-
ملخص تنفيذي:
تعرض “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في هذا التقرير، معلومات وشهادات مفصّلة حول 28 حالة تعرّض فيها طالبو لجوء سوريين إلى عمليات ضرب وسوء معاملة وأحياناً كثيرة إلى تعذيب وحشي غير مبررة، على يد حرس الحدود التركي (الجندرما) خلال أشهر حزيران/يونيو وتموز/يوليو وآب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 2021.
وقد أفضت عمليات الضرب والتعذيب تلك إلى وفاة 5 أشخاص على الأقل، رافق ذلك مقتل 3 طالبي لجوء آخرين، بينهم طفلين، جراء إطلاق النار عليهم بشكل مباشر من قبل الجندرما التركية أثناء رحلة الهروب من سوريا، فيما نجى آخرون من عمليات إطلاق نار عليهم. وأعيد العديد منهم بشكل قسري إلى داخل الأراضي السورية.
وقعت معظم عمليات التعذيب والضرب بحق طالبي اللجوء الذين حاولوا دخول الأراضي التركية انطلاقاً من المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية (قوات سوريا الديمقراطية) في شمال شرق سوريا. حيث تمّ تسجيل 21 حالة تعذيب، أدت إلى مقتل اثنين على الأقل، وسط انتشار شائعات تفيد بسماح الجندرما التركية بالسماح للكرد فقط بالعبور إلى الأراضي التركية دون التعرّض لهم، وهو ما ساهم في ارتفاع عدد الأشخاص الذين حاولوا الوصول إلى تركيا أصبحوا ضحايا لاحقاً. فيما توزعت باقي الحالات على المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري/المعارض” و “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على محافظة إدلب شمال غرب سوريا.
لغرض هذا التقرير استمعت والتقت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مع من 28 شاهداً/مصدراً بعضهم ممن تعرض لانتهاكات من حرس الحدود التركي بشكل مباشر، وبعضهم من ذوي الضحايا الذين قتلوا على يد حرس الحدود أثناء محاولتهم العبور إلى الأراضي التركية. وتمّ الاقتباس من كلام 23 مصدراً منهم، بينما تمّ الاستناد إلى شهادات 5 أشخاص لفهم السياق الذي وقعت فيهم الحوادث.
مؤخراً (أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021)، وبحسب مصادر محلية عاملة في منظومة المعابر ما بين سوريا وتركيا، فقد أوقفت السلطات التركية مرة أخرى (تكرر هذا الأمر في مرات سابقة)، السماح، حتى بالنسبة للحالات الحرجة، بدخول الأراضي التركية، وقد أرغمت جميع تلك القيود السوريين على استخدام نقاط عبور غير شرعية وخطرة في معظم الأحيان، وأصبحوا أدوات سهلة لمجموعات منظمة لتهريب البشر من سوريا إلى تركيا. وتتربط تلك المجموعات بالأطراف العسكرية المسيطرة بشكل أو بآخر، أو يتم غض النظر عنها وعن نشاطاتها.
وكانت الإجراءات الفعلية لمنع دخول السوريين إلى الأراضي التركية قد بدأت منذ عدّة سنوات، تزامناً مع إغلاق الاتحاد الأوربي أبوابه أمام طالبي اللجوء، وإبرام صفقة هجرة مثيرة للجدل بين أنقرة والاتحاد الأوربي في آذار/مارس 2016، لمنع تدفق اللاجئين على أوروبا، والتزم بتقديم 6 مليار يورو كمساعدات للسوريين في تركيا، وإحياء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، والسماح للمواطنين الأتراك بالسفر دون تأشيرة.
وقد كانت الحكومة التركية قد أعلنت في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، عن وضعها اللمسات الأخيرة على ما أسمته “الجدار الأمني” على طول الحدود السورية التركية، والذي بلغ طوله 911 كيلومتراً، وشمل ولايات هطاي/أنطاكيا وكليس وغازي عنتاب وشانلي أورفة وماردين، بارتفاع 4 أمتار. رغم إعلانها مراراً وتكراراً أنّها تتبع “سياسة الباب المفتوح” أمام السوريين الفارين من الحرب.
“سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” كانت قد أصدرت تقارير عدّة وثقت فيها وقوع قتلى برصاص الجندرما التركية أثناء محاولهم العبور إلى تركيا، حيث وثقت مقتل 19 شخصاً وجرح 17 آخرين خلال عامي 2018 و 2019 بحق طالبي لجوء، علاوة على مقتل وجرح عشرات آخرين لمجرد اقترابهم من الجدار الفاصل داخل الأراضي السورية. كما وثق “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” مقتل 13 طالب لجوء بينهم 3 أطفال خلال العام 2019 على يد حرس الحدود التركي، فيما وثق مقتل 16 شخصاً بينهم 4 أطفال خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021.
-
التحليل القانوني:
إنّ القانون الدولي يقوم بتعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال إطارين قانونيين أساسيين، ألا وهما القانون الدولي الإنساني، أو ما يعرف أيضاً بقانون النزاعات المسلحة، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فالقانون الدولي الإنساني، والذي يطبق في حالات النزاع المسلحة سواء أكانت دولية او غير دولية، يقوم بتنظيم وتقييد الوسائل المستخدمة وكذلك الأساليب المتبعة في تلك النزاعات، وتفرض تلك القيود والواجبات على جميع أطراف النزاع بغية الحد من آثارها بالإضافة إلى حماية كافة الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية كالمدنيين أو الذين كفّوا عن المشاركة في القتال أو لم يعودوا قادرين عليها كالجرحى وأسرى الحرب من المقاتلين. ويتم ذلك بالاستناد إلى مصدرين أساسيين وهما قانون المعاهدات والقانون العرفي. فالأول يتألف من مجموعة القواعد المنصوص عليها في معاهدات دولية مرتبطة، مثل اتفاقيات لاهاي واتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية،[1] والتي تلزم الدول الموقعة عليها، أما الثاني، والذي يعرف بالقانون الدولي الإنساني العرفي، فهو مجموعة قواعد مستمدة من الممارسات العامة للدول في مثل هذه الحالات عبر التاريخ والمقبولة كقانون، وهي ملزمة كونياً.[2]
أمّا القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي يهدف بشكل رئيسي إلى حماية الأفراد، وإلى حدٍ ما بعض المجموعات، من الممارسات التعسفية التي قد ترتكب ضدهم من قبل حكوماتهم، فيعتبر أكثر تعقيداً وتفصيلاً من حيث الحقوق المنصوص عليها وواجبات الأطراف المتعاهدة وآليات التطبيق والمتابعة، بالاستناد إلى مجموعة من المواثيق والمعاهدات الدولية والإقليمية والتي في معظم الأحيان تلزم الدول الموقعة عليها بإدراج تلك الحقوق ضمن قوانينها المحلية لضمان تطبيقها بشكل عملي وفعّال.[3] ولكن الأهم من ذلك فهو أن هذا الإطار القانوني يطبق في كل الأوقات، إذ أن هذا الإطار لا يقتصر تطبيقه فقط على حالات السلم، كما هو شائع، وإنما يبقى سارياً حتى في حالات الحرب، مع إمكانية وجود استثناءات معينة. وعلى الرغم من إمكانية تعليق بعض الحقوق المنصوص عليها ضمن هذا الإطار في بعض حالات الطوارئ القصوى والنزاعات المسلحة، باستثناء بعض الحقوق الجوهرية، كحظر العبودية والحق في الحياة وحظر التعذيب والعقوبات والمعاملة اللاإنسانية إلخ، والتي لا يمكن تعليق تطبيقها مهما كانت الظروف.[4] وحتمية تطبيق وحماية هذه الحقوق لا تتعارض مع أي نص أو إطار قانوني آخر، بما في ذلك قانون النزاعات المسلحة، سواء أكانت دولية أو غير دولية. بل على العكس تماماً، إذ تجدر الإشارة هنا إلى حقيقة وجود تكامل بين هذين الإطارين القانونيين، وإن كان ذلك من زوايا مختلفة إلا أن كلاهما يسعى إلى حماية البشر والحفاظ على سلامتهم وصَون كرامتهم.[5]
وبناءً عليه فإن ما ورد في هذا التقرير من حالات التعذيب والقتل، تعتبر وبدون أدنى شك جرائم وانتهاكات واضحة للعديد من حقوق هؤلاء المدنيين، ضمن إطار القانون الدولي الإنساني وكذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان. ناهيك عن انتهاك حقهم في اللجوء وارجاع من بقي منهم على قيد الحياة قسراً الى مناطق نزاع غير آمنة.
ففي معظم الحالات لم يكن الضحايا سوى مدنيين عزل لم يكونوا طرفاً في أي نزاع مسلح ولم يكونوا قد شاركوا بأي عمل عسكري عدائي، بل كانت في معظمها اعتقالات بسبب التوجه إلى الحدود أو قطعها طلباً للجوء أو استهدافهم بإطلاق الرصاص الحي بقصد القتل لمنعهم من ذلك.
أما عن باقي الممارسات والمعاملة التي يتلقاها هؤلاء المعتقلون، فهي بدون أدنى شك تعتبر تعذيباً، وبالتالي انتهاكاً واضحاً وجريمة تستوجب المحاسبة استناداً لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984،[6] التي وقعت وصادقت عليها تركيا في العام 1988،[7] والتي تعرف جريمة التعذيب في مادتها الأولى على أنها:
“أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف ،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.“ [8]
فجميع أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية محرمّة بالمطلق في كافة القوانين والأعراف الدولية، إذ “لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو اية حالة من حالات الطوارئ العامة الاخرى كمبرر للتعذيب.”[9] إذ أن التعذيب محرم دولياً ويعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني بغض النظر عن طبيعة النزاع المسلح، سواء أكان ذو طابع دولي[10] او غير دولي،[11] ويعتبر ارتكابه كذلك جريمة حرب.[12] فكما تبين من الشهادات الواردة في هذا التقرير أن حرس الحدود التركي يقوم وبشكل ممنهج بمعاقبة هؤلاء اللاجئين بالتعذيب أو حتى القتل، وإرجاع من تبقى منهم على قيد الحياة قسراً إلى الأراضي السورية، بدون أي اعتبار لكونهم طالبي لجوء أو حتى النظر في ذلك. وهذا التصرف بحد ذاته يعتبر انتهاكاً للبند الأول من المادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب والتي تنص على أنه “لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أي شخص أو تعيده(“ان ترده”) أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، اذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب.”[13] فهنا لم تكتفي الدولة التركية بإعادة هؤلاء قسراً لسوريا التي تعتبر بلداً غير آمناً بل قامت بتعذيبهم أيضاً. مما يجعله من الواضح أن تركيا تقوم باستخدام التعذيب الممنهج والقتل على الحدود كسلاح ووسيلة معاقبة أو انتقام ممنهج ضد المدنيين السوريين وطالبي اللجوء منهم على وجه الخصوص.
أما بالنسبة لحالات القتل، سواء اكانت نتيجة التعذيب أو بالاستهداف المباشر والإعدامات الغير قانونية على الحدود، بالإضافة لما سبق، فهي تعتبر أيضاً انتهاكاً واضحاً لحق هؤلاء الضحايا في الحياة وضمان عدم حرمانهم منها بشكل تعسفي.[14] علماً بأن جميع الناس، والمعتقلين منهم على وجه الخصوص لهم الحق في الحياة والسلامة الشخصية من جميع أشكال التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وذلك حق يضمنه القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الانسان في حالات الحرب كما في حالات السلم.
لقراءة التقرير كاملاً وبصيغة ملف PDF يُرجى الضغط هنا.
______
[1] للاطلاع على نصوص تلك المعاهدات يمكنكم زيارة الرابط التالي لموقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
https://www.icrc.org/ar/ihl-treaties
[2] للاطلاع على نصوص تلك القواعد العرفية يمكنك زيارة الرابط التالي لقاعدة بيانات القانون الدولي الإنساني العرفي على موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر:
https://ihl-databases.icrc.org/customary-ihl/ara/docs/home
[3] الأمم المتحدة، ’ أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان’،
[4] اللجنة الدولية للصليب الأحمر،’ القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان’، (29 تشرين الأول/أكتوبر 2010).
https://www.icrc.org/ar/document/ihl-human-rights-law
[5] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ’ما هو الفرق بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؟’، (1 كانون الثاني/يناير 2004).
https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5kzmuy.htm
[6] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984.
https://www.ohchr.org/ar/professionalinterest/pages/cat.aspx
[7] الأمم المتحدة ، سلسلة الاتفاقيات، المجلد 1465، الصفحة 85.
https://treaties.un.org/Pages/ViewDetails.aspx?src=IND&mtdsg_no=IV-9&chapter=4&clang=_en
[8] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، المادة 1
https://www.ohchr.org/ar/professionalinterest/pages/cat.aspx
[9] المصدر السابق، المادة 2(2).
[10] اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949، المادة 147.
https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/5nsla8.htm
[11] المصدر السابق، المادة 3 المشتركة.
[12] اتفاقية روما لعام 1988، المؤسسة لمحكمة الجنايات الدولية، المادة 8(2)(أ)(2)، وكذلك 8(2)(ج)(1).
https://www.icc-cpi.int/resource-library/documents/rs-eng.pdf
[13] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، المادة 3(1).
https://www.ohchr.org/ar/professionalinterest/pages/cat.aspx
[14] “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، المادة 6، موقع الأمم المتحدة-حقوق الإنسان-مكتب المفوض السامي. https://www.ohchr.org/AR/ProfessionalInterest/Pages/CCPR.aspx