الرئيسية تحقيقات مواضيعية هيئة تحرير الشام لم تستثنِ النساء من عمليات الاعتقال والإساءة البدنية

هيئة تحرير الشام لم تستثنِ النساء من عمليات الاعتقال والإساءة البدنية

تقرير يوثق قصص عدد من الناجيات وذوي المغّيبات في سجون "هيئة تحرير الشام" المنتشرة في محافظة إدلب

بواسطة bassamalahmed
1.3K مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

ملّخص تنفيذي:

تتعرّض النساء في محافظة إدلب الخاضعة في معظمها لسيطرة هيئة تحرير الشام، إلى انتهاكات عدّة، يتمّثل أبرزها في الاحتجاز والإساءة البدنية التي تتعرضنّ لها ضمن سجونها المنتشرة في مناطق مختلفة من المحافظة، بالإضافة إلى أحكام القتل التي ارتكبت بحقّ بعضهنّ خارج نطاق القضاء وأحياناً كثيرة بإجراءات موجزة.

وقد تنوّعت الأسباب والتهم التي تمّ بموجبها احتجاز وقتل نساء، فبعضها كان تحت ذريعة “سبّ الذات الإلهية”، وبعضها الآخر بحجّة “العمالة” لصالح القوات النظامية السورية، يضاف إلى ذلك تهمة “الزنا” وغيرها من التهم.

ولغرض هذا التقرير، رصدت الباحثة لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا التقرير -اعتماداً على مصادر عديدة- احتجاز ما لا يقل عن 86 امرأة وفتاة ضمن سجون هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، وذلك منذ بداية العام 2019، وحتى أوائل كانون الثاني/يناير 2020، من ضمنهن 23 امرأة تمّ الإفراج عنهنّ في فترات زمنية مختلفة، في حين أنّ 63 منهنّ ما زلن محتجزات في سجون الهئية حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في 21 كانون الثاني/يناير 2020.

من ضمن الناجيات اللواتي خضن تجربة الاحتجاز في سجون هيئة تحرير الشام وأفرج عنهنّ لاحقاً، حصلت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة على شهادة إحدى النساء (18) عاماً، متزوجة ولديها أطفال، بعدما كانت قد تعرضت برفقة شقيقتها 38 عاماً للاحتجاز وسوء المعاملة، في سجن إدلب المركزي في إدلب المدينة[1] وتحديداً في شهر آب/أغسطس 2019، حيث أمضت ثلاثة أشهر من الاحتجاز بتهمة التعامل بالسحر والشعوذة، ناهيك عن جلدها أربعين جلدة على جرم لم تقترف، كما أحدثت تجربة الاحتجاز فرقاً لا يمكن تجاوزه في حياتها، وخاصةً أنها تعرّضت للطلاق من قبل زوجها وتمّ حرمانها من رؤية أطفالها لاحقاً.

كما وثقت المنظمة حالة ثانية، حيث تمّ احتجاز إحدى النساء 40 عاماً، في محافظة إدلب بتهمة “العمالة” لصالح القوات النظامية السورية، وخلال فترة احتجازها التي دامت 15 يوماً في سجن إدلب المركزي، مورس عليها أنواع مختلفة من التعذيب لا تقل في قساوتها عن تلك التي يتعرّض لها الرجال، حيث تمّ ضربها بواسطة الهراوات، وتمّ تعليقها  من السقف، كما تمّ تهديدها بالإعدام في إحدى ساحات مدينة إدلب، الأمر الذي تسبّب لها بأذى بدني ونفسي كبير بعد إطلاق سراحها، حيث أصيب بكسر في إحدى يديها، ومازالت تعاني حتى يومنا هذا من اضطرابات نفسية، جرّاء ما خاضته، ويضاف إلى ذلك، نظرة المجتمع المشكّكة بها وخاصةً أنها اتهمت بالعمالة للقوات النظامية السورية.

وفي حالة ثالثة، وثقت المنظمة استمرار هيئة تحرير الشام في احتجاز إحدى النساء الكبيرات في السن 60 عاماً، متزوجة ولديها أولاد وأحفاد، في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وذلك بتهمة سبّ الذات الإلهية، حيث مازالت محتجزة حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التقرير في نهاية كانون الثاني/يناير 2020، على الرغم من أنها تعاني عدّة أمراض أبرزها ارتفاع ضغط الدم والسكري، في حين تمّ تسجيل الاستمرار في احتجاز امرأة رابعة من محافظة حماه، 40 عاماً، متزوجة أيضاً ولديها أولاد، بالتهمة ذاتها/أي سبّ الذات الإلهية، وذلك في الفترة الزمنية نفسها.

وأفادت الناجيات اللواتي تمّ الاستماع إلى شهادتهنّ، بأنّ هيئة تحرير الشام وعقب إطلاق سراحهنّ أرغمتهنّ على توقيع تعهّد خطي، بعدم الحديث لأي جهات إعلامية، ولربما كان ذلك بهدف الحفاظ على السرية، وعدم نشر أي معلومات حول سوء المعاملة التي تعرضنّ لها خلال فترة احتجازهنّ في سجون مختلفة، من بينها سجن إدلب المركزي في إدلب المدينة، والسجن المركزي في مدينة حارم[2]، بالإضافة إلى سجن محكمة مدينة سلقين.

لم تكن النساء أيضاً بمعزل عن أحكام القتل التي أصدرتها هيئة تحرير الشام خارج نطاق القضاء، والتي تمّت بإجراءات موجزة ودون إعلام ذوي الضحايا، ففي شهر تموز/يوليو 2019، نفذّت “الهيئة” حكم القتل بحقّ إحدى النساء في محافظة إدلب 60 عاماً، متزوجة ولديها أولاد وأحفاد، حيث تمّ رجمها بالحجارة حتى الموت بتهمة الزنا، وتمّ تسليمها جثة هامدة إلى ذويها، وقد تركت هذه الحادثة أثراً سلبياً كبيراً على عائلتها، لا سيّما أبناؤها والذين لم يتمكنوا من إثبات “براءتها” للناس، وأصبحوا عرضة للإهانات والإساءات من قبل أهالي البلدة.

تفيد الأدلة والشهادات التي جمعتها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة لغرض هذا التقرير بأنّ هيئة تحرير الشام مارست الاعتقال التعذيب على النساء في محافظة إدلب، إلى حدٍ لا يختلف كثيراً عن الرجال، وسط مناخٍ من الإفلات التام من العقاب، ولربما كان السبب وراء ذلك وبحسب شهود عيان، هو بثّ الخوف في نفوس الأهالي عبر اعتقال النساء، حتى تؤكد أنّ الاعتقالات ستطال الجميع دون استثناء ولأسباب مختلفة.

يورد هذا التقرير أيضاً الأثر النفسي والجسدي والاجتماعي المُجحف الذي تخلّفه تجربة الاحتجاز على أولئك النساء، بدايةً بالاضطرابات النفسية التي يعانين منها عقب الإفراج عنهنّ والتي ربما تصل لحد الانتحار، ومروراً بتعرّض بعضهنّ للطلاق، وانتهاءً بظلم المجتمع ورفضه لهنّ.

حدثت تلك الانتهاكات من جانب هيئة تحرير الشام، بالتزامن مع ما شهدته، من عمليات عسكرية عنيفة من جانب القوات النظامية السورية وحلفائها، حيث تسببّت هذه العمليات بنزوح الآلاف من المدنيين، كما قتلت وشرّدت العديد منهم.[3] وسبق لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أن وثقت احتجاز عدد من المدنيين بينهم نساء وأطفال في محافظة إدلب، في فترات مختلفة من العام 2018 و2019، من قبل هيئة تحرير الشام، وذلك بتهمٍ مختلفة، حيث تعرّض بعضهم (بينهم أطفال) للضرب وسوء المعاملة في حين تمّ الإفراج عن قسم منهم لاحقاً.[4]

المنهجية:

اعتمد التقرير في منهجيته على شهادة (2) من الناجيات اللواتي تعرّضن للاحتجاز في سجون هيئة تحرير الشام، وكنّ قد أمضين فترات مختلفة من الاحتجاز خلال العامين 2019 و2018، بالإضافة إلى ذلك استمعت الباحثة الميدانية لدى المنظمة، إلى شهادة (2) من ذوي بعض النساء اللواتي ما زلن مغيبات في سجون هيئة تحرير الشام، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في 21 كانون الثاني/يناير 2020.

إلى ذلك، تمّ الاستماع إلى شهادة قريب إحدى النساء اللواتي تعرّضن للقتل بإجراءات موجزة في العام 2019، كما تمّ لقاء إحدى الناشطات الإعلاميات اللواتي عملن على توثيق حالات الاحتجاز بحقّ النساء من قبل هيئة تحرير الشام، يضاف إلى ذلك الاستماع إلى إفادة إحدى الأخصائيات النفسية في محافظة إدلب، بغرض توضيح الأثر المُجحف للاحتجاز على النساء.

 تمّ إجراء معظم هذه المقابلات خلال الفترة الواقعة بين شهر كانون الأول/ديسمبر2019 وحتى أواسط كانون الثاني/يناير 2020، وبعضها تمّ إجراؤه بشكل مباشر من قبل الباحثة الميدانية لدى المنظمة، وبعضها الآخر عن طريق الانترنت، إضافة إلى ذلك تمّ الرجوع إلى العديد من المصادر المفتوحة لمقاطعة المعلومات وجلب المزيد من الأدلة حول الحالات التي قام التقرير بتوثيقها.

 

1. من هي “هيئة تحرير الشام”؟

في كانون الثاني/يناير من العام 2012، ظهر تنظيم جبهة النصرة في سوريا/هيئة تحرير الشام حالياً، وقد شكّل في بداياته امتداداً لدولة العراق الإسلامية، فرع “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”.

 وفي نيسان/أبريل 2013، رفض تنظيم جبهة النصرة الاندماج مع تنظيم الدولة الإسلامية/تنظيم “داعش” وبايع زعيم تنظيم القاعدة “أيمن الظواهري”، الذي أعلن في تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته أنّ التنظيم هو الممثل الوحيد لتنظيم القاعدة في سوريا.

في تموز/يوليو 2014، أعلن زعيم تنظيم جبهة النصرة، وهو سوري يعرف باسم “أبو محمد الجولاني”، طموحه لتشكيل “إمارة اسلامية” مماثلة “للخلافة” التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك الحين، وسرعان ما صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية كمنظمة إرهابية.

 قاتل تنظيم جبهة النصرة ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، وتعاون في المقابل مع عدد من فصائل المعارضة السورية المسلّحة، لقتال القوات النظامية السورية، ومنذ العام 2012، تمكن التنظيم إلى جانب عدد من فصائل المعارضة المسلّحة من التقدم والسيطرة على مناطق عدة في البلاد.

وفي العام 2015، سيطر تنظيم جبهة النصرة ضمن تحالف سُمي باسم “جيش الفتح” مع فصائل أخرى على كامل محافظة إدلب، وفي يوليو/تموز 2016، ونتيجة ضغوط خارجية هائلة، أعلن “الجولاني “فض ارتباط جبهة النصرة مع تنظيم القاعدة وتغيير اسمها إلى “جبهة فتح الشام”.

ما هي إلا أشهر حتى أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا في 28 كانون الثاني/يناير 2017، الاندماج تحت مسمّى “هيئة تحرير الشام” وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي جبهة فتح الشام/تنظيم جبهة النصرة سابقاً، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، وحركة أنصار الشام الإسلامية، حيث تولى قيادتها العامة “الجولاني” أيضاً، إلا أنه وعلى خلفية اندلاع مواجهات عسكرية بين حركة أحرار الشام  وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.

على وقع تكرار هذه المواجهات العسكرية التي دارت ما بين هيئة تحرير الشام من جهة وفصائل معارضة أخرى من جهة أخرى، في العام 2018، تمكنت الأخيرة كونها الأكثر قوة وتنظيماً من طرد فصائل معارضة مسلّحة (مثل حركة أحرار الشام الإسلامية) من مناطق واسعة في إدلب، وبسطت سيطرتها على أكثر من 60٪ منها، فيما باتت الفصائل الأخرى وعلى رأسها حركة أحرار الشام الإسلامية تنتشر في مناطق محدودة.

وتسيطر هيئة تحرير الشام على أبرز المعابر التجارية في محافظة إدلب، سواء كانت تلك التي تربط بمناطق سيطرة القوات النظامية السورية أو بتركيا شمالاً، وتشير العديد من المصادر إلى أنّ نفوذ هيئة تحرير الشام يعود بشكل كبير إلى كونها تسيطر على الحركة التجارية من وإلى محافظة إدلب، والتي تساهم في تمويلها وتمنحها سلطة أكبر من حجمها.

 

2. لمحة عن حياة النساء في ظل سيطرة هيئة تحرير الشام:

عمدت هيئة تحرير الشام/تنظيم جبهة النصرة سابقاً، منذ اتساع رقعة سيطرتها في الأعوام 2014 و2015، إلى التضييق وتشديد الخناق على حركة النساء عموماً في المدن والبلدات التي تخضع لسيطرتها، سيّما في الأماكن العامة، ومع امتداد سيطرتها على كافة محافظة ادلب، فرضت زيّاً معيناً على الفتيات في المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية من خلال إصدار بيانات تهدّد بفصل كل فتاة لا تلتزم باللباس الشرعي.

في العام 2016 شهدت جامعة إدلب تشديداً كبيراً من قبل جهاز الحسبة النسائية والذي عمد إلى طرد طالبات وحرمانهنّ من دورات امتحانية، بسبب عدم التزامهن باللباس الشرعي المفروض من قبل هيئة تحرير الشام، كما لم يُسمح للنساء والفتيات عموماً بارتياد المقاهي والمطاعم في تلك الأثناء إلا بوجود أحد أقارب الفتاة من الدرجة الأولى. في العام 2018، وبعد تحول تنظيم جبهة النصرة إلى جبهة “فتح الشام” ثمّ هيئة تحرير الشام، عمدت الأخيرة إلى فصل تعليم الإناث عن الذكور في كافة المناطق التي تسيطر عليها، سواء في المعاهد والكليات والمدارس، كما فرضت قرارات عدّة على إدارة جامعة ادلب منذ العام 2016 كان أهمها فصل دوام الذكور عن الإناث من خلال فصل الكليات والمعاهد فصلاً كاملاً بواسطة جدار اسمنتي في كل كلية، بحث تكون غرف مخصصة للإناث وأخرى مخصّصة للذكور.

كما نشرت هيئة تحرير الشام عدد من الأمنيين وجهاز الحسبة بالقرب من الكليات لمراقبة تصرفات الطالبات والطلاب، حيث اعتقل الجهاز الأمني التابع لتحرير الشام في العام 2017 أكثر من 10طالبات وطالب بسبب وقوف الطلاب والطالبات بالطرقات أثناء الدوام، حيث تحظر هيئة تحرير الشام تواجد الذكور والإناث في الأماكن العامة والمقاهي والمطاعم، إلا إذا كانت تربطهم علاقة زواج أو قرابة من الدرجة الأولى، بالإضافة إلى ذلك شددّت هيئة تحرير الشام الخناق على حركة النساء العاملات في الريف منذ العام 2016، كحال المدن الكبرى، ومنعت الاختلاط بين الذكور والإناث، كما أنها حجبت عام 2019، مفاضلة كليات الطب البيطري والميكانيك عن الطالبات اللواتي تقدّمن لمفاضلة القبول الجامعي في محافظة إدلب، دون إيضاح الأسباب التي استوجبت ذلك.

تعيش النساء في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، حالة من الاختناق والتضييق عليهنّ، حتى في تفاصيل حياتهنّ اليومية، سواء كان ذلك من ناحية اللباس والعمل، بالإضافة إلى السفر والدراسة، ومنع الاختلاط بين الذكور والإناث، حيث أنهنّ لا يستطعن ممارسة حريتهنّ بشكل كامل، بحسب ما روت إحدى الناشطات الإعلاميات في محافظة إدلب والتي عملت على توثيق حالات الاعتقال بحقّ نساء هناك، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ذلك قائلة:

“تسعى هيئة تحرير الشام إلى بثّ الرعب والخوف في نفوس الأهالي، عبر اعتقال النساء والأطفال، حتى تؤكد أنّ الاعتقالات ستطال الجميع دون استثناء ولأسباب مختلفة، فتفرض نفسها كأمر واقع في مناطق سيطرتها، وهذا ما أجبر الكثير من الأسر على النزوح وترك مناطقهم تجنباً للملاحقة والاعتقال، حيث تجاوزت حالات الاعتقال التي طالت نساءً من قبل هيئة تحرير الشام، أكثر من 63 امرأة وفتاة في كافة محافظة إدلب (مازلن مغيبات في سجون هيئة تحرير الشام وموثقين بالاسم) بالإضافة إلى 23 امرأة (تمّ احتجازهنّ ثمّ أفرج عنهنّ)، وذلك خلال منذ بداية العام 2019، وحتى أوائل العام 2020، وقد كانت أبرز التي تمّ بموجبها احتجاز النساء، سبّ الذات الإلهية والاختلاط بين الرجال، والتعامل بالسحر والشعوذة، بالإضافة إلى ذلك فقد تمّ احتجاز نساء فقد لأنهنّ كنّ قادمات من مناطق سيطرة قوات النظام إلى محافظة إدلب، وقد علمنا من النساء اللواتي أفرج عنهنّ أن هيئة تحرير الشام كانت قد أرغمتهنّ على توقيع تعهّد بعدم التحدث إلى أي جهة إعلامية حول ما جرى معهنّ في سجونها.”

3. شهادات لناجيات وذوي مغيبات في سجون هيئة تحرير الشام:

حرصت هيئة تحرير الشام، منذ إحكام سيطرتها على محافظة إدلب، على اعتقال كل من تعتبره مصدر قلق على عناصرها أو نفوذها العسكري سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، حيث اتخذت الأخيرة من الغطاء الديني وسيلةً لإحكام سيطرتها على محافظة إدلب، ولجأت لاعتقال الأشخاص المناوئين لحكمها تحت فتاوى أطلقتها لامتصاص نقمة السكان المحليين.

لم تستثنِ هيئة تحرير الشام النساء من اعتقالاتها، بل إنها مارست الاعتقال والتعذيب عليهنّ، إلى حد لا يختلف كثيراً عن الرجال، حيث قامت باحتجاز أعدادٍ لا يستهان بها من النساء والفتيات، خلال فترات متفاوتة من عامي 2019 و2018، تحت عدّة ذرائع وقوانين فرضتها الأخيرة وعملت بها، سيّما اللباس والاختلاطات وممارسة الزنا وسبّ الدين والشعوذة والعمالة مع القوات النظامية السورية.

وقد تمّ احتجاز عشرات النساء والفتيات، في سجون توزعت على معظم مناطق المحافظة، أبرزها السجن المركزي في مدينة إدلب والسجن المركزي في مدينة حارم إضافة إلى سجن محكمة مدينة سلقين، وسجن مرعيان، وسجن العقاب سيء الصيت[5].

استمعت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا التقرير إلى شهادة عدد من الناجيات اللواتي احتجزن في سجون هيئة تحرير الشام لفترات زمنية متفاوتة، ولأسباب مختلفة، بعضهنّ كنّ متزوجات قبيل حادثة الاحتجاز، فأمسين مطلقات بعد الإفراج عنهنّ وما زلن يواجهنّ حتى يومنا هذا عواقب هذا الانتهاك، ناهيك عن ظلم المجتمع ورفضه لهنّ، ومن مبدأ الحرص على أمانهنّ، استعاضت المنظمة عن الهويات الحقيقية للشاهدات بأسماء مستعارة.

أ. أمست مطلّقة وحُرمت من أولادها بعد احتجازها من قبل هيئة تحرير الشام:

“فاطمة.م” 18 عاماً، من مواليد ريف إدلب الغربي، وهي زوجة وأم لثلاثة أطفال، كانت إحدى اللواتي احتجزن في سجون هيئة تحرير الشام منتصف آب/أغسطس 2019، برفقة شقيقتها 38 عاماً، وذلك بتهمة التعامل بالسحر والشعوذة، حيث عانت هناك مرارة الاحتجاز، ومُورس بحقّها أشكالاً مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، يضاف إلى ذلك كله، المعاناة التي كابدتها “فاطمة” نتيجة الزواج المبكر، إذ كانت قد أجبرت على الزواج في سنّ مبكر، ولم تكن سعيدة مع زوجها على حد قولها، لكنها رُزقت بأطفالها الثلاثة “عمر 4 سنوات ومحمد 3 سنوات، وعامر الذي لم يتجاوز العام بعد”، ورأت فيهم تعويضاً عن سعادتها المفقودة.

كانت “فاطمة” تسكن في منطقة سهل الغاب بمحافظة حماه، قبيل أنّ تضطر وعائلتها للنزوح إلى إحدى مخيمات ريف إدلب الشمالي في منتصف عام 2019، نتيجة العمليات العسكرية وسوء الأوضاع الأمنية هناك، ولم يكن في حسبانها أن يتمّ احتجازها من قبل هيئة تحرير الشام لمدة ثلاثة شهور، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول حادثة اعتقالها قائلة:

 

“في منتصف شهر آب/أغسطس 2019، توجهت برفقة شقيقتي (متزوجة) إلى محكمة مدينة حارم، من أجل رفع دعوى قضائية ضدّ زوجي وطلب الطلاق منه وخاصةً أنني أجبرت على الزواج منه في سن مبكر، ولم أكن سعيدة معه على الإطلاق، وأذكر أنه تمّ تفتيشنا عند باب المحكمة من قبل نساء يعملن في جهاز الحسبة التابع لهيئة تحرير الشام، ومن سوء حظي أنهم عثروا على حجابٍ طالما حملته معي حتى يحميني من الحسد، وعلى الفور تمّ احتجازي مع شقيقتي، ووُجهّت لنا تهمة التعامل بالسحر والشعوذة خلال التحقيق الأولي معنا.”

 

فور سماعه بحادثة الاحتجاز، حاول زوج شقيقة “فاطمة” السؤال عنهما في محكمة مدينة حارم، لكنّ هيئة تحرير الشام قامت باحتجازه هو الآخر بلا أي سبب لمدة 5 ساعات، ومن ثمّ أفرجوا عنه، دون أن يتمكن من الاطمئنان على زوجته وشقيقتها أو معرفة ما حلّ بهما، إلى أنّ تمّ نقلهما إلى سجن إدلب المركزي، حيث روت “فاطمة” في هذا الصدد قائلة:

“تمّ احتجازنا في زنزانة صغيرة جداً مكتظة بالنساء والفتيات والأطفال في سجن إدلب المركزي، وكانت أكثر المحتجزات قد اتهمنَ بسبّ الذات الإلهية، وأذكر أنني شاهدت نساءّ كانت ملابسهنّ ممزقة، وقد عانين كثيراً بسبب قلة الطعام وسو ء ظروف الاحتجاز، في البداية لم أتعرض وشقيقتي لأي عملية ضرب، لكن بعد مرور عدّة أيام، تمّ جلدنا 40 جلدة، ليتم بعد ذلك عرضنا على رجل يشغل منصب القاضي في هيئة تحرير الشام، حيث حُكم علينا بالاحتجاز لمدة ثلاثة أشهر بتهمة التعامل بالسحر والشعوذة.”

وروت “فاطمة” بأنها وخلال فترة احتجازها في سجن إدلب المركزي، كانت قادرة على سماع أنين وصراخ الرجال المعتقلين في السجن، بينما كانوا يتعرضون لعمليات التعذيب من قبل عناصر هيئة تحرير الشام، حيث استمرّت على هذا الحال مدة ثلاثة شهور، إلى أن تمّ الإفراج عنها بعد دفعها غرامة مالي وقدرها 100 ألف ليرة سورية.

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين موقع سجن إدلب المركزي، حيث تمّ احتجاز “فاطمة”.

لم تتوقف معاناة “فاطمة” بعد الإفراج عنها، بل إنها خاضت فصلاً جديداً من العذاب، وخاصةّ أنّ زوجها عمد إلى الانفصال منها، وحرمها من رؤية أطفالها الثلاثة، فبقيت “فاطمة” حبيسةً في منزل عائلتها، حيث مُنع عليها الدخول والخروج لفترة مؤقتة، ناهيك عن رفض المجتمع لها، كونها مُطلقة ومحتجزة سابقة، وهو الأمر الذي أصابها بكآبة شديدة لم تُشف منها حتى اليوم على حد قولها.

بعد فترة من إطلاق سراحها، لجأت “فاطمة” للعمل في قطاف الزيتون كي تعيل نفسها وتؤمن مستلزمات عيشها، وسط غياب أي دعم من المجتمع المحيط لها وحتى عائلتها نفسها، حيث مازالت حتى يومنا هذا تعيش على أمل لقاء فلّذات كبدها، أطفالها الثلاثة في أحد الأيام.

 

ب. الأذى البدني بحقّ النساء في سجون هيئة تحرير الشام:

“رؤى.أ” من مواليد مدينة حماه 40 عاماً، كانت أيضاً إحدى النساء اللواتي خضنّ تجربة الاحتجاز في سجون هيئة تحرير الشام، حيث تمّ احتجازها خلال إقامتها في محافظة إدلب وتحديداً في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2018، وذلك بتهمة التعامل مع القوات الحكومية السورية، وكانت قد تعرّضت لأذى بدني كبير خلال فترة احتجازها.

كانت “رؤى” تعيش مع عائلتها في مدينة حماه وتعمل كمعلّمة لمادة اللغة العربية في إحدى مدراس المدينة، قبيل أن تحسم أمرها وتقرر سلوك طرق التهريب إلى تركيا عبر محافظة إدلب، أملاً في بدء حياة جديدة، وحينما وصلت إلى محافظة إدلب أقامت فترة وجيزة من الزمن وقررت أن تعمل كناشطة لتغطية ما يجري في مناطق المحافظة، لكنّ حادثة اعتقالها غيرت مجرى حياتها، وخلّفت عواقب نفسية وجسدية وخيمة عليها مازالت ترافقها حتى اليوم، حيث روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تفاصيل ما جرى معها قائلة:

“كنت قد توجهت إلى محافظة إدلب، أملاً في سلوك طرق التهريب إلى تركيا، فأقمت هناك فترة وجيزة من الزمن، إلى أن قام مجموعة من عناصر هيئة تحرير الشام، بمداهمة مكان إقامتي في ريف إدلب الشمالي بلا أي سبب، ثمّ عمدوا لتكبيل يداي وعصب عيناي، وتمّ اقتيادي إلى جهة مجهولة، كانت عبارة عن قبو تحت الأرض في سجن إدلب المركزي، وقبل ذلك تمّ تفتيشي من قبل إحدى النساء اللواتي يعملن في جهاز الحسبة، فوجدوا معي هاتفي المحمول، والذي كان يتضمن رقماً لأحد الأشخاص، كان قد طلب مني تغطية الأحداث في محافظة إدلب، وفور دخولي إلى ذلك القبو، تعرّضت للضرب المبرح بواسطة الهراوات، حتى أقوم بالاتصال بالشخص المذكور، إلا أنني تحملت الضرب ولم أرضخ لمطالبهم، وعلى إثر ذلك تمّ عرضي على محققين بتهمة تصوير مقرات عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام، وهو الأمر الذي نفيته نفياً قاطعاً.”

خلال فترة احتجازها، مورس على “رؤى” عمليات مختلفة من التعذيب، لم تختلف في قساوتها عن تلك التي يتعرض لها الرجال في السجون، حيث تمّ تعليقها من يديها في السقف لمدة ساعتين، كما بقيت معصوبة العينين ومكبلة اليدين لأيام متواصلة، كانت ترفض فيها تناول الطعام، الامر الذي جعل وضعها الصحي آخذاً في التدهور، حيث تابعت في هذا الصدد قائلة:

 

“خلال التحقيق معي، تمّ تهديدي بالإعدام في إحدى ساحات مدينة إدلب وتصويري، بتهمة العمالة للقوات الحكومية السورية، كما قام أحد العناصر بضربي على رأسي بالسلاح في سبيل الحصول على اعترافات مني، وبعد اعتقالي لحوالي 15 يوماً، تمّ إطلاق سراحي، بعد تدخل وساطات لدى المحكمة، وأخذ تعهّد مني بعدم التحدث إلى الإعلام عما جرى معي داخل السجن.”

 

خرجت “رؤى” من سجن إدلب المركزي وهي تعاني كسراً في إحدى يديها نتيجة عمليات التعذيب، بالإضافة إلى تدهور وضعها النفسي والجسدي، وروت بأنّ عائلتها لم تكن تعلم شيئاً عن مصيرها خلال فترة احتجازها، الأمر الذي زاد من تدهور صحة والدتها المريضة، مشيرةً إلى أنّ الاحتجاز خلّف آثاراً نفسية كبيرة عليها، حيث مازالت تعاني حتى يومنا هذا من اضطرابات نفسية (كنوبات الهلع) جرّاء ما خاضته، ويضاف إلى ذلك، نظرة المجتمع المشكّكة بها وخاصة أنها اتهمت بالعمالة للقوات النظامية السورية، ناهيك عن عدم قدرتها على إيجاد أي فرصة للعمل.

 

ت. احتجاز نساء كبيرات في السن ويعانين من المرض:

حتى النساء الكبيرات بالسن، لم يكنّ بمعزل عن الاحتجاز الذي مورس عليهنّ من هيئة تحرير الشام في عموم محافظة إدلب. “صبيحة.ش” 60 عاماً من ريف حماه، والدة لخمسة أولاد ولديها أحفاد، كانت أيضاً إحدى النساء اللواتي تمّ احتجازهنّ من قبل قوة أمنية تابعة لهيئة تحرير الشام في السجن المركزي بمدينة حارم، وذلك في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، حيث وجهت لها تهمة سبّ الذات الإلهية، وحول ذلك تحدّث أحد أفراد عائلة “صبيحة” لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلة:

“عندما علمنا بحادثة احتجاز صبيحة في سجن حارم، سارعنا على الفور للتوجه إلى هناك، والاطمئنان عليها، لكنّ عناصر هيئة تحرير الشام قاموا باعتقالي أيضاً، وعمدوا إلى ضربي بعد إخباري بأنّ قريبتي “صبيحة” امرأة مرتدّة، حيث بقيت محتجزاً في سجن حارم مدة ثلاثة أيام، والتقيت خلالها بطفل من جبل الزاوية، لم يكن يتجاوز التاسعة بعد، وكان قد تمّ احتجازه أيضاً بتهمة سبّ الذات الإلهية، بعدها تمّ الإفراج عني نظراً لوضعي الصحي وبما أنّ يدي مبتورة، أما “صبيحة” فقد بقيت رهن الاعتقال، ولدى ذهاب ابنها وزوج ابنتها لسجن حارم، في محاولة منهم لرؤيتها، اعتقلهم الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام لمدة 5 ساعات، وقام بحلق شعر رأسيهما ومنعهم من زيارة صبيحة.”

بعد حين، حكم القضاء التابع لهيئة تحرير الشام على “صبيحة” بالسجن مدة أربعة أشهر، وتمّ نقلها من سجن حارم إلى سجن إدلب المركزي، على الرغم من أنّ “صبيحة” طاعنة بالعمر وتعاني عدّة أمراض أبرزها ارتفاع ضغط الدم والسكري كما حكم عليها القضاء بدفع مبلغ مالي وقدره 5 دولارات يومياً خلال فترة اعتقالها كبدل لطعامها في السجن، كما منعت عائلتها من زيارتها أو رؤيتها بحسب ما روى قريبها، حيث مازالت محتجزة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في 22 كانون الثاني/يناير 2020.

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تظهر موقع سجن حارم حيث احتجزت “صبيحة”.

لم تكن “صبيحة” وحدها من تمّ احتجازها بتهمة سبّ الذات الإلهية، بل يبدو أنّ العديد من أهالي إدلب كانوا قد احتجزوا بسبب هذه التهمة، وخاصةً النساء، فقد علمت الباحثة الميدانية لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ “عايدة” 40 عاماً، من ريف حماه الغربي، متزوجة ولديها أربعة أطفال، ونازحة في مخيم دير حسان على الحدود السورية التركية، كانت هي الأخرى قد احتجزت بعد اتهامها بالتهمة ذاتها، في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وبحسب أقاربها، فلازالت “عايدة” محتجزة في سجن سلقين التابع لهيئة تحرير الشام حتى اللحظة، بعد أنّ تمّ الحكم عليها بالسجن لعدّة شهور، ما انعكس سلبياً على حياة عائلتها، وخاصةً أنها كانت تقوم برعاية أطفالها وتربيتهم بشكل أساسي.

2. قتل النساء بإجراءات موجزة من قبل هيئة تحرير الشام:

نفذّت هيئة تحرير الشام في مناطق سيطرتها بمحافظة إدلب، العديد من حالات القتل التي طالت مدنيين بإجراءات موجزة، مستندةً في ذلك إلى قوانين وأحكام أطلقتها لتطبيق الشريعة الإسلامية، ولم تكن النساء بمعزل عن تلك الانتهاكات، حيث تمّ تسجيل قتل عشرات من النساء منذ توسع رقعة سيطرتها على محافظة إدلب في العام 2015، سواء من خلال الإعدام أو الرجم بالحجارة.

“أم محمد” 50 عاماً، من مواليد بلدة الناجية بريف إدلب، وهي أم لثلاثة أولاد وجدّة أيضاً، وكانت إحدى النساء اللواتي عمدت هيئة تحرير الشام إلى تنفيذ حكم القتل بحقهنّ في مكان وزمان مجهولين، حيث تمّ رجمها بالحجارة حتى الموت بتهمة الزنا، وتمّ تسليمها جثة هامدة إلى ذويها في مطلع شهر تموز/يوليو 2019، حيث تحدّث أحد أقاربها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ذلك قائلاً:

“قبيل حادثة إعدامها رجماً بالحجارة، كانت قريبتي قد توجهت إلى زيارة أحد أفراد عائلتها في المحافظة، ، وفي طريق عودتها، لم تنجح في العثور على أي وسيلة نقل إلى منزلها، وبالصدفة التقت بأحد جيرانها والذي يكبرها بالعمر، وطلبت منه أن يقلًها على دراجته النارية، لكن وقبل وصولهم إلى مدخل البلدة، استوقفهم حاجز تابع لهيئة تحرير الشام، وسأل الرجل عن صلته بالمرأة، فأجاب بأنها إحدى جيرانها وبأنه يقلّها إلى المنزل، لكن سرعان ما قام العناصر بتوقيفهما، واقتيادهما إلى أحد الأفرع الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام، ومن ثمّ إلى سجن إدلب المركزي، حيث تمّ الحكم هناك على قريبتي وذلك الرجل بالإعدام رجماً بالحجارة، رغم تأكيدها للعناصر بأنّ الرجل جارها وكان يحاول إيصالها للمنزل، إلا أنّ هيئة تحرير الشام مضت في تنفيذ الحكم وقامت بقتلهما.”

كان لحادثة قتل “أم محمد” أثراً سلبياً كبيراً على عائلتها، لا سيّما أبناؤها والذين حرموا من والدتهم بعد اتهامها بتهمة الزنا ولم يتمكنوا من إثبات براءتها للناس، وخاصةّ أنهم أصبحوا عرضة للإهانات والإساءات من قبل أهالي البلدة، حيث ستبقى حادثة قتل والدتهم بهذه الطريقة محفورة في أذهانهم حتى مماتهم بحسب ما روى قريبها.

3. آثار نفسية واجتماعية ومادية مُجحفة على النساء:

يخلّف الاحتجاز آثاراً مُجحفة على النساء من الناحية النفسية والاجتماعية والمادية، إذ أنّ تجربة الاحتجاز تحدث فرقاً لا يمكن تجاوزه في حياتهنّ، حتى بعد الإفراج عنهنّ، وفي هذا الخصوص روت “هلا.م” إحدى اخصائيات علم النفس في محافظة إدلب، بانّ أبرز العواقب الوخيمة التي تعاني منها النساء بعد احتجازهنّ، هو الازدراء في نظرة المجتمع لهنّ، وخاصةً إن كنّ متزوجات، حيث أضافت قائلة في هذا الصدد:

“معظم النساء اللاتي خضن تجربة السجن، وكنّ متزوجات، أصبنّ بحالة شديدة من التوتر والاكتئاب الشديد، فبعضهنّ كان مصيرهنّ الطلاق من أزواجهنّ،  في حين أنّ بعضهنّ الآخر وجدن صعوبة كبيرة في التعامل مع أولادهنّ وعائلاتهن بعد الإفراج عنهنّ، حيث تصاب العديد منهنّ بحالة من العزلة والخوف نتيجة رفض عائلتها والمجتمع المحيط لها، وهو ما يفتح المجال لإصابتها باضطرابات نفسية، في حال عدم تقبلهم لها،  حيث أنّ الأمر يصل ببعضهنّ إلى الانتحار، وخاصة تلك الناجية التي تشعر بأنها وصمة عار بعد خروجها من المعتقلات، ويضاف إلى ذلك كله، الآثار المادية الوخيمة التي يخلّفها الاحتجاز على النساء، إذ أنّ العديد منهنّ وخاصة من تعرضن للطلاق، وجدن نفسهنّ في ظروف مادية سيئة للغاية، بعد فقدان معيلهنّ، ووجدن أنفسهنّ مضطرات للعمل وواجهن صعوبة كبيرة في العثور على مصدر رزق.”

 

 


 

[1] سجن المركزي الموجود في مدينة إدلب: ويقسم إلى قسمين، أحدهما يتبع إلى وزارة العدل في حكومة الإنقاذ/التابعة لهيئة تحرير الشام، والقسم الآخر تشرف عليه بشكل مباشر هيئة تحرير الشام ويقسم إلى عدة أقسام أيضاً ويضم معتقلين مدنيين وعسكرين.

[2] السجن المركزي الموجود في مدينة حارم؛ وهو سجن مركزي أنشأته الحكومة السورية وسيطرت عليه هيئة تحرير الشام وتشرف عليه بشكل مباشر وأيضاً يضم معتقلين عسكرين ومدنيين ضمن أقسامه.

[3] للمزيد من المعلومات اقرأ: “قصف الأسواق في إدلب من قبل القوات السورية وحلفاؤها نمط متكرر” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، في 14 كانون الثاني/يناير 2020. آخر زيارة بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2020. https://stj-sy.org/ar/%d9%82%d8%b5%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%88%d8%a7%d9%82-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%af%d9%84%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d8%b1/

[4] ” اعتقالات تطال ما لا يقل عن 38 شخصاً في إدلب من قبل هيئة تحرير الشام” سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 2 شباط/فبراير 2019. آخر زيارة بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2020. https://stj-sy.org/ar/1169/.

اقرأ أيضاً: ” هيئة تحرير الشام” تعتقل 22 مدنياً في إدلب لأسباب متفرقة” في 27 كانون الأول/ديسمبر 2019. آخر زيارة بتاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2020. https://stj-sy.org/ar/%d9%87%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%85-%d8%aa%d8%b9%d8%aa%d9%82%d9%84-22-%d9%85%d8%af%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%8b-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%af%d9%84%d8%a8/

[5] سجن العقاب؛ وهو قسمان منفصلان يقعان قرب قرية كنصفرة في جبل الزاوية بإدلب، وهما عبارة عن مغارتين ضمن جبل، وتم توسيع أحدهما بالحفر، وأنشأ عام 2014 بعد أن تم نقله من مزرعة للدواجن في جبل الزاوية.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد