الرئيسية اخترنا لكم سوريا: إشكاليات تنظيم مناطق “الحجر الأسود والسبينة وجرمانا ويلدا” وفق القانون 5

سوريا: إشكاليات تنظيم مناطق “الحجر الأسود والسبينة وجرمانا ويلدا” وفق القانون 5

يوحي توجّه الحكومة السورية نحو "تنظيم" المناطق المنكوبة في ريف دمشق استناداً لعدّة قوانين ومراسيم تشريعية بنيّتها في تضليل الرأي العام والحصول على نفس النتائج التي تعيق السوريين من حماية ملكياتهم كما في حالة القانون رقم 10 

بواسطة communication
988 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2021، نشرت وكالة سانا الرسمية وعبر موقعها الرسمي خبراً تحت عنوان: “مخططات تنظيمية جديدة للحجر الأسود والسبينة وجرمانا ويلدا“. أشارت فيه إلى أن محافظة ريف دمشق بالتنسيق والتعاون مع “شركة الدراسات الهندسية” باشرت على إعداد مخططات تنظيمية تفصيلية لعدد من المناطق المحاطة بـ”سكن عشوائي“، وذلك لتصبح “أكثر انسجاماً مع المحيط الحيوي لمدينة دمشق“.

وصف المصدر المناطق المستهدفة بأنّها “غير سليمة من الناحية الإنشائية والعمرانية ولحق بها دمار كبير خلال الأزمة”، في إشارة إلى خسائر العمليات العسكرية التي حدثت في تلك المناطق خلال سنوات النزاع السوري.

يشير مصطلح التخطيط التنظيمي لأي منطقة، إلى سلسلة من الخطوات متخذة من قبل وزارة الأشغال العامة والإسكان، لإعادة “بناء المنطقة برؤية جديدة أو توسعتها”، من خلال شق طرق جديدة على سيبل المثال أو/وبناء أماكن للخدمات العامة، وهو ما يعني بنهاية المطاف جرف ومصادرة واستملاك جزء كبير من ممتلكات السكان تحت مسمّى “بناء مخططات تنظيمية”.

وكان مدير دعم القرار والتخطيط الإقليمي في محافظة ريف دمشق المهندس “عبد الرزاق ضميرية”، قد قال تعقيباً على ذلك، أنّ هذا القرار تمّ اتخاذه بعد دراسة مستفيضة في مديرية التخطيط الإقليمي بالمحافظة. وتمّ رصد حوالي 800 مليون ليرة سورية لإعداد المخططات لمناطق الحجر الأسود و جرمانا و الدخانية و السبينة و يلدا.

أيضا لفت “ضميرية” أن العمل جار لدراسة ضمّ منطقة “الدخانية” إلى مدينة جرمانا وتقييم المخطط التنظيمي الخاص بهما للخروج بمخطط تنظيمي واحد وذلك لإنهاء حالة الضغط السكاني الحاصل ضمن جرمانا لافتاً إلى أنه تم التعميم على الوحدات الإدارية والتي تتجاوز نسبة ملاءة مخططها التنظيمي 80 بالمئة برفع الاقتراحات اللازمة لتوسيع هذا المخطط.

رغم أنّ خبر وكالة سانا الرسمية ذكر “شركة الدراسات الهندسية” كجهة تمّ التنسيق والتعاقد معها من أجل إعداد المخططات التنظيمية (والتي يُعتقد أنّ المقصود به هنا: الشركة العامة للدراسات الهندسية التابعة لوزارة الأشغال العامّة والإسكان)، إلاّ أنّه عاد وذكر في نهايته؛ أنّ عدداً من المختصين والمهندسين المعماريين من جامعة دمشق بالتشارك مع القطاع الخاص قاموا بإعداد تلك المخططات.

وهو ما يثير الشكوك حول نيّة محافظة ريف دمشق بالتعاقد مع مجموعة “إعمار سورية القابضة” ومكاتبها الهندسية، وبالتالي اتباع الآلية نفسها في إصدار المرسوم الذي حمل الرقم (237) الخاص بتنظيم حرستا والقابون، الذي مثّل حلقة جديدة من حلقات نزع ملكيات السوريين/ات.

لاحقاً، وبتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، صرّح المهندس “عبد الرزاق ضميرية” لإذاعة “شام إف إم” أن تسليم المخططات التنظيمية لهذه المناطق سيتم بشكل كامل خلال الربع الأول من عام 2022، (كانون الثاني/يناير شباط/فبراير وآذار/مارس ونيسان/أبريل) وسيكون بإمكان أي مواطن الترخيص وفق ضابطة البناء للمخطط التنظيمي ووفق إجراءات المرسوم التشريعي 5 لعام 1982، وذلك بعد إعلان مخطط التنظيم. (أيّ أنّه حدد القانون الناظم لتلك المناطق المستهدفة والمختلف هذه المرة عن القانون رقم 10 عام 2018).

من الواضح أنّ الحكومة السورية تتجه إلى “تنظيم” المناطق المنكوبة في ريف دمشق، من خلال عدّة قوانين ومراسيم تشريعية.

فقد تمّ تنظيم منطقتي حرستا والقابون وفق المرسوم رقم 237 لعام 2021، ومن المرجّح أنّ يكون القانون رقم 10 – سيء الصيت- هو القانون الناظم لذلك المرسوم، رغم عدم ذكر المرسوم 237 للقانون رقم 10 صراحة (إلاّ أنّه تمّ الاستدلال على ذلك بوجود مصطلح “الجدوى الاقتصادية” في المرسوم رقم 237 وهو نفس العبارة الواردة في القانون رقم 10).

أمّا بالنسبة للمناطق الجديدة التي يتمّ الحديث عنها (الحجر الأسود والسبينة وجرمانا ويلدا)، فقد أكّد “ضميرية” أنّ المرسوم التشريعي رقم 5 لعام 1982 سيكون هو القانون الناظم لها).

تعتقد سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أنّ استناد الحكومة السورية إلى عدّة قوانين عمرانية مختلفة لتنظيم المناطق المنكوبة، يوحي بعدم رغبتها في تأليب الرأي العام الدولي ضدّها، رغم أنّ اثر/نتيجة القانونين على أصحاب العقارات هي نفسها.

  1. ماذا يعني إصدار مخططات تنظيمية تفصيلية وفق القانون رقم 5 لعام 1982؟

يندرج القانون رقم 5 لعام 1982 والمعروف باسم “قانون التخطيط العمراني” ضمن فئة القوانين العمرانية المتعلقة بتنظيم وعمران المدن “قوانين التنظيم الحضري”.

عادة ما تكون الغاية من المخططات التنظيمية إمّا لتنمية منطقة كانت مهملة أو عشوائية ولا تنطبق عليها الشروط الصحية والعمرانية المقبولة، أو لإعادة إعمار المناطق التي تعرضت لأضرار بفعل الطبيعة أو الحروب. أو بغية توسيع المناطق الواقعة في المخططات القديمة. وغالباً ما تضم تلك المخططات ما تحتاجه كل منطقة من خدمات ومشيدات عامة وأماكن إدارية وتجارية ومدارس ومساجد وكنائس ومشافي وتكون ضرورية لتطوير المنطقة.

وضع المرسوم التشريعي/القانون رقم 5 لعام 1982، والمعدل بالقانون 41 لعام 2002، أسس التخطيط العمراني أي (المبادئ الموحدة التي تنظم عملية تخطيط التجمعات السكنية وفقه). وتضمن نوعان من المخططات التنظيمية عرفهما المرسوم كما يلي:

  • المخطط التنظيمي العام: هو المخطط الذي يوضح الرؤية المستقبلية للتجمع السكاني وتوسعه ويتم ذلك عن طريق تحديد الحدود العمرانية وشبكة الطرق الرئيسية واستعمالات كافة الأراضي الواقعة ضمنه ومنهاج ونظام بناء كل منها بما لا يتعارض مع أسس التخطيط العمراني العام ونظام البناء.
  • المخطط التنظيمي التفصيلي: هو المخطط الذي يحدد كافة التفاصيل التخطيطية لشبكة الطرق الرئيسية والفرعية وممرات المشاة والفراغات العامة وكافة التفاصيل العمرانية للأراضي.

وتمّر عملية إصدار المخططات التنظيمية وفق المرسوم التشريعي/القانون رقم 5 لعام 1982، بعدّة مراحل إدارية وبيروقراطية معقّدة، حيث تضع وزارة الأشغال العامة والإسكان (السلطة التنفيذية) المبادئ الموحدة التي تنظم عملية تخطيط التجمعات السكنية، ثم تضع الوحدة الإدارية (مجلس المحافظة أو مجلس المدينة) برنامجاً تخطيطياً ضمن حدود أسس التخطيط العمراني.

بمعنى أخر؛ تقوم وزارة الأشغال العامة والإسكان، عبر عملية التخطيط الإقليمي، بتحديد المحافظة/المنطقة التي تحتاج إلى إعادة إعمار أو توسعة بمساحة معينة بناءً على الزيادة في عدد سكانها أو الأضرار التي وقعت عليها (كما في حالة الحروب والنزاعات). ومن ثم تبدأ الوحدة الإدارية (مجلس المحافظة/المدينة) بوضع تصورات أولية للمخطط التنظيمي العام، على أساس المساحة المقترحة.

إنّ أحد المشاكل الأساسية المرتبطة بإصدار المخططات التنظيمية وفق المرسوم/القانون رقم 5 لعام 1982، هي عدم وجود مدّة زمنية محددة وملزمة للوحدات الإدارية (محافظة/مجلس بلدية) لإصدار المخططات التنظيمية. وبالتالي فإن القانون يمنح الجهات المخولة بإصدار المخططات التنظيمية سلطة تقديرية واسعة في اختيار الوقت المناسب لها للبدء بإصدار المخططات التنظيمية بهدف إعادة تنظيم تلك المناطق دون الأخذ بالحسبان أي من مصالح أصحاب الممتلكات، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إن غالبية مالكي العقارات الخاصة في تلك المناطق المنكوبة لا يقيمون فيها.
  1. ماهي الإشكاليات المتعلقة بتنفيذ المرسوم رقم 5 لعام 1982 على السوريين من أصحاب الأملاك في المناطق المنكوبة؟

من الملاحظ أن القانون رقم 5 لعام 1982، كغيره من قوانين التنظيم الحضري في سورية يقوم على تفويض السلطة التنفيذية، ممثلة بوزارة الأشغال العامة والإسكان والوحدات الإدارية (مجلس المحافظة أو البلدية) بصلاحيات واسعة غير مقيدة في تنظيم منطقة معينة، وفقاً لاعتبارات السلطة التنفيذية دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح أصحاب الأملاك ورأيهم (هذا أولاً). أيضاً؛ لا توجد معايير واضحة ضمن القانون نفسه تحدد أسباب اختيار منطقة دون سواها (وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للسلطة التنفيذية من أجل استخدام القوانين ضدّ سكان مناطق معينة دون سواها). هذا ثانياً.

  • إشكالية اختلاف السياق الزمني والظروف:

من ناحية أخرى، تختلف ظروف إصدار القانون رقم 5 للعام 1982 عن الظروف الحالية، خاصّة بعد أنّ عاشت سوريا (ومازالت) تعيش نزاعاً مسلحاّ مدمراً، وهو ما يعني خلق تحديات جديدة للسكان لم تكن موجودة سنة 1982، بسبب حالة السلم السائدة آنذاك، وعلى رأس تلك التحديات عدم وجود السكان بسبب حالة النزوح الداخلي واللجوء والاشكالات الأمنية لبعض السوريين.

  • إشكالية طريقة التبليغ في سياق النزوح واللجوء:

إحدى نقاط الخطورة في اعتماد القانون رقم 5 لعام 1982 لإصدار المخططات التنظيمية، تكمن في وسيلة التبليغ لأصحاب الأملاك. فقد نصّت المادة 5 (فقرة ب) من القانون، أنّ التبليغ يتمّ إمّا شخصياً أو عبر نشر قرار التنظيم في صحيفتين محليتين أو عن طريق الإعلام المسموع والمرئي.

من المعروف أنّ معظم المناطق المشمولة بقرار التنظيم هذا (وتحديداً مناطق الحجر الأسود والسبينة ويلدا) شهدت أعمال عسكرية بين الجيش النظامي السوري وفصائل المعارضة السورية/أطراف النزاع الأخرى، ونزح معظم سكانها داخل سوريا، أو أصبحوا في عداد اللاجئين، وهو ما يعني استحالة علم/ معرفة السكان الأصليين بإعلانات المخططات التنظيمات من أجل الاعتراض عليها أو إثبات ملكياتهم. أما في حال علم جزء من السكان بتلك الإعلانات، فإنّ نزوحهم إلى مناطق أخرى أو لجوئهم إلى دول أخرى ستقف عائقاً أمام إثبات ملكياتهم أو حتى مجرد الاعتراض على تلك القرارات.
  • إشكالية المدّة الممنوحة للاعتراض:

هنالك تحدّي آخر مرتبط بالمدّة الزمنية القصيرة الممنوحة للناس في حالة الاعتراض على قرارات المخططات التنظيمية (ذلك في حالة افتراض رغبة المالك/ة بالاعتراض)، حيث يمنح القانون رقم 5 للعام 1982 مدّة 30 يوم فقط من تاريخ إعلان المخطط، وهي مدّة قصيرة جداً، أي أننا نعود مرة أخرى إلى تحدّي النزوح واللجوء وكون هذه المناطق عانت من عمليات عسكرية. كما إن ظروف الحرب في سورية جعلت الكثير منهم “مطلوبين” لسلطات الأمن السوري بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية، وهذا سيمنعهم من المجازفة بالمثول والاعتراض أمام اللجنة المذكورة في المادة الخامسة من القانون المذكور.

  • إشكالية متعلقة بآلية تشكيل وبُنية اللجنة التي تنظر في الاعتراضات:

بحسب المادة 5 (فقرة د) من القانون نفسه، فإنّ لجنة فنية إقليمية يشكّلها المحافظ برئاسته وعضوية المناصب التالية: عضو المكتب التنفيذي المختص – مدير الخدمات الفنية – مدير الآثار في المحافظة – المسؤول عن الطرق في مديرية الخدمات الفنية – خبيرين من المهندسين ذوي الخبرة في مجال تخطيط المدن يختار أحدهما وزير الإسكان والمرافق والآخر يختاره المحافظ – خبير في الشؤون العقارية من الحقوقيين يختاره المحافظ.

من الواضح أنّ بُنية اللجنة المشكّلة لتلقي الاعتراضات، هي تابعة وظيفياً وإدارياً للسلطة التنفيذية، وجميع أعضائها هم موظفون رسميون لدى الحكومة، وبالتالي سوف يقومون بتنفيذ الأوامر الإدارية الصادرة من رؤسائهم بدون اعتراض، فالأصل أن تكون السلطة القضائية هي المختصة بالنظر في الاعتراضات المتعلقة بحق الملكية. (هذا أولاً).

أمّا ثانياً: لا تنصّ أي من مواد القانون على وجود أي ممثل/ممثلين عن أصحاب الممتلكات أو المتضررين، من أجل إيصال صوت الناس لهذه اللجنة والدفاع عن حقوق السكان في حال تعدّي أعضاء هذه اللجنة على تلك الحقوق.

(ثالثاً): لا يفرض القانون وجوب وجود قاضي أو أي ممثل عن السلطة القضائية في هذه اللجنة، حيث أن تواجد قضاة يمكن أن يمثل نوع من أنواع التوازن في هذه اللجنة وخاصة أنها ستقوم بأعمال واجراءات قضائية وتبت في الاعتراضات المقدمة اليها. وعليه فان هذه اللجنة غالباً ما سوف تقوم بأخذ قرارات غير حيادية ولن تتخذ إجراءات تكون منصفة بحق الناس المتضررين خوفاً من تبعات ذلك على مناصبهم الوظيفية فهم موظفون رسميون، وتابعون أساساً لرئيس تلك اللجنة إدارياً.

  • إشكالية/تحدّي التوكيل والحصول على الموافقة الأمنية:

في حال افتراض سماع/معرفة أصحاب الأملاك بالمخطط التنظيمي، ورغبوا في إثبات ملكياتهم أو الاعتراض على القرارات أو المخطط نفسه (حتى لو كانوا نازحين أو لاجئين)، ستظهر لدينا مشكلة القدرة على توكيل شخص ما – قريب – بالنيابة عن أصحاب العقارات (علما أن القانون لم يشير في أي من مواده حول إمكانية قبول التوكيلات لأشخاص مقربين لأصحاب الأملاك والتي يمكن أن يقدموا الاعتراضات بالنيابة عنهم في حال غيابهم).

 كذلك يوجد تحدي الموافقات أمنية على الوكالات، فمن المعروف أنّ أغلب الموافقات الأمنية للوكالات تحتاج لمدة زمنية تتراوح بين 3 – 6 أشهر للحصول عليها (ذلك على فرض أن الشخص غير ملاحق قضائياً أو أمنياً).

أمّا في حال كان هناك إشكالات أمنية أو حكم قضائي غيابي- بحق أصحاب الملكيات فمن البديهي أن تأتي الموافقة الأمنية بالرفض وبالتالي حرمان الناس من حقها في الاعتراض أو إثبات الملكية.

وحتى لو افترضنا جدلاً حصول المالك على الموافقة الأمنية للتوكيل فالمدة التي ستستغرقها عملية الحصول على الموافقة، مع الأخذ بعين الاعتبار اجراءاتها الروتينية ودخول الفساد المالي والاداري في استحصالها، سيجعل من تلك المدة أطول من مدة الاعتراض المحددة ب 30 يوم، أي إن الاعتراض هو مجرد حبر على ورق (شكلي)، فمن المعلوم أنّ ظروف الحرب الدائرة في سورية جعلت أكثر من نصف السوريين لاجئين أو نازحين، وهذا بالتأكيد سيمنع مثولهم أمام هذه اللجنة المذكورة وغيرها من اللجان.

  • إشكالية تدخل السلطة التنفيذية بأعمال السلطة القضائية:

إن تنظيم المناطق وفق القانون رقم 5 لعام 1982 سيؤدي حتماً إلى الاستيلاء على عقارات بعض المالكين في تلك المناطق موضوع هذه الورقة، جزئياً أو كلياً، كون التنظيم سيقتضي توسيع للطرقات الموجودة وإنشاء لطرقات جديدة وانشاء الحدائق والمدارس وغيرها من المرافق العامة التي ستحدث على حساب ممتلكات المواطنين/ات، لذلك كان من الواجب السماح قانوناً لمن يرى نفسه متضرراً من وضع تلك المخططات التنظيمية وتنفيذها، باللجوء إلى القضاء لضمان حقه، لكن القانون المذكور نزع عن القضاء هذه الصلاحية وأسندها للجنة فنية تشكل برئاسة المحافظ وعضوية عدد من مرؤوسيه للنظر بالاعتراضات ان وجدت، وبالتالي سيكون الخصم هو نفسه الحكم في تلك الاعتراضات، وهذا يشكل تعدياً على صلاحيات السلطة القضائية وخرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.

وعلى فرض إن نية الحكومة السورية “سليمة/شريفة” في تطبيق هذه المشاريع، وإن التنفيذ سيكون “للمنفعة العامة”، فمن الواجب أيضاً منح تعويض عادل وحقيقي لأصحاب العقارات التي تم الاستيلاء عليها. لكنّ المشكلة تكمن في أنّ القانون رقم 5 لعام 1982 لم يتطرق إلى موضوع التعويض، وبالتالي لن تكون الحكومة السورية ملزمة بتعويض المالكين المتضررين.

  1. مدى شرعية تنفيذ المخططات العمرانية وفق القانون رقم 5 لعام 1982:

إن تنظيم “المناطق المنكوبة” في ريف دمشق وفقا للقانون رقم 5 سيؤدي كما ذكرنا أعلاه إلى حرمان بعض المالكين من عقاراتهم، كلياً أو جزئياً، وبدون مقابل، وهذا الأمر يتعارض مع نص المادة 15 من دستور سوريا النافذ حالياً (دستور عام 2012)، الذي أكّد بأن الملكية الخاصة، من جماعية وفردية، مصانة ولا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض يعادل القيمة الحقيقية للملكية (المادة 15)، كما أن هذا الاستيلاء سوف يستهدف البعض من المالكين دون البعض الآخر، وهذا يخالف أيضاً مبدأ المساواة الذي تم التأكيد عليه في ديباجة الدستور السوري وأيضاً المواد 18 و 19 و 33.

أيضاً، يخالف ذلك الإجراء، نص المادة 771 من القانون المدني السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949، التي أكدت بأنه لا يجوز أن يحرم أحد من ملكه إلا في الاحوال التي يقررها القانون على أن يكون ذلك مقابل تعويض عادل.

كما إن إسناد مهمة النظر في الاعتراضات التي قد ترد على مشاريع المخططات وأنظمة البناء إلى اللجنة التي يشكلها المحافظ برئاسته وفقاً للمادة الخامسة من المرسوم رقم 5 سوف يحرم المالكين من حق التقاضي المنصوص عليه في الدستور (المادة 51)، وذلك لأن تلك اللجنة ليست بهيئة قضائية، بل هي تابعة للسلطة التنفيذية.

كما إن الاستيلاء على الممتلكات العقارية لبعض المواطنين/ات في تلك المناطق التي سيشملها التنظيم العمراني، بدون اتباع الاجراءات القانونية السليمة ودون منح الفرصة لهم للاعتراض على قرارات الوحدات الادارية بالشكل السليم، وبدون تعويض عادل وحقيقي، يشكل مخالفة صريحة للكثير من العهود والمواثيق الدولية التي أكدت على حق الملكية الخاصة، مثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 الذي أكّد على حق الإنسان في التملك وحظر حرمان أي شخص من ملكه تعسفاً، والاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان لعام 1969، التي أكّدت أن لكل إنسان الحق في استعمال ملكه والتمتع به، وبأنه لا يجوز تجريد أحد من ملكه إلا بعد دفع تعويض عادل له، والاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950 التي أقّرت بحق الانسان في احترام حياته الخاصة والعائلية ومسكنه، والميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004 الذي أكّد بأن حق الملكية الخاصة مكفول لكل شخص ويحظر في جميع الأحوال مصادرة أمواله كلها أو بعضها بصورة تعسفية أو غير قانونية.

وتمّ التأكيد في المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي على وجوب توفير الحماية، في جميع الظروف، لأموال وممتلكات المشردين داخلياً، وبخاصة ضد النهب والاعتداءات المباشرة والعشوائية وأعمال العنف الأخرى، أو استخدامها كدرع لعمليات أو أهداف عسكرية، أو أن تكون محل انتقام، أو تدميرها أو الاستيلاء عليها كشكل من أشكال العقوبة الجماعية، وكذلك لابدّ من توفير الحماية للأموال والممتلكات التي يتركها المشردون داخلياً وراءهم، وذلك من التدمير والاستيلاء التعسفي وغير القانوني، وأيضاً من شغلها أو استخدامها.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد