الرئيسية تحقيقات مواضيعية تحقيق مشترك: “هلق بيجي عمو بياخدك مشوار”…

تحقيق مشترك: “هلق بيجي عمو بياخدك مشوار”…

تحقيق يوثق حبس أطفال سوريين وتعذيبهم – الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية - سراج وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة

بواسطة bassamalahmed
952 مشاهدة تحميل كملف PDF حجم الخط ع ع ع

طوال نحو عام وشهرين، بقيت السيدة نور (اسم مستعار)، المتحدرة من مدينة دوما في ريف دمشق، تكابد معاناة السجن في الفرع 227 (فرع المنطقة) في وسط العاصمة دمشق، إلى جانب زوجها وطفليها الرضيعين.

في 16 نيسان/أبريل عام 2013، اعترضت دورية تابعة للفرع السيارة التي كانت تقلهم بالقرب من أوتوستراد المزة لدى عودتهم من الأردن، وتعرضت العائلة للاعتقال وهي في طريقها للتسلل إلى مدينة دوما في الغوطة الشرقية، التي كانت تطوقها قوات الجيش السوري آنذاك.

“لم نكن قد أكملنا دقائق على الاوتوستراد، وإذ بسيارة للأمن السوري تلاحقنا… بدأوا بإطلاق النار على سيارتنا حتى توقفت، هرب السائق بين البساتين، ونحن لم نستطع الركض كثيراً، لأنني كنت متعبة من الولادة، وبسبب وجود الأطفال… فألقي القبض علينا”، تقول نور شارحة ما حل بهم في ذلك النهار.

وتضيف: “عندما أدخلونا إلى الفرع الأمني، صاروا يهددوني بأخد أولادي مني، لأنني ′لا أستحقهم ولأنني إرهابية′، وكنت أشعر بانهيار عند كل تهديد بأخذ أولادي، كان عندي في الحقيبة حليب لابنتي، ولكن ابني لم يستطع الرضاعة مني بسبب الخوف، تقريباً نشف الحليب في صدري، فأعطيته منوّماً حتى غفا وهو يبكي من الجوع”.

لم يكن هذا الجانب الأكثر ألماً في قصة نور وعائلتها، لكن ما جرى لهم بعد خمسة أيام من الاعتقال، وهو ما لم تكن تتخيله.

“بعد خمسة أيام في السجن، دخل ضابط فجأة إلى الزنزانة، أخذ ابنتي، صرت أشدها من يده فضربني على وجهي، وقعت على الأرض وأخذها… كنت أسمع صوت بكائها وهم يضعونها في السيارة، ثم عاد ليأخذ ابني، طلبت منه أن أرضعه فقط، فلم يوافق… أُصبت بانهيار كامل، أخذوا ولديّ وأيقنت أني لن أراهما مجدداً ولن أخرج من هنا. أصابني يأس كامل من كل شيء”.

 

في سوريا، يترك اعتقال الأطفال دون 18 عاماً، وحجز حريتهم وتعذيبهم، جرحاً غائراً في بنية المجتمع، وفي نفسية الأطفال وذويهم في آن واحد. وقد كان اعتقال الأطفال في درعا من قبل فرع الأمن السياسي في آذار/ مارس 2011 الشرارة التي أشعلت احتجاجات عمّت البلاد لتتحول لاحقاً إلى حرب “طاحنة” ذهب على إثرها أكثر من نصف مليون قتيل.

لم تتوقف عمليات الاعتقال التي طالت الأطفال، سواء خلال مشاركتهم في التظاهرات، أو لدى مرافقتهم ذويهم عند السفر والمرور بالحواجز العسكرية وعبور مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة وبالعكس، وفق روايات وشهادات لحقوقيين وأهالٍ وعناصر أمن وشرطة سابقين.

أصبح اعتقال الأطفال بمثابة “سلوك” مستمر حتى اليوم، وهدفه “تركيع الأهالي والضغط عليهم، وخلق حالة الخوف”، وفق ما يعلّق أحمد قشيط، وهو ضابط منشق كان قد خدم محققاً في دمشق وشهد حالات اعتقال أطفال في حلب على خلفية المشاركة في التظاهرات.

في هذا التحقيق، وعلى مدار ثلاثة أشهر، رصد فريق العمل من خلال المقابلات المباشرة مع الأهالي أو الأقرباء، ومن خلال الإطلاع على التوثيق الدقيق الذي نفذته جهات سوريّة ودوليّة مختصة بمتابعة حبس الأطفال وتعذيبهم، 23 اسماً لأطفال في معتقلات سورية حكومية، بعد احتجازهم من دون أسباب واضحة.

منهم من خرج من المعتقل، ومنهم من لا يزال مجهول المصير. بعضهم اعتقل مع والديه أو مع أمه فقط، بين نيسان/ أبريل 2012 وأيار/مايو 2019، وهم 17 ذكراً، و6 إناث، جميعهم دون 18 عاماً، وهو ما يخالف القانون الدولي (اتفاقية حقوق الطفل)، ويخرق الدستور السوري، في آن واحد.

وتُعرّف اتفاقية حقوق الطفل، النافذة في 2 أيلول/ سبتمبر للعام 1990 والمصادق عليها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 44/25، الطفل بأنه “كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة إذا لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه”.

وكانت سوريا صادقت على اتفاقية حقوق الطفل في 13 حزيران/يونيو 1993 بموجب القانون رقم 8 ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بتاريخ 14 آب/ أغسطس 1993، مع تحفظها على المادتين 20 و21 المتعلقتين بالتبني، وكذلك على المادة 14 المتعلقة بحق الطفل في حرية الفكر والوجدان والدين.

كما صادقت على البروتوكولين الاختياريين الملحقين باتفاقية حقوق الطفل والمتعلقتين ببيع الأطفال وتوريطهم بأعمال الدعارة والإباحة وإشراكهم بالنزاعات المسلحة، بموجب المرسوم رقم 379 في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2002.

يقول المحامي وعضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي في سورية ميشال شماس: “شهدت شخصياً اعتقال عدد من الأطفال من قبل المخابرات السورية، ودافعت عن بعضهم أمام محكمة الإرهاب، وفي عام 2013 توكلت عن فتى عمره 14 سنة من حي الميدان في دمشق، كان موقوفاً لدى الشرطة العسكرية، وبدل إرساله للمحكمة لاستجوابه، تم إرسال تقرير طبي يفيد بوفاته داخل السجن بحجة أنه تعرض لأزمة قلبية”.

 

سامر منصور كان محقّقاً عاماً في حماة وسط البلاد، وقد انشق عن السلك الأمني عام 2015. يقول: “كان يتم اعتقال الأطفال بسبب الكتابة على الجدران، أو بسبب رمي الحجارة على سيارات الأمن والشرطة، وهذا كان بمنزلة ورقة ضغط على الأهل، ومن أجل الاعتراف على متظاهر كبير (أكبر سناً). كانت حججاً واهية هدفها الضغط على الشعب”.

على طريق السفر

طوال 22 يوماً، ظل الطفل محمد (اسم مستعار)، ابن مدينة حماة، معتقلاً مع والدته في أقبية فرع أمن الدولة في مدينة حلب.

اعتقل الطفل خلال سفره مع والدته من مدينة حماة إلى مدينة الباب الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، بتاريخ 23 أيار/مايو 2019، ولحسن الحظ أطلق سراحه لاحقاً، وفق ما أبلغتنا به الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تتابع ملف اعتقال الأطفال عن كثب.

وإن كان محمد سعيد الحظ، لأنه دخل المعتقل وخرج منه بسلام، فإن قرينه ياسر (اسم مستعار) ابن محافظة حماة نفسها، كان قد سبقه إلى الاعتقال، منذ العام 2012، لكنه لم يخرج بعد، ولا تعرف عائلته اليوم أي تفاصيل عنه أو عن مكان وجوده.

في 10 تموز/يوليو 2012، اختفى ياسر (16 عاماً)، لدى مروره على حاجز “المبطن” التابع للقوات السورية الحكومية شرق مدينة حماة، وذلك عندما كان عائداً برفقة والده من مركز المدينة إلى قريته.

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين موقع بلدة المبطن في محافظة حماه.

قرية وحاجز المبطن

يروي شقيق ياسر، الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، معاناة العائلة منذ لحظة اعتقال شقيقه وأبيه إلى اليوم. لا يزال مصير الاثنين مجهولاً، وآخر ما علمته العائلة هو أن الطفل المعتقل نقل إلى “دير شميل”، قرب مدينة مصياف غرب حماة، وهو عبارة عن معسكر للطلائع (الأطفال) حولته قوات النظام لمعتقل، وكان شهود عيان وناجون من هذا المعتقل سردوا لشقيق الطفل المعتقل أنهم “سمعوا أصوات تعذيب أخيه في الزنزانة المجاورة”.

برغم عدم معرفة مصير الطفل، فإن محاولات شقيقه للكشف عن مصيره ومصير والده لم تتوقف لكن دون جدوى. يقول: “في منتصف عام 2014، خرج معتقل من سجن صيدنايا، وقد ذكر لي أنه شاهد أخي وأبي في السجن، ثم في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017 التقيت معتقلاً من قرية حوا في ريف إدلب الجنوبي، وهو يعرف والدي وأخي، وقال إنه شاهدهما في سجن عدرا (سجن دمشق المركزي)”.

 

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين وقع معسكر الطلائع في محافظة حماه، والذي كانت القوات النظامية السورية قد حولته إلى معتقل.

معسكر الطلائع

في تقرير لها صدر عام 2016، تقول منظمة “هيومن رايتس ووتش”: “من نحو 215 ألف معتقل لدى القوات الحكومية، فإن عدد الأطفال المحتجزين لا يقل عن 1400 تراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً، في حين قال بعض المنشقين والشهود إن أطفالاً محتجزين لا تتجاوز أعمارهم ثماني سنوات”.

وكانت المنظمة ذكرت في تقرير سابق عام 2015 أنها تحققت من وفاة معتقلين داخل مراكز الاحتجاز، وذكرت أن من المتوفين طفلين، أحدهما يبلغ من العمر 14 عاماً وقت اعتقاله.

 

تحت سقف الزنزانة

لا يمكن لنور أن تنسى تلك اللحظات التي أجبرت فيها على أن تكون تحت سقف واحد مع أطفالها ضمن المعتقل، ابنها (شهران) وابنتها (سنة وشهران)، ومن ثم كيف فُصلا عنها، وأُخذا منها بالقوة إلى مكان لم يخبرها السجانون به، وهذا ما انعكس عليها بشكل مباشر.

وفق روايتها، لم تكن تعرف ماذا تفعل في هذا الظرف، وبماذا تجيب طفلاً رضيعاً يريد الحليب الذي هو غير متوافر، وماذا تقول لطفلة تريد أن تمشي وتلعب؟

تستدرك قائلة: “كنت أنا والطفلان في غرفة، وزوجي في الزنزانة، أدخلوني غرفة التحقيق وكانا يبكيان من الجوع، طلب مني المحقق إسكاتهما، ولكن ابني لم يسكت، لأنه كان قد مضى عليه وقت طويل من غير رضاعة (دون طعام)”.

وتضيف نور شارحة أنه عندما أخذ الضابط منها ولديها نقلها إلى غرفة أخرى، ووضعها مع نساء أخريات حيث أمضت معظم فترة اعتقالها سنة وشهرين، لم تكن تعرف أين هي، وعندما سألت النساء قالوا لها إنها في الفرع 227.

ويُعتبر الفرع 227 التابع للأمن العسكري كـ”شعبة المخابرات العسكرية”، وهو “مسؤول عن آلاف حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والقتل الجماعي لعشرات المعتقلين تحت التعذيب منذ بداية الثورة السورية”، وذلك وفق تقرير لـ”مركز توثيق الانتهاكات في سورية” (VDC).

بدورها، ترصد الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهي منظمة سورية غير حكومية، الانتهاكات على نطاق واسع، وكانت قد ذهبت في تقريرها الصادر في 26 حزيران/يوليو الماضي، حول الاعتقال والإخفاء القسري في مراكز الاحتجاز الحكومية، إلى ما هو أبعد من سجن الأطفال، بتوثيقها مقتل 177 طفلاً داخل السجون بسبب التعذيب، وهذا ما عدته “جريمة إبادة”.

يقول رئيس الشبكة، فضل عبد الغني: “لدى النظام نحو 3500 طفل قيد الاعتقال وأغلبهم مختفون قسرياً لا يعلم ذووهم عنهم شيئاً”.

ويدل حديث نور على هذا الجانب، إذ أخبرت فريق التحقيق أنه “بعد ثلاثة أشهر من البكاء وسؤال المحققين عن ولديها، بعدما أخذوهما منها، اعترف المحقق أخيراً أن الولدين عندهم ولم يسلموهما لأهلها”.

 

وكانت لجنة التحقيق الدولية التابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قد وثقت في كانون الثاني/ يناير 2016 تقريرها الذي حمل عنوان “بعيداً عن العين .. بعيداً عن الخاطر”، وفاة أطفال لا تتجاوز أعمار بعضهم سبع سنوات في الحجز لدى السلطات السورية.

وبحسب عبد الغني، فإن الانتهاكات التي مارسها النظام على الكبار والبالغين هي نفسها طبقها على الأطفال ولم يميز في ما بينهم أو يعطهم خصوصية لدى التعذيب وظروف الاعتقال والقتل العنف الجنسي.

 

اعتقال بجريرة الأهالي

تعيش أم شعبان، السيدة أربعينية من سكان ريف دمشق، في مخيم للنازحين قرب مدينة الباب شمال حلب، وذلك بعدما نزحت من ريف العاصمة مع أطفالها الثلاثة، ومن بينهم يوسف (14 عاماً) الذي اعتقل سنة وثلاثة أشهر بعد حجزه على أحد حواجز الأمن السوري في العاصمة.

جرى اعتقال ابنها يوسف من قبل فرع الخطيب (الفرع 251) في الأول من شهر نيسان/ أبريل 2012 للضغط على والده لتسليم نفسه نتيجة انضمامه للجيش الحر، وبالفعل سلم الوالد نفسه بعد شهر من اعتقال يوسف.

تقول الأم: “برغم تسليم زوجي نفسه بقي يوسف معتقلاً نحو سنة وثلاثة أشهر، ثم جرى إطلاق سراحه”.

وفي البحث عن الأسباب التي تدفع قوات الأمن لاعتقال طفل بجريرة أهله، يجمع فريق من الحقوقيين والخبراء، التقيناهم خلال إعداد التحقيق، على أن عمليات اعتقال الأطفال وتغييبهم في السجون تتم بدافع إخضاع الأهالي لكونهم من أصحاب المواقف السياسية المناهضة لنظام الحكم.

ويخالف تصرف السلطات السورية الرسمية عبر أجهزتها الأمنية والعسكرية، بشكل واضح، المادة الثانية (البند الثاني) من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1990 التي تنص على حماية الطفل من جميع أشكال التمييز أو العقاب القائمة على أساس مركز والديه أو أنشطتهما أو آرائهما المعبر عنها.

 

 

وأكثر من ذلك، يتعارض هذا مع نص الدستور السوري لعام 2012، وتحديداً في المادة 20 التي تقول: “تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه، وتحمي الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم”.

يضيف المحقّق المنشق أحمد قشيط أن “الوضع كان بكاءً وخوفاً، لقد شاهدت طفلاً يُضرب بالكابل على ظهره لأنه كتب على الحائط شعارات”، والسبب برأيه “الضغط على الأهل وعلى الشعب بشكل عام عبر إهانة الصغير قبل الكبير، لقد كانت سياسة، وجاءت التعليمات من وزارات عديدة باستخدام القمع”.

 

“رأيت فتاة عمرها 17 عاماً”

على اعتبار أن الاعتقال يشمل الذكور والإناث معاً، فقد شاهدت نور في محبسها بنات معتقلات تحت سن الـ18 عاماً، وأطفالاً بمختلف الأعمار، وكان معها في الغرفة سيدة برفقتها ثلاث بنات تحت عمر الـ5 سنوات.

تقول: “رأيت فتاة كان عمرها 17 عاماً ومعها مرض السكري، كانت قد تعرضت لصدمة نفسية، وارتفع معها السكري. عندما أخذوها إلى المشفى رفضوا مرافقة أمها لها، وهناك بقيت 3 أيام، وحين عادت كانت بحالة صدمة، فلم تأكل ولم تتكلم، وبقيت مع أمها 20 يوماً ثم خرجتا… لا أعرف أكان ذلك إلى فرع آخر أم تخلية سبيل”.

ما يعزز روايات نور في سردها لما شاهدته في هذا الجانب، هو ما أعلنته في تقرير مفصّل “منظمة العفو الدولية” بعنوان “إنه يحطم إنسانيتك”، قالت فيه إن أغلب السجينات السابقات، شاهدن أطفالاً في مركز الاحتجاز، وكان بعضهم محتجزين مع أمهاتهم.

ليس هذا فحسب، بل يتبع الاعتقال عمليات تعذيب داخل السجون بحق الأطفال، وهو ما تشير إليه مصادر حقوقية، وما أعلنه تقرير مفصّل للأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي، عن اعتقال الأطفال في سوريا.

 

 

في كانون الثاني/ يناير 2014، ذكر التقرير أن أطفالاً ألقي القبض عليهم عند نقاط التفتيش ومن منازلهم ومن المدارس والطرق والمستشفيات في محافظات درعا وإدلب وحمص ودير الزور ودمشق وحلب، وأن أغلب الأطفال المعتقلين احتجزوا في زنزانات المعتقلين البالغين، وأن أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة تعرضوا لسوء المعاملة، ولأعمال ترقى إلى التعذيب من أجل انتزاع اعترافات أو إذلالهم أو للضغط على أحد الأقارب من أجل الاستسلام أو الاعتراف.

بحسب التقرير الأممي، “جرى تعذيب الأطفال بالضرب بكابلات معدنية وبالسياط وبالعصي الخشبية والصدمات الكهربائية، حتى على الأعضاء التناسلية، بالإضافة إلى اقتلاع أظافر أصابع اليدين أو القدمين واستخدام العنف الجنسي”.

“القانون الدولي يمنع أطراف النزاع من استخدام العنف الجنسي على الأطفال، وعلى الدول ملاحقة جميع من يخل بتلك الاتفاقيات ومنها اتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكول الإضافي الأول والثاني والقانون العرفي المعمول به في كل النزاعات”، حسب ما يقول الأمين العام لـ تجمع العدالة السوري، القاضي محمد نور حميدي، في تصريح نشره موقع زمان الوصل بتاريخ 28 أيار/ مايو الماضي.

ويعتبر حميدي أن “العنف الجنسي من أبشع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام وتم توثيق العديد منها في الأفرع الأمنية التابعة للنظام التي تمارسها على الأطفال والنساء لإجبارهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها”.

يقول المحقق السابق قشيط “شاهدنا أطفالاً يُنقلون بسيارات شرطة، أعمارهم بين 7 و 10 سنوات، يتم تقييدهم ورشهم بالغازات، وضربهم بقطع بلاستيكية، ووضع قيود حديدية في أيديهم ثم يُقتادون للتحقيق”.

ويشير إلى أن “الأطفال كانوا يتعرضون لشتى أنواع التعذيب من الضرب على الظهر والبطن، إلى وضعهم في زنازين منفردة ويتم تخويفهم بأشياء لا تناسب أعمارهم”.

 

أطفال في صيدنايا

منذ الخامس من كانون الثاني/يناير عام 2013 إلى اليوم، لا يعلم ذوو 5 أطفال من قرية تسنين في ريف حمص الشمالي شيئاً عن مصير أبنائهم، عقب اعتقالهم واخفائهم بعد اقتحام قوات الحكومة السورية والقوات المساندة لها القرية الواقعة في ريف حمص الشمالي، وعدد سكانها 4 آلاف نسمة، وقد شهدت مقتل 105 أشخاص، بينهم نساء وأطفال ومسنون، وتمّ اعتقال عدد كبير من الأهالي، منهم الأطفال الخمسة الذين تراوح أعمارهم بين 10و13 عاماً.

يتحدث مصدر من العائلة (تم حجب اسمه الحقيقي) كان شاهداً على تلك اللحظات عن معاناة يومية تعيشها العائلة، وتحديداً الوالدان بعد اعتقال أطفالهما، إذ لم يعرف في أي سجن من سجون النظام السوري هم معتقلون حتى اللحظة برغم البحث المستمر عنهم. وهناك معلومات تفيد أنهم في سجن صيدنايا.

 

يقول: “برغم شعورنا باليأس تواصلنا مع أشخاص يسكنون في مناطق سيطرة النظام السوري، ودفعنا مبلغ 100 مليون ليرة لشخص ممن يُسمون ′الشبيحة′، ووعدنا بإبلاغنا بمكان وجودهم، فالغريق يتعلق بقشة، لكن للأسف تم الاحتيال علينا، أخذ هذا الشخص المبلغ ولم نعد نسمع عنه شيئاً”.

ويضيف المصدر: “حاولنا كثيراً… البحث مستمر علنا نجد بريق أمل وكنا نحاول التواصل مع أي شخص يخرج من معتقلات النظام، ووأكلنا محامين ولكن دون جدوى”.

هل هم موجودون في سجون النظام السوري، أم تم إعدامهم؟ يسأل المصدر من العائلة نفسه ويجيب: “لقد ترك غيابهم من دون معرفة شيء عنهم حسرة وألماً، حتى أن بعض الأمهات لم يستوعبن ما حصل وأصبن بأمراض نفسية”.

 

حياة ما بعد الاعتقال

كلام المصدر من العائلة حول معاناة الأهالي، يتكامل مع ما ذهب إليه طاهر ليلى من الجمعية السورية الأمريكية – سامز للصحة النفسية، حيث يعمل قائد فريق للدعم النفسي والاجتماعي، في حديثه عن جانب من معاناة الأطفال أنفسهم جراء الاعتقال، بقوله: “تجربة الاعتقال صعبة ولأن لدى الطفل بنية نفسية أكثر هشاشة من البالغين، يكون التأثير عميقاً”.

وفي الجانب النفسي والاجتماعي، “يتسبب للطفل بالقلق، والاكتئاب، والعزلة، وقد تتضرر علاقاته الاجتماعية بمن حوله ويصيبها خلل، وكذلك قد يصاب الطفل باضطراب ما بعد الصدمة، إذ يتم استحضار وتذكر صور صادمة من حادث مر به، وهو ما يؤثر على النوم والأداء الوظيفي في جميع مناحي الحياة”، وفق ليلى.

وفي الإطار نفسه، قد يكون هذا بالضبط ما تعرض له طفلا السيدة نور بعد إطلاق سراح العائلة وخروجهم من المعتقل بعد حبس دام نحو عام، عقب تبادل أسرى بين “جيش الإسلام” (التابع لقوات المعارضة) وقوات النظام السوري، إذ كان عمر ابنتها عامين وأربعة أشهر، فلم “تتأقلم مع من حولها وكانت تبكي دائماً”.

تقول نور: “كان أهلي يقولون لها ′هلأ بيجي عمو بياخدك مشوار′ فتبكي أكثر وتصرخ، بعدها اكتشف أهلي أنها كانت تخاف من كلمة ′عمو′، ووجدوا آثار حرق بالسيجارة على قدميها، ربما كان هناك من يخيفها به في الاحتجاز واسمه عمو، بقيت فترة طويلة تخاف من هذه الكلمة”.

بحسب الأم، صارت ابنتها تخاف من الرجال كلهم، وكلما حاول أحد من أقربائها حملها تخاف كثيراً، وبعد خروجها، بعشرين يوماً، تعرفت على والدتها، ولكنها خافت الاقتراب من والدها في البداية.

 

 

جلد الذات…

من جهة أخرى، يواجه بعض الأطفال إثر مرورهم بتجربة الاعتقال أزمة شعور بالذنب، فيبدأون بإلقاء اللوم على أنفسهم، وهو ما حصل بالتحديد مع يوسف ابن أم شعبان، الذي أُجبر والده المقاتل في صفوف المعارضة السورية على تسليم نفسه للقوات السورية مقابل إطلاق سراح ابنه من المعتقل.

تقول الأم: “لليوم لا يزال يوسف يعاني من الشعور بالخوف، والعزلة، والقلق وصعوبات النوم لما شاهده من عنف، ونتيجة إحساسه بالذنب لاعتقال والده، إضافة لما حل بنا من تهجير من بلداتنا باتجاه الشمال السوري”.

ويعلق ليلى على هذه النقطة بالقول: “عندما يتم استجوابهم (الأطفال)، من الممكن أن يقدموا معلومات تضر بأشخاص آخرين، فيلقوا باللوم على أنفسهم ويشعروا بالذنب. في هذه الحالة، يجب عرض الطفل على داعم نفسي أو خبير اجتماعي لمساعدته”.

 

أفق محاسبة الجناة

عند السؤال عن إمكانية محاسبة الجناة، يحيل شماس إلى اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 التي انضمت إليها سوريا وصادقت على بنودها، وتنص على ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وقد تعهدت جميع الدول الأطراف في الاتفاقية احترام قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل.

يعلق شماس: “على المنظمات السورية المعنية بحقوق الإنسان تكثيف جهودها في مواصلة ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والتعذيب وضد الإنسانية في سورية استناداً إلى الاختصاص القضائي العالمي المتاح حالياً في أربع دول أوروبية هي ألمانيا والسويد والنمسا والنرويج”.

ويضيف: “هذا الاختصاص يوجب على الدول الأعضاء في الاتفاقيات الدولية محاسبة مرتكبي الانتهاكات، ولو لم يكونوا على أراضيها ممن خالفوا بنود هذه الاتفاقيات، لإرتكابهم جرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف والقانون العرفي، لأنه من حق الأطفال أن يروا الجناة يساقون إلى العدالة وأن يحصلوا على تعويض مناسب لما اُرتكب بحقهم من جرائم وأن يأخذوا الضمانات اللازمة بعدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً”.

أنجز هذا التحقيق بالتعاون بين الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، ومنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة (STJ)، بدعم من منظمة Free Press Unlimited.

أنجزه: محمد بسيكي – علي الإبراهيم – شفق كوجك

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد