القانون رقم 107 لعام 2011).

 كما ذكر الدستور في المادة 131 بأن تنظيم الوحدات الإدارية يرتكز على مبدأ لا مركزية السلطة والمسؤوليات عددها وحدودها واختصاصاتها ومدى تمتعها بالشخصية الاعتبارية واستقلالها المالي والإداري.

أمّا من الناحية العملية، فإن هذه المادة لم تُفعّل، على الرغم من نص الدستور الحالي لها، وهو ما يمكن اعتباره أحد المخالفات الدستورية.

وعلى العكس من ذلك فإن الحكومة السورية وطيلة فترة الصراع المسلح في سوريا سعت إلى زيادة المركزية وتكثيفها بيد السلطات التنفيذية وأذرعها وبشكل خاص صلاحية رئيس الجمهورية.

فعلى سبيل المثال، وبتاريخ 29 حزيران/يونيو 2022، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم رقم 163 لعام 2022، والذي قضى بحلّ مجلس مدينة السلمية بمحافظة حماه، وأيضاً وبنفس اليوم أصدر المرسوم رقم 162 لعام 2022، القاضي بحل مجلس بلدية الجديدة بمحافظة اللاذقية.

وقد تذرعت الحكومة السورية لاتخاذها هذا الإجراء وتدخلها بعمل المجالس المحلية إطار تصويب العمل ومكافحة الفساد ومعالجة الإهمال في تقديم الخدمات وعدم الالتزام والتقيد بمعالجة مخالفات البناء.

  1. إحصاءات رسمية حكومية تنافي المنطق وتجافي الحقيقة:

بحسب القرار رقم 1452 الصادر بتاريخ 3 أب/أغسطس 2022، والذي أصدرته وزارة الادارة المحلية والبيئة السورية، فإن عدد سكان سوريا لعام 2022 هو 30 مليون نسمة، مع عدم تبيان عدد السكان في كل محافظة سورية على حدة. علما أن تقدير الوزارة المعنية لم يشر إلى ملايين اللاجئين السوريين/ات في الخارج، وفيما تمّ احتسابهم من هذا الرقم أم لا. كم لم يشر القرار إلى طريقة احتساب ملايين النازحين داخلياً في سوريا.

وكانت إحصائيات رسمية سورية، قد أشارت في العام 2004 بأنّ عدد السكان قد بلغ (17 مليون و921 ألف شخص) شخصاً. وفي عام 2010، وبحسب البنك الدولي، فقد بلغ تعداد السكان في سوريا ذروته وبلغ (21 مليون و362 ألف شخص)، قبل أن تبدأ النسبة بالتناقص بعد اشتداد النزاع المسلّح الذي كان قد بدأ في العام 2011. حيث أفاد المكتب المركزي للإحصاء بأنّ عدد سكان سوريا بلغ في العام 2014 (20 مليون و 619 ألفاً) وهو الرقم الذي تمّ إصداره قبل موجة لجوء عام 2015، حين نزح ملايين السوريين داخلياً، واتجه ملايين آخرين نحو دول الجوار والدول الأوروبية.[1]

إنّ آخر إحصائية لعدد السكان في سوريا وبحسب البنك الدولي تعود لعام 2021، وبلغ عدد السكان آنذاك (18 مليون و275 ألفاً)، أي أقل بحوالي 12 مليون عن الرقم الرسمي الصادر عن الحكومة السورية.

  1. إشكالية السجل الانتخابي في ظل غياب الإحصائيات الدقيقة لعدد السكان:

النقطة الأولى التي يمكن مناقشتها اليوم؛ هي قضيّة السجل الانتخابي في قانون الانتخابات العامة الصادر بالقانون رقم 5 للعام 2014 (المادة 27 و28). فالسجل الانتخابي العام هو السجل الذي يجب أن يذكر فيه المواطنون الذين تتوافر فيهم شروط ممارسة حق الانتخاب وتقوم وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارتي العدل والإدارة المحلية والمكتب المركزي للإحصاء بإعداده على مستوى الجمهورية. وتتم مراجعته مرة واحدة في بداية كل عام، للإضافة أو الحذف أو التعديل، كما تتم مراجعته قبل مدة شهرين على الأقل من موعد أي استحقاق انتخابي.

ويعدّ التسجيل في السجل الانتخابي العام حقا ً أساسياً ومسؤولية فردية لكل مواطن تتوفر فيه شروط ممارسة حق الانتخاب بموجب أحكام هذا القانون، وله أن يطلب تسجيل اسمه في السجل الانتخابي، وله التحقق من تسجيل اسمه إن لم يكن وارداً فيه، وإسناد مهمة إعداد السجل الانتخابي لوزارة الداخلية التي يتبع لها العديد من الأجهزة الأمنية، يثير الشك في صحته، سيما وإن هذه الوزارة طرف غير محايد في سوريا، وهي من الأذرع القوية للسلطة التنفيذية.

ويبقى السؤال الاشكالي: أين أصبح السجل الانتخابي بعد ثمان سنوات من صدور القانون؟  وأين المراجعة التي يجب أن تتم قبل بداية العملية الانتخابية؟ خصوصاً أن البيانات أصبحت كلها رقمية وموجودة بعد حصول كل المواطنين على البطاقات العائلية المخصصة لتوزيع الدعم، وليس هناك أي صعوبة بربطها بالدوائر الانتخابية وبالتالي ضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية خصوصا أن الانتخاب يتم وفقا للبطاقة الشخصية فقط بعد الغاء تجربة البطاقة الانتخابية، وعدم توافر الحبر السري في أغلب المراكز.

وبما أن الأعداد جاهزة ومنظمّة بحسب ادعاءات الحكومة السورية، فلماذا لم يتم إعداد السجل الانتخابي العام وفقاً لقانون الانتخابات العامة؟

وعلى الرغم من أنّ قانون الانتخابات العامة قد صدر في عام 2014 إلا إنّه لم يتطرق لمسألة حق السوريين/ات المقيمين خارج سوريا في التصويت، ومنحت المادة 70 من التعليمات التنفيذية للقانون المذكور، حق التصويت للسوريين المقيمين في الخارج في الانتخابات الرئاسية فقط. بشرط أن يكون اسمه واردا في السجل الانتخابي، وهذا يعني أن المقيمين خارج سوريا لا علاقة لهم بانتخابات المجالس المحلية موضوع هذه الورقة. وهذا الأمر يتناقض مع ما ورد في القرار الأممي رقم 2254 لعام 2015 الذي نص على ضرورة إجراء “انتخابات حرّة ونزيهة تجري وفقاً للدستور الجديد وفي غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة، بما يستجيب لمتطلبات الحوكمة، وأعلى المعايير الدولية من حيث الشفافية والمساءلة، وتشمل جميع السوريين الذين يحق لهم المشاركة، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المهجر”

والغريب أيضاً، إن قانون الانتخابات العامة لم يتطرق لمسألة حقّ الناخب الذي لم يرد اسمه في السجل الانتخابي بالطعن أمام القضاء، على الرغم من هذه المسألة تتعلق بحق الانتخاب وهو من الحقوق الأساسية للانسان، ‘نما اكتفى القانون بذكر مسؤولية المواطن وحقه في طلب إدراج اسمه في السجل الانتخابي، ولكن ما هو الحل في حال رفضت اللجنة إدراج إسم الشخص الطالب في السجل بحجة عدم توفر الشروط القانونية فيه؟

  1. خاتمة:

إن فكرة اللامركزية أصبحت حاجة ملحة في ظل عدم قدرة الحكومة السورية المركزية على تحمل كثير من الأعباء بحيث ترتكز على تفويض مزيد من صلاحية المركز (الحكومة) إلى المجالس المحلية (الأطراف) بحيث تصبح طريقة وأسلوب حكم الناس لأنفسهم يجعل من المشاركة وبناء السلام أوسع من الاطار الخدمي للبلديات.

علاوة على ذلك، لا بدّ من جعل المجتمع المدني شريكاً أصيلاً في كامل العملية بما يحقق التكامل بين اللامركزية الإدارية ومشاركة الناس لقرارات حياتها وتشكيل النموذج الاقتصادي والاجتماعي الأفضل لها مما يسهم في بناء نظام سياسي- اجتماعي جديد ويزيد من وعي الناس للمشاركة مما يمكن المجتمعات المحلية في تفعيل القوانين واجراء انتخابات ديمقراطية ونزيهة للإدارة المحلية.

ولابد كذلك من احترام مبدأ التعددية السياسية التي نصت عليه المادة الثامنة من الدستور الجديد والتي حلت محل المادة الثامنة من الدستور السابق، لكن بقي الواقع العملي على حاله، فتخصيص 50 بالمئة من المقاعد الانتخابية لفئة العمال والفلاحين يتناقض مع مبدأ التعددية السياسية المذكور، لأن اتحادي العمال والفلاحين في سوريا معروفين بتبعيتهما المطلقة للجبهة الوطنية التقدمية التي يديرها حزب البعث العربي الاشتراكي، والذي يفترض، وبموجب الدستور، أنه لم يعد كما كان “الحزب القائد للدولة والمجتمع، وما يؤكد عدم احترام مبدا التعددية السياسية هو نص المادة 35 من قانون الاحزاب رقم 100 لعام 2011 الذي اعتبر أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية مرخصة حكماً.”.

وترى “سوريون” بأن الحل الأساسي لتجاوز مشكلة الانتخابات الصورية والبعيدة عن النزاهة والتي لا تعبر عن الرأي الحقيقي للمواطنين، يكمن في إصدار قانون انتخابات جديد يحترم المعايير الدولية ولا سيما الواردة في المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، ويحترم كذلك ما ورد في القرار الأممي رقم 2254 لعام 2015 الذي أكد على ضرورة مشاركة السوريين المقيمين في المهجر في الانتخابات.

لقراءة التقرير كاملاً بصيغة PDF

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد