الرئيسية تحقيقات مواضيعية سوريا: دور الاتفاقيات الدولية في عمليات التهجير القسري (1)

سوريا: دور الاتفاقيات الدولية في عمليات التهجير القسري (1)

بعد خمس سنوات من صفقة "الغوطة مقابل عفرين" كيف ترك الاتفاق أثره على الأهالي؟

بواسطة communication
1.3K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

كُتب هذا التقرير بالشراكة ما بين منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” و “رابطة تآزر للضحايا”، وبدعم من منظمة “تبنّى ثورةAdopt a Revolution”، وإنّ الآراء الواردة في هذا التقرير لا تعكس بأي حال من الأحوال موقف المنظمة الداعمة.

1.    ملخص تنفيذي:

عقب خمس سنوات من تنفيذ الاتفاق الروسي – التركي الذي أفضى إلى تهجير أهالي عفرين والغوطة الشرقية من مناطق سكنهم الأصلية في عام 2018، وتغيير الخارطة السكانية لتلك المناطق، وتعميق الانقسامات المجتمعية والخلافات الاثنية بين السوريين/ات، لا تزال التداعيات مستمرة على أهالي المنطقتين الذين فقدوا أراضيهم وممتلكاتهم ومصادر رزقهم، ووجدوا أنفسهم مُهجرين قسراً دون إرادتهم ، وهو ما خلق صعوبات عدّة لم يكن وقعها سهلاً عليهم بعد ما عانوه من قصفٍ وموتٍ وتهجيرٍ.

تبدو الخلافات بين أهالي عفرين الأصليين والنازحين إليها، من مناطق سوريّة مختلفة، متجذرة وسط فجوة في المعلومات وإشكالية في التعميم، لا تمنح الطرفين فرصة للتعرف على بعضهم والحوار لتحليل المشاكل الموجودة وبيان أسبابها وآثارها، والوصول لحلول تنصف الضحايا وتساهم بمساءلة المنتهكين وتحقيق العدالة.

ويعيش في عفرين نازحون ومهجرون من الغوطة الشرقية وحمص وحماه وإدلب وحلب والحسكة ودير الزور.

وباستثناء الأمل الذي تعطيه بعض المبادرات الفردية التي يقودها أفراد أو منظمات مدنية محلية، لا يبدو أن هذه الفجوة في طريقها إلى التلاشي قريباً، نتيجة تفاقم الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل المسلحة بحق السكان الكرد المتبقين في المنطقة، في ظل غياب آليات انتصاف فعالة للضحايا، وعدم قدرتهم على استعادة حقوقهم.

ينظر الأهالي إلى العودة لمناطقهم الأصلية كحلم لا يغيب عن بالهم، لكن بشرط أن تكون آمنة وطوعية وتحفظ كرامتهم، وهي بحاجة إلى حل سياسي ومسار للعدالة يضمن مساءلة المنتهكين.

يحمل النقاش عن انتهاكات حقوق الملكية في عفرين حساسية خاصة، فعند الحديث عن عمليات الاستيلاء الواسعة على الملكيات العقارية فيها، ليس من المنصف وصف جميع الوافدين إليها بالمستوطنين والغاصبين للعقارات، فرغم تورط مسلّحين ومدنيين مقربين منهم بعمليات استيلاء، يوجد على أرض الواقع آخرون ممن لم يقدموا على استملاك منزل أو العيش فيه دون وجود أصحابه، ومن يدفعون الإيجارات للمالكين بانتظام، فضلاً عن بعض المبادرات الفردية والمدنية التي تسعى إلى إعادة الحقوق لأصحابها الأصليين.

يغطي هذا التقرير الخلفيات السياسية المرافقة للاتفاق الروسي- التركي، ودور كل من الجهات الدولية الفاعلة والمدنيين فيما حدث، وأبرز الأحداث التي سبقت تهجير أهالي الغوطة وعفرين، والانتهاكات التي رافقت طريق التهجير، وصولاً إلى الأماكن التي نزحوا إليها.

و يوثق التقرير انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في عفرين والغوطة على يد الجهات المسيطرة، لا سيما انتهاكات حقوق السكن والأراضي والملكية، والصعوبات التي لازالت تواجه الأهالي، مع إدراج توصيات مقترحة للحل ورأي قانوني.

2.    منهجية التقرير:

يأتي التقرير المشترك بين منظّمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” ورابطة “تآزر” للضحايا بهدف مناقشة أثر الاتفاقيات الدولية التي أفضت إلى تهجير مئات آلاف السوريين من مناطقهم الأصلية بشكل قسري، تحقيقاً لمصالح جهات خارجية، في محاولة لدراسة هذا الأثر وتخفيف تداعياته على السكان.

اعتمد التقرير في منهجيته على مخرجات جلسة حوارية تفاعلية عقدت يومي 30 و31 أيار/مايو 2023، جمعت أهالي وناشطين/ات من عفرين والغوطة الشرقية، ناقش الحضور خلالها خلفية الاتفاق الروسي- التركي، وما أفضى إليه من تبعات رافقت عمليات النزوح واستمرت حتى اليوم، وخلصوا إلى توصيات، تمت مراجعتها لاحقاً من قبل باحثين قانونيين.

كما أُجريت، لغرض إتمام التقرير، مجموعة أخرى من المقابلات عبر الإنترنت مع شخصيات من الغوطة وعفرين يتواجدون داخل وخارج سوريا. تناولت هذه المقابلات التوسع في بعض جوانب الاتفاق وخلفياته، واستعراض تجارب شخصية في النزوح والتأقلم مع المجتمع الجديد.

اعتمد التقرير أيضاً على تقارير حقوقية، وأبحاث، ومقالات إخبارية منشورة في مصادر مفتوحة موثوقة.

3.    مقدمة:

بينما كان الرئيس السوري، بشار الأسد، في زيارة لخطوط الجبهة بالغوطة الشرقية، يوم 18 آذار/مارس 2018، محاطاً بالركام والجثث بعد استعادته غالبية أراضيها من يد فصائل المعارضة المسلحة إثر حصار دام لسنوات وحملة عسكرية وصفت بالأعنف، كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يتغنى برفع علم بلاده في عفرين السورية معلناً السيطرة الكاملة على مركز المدينة بمساندة فصائل “الجيش الوطني السوري” عقب حملة عسكرية شرسة شنها بالطيران الحربي والمدفعية.

منطقتان سوريتان كانتا ضحية أجندات دولية تقاطعت مصالحها على إفراغهما من أهلهما وتهجيرهم قسرياً، في اتفاق ضمني غيّر معالم الأرض ومناطق السيطرة لحساب الطرف الأقوى عسكرياً، فمشاهد النزوح والقتل والدمار هي ذاتها، والمدنيون هم الخاسر الأكبر لا حول لهم ولا قدرة على تغيير المعادلة التي كانوا فيها الحلقة الأضعف.

كتب الصحافي اللبناني حازم الأمين في وصف المشهد:

الغوطة في مقابل عفرين. هذه معادلة أخرى وجد السوريون أنفسهم أمامها. فالنظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون التقطوا الحاجة التركية للقضاء على النفوذ الكردي في عفرين وقرروا أنها اللحظة المناسبة للانقضاض على الغوطة. مدنيون هنا ومدنيون هناك. وعشرات آلاف النازحين على طرفي المأساتين، والعالم صامت وقابل في معادلة الدماء في مقابل الدماء. مأساة حلب تتكرر، وأنقرة فعلتها مجدداً“.

الإدارة المشتركة -غير المعلنة- للعمليات والتي قادتها روسيا وتركيا بشكل رئيس، حققت أهدافها، إذ تمكنت روسيا حليفة الحكومة السورية من تأمين محيط العاصمة دمشق وفتح الطريق السريعة للمناطق الأخرى في البلاد، واعتبر الأسد أن تأمين الغوطة الشرقية أحبط مؤامرات خصومه الأجانب لإسقاطه، أما تركيا التي كانت تخشى حكماً ذاتياً كردياً على حدودها وتعتبر عفرين أولوية قصوى في طريق تحقيق أحلامها التوسعية التي شملت لاحقاً مدناً أخرى، فقد بلغت هدفها بإبعاد “وحدات حماية الشعب” ، إلى جانب خططها لإعادة مئات آلاف اللاجئين السوريين نحو الشمال السوري، وهو ما يحدث بالفعل، حيث تقوم بترحيل اللاجئين السوريين من أراضيها بشكل قسري، تحت ذريعة “العودة الطوعية“.

خارطة تُظهر مناطق السيطرة العسكرية في سوريا أوائل العام 2018.

4.    توصيات:

أفضت الجلسات الحوارية التي عقدتها “سوريون” و”تآزر” بين مهجّرين من عفرين والغوطة، وكذلك تواصلنا المباشر مع الضحايا، إلى مجموعة من التوصيات التي يمكن تلخيصها بما يلي:

  1. الضغط على الدول الفاعلة والمتورطة في الملف السوري، وخاصة في اتفاقيات التهجير، للإعلان عن بطلان تلك الاتفاقيات والاعتذار للشعب السوري عن النتائج الوخيمة التي خلفتها، والعمل على إعادة الحال إلى ما كان عليه قبلها، وتعويض الضحايا عما لحق بهم من أضرار، سواءً أكانت جسدية أو مادية أو معنوية.
  2. الضغط على الحكومة السورية، الحالية أو المستقبلية، للإعلان صراحة عن بطلان اتفاقيات التهجير كونها لم تكن طرفاً فيها، ولم يتم التصديق عليها من قبل البرلمان السوري كما هو منصوص عليه في الدستور السوري، ولأنها تناقض المادة (34) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 التي تنص على أنه: “لا تنشئ المعاهدة التزامات أو حقوقاً للدولة الغير بدون رضاها”.
  3. النص دستورياً على سمو المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت وستصادق عليها الحكومة السورية على القوانين الداخلية، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ومنها بطبيعة الحال حق التملك.
  4. مناشدة منظمات المجتمع المدني السوري للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، بأن تولي اهتماماً أكبر لتوثيق الانتهاكات التي تطال الملكيات العقارية في جميع المناطق السورية.
  5. تشجيع ودعم المدنيين على الاحتفاظ بوثائق إثبات الملكية التي بحوزتهم للعقارات التي يدعون ملكيتها، وترميمها أو إعادة استخراجها قانونياً، في حالة نقص الوثائق التي تثبت الملكية، الفقدان و/أو التلف، ودعم جهود التوثيق وتعزيز سيادة القانون.
  6. الضغط للنص دستورياً على اعتبار جميع عمليات نقل الملكية التي تمّت طوال فترة الصراع باطلة وغير قانونية، وعلى من آلت إليه الملكية أن يثبت عكس ذلك، من خلال توفير أدلّة بأنه تملّك العقار بطريقة قانونية. (أي أن عبء الاثبات يقع على المالك الجديد وليس على من يدعي بأنه قد تم أخذ العقار منه بطريقة غير مشروعة).
  7. توجيه رسائل مباشرة إلى الحكومة السورية وقوى الأمر الواقع على مختلف الجغرافيا السورية، بمختلف مسمياتها، بالكف عن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الانتهاكات التي تطال الملكيات العقارية، والمباشرة بإعادة الممتلكات المسلوبة من مالكيها تحت أي مسمى كان، والاعتذار للضحايا، وتعويض المتضررين/ات.
  8. يجب أن يكون حل قضية انتهاكات حقوق الملكية من المسائل الملحة والضرورية، وأن تكون من بين الأولويات التي يجب إدراجها ضمن اتفاقية الحل السياسي التي يفترض أن تكتب وفقاً لروح ومعنى القرار الأممي (2254) لعام 2015.
  9. الضغط على الحكومة السورية للقيام بواجباتها القانونية تجاه مواطنيها، لا سيما الكشف عن مصير المعتقلين والمفقودين والمختفين قسرياً، وإصدار شهادات الوفاة للمتوفين، وشهادات الميلاد وبيانات الزواج وغيرها من الواقعات المدنية، لما لتلك الوثائق من أثر كبير على حقوق الملكية، خاصة بالنسبة للسوريين المقيمين في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
  10. توجيه رسائل مباشرة إلى الدول الساعية للتطبيع مع الحكومة السورية، بضرورة وقف عمليات التطبيع ما لم يتم معالجة الملفات الأساسية العالقة، وعلى رأسها وجوب محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري، وإحالتهم الى محاكم نزيهة وعادلة، والكشف عن مصير المفقودين والمعتقلين، وتأمين العودة الطوعية والآمنة للمهجّرين.
  11. الضغط على الحكومة السورية باعتبار عمليات الاستيلاء على الممتلكات في الغوطة تحت أي مسمى كان، وكذلك عمليات نقل الملكية باطلة، واعتبار القوانين الصادرة للتنظيم العمراني غير مشروعة، وإزالة الآثار الناجمة عن تلك القوانين وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل عام آذار/مارس 2011، واعتماد السجلات العقارية المتعلقة بتلك المناطق قبلها واعتبار المعلومات الواردة في السجلات المنظمة بعد عام 2011 على سبيل أدلة ومعلومات يمكن إثبات عكسها.
  12. رفع الوعي بهدف تجنّب التعميم، وعدم تحميل الضحايا المدنيين وزر الانتهاكات التي يتمّ ارتكابها من قبل فصائل عسكرية أو مدنيين مرتبطين بهم.
  13. على الحكومة التركية وقف الانتهاكات التي تُنسب إلى قواتها، وتحمّل مسؤولياتها، كسلطة احتلال تمارس السيطرة الفعلية على الفصائل المسلحة الموجودة في عفرين، وذلك لوقف الانتهاكات التي تتم في تلك المنطقة، ومنها تلك التي تطال حقوق الملكية، وتأمين الظروف الآمنة لإتاحة المجال للمهجرين بالعودة الطوعية إلى ديارهم، تزامناً مع اعترافها بحالة الاحتلال في المناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية، والقيام بواجباتها كدولة احتلال وفقا لاتفاقيات جنيف المنطبقة.
  14. الضغط على الحكومة السورية المؤقتة والائتلاف السوري المعارض من أجل محاسبة كل من ارتكب الانتهاكات بحق السكان المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ورفع الغطاء عن الفصائل المسؤولة عن تلك الانتهاكات.
  15. تشكيل لجنة متابعة مؤلفة من أهالي الغوطة وعفرين لتقريب وجهات النظر، والعمل على تخفيف الآثار السلبية للانتهاكات، للحدّ منها، واعتبار جميع عمليات الاستيلاء وغصب الممتلكات، غير قانونية وباطلة.

5.    تعليق ورأي قانوني:

  • من وجهة نظر القوانين السورية الوطنية:

كي تصبح أي معاهدة نافذة بحق الدولة السورية وحجة عليها، يتوجب إقرارها من قبل مجلس الشعب سنداً للفقرة السادسة من المادة 75 من الدستور السوري النافذ، وكونه لم تتم مناقشة ما سمّيت/عرفت باسم “الاتفاقية”، موضوع هذا التقرير من قبل مجلس الشعب في سوريا ولم يصادق عليها، فهي تعتبر باطلة، وبالتالي لا يمكن إلزام الدولة السورية أو الشعب السوري، ولا سيما ضحايا هذا “الاتفاق”، بمضمونها ونتائجها.

ولأن “الاتفاقية” المذكورة أدّت إلى ارتكاب الكثير من الانتهاكات بحق أهالي وسكان المنطقتين (عفرين والغوطة الشرقية)، من قتل واعتقال تعسفي واختفاء قسري وتعذيب وتهجير قسري ونهب ومصادرة ممتلكات وغيرها من انتهاكات وجرائم ترافقت أو تلت عمليات التهجير القسري، والتي قد ترقى إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية، فإن الطرفين المتورطين في ذلك التصرف غير المشروع يتحملان المسؤولية القانونية الكاملة عن تلك الانتهاكات، وعليهما العمل على إلغاء الآثار غير المشروعة لتصرفاتهما وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل تنفيذ ذلك الاتفاق /التفاهم، ما أمكن، وفي الحالات التي يكون التعويض العيني فيها مستحيلاً، فمن الواجب عليهما قانوناً تعويض الضحايا عما لحق بهم من أضرار جسدية أو مادية أو معنوية جراء ذلك.

وعلى الدولة السورية، وانطلاقا من مسؤوليتها في صون الحقوق الأساسية لمواطنيها ــ كحق التملك والانتقال بحرية في أراضي الدولة وغيرها من الحقوق المنصوص عليها في الدستورــ القيام بواجباتها لحماية سلامة أراضيها وكذلك سلامة مواطنيها وحقوقهم، وبالتالي مطالبة الدولتين المذكورتين رسمياً بتحمل مسؤولياتهما عن تصرفهما غير المشروع.

  • من وجهة نظر القانون الدولي:

بدايةً لا بدّ من توصيف الأحداث بوصفها القانوني الدقيق الذي يترتب عليه واجبات الأطراف ذات الصلة من جهة وحقوق الضحايا من جهة أخرى. إن تعميم وتطبيع الأوصاف السياسية على الأحداث التي درج/اصطلح على تسميتها باسم “الاتفاقيات” يساهم في تبرير الانتهاكات والتشجيع على استمرارها وتكرارها وحرمان الضحايا من حقهم في جبر الضرر. بناءً على ذلك، فإن ما يسمى بـ”اتفاقيات تبادل المناطق” ما هو إلا تهجير/تشريد قسري بالمعنى القانوني.[1]

يعني التهجير القسري أن السكان المدنيين يجبرون على الانتقال ضد إرادتهم ودون خيار حقيقي “عبر الطرد أو غيره من أشكال الإكراه. قد يشمل مصطلح “قسري” القوة المباشرة، فضلاً عن التهديد باستخدام القوة أو الإكراه، مثل تلك الناتجة عن الخوف من العنف أو الإكراه أو الاحتجاز أو الاضطهاد النفسي أو إساءة استخدام السلطة أو فعل استغلال ظروف المحيط/البيئة القسرية”.[2]

فالمعيار الرئيسي لاعتبار مغادرة المدنيين لمكان سكنهم الأصلية أو المعتادة تهجيراً قسرياً هو الإكراه، أي دون رغبة حقيقية وحرة من قبلهم للمغادرة. لهذا السبب فحتى الحالات المحدودة التي يعتبر فيها القانون الدولي إجلاء السكان المدنيين مشروعاً ما زالت تخضع لجملة من الواجبات والضمانات القانونية والإنسانية. لذلك، فطالما أن ترحيل السكان المدنيين من مكان إقامتهم الأصلي أو المعتاد لأسباب لا يستوفي عتبة الضرورة العسكرية القهرية أو إذا اقتضى ذلك أمن المدنيين المعنيين،[3] فهو يعتبر تهجيراً قسرياً محظوراً في القانون الدولي باعتباره أحد قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.

بمراجعة خلفيات هذه التسويات السياسية وسير عمليات التهجير كما يعرضها التقرير يمكن الاستنتاج أن أياً من المسوغات القانونية لإجلاء السكان المدنيين لم يكن الدافع الحقيقي لتهجيرهم. بل على العكس تماماً، فمن الواضح أن إجراءات التهجير وإن اتخذت طابع الضرورة العسكرية القهرية أو لدواعي أمن السكان المدنيين، فهي كانت تمهيداً لإزالة سكان المناطق المستهدفة وإحكام السيطرة على تلك المناطق، وهو ما يعتبر محظوراً بناءً حسب ما يؤكده الفقه القضائي الدولي.[4]

عدا عن ذلك، فإن القائمين على هذه “التسويات” لم يتركوا خياراً للسكان المدنيين إلا المغادرة غير الطوعية. ففي الغوطة الشرقية اتبعت كل من روسيا والسلطات السورية أسلوب الحرب المتمثل في الحصار والتجويع والتدمير المنهجي للمنطقة متضمناً ما قد يرقى ليكون عقاباً جماعياً لسكان المنطقة المدنيين، وصولاً إلى ما يسمى “اتفاقًا” فُرِض مضمونه قسراً على السكان المدنيين مجبراً إياهم على المغادرة دون أي خيار آخر. وفي عفرين لم تتخذ القوات التركية المهاجمة أية تدابير لضمان حماية السكان المدنيين أو على أقل تقدير إجلاؤهم بشكل مؤقت لحين انتهاء العمليات العسكرية. تبع ذلك ما قد يرقى ليكون سياسة ممنهجة من الاعتداء على الملكيات بما يجعل من عودة هؤلاء المهجرين قسراً شبه مستحيلة. وصحب ذلك انتهاكات واسعة النطاق من اعتقالات تعسفية، تعذيب، قتل خارج نطاق القضاء، والمعاملة اللاإنسانية بما “يجعل الضحايا في خوف منطقي بأنهم، أو غيرهم، سيكونون عرضة للعنف، الاعتقال، الإكراه، أو القهر النفسي”[5] مما يجبرهم على المغادرة أو يمنعهم من العودة.

تعرض المبادئ التوجيهية بشأن التشريد الداخلي معظم الأحكام القانونية الواردة في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنساني الواجب على جميع أطراف النزاع الالتزام بها لحماية السكان المدنيين من التشريد القسري وضمان حمايتهم وحقوقهم خلال وبعد عمليات التشريد. وفي سياق الممارسات المتعلقة بملكية المهجرين قسرياً كما يعرضها التقرير، يقدم المبدأ 21 قائمة من الممارسات المحظورة والضمانات الواجبة على جميع السلطات في جميع الظروف، وأهمها حظر النهب، الاعتداءات المباشرة أو العشوائية، الاستخدام كدروع للعمليات أو كأهداف عسكرية، أن تكون محل انتقام، وتدميرها أو الاستيلاء عليها كشكل من أشكال العقوبة الجماعية. كما يجب على جميع السلطات توفير الحماية لأموال وممتلكات المحجرين قسرياً من التدمير والاستيلاء ومن شغلها أو استخدامها. إلا أن ممارسات الأطراف المتورطة في التهجير القسري قد تعمدت انتهاك حق المهجرين في حماية أملاكهم بهدف تغيير التركيبة السكانية للمناطق المستهدفة بما قد يرقى ليكون تغييراً ديموغرافياً أو تطهيراً عرقياً حسب ما تعرضه القاعدة 129 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول القانون الدولي الإنساني العرفي.

وأخيراً، يجب دائماً أن يُعتبر التشريد حالة مؤقتة مما يستدعي واجب السلطات جميعاً في “تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتمكين المشردين داخلياً من العودة الطوعية، آمنين مكرّمين، إلى ديارهم أو أماكن إقامتهم المعتادة أو التوطّن الطوعي في مكان آخر من البلد”.[6] ويجب ألا يُفهم من إمكانية التوطّن الطوعي التمييز ضد أفراد أو مجموعات سكانية أخرى من خلال انتهاك حقوقهم الملكية، حيث “يجب ألا يميز ضد هؤلاء الأشخاص في التمتع بأي من هذه الحقوق والحريات بدعوى أنهم مشردون داخلياً”.[7] إن السيطرة على أملاك المهجرين قسرياً سواء في الغوطة أو عفرين عدا عن كونهم انتهاكاً قائماً بحد ذاته، فهو ينتهك مبدأ عدم التمييز عندما يتم التصرف بتلك الأملاك لصالح أفراد ومجموعات سكانية أخرى.

6.    صعوبات العيش والتأقلم مع الواقع الجديد:

بعد مرور خمس سنوات على الاتفاق الروسي- التركي في عفرين والغوطة الشرقية لا يزال المشهد قاتماً، أرقامٌ هائلةٌ من المهجّرين الذين أُجبروا على تحمّل تبعات اتفاقٍ لم يسهموا في صياغته، فقدوا كل ما كانوا يملكونه، واضطروا لبدء حياتهم من الصفر في منطقة جغرافية جديدة حملت لهم تحديات جمّة.

صفاء كامل، ناشطة إنسانية من الغوطة تقيم حالياً في عفرين، تصف السنوات الأولى التي تلت عملية التهجير بكل ما راودها خلالها من مشاعر:

التهجير صدمة وغربة، شعورٌ قاسٍ جداً، اقتلاعٌ من الجذور للعيش في مكان مختلف تماماً من حيث العادات والثقافة الاجتماعية، الحارات والبيوت، نمط الحياة. أتذكر الأيام الأولى كنت أشعر بشكل دائم بألم في الرأس ودوارٍ عند المشي بين الأبنية الغريبة عني، والخوف من عدم تقبل الآخرين، والعجز أمام عدم قدرتي على اختيار المكان الذي سأعيش فيه، وارتباط مصيري ومصير أطفالي بمجهول“.

تضيف، “حاولتُ الخروج إلى تركيا بطرق التهريب وعانيتُ على الحدود وتعرضتُ لمخاطر كبيرة لأنني كنت أرفض الإقامة بمكان تمّ فرض وجودي فيه من قبل الاتفاقيات التي لا تمثل ثورة الشعب السوري ولا توافق تطلعاته بالحرية لكل السوريين، مع رغبتي في حياة آمنة لأطفالي بعيدة عن القصف والدمار الذي تعرضنا له بكل أشكاله في الغوطة الشرقية قبل التهجير“.

تتابع، “بدت الأشهر الأولى أكثر صعوبة وقسوة مما تلاها، وبعد جلسات إسعاف نفسي، وأخرى حوارية مع ناشطين وناشطات محليين ومهجرين، بدأت بإدراك الوضع الحالي وكيفية العمل على تحسينه ومقاربته بحيث يكون نواة لتغيير إيجابي“.

يعتبر الناشط المدني المهجّر من الغوطة عامر (فضّل عدم الكشف عن اسمه الكامل) المقيم في عفرين، أن حال مهجري الغوطة تشبه حال أي شخص ُهجّر من بلاده في كثير من الأمور، لكنهم يختلفون عن غيرهم لعدة أسباب:

خرج أهالي الغوطة من حملة عسكرية كانت الأشرس والأقوى على الجغرافية السورية، وقد تمكنوا من اصطحاب ملابسهم فقط وفقاً لما نصّ عليه الاتفاق، كما أن المنطقة التي هُجروا إليها كانت تعاني من عدم استقرار في أكثر من مرحلة فشهد معظمهم نزوحات عدة لاسيما من كان مقيماً في سراقب ومعرة النعمان وأريحا وقد كان عددهم كبيراً جداً هناك، وذلك فضلاً عن الصعوبات الحياتية التي تتجلى في المردود المعيشي القليل مقابل التكلفة العالية للحياة.”

ويضيف: “نواجه أيضاً اتهامات قاسية تقول إن أهالي الغوطة كانت لهم عفرين مقابل الغوطة وهذا غير صحيح، كما تُنسب لأهالي الغوطة الانتهاكات التي تجري داخل عفرين على يد بعض الفصائل التي لم تكن تتواجد في الغوطة“. في المقابل يرى الباحث الميداني في مجال توثيق الانتهاكات وليد بكر أن الاتفاق الروسي- التركي أتاح حلولاً لأهالي الغوطة بينما شكّل خسارة أكبر لأهالي عفرين، يقول بهذا الصدد:

إن الاتفاق الروسي- التركي القاضي بمقايضة عفرين بالغوطة، والذي نتج عنه تهجير أكثر من نصف سكان منطقة عفرين قسرياً وتوطين مهجري الغوطة مكانهم، ربما خلق حلاً لأهالي الغوطة بعض الشيء بأنه تم تعويضهم بخسارة ممتلكاتهم وتوطينهم في عفرين، إلا أنه شكّل تحدياً كبيراً لأهالي عفرين المهجرين قسرياً إذ فقدوا منازلهم ما اضطرهم للعيش في المخيمات التي تفتقر للخدمات أو الاستئجار في مناطق أخرى، كما فقدوا مصادر رزقهم من أراضٍ وآليات زراعية ومعامل ومحلات وسيارات ومستودعات مليئة بالبضائع التجارية، وتؤكد تقارير أنهم يعيشون أوضاعاً مزرية وصعبة للغاية، إذ تكاد تنعدم فرص العمل فضلاً عن فقدان بعض العائلات لمعيلهم جراء الغزو التركي الذي رافقه قصف مكثف خلال شهرين من الحرب“.

ويشير الباحث المنحدر من عفرين إلى أن معاناة أهالي المنطقة المهجّرين تتضاعف مع تضاؤل فرص العودة الآمنة، وتفاقم المشاكل الاجتماعية، وهو ما نجم عنه ازدياد موجات الهجرة إلى خارج البلاد ممن فقدوا الأمل بالعودة، وبسبب عدم تحملهم لظروف النزوح والعيش في المخيمات، أما البعض ممن حاول العودة إلى عفرين، واجه الاعتقال والتعذيب ودفع الفدية لقاء بقائه، ومنهم من مات قهراً، إذ لوحظ تزايد حالات الوفيات بشكلٍ متسارع خاصة بين كبار السن.

كان الكرد يشكلون 92% من سكان عفرين قبل عام 2011، بتعداد 200 ألف نسمة، وتشير مواقع كردية محلية إلى أنهم يشكلون حالياً 20% فقط.

وكانت الإدارة الذاتية أنشأت أواخر آذار/مارس 2018 مخيمات عدّة بشكل عاجل لإيواء النازحين الفارين من عفرين وهي (سردم/العصر والعودة والمقاومة/برخدان والشهباء وعفرين)، في منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي، وهي تشرف على إدارتها. وعن صعوبات العيش في هذه المخيمات يقول الباحث وليد بكر:

لا تعترف الأمم المتحدة بهذه المخيمات ولا تقدم لها أي مساعدات تذكر، كما تواجه حصاراً من قبل القوات العسكرية التابعة للحكومة السورية، والتي تمنع عنها دخول المواد الغذائية والمحروقات والمستلزمات الأخرى، ومن خلال المعلومات التي تصلنا عبر معارفنا وأقربائنا القاطنين هناك، فقد تسبب منع السلطات السورية دخول وقود التدفئة إلى المنطقة في الشتاء، بمواجه الأهالي البرد القارس ما نتج عنه حالات مرضية عديدة وسط ضعف الإمكانيات الطبية، حيث يوجد مشفى وحيد يفتقد إلى العديد من المعدات ويعاني ضعف في الكادر الطبي المتخصص، كما أن قاطني المخيمات ممنوعون من التوجه إلى مدينة حلب.”

وإضافة لذلك: “تعاني هذه المخيمات من قصف متقطع من قبل القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها بين الحين والآخر، مما يتسبب في قتلى وجرحى وخسائر بالمباني والممتلكات كونها قريبة من خط التماس مع القوات التركية وفصائل المعارضة السورية التابعة لها التي تسيطر على اعزاز وعفرين وريفيهما.”

من جانبها تؤكد الإعلامية السورية الكردية نوروز رشو أن ما يزيد عن مئة ألف نازح/ة بينهم أطفال وعجزة وكبار في السن، يعيشون في خمسة مخيمات وأربعين قرية تابعة لمنطقة الشهباء، وهي مناطق مدمرة وتفتقر لأي بنية تحتية تؤهلها لتكون صالحة للسكن.

وتصف بهذا الصدد: “تتعرض المنطقة بين حين وآخر إلى قصف الجيش التركي والفصائل المسلحة الموالية لها، إلى جانب الحصار الخانق الذي تفرضه القوات الحكومية السورية التي تمنع وصول المساعدات المرسلة من الإدارة الذاتية في مناطق شمال شرقي سوريا صوب هذه المناطق لتخلق حالة من أزمة اقتصادية معيشية خانقة يعيشها النازحون في ظل الغلاء الفاحش الذي تشهده سوريا ككل، فضلاً عن غياب فرص العمل في هذه المنطقة المدمرة“.

وعن دور المنظمات تشير نوروز إلى أن: “حصار المنطقة صار أكثر تشديداً منذ سنتين ونتيجة لذلك ولأسباب أخرى يغيب عمل المنظمات الإنسانية الإغاثية باستثناء بعض المنظمات المحلية التي تقدم بشكل متقطع ما قد يتوفر لها من ألبسة وأغطية ومساعدات بسيطة، أما المنظمات الدولية فتقدم بعض المساعدات عن طريق الهلال الأحمر السوري الذي يوزع دعمه بشكل تمييزي“.

ونتيجة البنية التحتية المدمرة تنتشر مجموعة من الأمراض والأوبئة لاسيما اللشمانيا “حبة حلب” والسل وسط ندرة الدواء وفقاً لنوروز، وتلفت إلى أن زلزال 6 شباط/فبراير الذي ضرب تركيا وأجزاءً من سوريا، فاقم سوء الأوضاع الإنسانية التي يعاني منها النازحون إذ زادت نسبة تدمير البيوت أضعافاً ما خلق خوفاً من البقاء تحت سقف مدمر كان يشكل ملجأ لهم، وزادت نسب الخيم العشوائية.

تشير إحصاءات “البنك الدولي” في تقرير أصدره بتاريخ 15 آذار/مارس 2023، إلى أنه: “يعيش 6.6 مليون سوري، أي ما يقرب من 31% من سكان البلاد، في مواقع حيث وصلت شدة زلزال 6 شباط/فبراير إلى المستوى السادس (اهتزاز قوي) أو أعلى، وكانت إدلب وحلب المحافظتان الأكثر تضرراً من حيث الكثافة السكانية والشدة.

ووثق التقرير الخسائر المادية الناجمة عن الزلزال ونسب الدمار التي أصابت القطاع السكني في المناطق المتضررة، مسجلاً الدمار الجزئي أو الكلي الذي حلّ بـ 49,778 وحدة سكنية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، و 23,579 وحدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، لتكون خسائر إدلب 17,302 وحدة وحلب 64,724 وحدة، لافتاً إلى أن مدن جنديرس وإعزاز وحارم كانت الأكثر تضرراً في هذا القطاع.

يعاني أهالي عفرين منذ آذار 2018 من تقييد حرية تحركاتهم، وفق ما تبيّن الناشطة الحقوقية سوسن رشيد، فقد تزامن خروجهم من عفرين مع إغلاق الطرق بوجههم، وتشرح بهذا الصدد:

إثر الحملة العسكرية التركية عام 2018 توجّه العديد من المدنيين إلى نبل والزهراء لقربهما من عفرين لكنهم تعرضوا لمصادرة هوياتهم الشخصية وكسرها، كانت الطرقات مغلقة نحو حلب ولم يكن من الممكن التوجه إليها إلا مقابل مبالغ مالية تدفع لعناصر الدفاع المحلي في نبل والزهراء، وحتى الآن لا تزال الطرقات مغلقة بوجه مهجري عفرين من قبل النظام السوري سواء كانوا في الشهباء أو في مناطق الجزيرة، فلا يستطيع المقيم في الشهباء أو الجزيرة الذهاب إلى حلب دون وجود سبب واضح“.

7.    انتهاكات حقوق الملكية في عفرين:

تبدو انتهاكات حقوق الملكية في عفرين طافية على السطح، وهي ناجمة عن مشاكل ليست بالجديدة إذ كانت الحكومة السورية تحكم قبضتها على عمليات البيوع العقارية في عفرين وغيرها من المناطق الحدودية عبر فرض نظام الموافقات الأمنية، وقد زادت هذه المشاكل تعقيداً في فترة حكم الإدارة الذاتية إذ لم يكن متاحاً استخراج أوراق ثبوتية من مؤسسات الحكومة لوجود السجل العقاري لعفرين في مدينة حلب، وتفاقمت المشاكل أكثر بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها لا سيما في ظل غياب نسبة كبيرة من السكان الأصليين، والاستيلاء الواسع والممنهج على ممتلكاتهم، لتأتي كارثة زلزال 6 شباط/فبراير 2023 وتزيد الطين بلّة.

يبيّن الصحفي الكردي فاضل محمد أن أصل مشاكل حقوق الملكية في عفرين يعود إلى عدم تصديق الحكومة السورية لعمليات البيع والشراء، غياب وجود (طابو أخضر)، في منطقة عفرين قبل عام 2011 كونها منطقة حدودية، إلى جانب أن جميع عمليات البناء والبيع والشراء للعقارات في عهد الإدارة الذاتية تمّت بتصديق المجالس المحلية للإدارة، وغير معترف بها حالياً من قبل الحكومة السورية ولا المجلس المحلي التابع للحكومة السورية المؤقتة.

ويلفت فاضل إلى أن “بيع وشراء الممتلكات العقارية بصفة غير شرعية بين الوافدين إلى عفرين بعد عام 2018، أدى لمشاكل حين مطالبة أصحابها بممتلكاتهم وقد اضطر المالكون الأصليون لدفع مبالغ طائلة لاستردادها، وذلك في حال كانوا يمتلكون تلك المبالغ أو حصلوا على اعتراف الشاري بحقهم، وفي بعض الحالات كان يتم الاستقواء بالفصائل العسكرية لطرد العائلات وعدم تسليمهم عقاراتهم.

ويشير فاضل إلى أن “الاستيلاء على ممتلكات السكان الأصليين في عفرين وتحويلها إلى مستوطنات يهدد بتغيير التركيبة السكانية في المنطقة، وترسيخ حالة التغيير الديمغرافي“.

وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” قيام فصائل من الجيش الوطني، بموافقة من الحكومة التركية، ببناء واحدة من أكبر المستوطنات البشرية التي خُصصت في معظمها لإسكان مقاتلي الفصائل وعائلاتهم في عفرين على مساحة شاسعة من المنطقة المعروفة محليًا باسم “جبل الأحلام“، والتي تشكّل جزءًا من جبل الأكراد المطل على مركز مدينة عفرين، ويتميز بموقع استراتيجي هام.

بدوره يرى الباحث الميداني في مجال توثيق الانتهاكات وليد بكر أن نزوح الأهالي بشكل مفاجئ من عفرين على إثر الهجوم التركي خلق العديد من المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية، أهمها أنّ معظمهم لم يصطحبوا معهم أوراقهم الثبوتية لاعتقادهم أنهم سوف يعودون إلى بيوتهم في وقتٍ قصير، ولم يتوقعوا أن أملاكهم سوف تتعرض للاستيلاء والنهب بالشكل الذي حدث.

كما أن معظم المساكن التي تم بناؤها بعد عام 2012 غير مرخصة ومسجلة لدى الدوائر الرسمية للدولة، أي ليس لها مستندات قانونية تثبت ملكيتها لصاحبها، بل يوجد عقد بيع وشراء لدى المالك، والبعض لم يحمل هذا العقد أيضاً.

ويلفت وليد إلى أنه وخلال السنوات الخمس الماضية حدثت تغييرات عديدة على الملكيات من حيث عمليات البيع والشراء دون علم أصحابها الأصليين، إلى جانب التغييرات التي طالت المساكن من ترميم أو إضافات أخرى، وقطع وحرق الأشجار في الأراضي الزراعية، وتحويل بعضها إلى مقرات عسكرية أو إلى مستوطنات لإيواء النازحين القادمين من أماكن أخرى، ما يعقد مشاكل حقوق الملكية.

يشير تقرير نشره موقع “سوريا على طول” تحت عنوان: عقارات “مغصوبة” في عفرين تباع بـ “تراب المصاري” إلى انتشار ظاهرة بيع منازل السكان الأصليين بأسعار بخسة في عفرين، تتراوح بين 400 و3000 دولار أمريكي، وهي أسعار لا تعادل قيمة العقار الحقيقية.

وتُباع العقارات تحت اسم “بيت تكلفة” أو “فروغ” أو “بيوت حزبية”، أي تعود ملكيتها لأعضاء في حزب الاتحاد الديمقراطي أو حزب العمال الكردستاني.

8.    مبادرات من أهل الغوطة لإعادة الحقوق لأصحابها:

يحمل النقاش عن انتهاكات حقوق الملكية في عفرين حساسية خاصة، فعند الحديث عن عمليات الاستيلاء الواسعة على الملكيات العقارية فيها، ليس من المنصف وصف جميع الوافدين إليها بالمستوطنين والغاصبين للعقارات، فرغم تورط مسلّحين ومدنيين مقربين منهم بعمليات استيلاء، يوجد على أرض الواقع آخرون ممن لم يقدموا على استملاك منزل أو العيش فيه دون وجود أصحابه، ومن يدفعون الإيجارات للمالكين بانتظام، فضلاً عن بعض المبادرات الفردية والمدنية التي تسعى إلى إعادة الحقوق لأصحابها الأصليين.

يروي الطبيب ضياء (اسم مستعار) المنحدر من الغوطة الشرقية، والذي كان يقيم في جنديرس بريف عفرين، “كنت مستأجراً منزل شخص كردي يدعى أبو عمار لمدة عام سبقت حدوث زلزال 6 شباط/فبراير، وخلال تلك الفترة نشأت علاقات جيدة جداً بيننا، وقد كان لـ أبو عمار منزلاً آخر تم الاستيلاء عليه، فقمنا بمساعدته عن طريق (لجنة رد المظالم) بإستعادة منزله“.

ويؤكد د. ضياء على أهمية استمرار التواصل بين أهالي عفرين والغوطة في عفرين، للبحث عن حلول للمشاكل الحاصلة، إلى جانب العمل كمجموعات على الشقّ الحقوقي والاجتماعي والإعلامي عن طريق الحشد والمناصرة. ويضيف بهذا الصدد: “نستطيع أن نكسر الجليد، وأن يكون هناك تواصل أكثر وفعاليات اجتماعية مشتركة، وكما أن لأهالي عفرين ذكريات ومنازل في عفرين يرفضون التخلي عنها فنحن أيضاً لدينا ذكريات وحقوق في الغوطة وبالتالي كلانا يرفض الاحتلال والاستيلاء، نستطيع التغيير على المستوى الاجتماعي، ومطلوب من أهالي الغوطة ألا يقبلوا على أنفسهم أن يسكنوا بيتاً لمهجّر عفريني أو يستأجروه من العسكر، في النهاية نحن ضحايا ملف دولي تتم حياكته منذ سنوات لتغيير ديمغرافي لكننا نرفضه بالتأكيد“.

الناشطة الإنسانية صفاء كامل تحدثت عن آلية أسهم من خلالها الأهالي الوافدون إلى عفرين في إعادة الحقوق لأصحابها الأصليين.

تقول بهذا السياق: “بعد رؤية الاعتداءات التي تعرّض لها أهالي عفرين بدأ التحرك من خلال تجمعات مدنية تتبع لكل منطقة، (مثال: تجمع جوبر، مجلس حي جوبر الدمشقي)، للعمل على منع التجاوزات من أفراد منطقته وإعادة الحقوق ممّن تجاوزها، ومن ثمّ تم التحرك كعمل مدني على مستوى تشكيل لجنة إعادة الحقوق، وقد شاركتُ في بداية العمل السري على تشكيل مجموعات يتم فيها نقل خبر التجاوز والاعتداء لحله بطرق سليمة من خلال الضغط على الفصيل المعتدي من قبل فصيل آخر أو الرجوع لقيادة الفصيل“.

من جهته يؤكد الناشط المدني عامر مساعدة أهالي الغوطة بتحصيل بعض المظلوميات الحاصلة بحق سكان عفرين الأصليين، من خلال بعض العلاقات التي يمتلكونها أو التي أنشؤوها خلال فترة تواجدهم في عفرين، وذلك عبر مبادرات فردية وأهلية تركت أثراً إيجابياً.

ويرى أن بعض الخطوات والمبادرات أسهمت في التقارب بين أهالي عفرين والغوطة وتقليص الخلافات الحاصلة، يوضح بهذا الصدد: “نحن كأهالي الغوطة نريد إيصال فكرة لأهالي عفرين أننا موجودون لنكون ضيوفاً خفيفي الظل عليكم، وقد حصلت عمليات تأجير واستئجار بين الأهالي وتشاركوا في العمل، إلى جانب الزيارات المتبادلة والتي أسهمت في أن يفهم الطرفين بعضهم بعضاً ويعرفوا حقيقة ما جرى، كما كان لمشاركة أهالي عفرين والغوطة في أفراح وأحزان بعضهم البعض كبير الأثر في التقارب بينهم.”

ويستشهد عامر بتضامن أهالي الغوطة في قضية “شهداء نوروز” إذ شاركوا في التشييع، وعبروا عن إدانتهم لما حدث عبر البث المباشر والمداخلات في القنوات الإعلامية ، بحسب تعبيره.

9.    انتهاكات حقوق الملكية في الغوطة:

بعد أن استعادت الحكومة السورية سيطرتها على الغوطة الشرقية نقلت السجلات العقارية والمدنية من مدينة دوما -التي أنشأتها مؤسسات المعارضة- إلى منطقة المزة في العاصمة دمشق، واعتبرت أن العقود التي تمت خلال سيطرة المعارضة على الغوطة باطلة.

ووثّق السجل العقاري في دوما، منذ تأسيسه عام 2013 وحتى سيطرة الحكومة السورية على الغوطة عام 2018، نحو 9200 عقد بيع وشراء، بنسخ ورقية وإلكترونية، وكانت تلك العمليات تتم أصولًا حسب القوانين المعمول بها لدى السجل العقاري للحكومة، بحضور مالك العقار أو وكيل قانوني وشاهدين.

وعملت الحكومة السورية على منع المهجّرين من التصرف بممتلكاتهم من خلال ربط عمليات البيع والشراء بوجود موافقة أمنية.

ومنذ مطلع عام 2011، أصدرت الحكومة السورية مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية المتعلقة بحقوق الملكية، كان لها كبير الأثر على السوريين داخل وخارج البلاد، كما شملت الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سياسيين، وُجهت إليهم تهم دعم ما يسمى بـ”الإرهاب”.

إذ صدرت خلال السنوات الماضية قرارات الحجز الاحتياطي على أملاك مواطني مناطق ثارت ضد الحكومة، كـالغوطتين الشرقية والغربية، ودرعا، وحماه، والقنيطرة، والسويداء، وإدلب، وغيرها، وكانت هذه القرارات بمثابة عقوبة جماعية ضد قاطني هذه المناطق، وتمهيدًا لإجراء تغيير ديمغرافي بطرق “قانونية” فيها.

يقول الطبيب ضياء (اسم مستعار) بهذا الصدد:

تثبيت الملكيات العقارية في الغوطة أمر صعب جداً بسبب تهجير أصحاب العقارات، ومحاولة النظام إعادة توطين بعض عناصر الميليشيات التابعة له، وتسهيل استملاك بعض المكونات وخاصة الطائفة الشيعية حول دمشق وباتجاه طريق المطار، ومع محاولاتنا التمسك بالأرض لكننا نواجه صعوبات جمّة بسبب غياب الأفق لحل نهائي للجرح السوري ما يكسب النظام وقتاً للاستيلاء على أملاكنا وإيجاد قوانين للسيطرة على أملاك المهجّرين“.

الباحثة منى خيتي، المنحدرة من الغوطة، تؤكد تعقيد ملف حقوق الملكية لا سيما ما يتعلق بالأسر التي خرج جميع أفرادها ولم يتبقَ منهم أحد لحماية ملكية العقار، والنساء اللواتي غُيّب أزواجهنّ قسرياً، فهي تحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة جداً، إلى جانب وجود صعوبات جمة تقف عائقاً أمام الوصول إلى الحقوق.

وتضيف بهذا السياق: “تزوج أخي واستشهد في أثناء الحصار ولديه طفلان مسجلان لدى الجهات التي كانت تسيطر على الغوطة حينها لكن ليس لديهما أي إثبات رسمي في سجلات الحكومة السورية، فحصولهما على حقوقهما الملكية مرتبط أولاً بتثبيت الزواج وتثبيت الولادات، ومن ثم تثبيت وفاة أخي، وهي عملية معقدة“.

الناشط المدني عامر يوضح من جهته الطرق التي تعمل الحكومة السورية من خلالها على الاستيلاء على ملكيات أهالي الغوطة: “تتم المصادرة إذا كان الشخص مطلوباً للنظام، أو معتقلاً لديه، أو متواجداً خارج القطر أو بمناطق سيطرة المعارضة، هذه تهم جاهزة للاستيلاء على ممتلكات الأشخاص، ويعمل النظام من خلال سماسرة وجهات تابعة له على مصادرة هذه الممتلكات ومنهم ضباط في الحرس الجمهوري أو الفرقة الرابعة، كما أن الشيعة العراقيين والإيرانيين يحاولون السيطرة على أكبر قدر ممكن من عقارات الغوطة“.

وتواجه عائلة عامر الكثير من الصعوبات في محاولة تثبيت الملكيات العقارية والتصرف بممتلكاتهم في الغوطة: “والدي معتقل منذ عشر سنوات ولذا لا نستطيع التصرف بأي شيء من ملكياته، إلى جانب وجودي ضمن الورثة كوني مطلوب للنظام، كما أن بعض عقاراتنا لها موقع استراتيجي مميز وهي مطمع للعديد من ضباط النظام“.

10.  انتهاكات على طريق تهجير أهالي عفرين:

الإعلامية الكردية نوروز رشو كانت شاهدة على الصعوبات التي رافقت أهالي عفرين على طريق تشريدهم القسري من أراضيهم، واصفةً عملية التهجير بالمعاناة مكتملة الأبعاد، فقد بدأت بالنزوح من القرى والنواحي صوب مركز مدينة عفرين نتيجة القصف الجوي والمدفعي التركي المكثف، وحصلت خلالها مجازر منها احترق أشخاص داخل سيارتهم على طريق ناحية بلبل، ومجزرة بر بنّة على طريق ناحية راجو.

وبعد مضي نحو خمسين يوماً صار مركز مدينة عفرين هدفاً لاستهداف الجيش التركي وفصائل المعارضة المساندة له، ما أدى إلى وقوع مجازر عدة بين صفوف الأهالي لم يتمكنوا خلالها من دفن موتاهم أو إسعاف جرحاهم، وصار الأهالي يبحثون عن أي منفذ لإنقاذ الأرواح، وكان منفذهم الوحيد هو طرندة باتجاه جبل الأحلام ومنطقة الشهباء المدمرة، هذا الطريق الذي كان لا يستغرق أكثر من نصف ساعة بالسيارة، دام النزوح خلاله يومين كاملين بسبب اشتداد القصف، وقد بقيت الأسر في العراء دون طعام أو مأوى وبينهم أطفال وعجزة ومرضى وجرحى.

ورغم الوضع الإنساني المزري لم تصل أي مساعدة من المنظمات الدولية أو المحلية وفق ما تؤكد نوروز: لم أشهد على وجود أي فريق يقدم أي نوع من المساعدات سوى مبادرات فردية من الكادر الطبي لمشفى آفرين وعناصر من الهلال الأحمر الكردي، ولم يكن هناك تواجد إلا لصحفيين محليين ينزحون مع أهاليهم، فهي لم تكن عملية ترحيل منظمة ومتفق عليها، ولا ممراً إنسانياً بل عملية تهجير جماعي هرباً من القصف، ولم تنتهِ الصعوبات مع الوصول إلى الشهباء، إذ وصل الناس إلى منطقة مدمرة جراء المعارك التي دارت ضد تنظيم داعش، وناموا في العراء دون طعام“.

وتروي نوروز مشاهدات وقصص إنسانية وثقتها على طريق التهجير لا يمكن نسيانها: “الأمهات اللواتي كنّ يبحثن عن أبنائهنّ الضائعين في أثناء المشي ليلاً، العائلة التي فقدت حياتها لأنها داست خطأ على منطقة كانت مزروعة بالألغام بعد أن أضاعت طريقها، الأب الذي حمل جثة ابنه المليئة بالدماء من عفرين مشياً على الأقدام، الولادات التي كانت تحدث على الطريق دون وجود طبيب أو ممرضة أو قابلة، وقد كان بعض الأشخاص الذين حاولوا التوجه نحو مدينة حلب عرضةً لاستغلال المهربين، أو للاعتقال من قبل حواجز الحكومة السورية حيث تعرضوا للتعذيب والتغييب القسري ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم“.

11. انتهاكات على طريق تهجير أهالي الغوطة:

كان طريق التهجير الذي سلكه أهالي الغوطة نحو الشمال السوري طويلاً ومليئاً بالمشاق، يوضح الناشط الحقوقي ثائر حجازي ما طال القوافل من انتهاكات، “انتظرت القوافل  ساعات طويلة على حدود الغوطة الشرقية قبل سيرها، وقد كان هذا الانتظار بمثابة كارثة خاصة على النساء والأطفال، إذ لم يتواجد طعام ولا دورات مياه، وبعد ساعات تدخل الهلال الأحمر ووزّع القليل من الماء والبسكويت، وكان من المتعمد إطالة الطريق وجعل القوافل تمر من قرى الساحل السوري حيث تعرضت لإطلاق نار ما أدى لاستشهاد الطفل ياسر ماهر صمود ووقوع إصابات، كما ضُربت الباصات بالحجارة، وتعمّد عساكر النظام عند مرورنا رفع صور بشار الأسد والهتاف بهتافات طائفية، والقيام بإشارات غير اخلاقية بأيديهم“.

ويضيف ثائر نقلاً عن شهود عيان قولهم: “عند وقوفنا في الاستراحات حاول ضباط وعناصر النظام التأثير علينا وإقناعنا بالعودة لحضن الوطن وإجراء تسوية لأوضاعنا، وبأن الذي حل بالبلاد عبارة عن مؤامرة خارجية  لتدمير سوريا وشعبها بحسب تعبيرهم“.

تمكنت القوات النظامية السورية وحلفاؤها من السيطرة على كامل الغوطة الشرقية عقب حملة عسكرية عنيفة شنتها ما بين 18 شباط/فبراير 2018، و8 نيسان/أبريل 2018، وذلك عقب التوصل إلى اتفاق مع جيش الإسلام في مدينة دوما قضى بإفراجه عن جميع المختطفين المحتجزين لديه، مقابل السماح لمسلحيه بالخروج مع أهاليهم غير الراغبين بالتسوية، إلى شمال البلاد.

وكان قد سبق هذا الاتفاق توقيع عدة اتفاقيات مع فصائل المعارضة المسلحة هناك، كان أولها مع حركة أحرار الشام الإسلامية في مدينة حرستا، وذلك بتاريخ 21 آذار/مارس 2018، وقضى بإخراج مسلحي الفصيل مع عائلاتهم إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا، ثم تبعها اتفاق آخر مع فيلق الرحمن بتاريخ 2 آذار/مارس 2018، قضى بإخراج مسلحي فيلق الرحمن وجبهة النصرة/هيئة تحرير الشام وعائلاتهم، إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا، وقد شمل هذا الاتفاق كل من بلدات (عربين وزملكا وعين ترما وجوبر).

من جانبها تقول الباحثة منى خيتي واصفة ما حدث: “خروجنا بالباصات لم يكن رحلة رفاهية، على طول الطريق تم التعامل معنا بطريقة لا إنسانية، وظل والدي ينزف على مدار 24 ساعة“.

وتشير إلى أن الأشخاص الذين اختاروا المرور عبر “المعابر الإنسانية” التي فتحتها روسيا  في أثناء الحملة العسكرية المكثفة لم يكونوا أوفر حظاً، فقد تعرضوا لانتهاكات شديدة لحقوق الإنسان منها احتجاز الفتيات، وتغييب الكثيرين قسرياً، ولم يتم التركيز على هذه الانتهاكات بشكل كبير نظراً لعودتهم لاحقاً إلى المناطق التي سيطر عليها النظام، لافتة إلى أن عدد السكان الذين خرجوا من الغوطة عبر المعابر الآمنة أكبر ممن نزحوا نحو الشمال.

وتضيف: “كنا نتلقى صوراً مرعبة من انتهاكات تمارس في مراكز الإيواء، لم يكن لدى المدنيين خيار حقيقي بالخروج من عدمه نظراً لكمية الانتهاكات التي تمارس وخوف الناشطين من الانتقام“.

كتب د. محمد كتوب في موقع “الجمهورية“: فتح النظام الأقنية لخروج المدنيين من الغوطة عبر ثلاثة معابر، وكان المعبر الوحيد المضبوط من قبل الهلال الأحمر قبل وبعد الخروج هو معبر مخيم الوافدين من دوما. ومع انقسام الغوطة، كانت باقي المعابر عبارة عن معابر موت، حيث كانت قوات النظام تستقبل المدنيين قبل وصولهم إلى الهلال الأحمر، وجرى توثيق كثير من الانتهاكات والاعتقالات والإتاوات على هذه المعابر، ثم كان يساق هؤلاء إلى مراكز إيواء مؤقتة أُعدت سريعاً وتفتقر لأبسط الشروط، بما فيها دورات المياه، بل تم الحديث عن وجود أربع دورات مياه فقط لعشرة آلاف شخص في أحد المراكز، عدا عن فصل النساء عن الرجال بشكل كامل، ومنع خروج أي من المهجرين أو المهجرات من هذه المراكز دون كفيل يملك عنواناً في مناطق سيطرة النظام. وعلى الرغم من كل هذه الظروف، خرج عشرات الآلاف من بلدات الغوطة، جلّهم من مدينة دوما.

12. توزع مهجري إدلب في الشمال واختيار عفرين:

مع وصول قوافل مهجري الغوطة إلى شمال سوريا، توجه بعضهم إلى إدلب وريفي حلب وحماه، ليستقروا في مخيمات، أو مراكز سكن جماعي، أو منازل مستأجرة أو معارة، وتمت استضافتهم من قبل عائلات أخرى، بينما استقر البعض في مبانٍ فارغة وغير مكتملة أو بقيوا في العراء.

ويبين الناشط الحقوقي ثائر حجازي أنه لم تتدخل أي لجنة أهلية في المفاوضات التي جرت بين فصائل الغوطة والحكومة السورية وروسيا لاختيار المنطقة التي سيُهجّر إليها الأهالي، وبعد وصولهم إلى قلعة المضيق في ريف حماة الغربي، توجه العدد الأكبر صوب إدلب، يوضح بهذا السياق: “جميع القوافل التي وصلت في الفترة التي سبقت تهجير أهالي دوما كانت موجهة تحديداً إلى إدلب وريفها، كان أهل إدلب يساعدون المهجّرين ويستضيفون بعض العوائل ويوجّهون الناس إلى جبل الزاوية وإلى مدينة إدلب، أما القوافل التي خرجت في شهر نيسان، وتضم أهالي دوما، اتجهت نحو مدينة الباب شرقي حلب وكانت خيار جيش الإسلام، والآن يوجد مدينة كاملة تضم أهالي دوما في الباب“.

ويضيف ثائر حول توجه بعض المهجّرين نحو عفرين: “أعتقد أن اختيار البعض لعفرين كان على إثر اتفاق بين قيادات الفصائل وبالتنسيق مع الأتراك بشكل مباشر، إذ كان يوجد توجيهات في الدوائر الضيقة من قبل الحكومة المؤقتة وبعض القيادات العسكرية بأن يذهب المهجّرون إلى عفرين كونها شبه خالية من السكان بعد العملية العسكرية التركية وتهجير أهلها منها بقصد احتلالها وإفراغ عفرين من الإخوة الكرد، وذلك عبر رسائل إلكترونية كانت تُنشر في مجموعات أهالي الغوطة، إلى جانب نقطة مهمة وهي وجود خدمات في عفرين، فوجود مشفى وأطباء ونوع من الخدمات شكّل نقطة جذب للأهالي“.

من جانبه يرى ناشط من الغوطة مطلع على المفاوضات (فضّل عدم الكشف عن اسمه) أن تركيا لعبت دوراً في توجيه قسم من أهالي الغوطة نحو عفرين، ويبين: “في الأيام الأخيرة من الحصار كان جيش الإسلام يفاوض على مصيره ومن ضمنه الوجهة التي سيستقر فيها، وقد ربط مصير المدنيين بمصيره، كان المدنيون تحت القصف والحصار وبحاجة لأي حل ينقذهم، وعلى اعتبار أن الفصيل على خلاف مع هيئة تحرير الشام كان يضغط بأن لا يتوجه لإدلب بل إلى مناطق السيطرة التركية، وهنا أصبح القول الفصل بيد الحكومة التركية، وقد وظفت تركيا الخلافات بين الفصائل لكي يكون التوجّه لمناطق دون أخرى، وليبدو على أنه حلّ منقذ للأرواح“.

في ظل ذلك لم يكن التوجه لعفرين خياراً من قبل بعض الناشطين يقول ثائر: “أنا شخصياً لم أحبّذ السكن في عفرين لأني أعتبرها منطقة هُجّر أهلها منها بالقوة على يد سلطة محتلة، وأعتبرها محتلة من قبل الفصائل الذين استملكوا الأراضي والعقارات واستقروا فيها دون موافقة أهلها وغصباً عنهم، يوجد وعي من قبل فئة من الناشطين بحساسية وضع عفرين، لكن في الجانب الآخر كان يُروَّج لها على أنها منطقة آمنة فالأهالي صاروا يعتبرون أن وجودهم بعفرين سيجلب لهم نوع من الاستقرار بعيداً عن القصف والمشاكل، لكن ما حصل لاحقاً هو عكس ذلك مع انتشار فوضى السلاح والتشبيح والارتزاق“.

الباحث والناشط المدني عبدالله الحافي يتفق مع وجهة نظر ثائر، فهو لم يختر عفرين كمكان للسكن بعد تهجيره من الغوطة، وفضّل الاستقرار في اعزاز شمال غربي حلب، يقول بهذا الصدد، “أعتبر أن عفرين منطقة محتلة هُجّر أهلها لأسباب سياسية تشبه تهجيري من مدينتي، فالبلد التي يكون أهلها غير مقيمين فيها ومحرومين منها هي بلد محتلة لا أستطيع العيش فيها“.

ويشير عبدالله إلى أن العديد من أهالي الغوطة والناشطين والفعاليات لا يفضلون السكن في عفرين لأسباب أخرى تتعلق بكونها حالياً منطقة غير آمنة بسبب انتهاكات الفصائل وفوضى السلاح.

13. انتهاك الحريات الدينية وتغيير الهوية الثقافية:

 يشتكي أهالي عفرين الذين رفضوا الخروج منها في أثناء الحملة العسكرية التركية أو عادوا إليها لاحقاً من انتهاكات تتعلق بممارسة حرياتهم الشخصية وشعائرهم الدينية ومن تغيير الهوية الثقافية للمنطقة.

ويبين عضو اتحاد الايزيديين في عفرين ومسؤول العلاقات في مقاطعة عفرين والشهباء، مصطفى نبو، أن ما يتعرضون له من انتهاكات تسبب لهم بحالة رعب معتبراً أن الهدف من ورائها إجبارهم على الخروج من المنطقة.

ويتحدث مصطفى عن حالات قامت خلالها فصائل الجيش الوطني بإجبار ايزيديين على اعتناق الإسلام، “ففي قرية قيبار التابعة لناحية شيراوا بريف عفرين تدخل مجموعة عسكرية تدعى (أحباب الله) البيوت الايزيدية في القرية وتجبر أهلها على الدخول في الإسلام، وبتاريخ 10 أيار/مايو 2018 تم قتل عمر شمو ممو وهو من أهالي قرية قيبار البالغ من العمر 66 عاماً بدم بارد بطلقة في الجبين في منزله بالقرية لرفضه النطق بالشهادتين، كما أظهر مقطع فيديو نُشر مؤخراً شيخاً يدعى أحمد عبد الكريم ذيوب يعلن عن إسلام اثنين من الكرد الايزيديين، وتؤكد معلوماتنا من الداخل أنه قد تم فرض الإسلام عليهما بالقوة، تحت التهديد بالاستيلاء على أملاكهما“.

وعمدت الفصائل العسكرية إلى تدمير المقدسات الايزيدية ومعظم المزارات الدينية، وفقاً لمصطفى مثل مزار “جلخانة” في قرية قيبار، وكذلك تدمير شواهد قبور الايزيديين، مشيراً إلى أن، “ما يحدث هو تغيير هوية عفرين القومية والدينية“.

تضم عفرين ما يزيد عن ثمانية عشرة مزارًا دينياً ايزيدياً تعرّض معظمها بشكل متعمد للتدمير أو التخريب أو لسرقة محتوياتها، إضافة لهدم المقابر الايزيدية وقطع الأشجار المقدسة.

ووثقت منظمة “إيزدينا” في أيار 2018، تدمير مزار “شيخ جنيد“، الذي يحظى بأهمية بالغة لدى الإيزيديين، في قرية فقيرا بريف عفرين بعد نبش القبر وسرقته.

إضافة لتدمير مزار “الشيخ علي” في قرية باصوفان بريف عفرين في نيسان 2020، من الخارج عبر هدم أجزاء من قبته بجرافة، وذلك بعد تعرضه لسرقة محتوياته ورمي الأوساخ فيه عام 2018.

وكانت منظمات محلية ودولية وشهود عيان أكدوا هدم أضرحة ومقابر إيزيدية عمدًا في جميع أنحاء عفرين مثل قسطل جندو وقيبار وشران وجنديرس، لأسباب قد تبدو في بعضها انتقامية وأخرى لها خلفيات دينية و/أو إيديولوجية، وقالت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا“، إن ذلك زاد من الصعوبات التي يواجهها الإيزيديون كأقلية دينية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش الوطني السوري، وأثّر في جوانب مادية وغير مادية من تراثهم الثقافي بما في ذلك ممارستهم لطقوسهم الدينية.

من جانبه يشرح الصحفي ومدير منظمة بادر للتنمية والإعلام المجتمعي فاضل محمد ما حدث من تغيير على الهوية الثقافية في عفرين بعد عام 2018، ويتجلى ذلك بـ: “تغيير المناهج التعليمية التي كانت معتمدة في حقبة الإدارة الذاتية والتي كانت تعتمد اللغة الكردية اللغة الأم لـ 97% من سكان عفرين، إلى جانب تغيير نمط عمران المعالم الأثرية وإضفاء الطابع العمراني العثماني والتركي عليها مثل مقام النبي هوري وغيره، وتسمية المحلات والمراكز التجارية بأسماء غريبة عن المنطقة، والتركيز على تدريس المواد الإسلامية وافتتاح مراكز لتحفيظ القرآن، واضطرار النساء الكرديات في كثير من الأحيان لارتداء الحجاب“.

14. عودة المهجرين إلى مناطقهم:

لا يفارق المهجّرون حلم العودة إلى مناطقهم الأصلية لكنه مرهون بشروط تحمي حقوقهم وكرامتهم، وهو ما يراه الباحث عبدالله الحافي في عودة أهالي عفرين والغوطة: “نعود عندما تذهب جميع أنواع الاحتلالات العسكرية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وعندما نتمكن من استرجاع ممتلكاتنا وإدارتها باستقلالية، وعندما نكون آمنين على أنفسنا في الوقت الراهن وعلى أبنائنا في المستقبل، وعندما تكون العودة آمنة وطوعية وتحفظ كرامتنا“.

كما يرى ناشط من الغوطة أن عودة المهجّرين بحاجة لحل سياسي شامل، ولمسار يضمن مساءلة الأطراف المسيطرة على الغوطة وعفرين، و إلا لن يعود المهجرين لمناطق يسيطر عليها من هجرهم.

الباحث وليد بكر يؤكد من جهته على ضرورة تهيئة الأرضية المناسبة لعودة مهجّري الغوطة وعفرين إلى مناطقهم، والتي تعتمد بشكل رئيس على إعادة أملاكهم كاملة وتعويض المتضررين عن طريق لجان متخصصة تشرف على تلك العملية، إلى جانب محاسبة المتورطين في عمليات انتهاك حقوق الإنسان لدى محاكم محلية أو دولية، ووقف عمليات التغيير الديمغرافي.

ويشير إلى أن استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، وعدم ظهور حلول وبوادر في الأفق يعقّد الوضع أكثر، ويجعل مسألة عودة مهجري الغوطة وعفرين إلى مناطقهم الأصلية في غاية الصعوبة، وهو مرتبط بمواقف وأدوار القوى السياسية المتدخلة في الشأن السوري، بما فيها روسيا وتركيا صاحبتا التأثير المباشر على القضية.

ويضيف: “أولاً لابدّ من قيام القوات التركية بواجباتها كدولة احتلال في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، لاسيما عفرين، من خلال الحفاظ على حياة المدنيين وممتلكاتهم، وفيما بعد يمكن وضع حلول سياسية مناسبة وفقاً لقرار مجلس الأمن (2254) وتأسيس هيئة حكم انتقالي تنظر في جميع قضايا السوريين وبمشاركة جميع أطياف الشعب السوري، لوضع الحلول وتنفيذها فيما بعد على أرض الواقع، بما فيها مسألة عودة النازحين داخلياً وخارجياً إلى مناطقهم الأصلية التي هُجّروا منها“.

15. خلفية الاتفاق:

بدأت مؤشرات الاتفاق الروسي- التركي مع الإعلان عن اتفاق “خفض التصعيد” بين الدول الراعية لمفاوضات أستانا (تركيا وروسيا وإيران)، في أيار/مايو 2017، القاضي بإقامة أربع مناطق آمنة في سوريا لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد.

شملت المناطق:

1- محافظة إدلب، وأجزاء من حلب وحماه واللاذقية.

2- ريف حمص الشمالي.

3- الغوطة الشرقية.

4- محافظتي درعا والقنيطرة.

ونصّ الاتفاق على وقف الأعمال العدائية من قبل الأطراف المتصارعة، وتحسين الأوضاع الإنسانية، وخلق ظروف ملائمة لدفع التسوية السياسية، وتأمين عودة آمنة وطوعية للاجئين والمهجرين.

وحول تسلسل الأحداث لاحقاً يقول أمين سر التحالف السوري الوطني آرام الدوماني: “عندما توصلت الدول الراعية لمفاوضات أستانا 4 إلى اتفاق خفض التصعيد القاضي بإقامة أربع مناطق آمنة في سوريا لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، أدركنا بأن هناك عملية تبادل للمناطق بين الأطراف المتفقة، وأن هناك مؤامرة سوف تكون نتيجتها تغيير ديمغرافي يهدد بعض المناطق في سوريا“.

ويضيف: “لعبت روسيا دور الوسيط في المفاوضات بين الفصائل العسكرية في الغوطة الشرقية والنظام السوري عن إجراءات خروج وسلامة وصول المهجّرين إلى الشمال السوري بالتنسيق مع تركيا وكان هذا التنسيق ناتج عن مقررات أستانا وضمن اتفاقيات خفض التصعيد“.

وبرعايتها للمصالحات في الغوطة تكون روسيا قد تحولت إلى الضامن والملجأ الآمن للأهالي بعد أن كان جيشها يقصفهم منذ تشرين الأول/أكتوبر 2015.

أما تركيا فقد كانت منشغلة بعمليتها العسكرية لبسط سيطرتها على عفرين، واكتفت بإظهار التعاطف الإنساني على ما يجري في الغوطة، وانتظرت المهجّرين ليكون جزءاً منهم سكاناً جدداً من العرب السنّة في المناطق التي خرج منها الكرد من عفرين، لتستخدم المدنيين في كلتا البقعتين مرتين، وفق ما يرى د. محمد كتوب في بحثه المنشور بموقع الجمهورية.

كان التعتيم السمة الغالبة على أجواء المفاوضات الجارية في الغوطة، فلم يعرف المدنيون مصيرهم حتى آخر لحظة، بمن فيهم الناشطون والعاملون بالشأن العام الذين لم يصلهم مما يجري في التفاوض إلا النزر اليسير، وقد عملت الفصائل على استخدام المدنيين كدروع بشرية ولم يسمحوا بفصل ملفهم عن ملف العسكر، حتى يضمنوا خروجهم معهم.

  1. خاتمة:

لم يترك القائمون على “الاتفاقيات” التي حصلت حول الغوطة الشرقية وعفرين، خياراً حقيقياً للسكان المدنيين إلا للمغادرة القسرية، ففي الغوطة الشرقية اتبع الجيش النظامي السوري بدعم روسي جوي، أسلوب الحرب المتمثل في الحصار والتجويع والقصف العشوائي للمنطقة.

وفي عفرين لم تتخذ القوات التركية المهاجمة رفقة فصائل المعارضة السورية المسلّحة أية تدابير حقيقية لضمان حماية السكان المدنيين أو على أقل تقدير إجلاؤهم بشكل مؤقت لحين انتهاء العمليات العسكرية، تبع ذلك ما قد يرقى ليكون سياسة ممنهجة من الاعتداء والاستيلاء على الملكيات في كامل منطقة عفرين بما يجعل من عودة هؤلاء المهجرين قسراً شبه مستحيلة.

ويبقى على الدول الفاعلة والمتورطة بالملف السوري وبالأخصّ روسيا وتركيا، الإعلان عن بطلان تلك الاتفاقيات والاعتذار للشعب السوري عن النتائج الوخيمة التي خلفتها، والعمل على إعادة الحال إلى ما كان عليه قبلها، وتأمين العودة الطوعية  والآمنة والكريمة للمهجّرين


[1] يُستخدم مصطلحا التهجير والتشريد في هذه الورقة بشكل متبادل ويوازيان المصطلح الانكليزي: displacement.

[2] ICTY, Prosecutor v. Radovan Karadžić, Case No. IT-95-5/18-T, Public Redacted Version of Judgement Issued on 24 March 2016 – Volume I of IV (TC), 24 March 2016, § 489.

[3] المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، مبادئ توجيهية بشأن التشريد الداخلي، تقرير ممثل الأمين العام، السيد فرانسيس م. دينغ، المقدم عملاً بقرار اللجنة ١٩٩٧/٣٩، E/CN.4?1998/53/Add.2، ٢٧ أيلول ٢٠٠٢، المبدأ ٦(٢)(ب).

[4] See, for example: ICTY, Prosecutor v. Radovan Karadžić, Case No. IT-95-5/18-T, Public Redacted Version of Judgement Issued on 24 March 2016 – Volume I of IV (TC), 24 March 2016, § 492.

[5] ICTY, Prosecutor v. Furundžija, Judgement, IT—95-17/1-T, 10 December 1998, § 174.

[6] مبادئ توجيهية بشأن التشريد الداخلي، المبدأ ٢٨(١).

[7] مبادئ توجيهية بشأن التشريد الداخلي، المبدأ ١(١).

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد