الرئيسية صحافة حقوق الإنسان سوريا/إدلب: الاعتقال التعسفي عقوبة لمن يرفض دفع الإتاوات تحت مسمّى “الزكاة”

سوريا/إدلب: الاعتقال التعسفي عقوبة لمن يرفض دفع الإتاوات تحت مسمّى “الزكاة”

تفرض "الهيئة العامة للزكاة" مبالغ تعسفية على مواسم المزارعين كأحد طرق تمويل "هيئة تحرير الشام"

بواسطة communication
214 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

تُلزم “هيئة تحرير الشام” عبر “الهيئة العامة للزكاة أصحاب محاصيل القمح في مناطق سيطرتها بإدلب، بدفع ضرائب تحت مسمى “زكاة الزروع”، تحت طائلة المسؤولية في حال عدم الالتزام بذلك. تم فرض هذه الإتاوات عبر تعميم أصدرته في حزيران/يونيو 2019، لتواصل إجبار المزارعين على دفع تلك المبالغ على مدار الأعوام اللاحقة.

في تموز/يوليو 2023، وبالتزامن مع موسم جني المحاصيل الزراعية، عمدت هيئة تحرير الشام إلى نشر نقاط تفتيش تابعة للهيئة العامة للزكاة في مناطق سيطرتها في إدلب، وذلك من أجل إلزام المزارعين بدفع هذه الإتاوات تحت مسمى الزكاة.

خلال أيلول/سبتمبر الفائت، أجرت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مقابلات مع أربعة مزارعين وتاجر خضار، من مناطق مختلفة خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام شمال غرب سوريا.[1] وقد وثقت تعرضهم جميعاً للتهديد بالاعتقال عند محاولتهم الامتناع عن “تأدية الزكاة”. كما وثقت تعرض مزارعَين اثنين للاعتقال التعسفي على يد هيئة تحرير الشام، في حادثتين منفصلتين، بسبب رفضهما قيام الهيئة العامة للزكاة باقتطاع نسبة من محصول كل منهما.

وفي سبيل فهم الصلة بين هيئة تحرير الشام والهيئة العامة للزكاة، وفهم آليات عمل الأخيرة، أجرت “سوريون” مقابلة مع شخص سبق أن عمل مع هيئة الزكاة كعامل موسمي، ومقابلة أخرى مع ناشطَين إعلاميَين مطلعَين على الملف في المنطقة.

وضح المزارعون في المقابلات أن اقتطاع نسبة أقلها 5% من محاصيلهم، يأتي رغم التحديات الكثيرة التي يواجهونها والخسائر التي يتكبدونها سواء في زراعة القمح والشعير أو زراعة الزيتون. وكل هذا في ظل غياب أي دعم مقدم لهم من قبل حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام.

الاعتقال التعسفي والتهديد لمن لا يدفع الزكاة:

“أحمد” مزارع من منطقة “جسر الشغور”، تعرّض للاحتجاز من قبل هيئة تحرير الشام لمدة 19 يوماً، بعد رفضه اقتطاع نسبة من محصول القمح الخاص به. تحدث مع “سوريون” في شهادته بالآتي:

“في بداية شهر تموز/يوليو 2023، كنت قد انتهيت من حصاد محصول القمح في أرضي. ونظراً لقلة الأمطار خلال العام الحالي لم يكن المردود جيداً، حيث لم يتعد إنتاج الدونم الواحد 200 كغ، وهو ما لا يغطي التكاليف… عندما وصلت حاجزاً تابعاً للهيئة العامة للزكاة، أراد العناصر أخذ نسبة من محصولي، بالرغم من رجائي وشرحي المطول لهم عن خسارتي. وعندما حاولتُ منعهم، قاموا باعتقالي ومصادرة جرّاري بما يحمل من قمح، واحتجزوني في سجن مخفر مدينة جسر الشغور. حققوا معي عدّة مرات وسألوني عن سبب عدم تأديتي للزكاة، كما هددوني بالسجن ستة أشهر في حال لم أٌقم بالدفع، ولم يتم الإفراج عني إلا بعد أن قاموا بالاستيلاء على أكثر من مائة كيلوغرام من الحمولة”.

 وأضاف الشاهد:

“قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة التي شهدتها المنطقة على غير العادة، خلال الفترة الممتدة ما بين بداية شهر شباط/فبراير 2022 وحتى بدايات شهر آذار/مارس 2022، كان قد أدى بالفعل إلى تراجع محصول القمح، وتسببّ أيضاً في تكاثر فئران الحقل بشكل كبير، رغم مكافحتها بعدّة وسائل، ما تسبّب في خسارة كبيرة”.

“جمال” مزارع آخر، يعمل في منطقة سهل الروج في محافظة إدلب، تعرّض للاحتجاز من قبل هيئة تحرير الشام، لمدة 27 يوماً، وذلك بعد وقوع مشادة كلامية بينه وبين عناصر حاجز الهيئة العامة للزكاة الواقع بالقرب من بلدة “حلول” في المنطقة، بعد رفضه دفع الإتاوات تحت ذريعة الزكاة، وفقاً لما رواه لـ “سوريون”:

في شهر تموز/يوليو 2023، وعقب انتهائي من حصاد محصول القمح في حقلي، استوقفني حاجز الهيئة العامة للزكاة وأنا أحمل حوالي طن ونصف من القمح، ليطلب مني العناصر القائمين على الحاجز تفريغ حوالي 100 كغ كزكاة مفروضة على المحصول كي يتم توزيعها على المحتاجين. وعند رفضي نظراً لأنّ كمية الإنتاج قليلة جداً، استدعى القائمون على الحاجز عناصر المخفر، وقاموا باقتيادي إلى سجن إدلب لم يفرجوا عني إلا بعد دفع 200 دولار أمريكي لمحكمة الصلح، بسبب اشتباكي بالأيدي مع أحد عناصر الحاجز، كما قاموا باقتطاع نسبة 10% بدلاً من 5% من المحصول كعقوبة.

وأضاف المصدر:

“إنّ شحّ الأمطار خلال الموسم الفائت، تسببّ بخسارة كبيرة. كان الدونم الواحد ينتج سابقاً من 400 إلى 500 كغ من القمح؛ أمّا هذا العام فبالكاد بلغ إنتاج الدونم الواحد حوالي 220 كغ. وهذا مرده بالدرجة الأولى إلى انقطاع الأمطار وعدم القدرة على سقاية المحصول بواسطة الآبار؛ فرغم مطالبتنا حكومةَ الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام بضرورة دعم الرّي بواسطة الآبار، إلا أننا لم نتلقَ أي مساعدة منهم حتى اللحظة.

وكحالها مع أصحاب محاصيل القمح، واصلت هيئة تحرير الشام، عبر الهيئة العامة للزكاة، الاستيلاء على نسبة 5 % من أصحاب محاصيل الزيتون، بعد نشرها تعميماً أيضاً بوجوب دفع زكاة الزيتون.

“ماجد” مزارع من مدينة سلقين، لديه 27 شجرة زيتون كان قد ورثها عن جده، قامت هيئة تحرير الشام بمصادرة 17 كغ من زيت الزيتون (من إجمالي 352 كغ) الذي أنتجه بعد تهديده بالاعتقال. وذلك في منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2023. وقد جاء في شهادته لـ “سوريون”:

خلال عام 2022، لم تتساقط الأمطار في فصل الخريف، مما أجبرني على ري أشجار الزيتون من البئر باستخدام مولد كهرباء يعمل على الديزل بمعدل 10 ساعات يومياً، ويحتاج في الساعة الواحدة إلى خمسة ليترات من المازوت، وهذه تكلفة كبيرة على مزارع مثلي زراعته هي مصدر دخله الوحيد… في بداية عام 2023، توجهت بالمحصول إلى المعصرة، وهناك استوقفني عنصر تابع لهيئة الزكاة بهدف وزن الكمية التي بحوزتي قبل عصرها، وعند طلبي منه إعفائي من الزكاة قال بأنّ عمله واضح وغير قابل للنقاش وبأنهم يقومون بتحصيل الزكاة من المزارعين لتطهير أموالهم بحسب تعاليم الدين. ثمّ قاموا بمصادرة 17 كغ… جرى كل هذا بحضور عناصر المخفر وتحت تهديدهم لي بالاحتجاز في حال لم أدفع الزكاة”.

كيفية احتساب نسبة الزكاة:

“عماد” مزارع زيتون في منطقة “حارم”، تحدث في شهادته عن طريقة عمل موظفي الهيئة العامة للزكاة في معاصر الزيتون، حيث قال:

“عمل موظفو الهيئة العامة للزكاة على البقاء في معاصر الزيتون طوال فترات جنيه، سواء في مطلع هذا العام أو خلال الأعوام السابقة.. كانت مهمتهم احتساب كمية الزيت التي ينتجها كل مزارع على حدة، واقتطاع نسبة 5% من إنتاجه… علماً أنّ معظم المزارعين مضطرين عند قطاف محصول الزيتون إلى أخذه إلى المعاصر كي يتم تحويله إلى زيت.

من جانب آخر، عملت الهيئة العامة للزكاة، منذ عام 2019، على تعيين موظفين دائمين مهمتهم رصد أسواق الخضار أيضاً؛ وذلك في سبيل إلزام التجار بدفع “الزكاة”. فوفقاً لشهادة “سمير” وهو تاجر خضار في “سوق الهال” في بلدة “أطمة” بريف “إدلب”:

يقوم موظفو الهيئة العامة للزكاة برصد كل سيارة خضار تدخل إلى السوق إلى حين وصولها إلى تاجر معين، حيث يجب على التاجر أن يزودهم بمعلومات عن الوزن العام للسيارة… على التاجر دفع نسبة مئوية مقتطعة نقداً بدلاً من الخضروات. تعمل هيئة الزكاة على تحصيل الأموال منا نحن التجار بعد الاطلاع على فواتير البيع وحسابها وتدقيقها لكل السلع في المحل.. ويتم احتساب مجموع الأموال عن كل حمولة”

“فهمي” أحد العمال الموسميين الذين تتعاقد معهم الهيئة العامة للزكاة كل عام في موسم جني المحاصيل، شرح في شهادته لـ “سوريون” كيف جرى تدريبه على حساب النسبة التي عليه اقتطاعها من المحاصيل:

“تلّقينا دورة تدريبية طوال أسبوع قبل العمل في مقر المديرية المركزية في مدينة إدلب. كان هدف الدورة تعليمنا كيفية التعامل مع المزارعين، وكيفية حساب ناتج المحصول بعد حصاده، وحساب الكمية اللازم اقتطاعها من القمح والشعير.. على أن نتقاضى راتب 200 دولار شهرياً”.

وحول عملية تقدير المحصول والنسبة التي يقتطعونها، قال المصدر:

“نقيس ارتفاع المحصول المعبأ بالشاحنة، ونضربه بعرض وطول الشاحنة، ثم نقتطع النسبة المئوية من المحصول بتعبئتها -أياً كانت كميتها- في أكياس بلاستيكية سعة 50 كغ، ونجمعها في نقطة الحاجز، حتى تأتي كل يوم شاحنة مرسلة من قبل هيئة الزكاة لأخذها”.

وهذا يعني اقتطاع النسبة الواجب دفعها من إجمالي الإنتاج دون الأخذ في الاعتبار ما تكبده صاحب العلاقة من سعر البذار والحصاد وغيرها من المصاريف المختلفة، والتي قد تفوق أحيانا قيمة الناتج الإجمالي، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الهشة التي تعيشها البلاد، وهذا ما يزيد من معاناة المزارعين، وقد يدفع بالبعض منهم إلى الاحجام عن معاودة العمل في هذا القطاع الهام.

الصلة بين هيئة تحرير الشام والهيئة العامة للزكاة:

تنفي الهيئة العامة للزكاة صلتها بهيئة تحرير الشام، إذ جاء في تصريح “عبد الرحمن السبع” مدير مكتب العلاقات العامة في الهيئة، لتلفزيون سوريا في نيسان/أبريل 2022 أن هيئة الزكاة تأسست بداية ضمن وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ، كدائرة تعنى بالزكاة وكانت ذات طابع حكومي، إلى أن ارتأت مجموعة من الشباب وطلبة العلم في المنطقة بأن ترعى قطاع الزكاة بشكل مستقل وبالتالي كانت ولادة الهيئة العامة للزكاة.

إلا أن جميع الشهادات التي وثقتها “سوريون” بهذا الخصوص، تؤكد وجود صلة وثيقة بين الهيئة العامة للزكاة وهيئة تحرير الشام، وانبثاق الأولى عن الثانية، بخلاف مزاعم الهيئتين، ويؤكد ذلك حالات الاعتقال التي ترتكبها هيئة التحرير لصالح هيئة الزكاة، والتي تم عرض أمثلة عليها في الشهادات الواردة أعلاه.

في هذا السياق، وضح الناشط الإعلامي “أحمد” من منطقة “سرمدا” بريف إدلب في شهادته لـ “سوريون” الآتي:

تتكون إدارة الهيئة العامة للزكاة من رجال من الصف الثاني من قيادات هيئة تحرير الشام. ويتم تعيين مدراء فروعها بحسب انتمائهم للهيئة وكفاءتهم العلمية. كل عام، مع اقتراب موعد جني المحاصيل الرئيسية في شمال غرب سوريا، تفتح هيئة الزكاة باب التسجيل للعمالة الموسمية. تتلقى الأخيرة دورات تدريبية لمدة أسبوع، ثم تقوم بإنشاء حواجز على مفارق الطرقات في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، بهدف إيقاف الشاحنات والجرارات المحمّلة بالمحاصيل واقتطاع نسبة 5% من الحمولة بغض النظر عن حجمها. تقطع تلك الحواجز الطرقات على مدار 24 ساعة طوال 45 يوماً، وتكون على اتصال مباشر بالأجهزة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام للإبلاغ عمّن يرفض الدفع، لتعمل تلك الأجهزة على ملاحقته ومصادرة محصوله وزجه بالسجن وتغريمه باقتطاع ما نسبته 10% بدل الـ 5% من محصوله”.

من جهته أفاد أحد الناشطين الإعلاميين في إدلب بأنّ هيئة تحرير الشام تقوم من خلال الهيئة العامة للزكاة، بفرض ضرائب على المزارعين منذ عام 2019، مشيراً إلى أنها تصادر هذه الأموال لصالح المكتب الاقتصادي التابع لهيئة تحرير الشام، حيث قال في شهادته لـ”سوريون”:

“يعمل المكتب الاقتصادي في هيئة تحرير الشام على جمع أموال الزكاة ومخالفات المرور والضرائب، كتلك المفروضة على المزروعات والسيارات وأموال شركات المحروقات والانشاءات الهندسية، وغيرها من المديريات المحدثة من قبل تحرير الشام، وجميعها تصب في اتجاه واحد لصالح الدائرة الأولى في تحرير الشام والتي تتمثل بـمتزعم الهيئة أبو محمد الجولاني والمدعو أبو أحمد زكور وغيره من القيادات من الصف الأول. هذه الشخصيات هي المتحكم الأول بالأموال، ولا يوجد شكل واضح لطريقة استخدام أو صرف هذه المبالغ، في الوقت الذي تجاوزت فيه نسبة الجياع في شمال غرب سوريا الـ 40 % ونسبة الفقراء والعاطلين عن العمل تجاوزت الـ 90 % بين السكان.”

وتابع المصدر بأنّه يمكن تقدير المبالغ السنوية التي تمّت مصادرتها باسم “الزكاة” والأرباح التي جنتها الهيئة من خلال حساب الإنتاج السنوي من القمح والزيتون بشكل رئيسي. حيث قال:

“بلغ إنتاج القمح في مناطق شمال غرب سوريا أكثر من 75000 طن في عام 2023، اقتطعت منها هيئة تحرير الشام عبر الهيئة العامة للزكاة نسبة 5% والتي تعادل ما يقارب 3750 طن، ثمّ قامت ببيعها لأفران الخبز بسعر وصل إلى 550 دولار للطن الواحد، وذلك بعد تحويل القمح إلى طحين في مطاحن الهيئة، حيث قدّرت أرباحها بأكثر من 2 مليون دولار فقط من موسم واحد من القمح. مضيفاً بأنّ تحرير الشام قامت أيضاً باقتطاع نسبة 5% من معاصر الزيتون، حيث أشارت التقديرات إلى إنتاج أكثر من 100 ألف طن من زيت الزيتون في العام الحالي 2023 بحسب خبراء زراعيين، مع ارتفاع أسعار الزيت إلى أكثر من 5 دولارات لكيلو الزيت الواحد”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] تم إخفاء الهوية الحقيقية للمصادر ضمن هذا التقرير حفاظاً على سلامتهم.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد