مقدمة: تعرّضت بلدة أورم الكبرى[1] في ريف حلب الغربي، إلى واحدة من أعنف الهجمات العسكرية التي شنّتها القوات النظامية السورية وحلفاؤها وذلك بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018، حيث شنّ طيران حربي يُعتقد أنه روسي، ثلاث غارات متتالية على الأحياء السكنية في البلدة، ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد كان الطيران الحربي قد أسقط خلال كل غارة صاروخين شديدي الانفجار، مستهدفاً ذات المنطقة بثلاث غارات، مع العلم بأنّ هذه المنطقة مأهولة بالسكان وتضم عدداً كبيراً من النازحين الذين توافدوا إلى البلدة مؤخراً من محافظات سورية أخرى، وقد أسفرت هذه الهجمة عن مقتل ما لا يقل عن (37) شخصاً، بينهم (19) طفلاً (موثقين بالاسم)، وعدداً من النساء والرجال، كما أدت إلى إصابة إلى أكثر من (70) آخرين.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ المنطقة التي تعرّضت للهجوم، هي منطقة مدنية بامتياز ولا وجود فيها لأي مظاهر عسكرية، مشيراً إلى أنّ ذاك الهجوم تسبّب في انتشار حالة من الخوف والرهبة بين صفوف المدنيين، وهو ما دفع بأكثر من (1000) شخص للنزوح خارج بلدة أورم الكبرى، في حين تسبّب القصف أيضاً في دمار قرابة (15) منزلاً، سُويّت بكاملها على الأرض من شدة الانفجار، وبعد معاينة الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة لمكان الهجوم، تبين أنّ القصف خلّف وراءه ثلاثة حفر كبيرة كل واحدة منها بقطر (10) أمتار وبعمق (4) أمتار، كما لفت بدوره إلى أنّ بلدة أورم الكبرى لم تشهد هكذا هجمة عنيفة منذ زمن طويل، وهو ما دفع بالمجلس المحلي إلى إعلان بلدة أورم الكبرى كبلدة منكوبة.
ومن جهة أخرى قال "محمد شكردلي" وهو أحد الناشطين الإعلاميين في ريف حلب، بأنّ الهجوم الذي استهدف بلدة أورم الكبرى والذي أودى بحياة عشرات المدنيين بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018، أتى عقب يومين فقط من قيام هيئة تحرير الشام وعدد من فصائل المعارضة المسلحة في ريف حلب الغربي، بقصف مناطق الزهراء وشارع النيل الخاضعتين لسيطرة القوات النظامية السورية في محافظة حلب، بواسطة عدد من القذائف، مشيراً إلى أنّ فصائل المعارضة السورية المسّلحة كانت قد عمدت بدورها إلى قصف هذه المناطق رداً على قصف القوات النظامية السورية قبيل أيام لبلدة كفرحمرة في ريف حلب بعدد من الصواريخ.
وكان قد سبق للقوات النظامية السورية شنّ هجمات عسكرية عنيفة "انتقامية" على مدن وبلدات ريف إدلب خلال شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2018، حيث عمدت إلى قصف مناطق (بنش وتفتناز) إضافة إلى بلدات ريف إدلب الغربي بشكل عنيف، وذلك رداً على هجمات قامت بها فصائل المعارضة السورية ضدها في وقت سابق، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدّت تقريراً[2] حول هذا الموضوع.
تفاصيل الحادثة:
في تمام الساعة (6:30) مساءً من يوم 10 آب/أغسطس 2018، نفذّ طيران حربي يُعتقد أنه روسي ثلاث غارات متتالية على بلدة أورم الكبرى، وهو ما أكده أحد أهالي البلدة الناجين من هذا الهجوم، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
"عقب الغارة الأولى تصاعدت أعمدة الدخان بشكل كبير جداً، وسمعنا صوت انفجار صخم، فتوجه أحد أصدقائي (وهو إعلامي) بدراجته النارية إلى مكان القصف، وماهي إلا دقائق حتى نفذّت الطائرة الحربية الغارة الثانية، ومن ثمّ الغارة الثالثة، وبعد عدة دقائق شعرت بأنّ هنالك دماءً تسيل من رأسي، وتبيّن أنني أصبت بشظايا إحدى هذه الصواريخ، فتمددت على الأرض وجاءت فرق الإسعاف وتمّ نقلي إلى النقطة الطبية وأنا أشاهد حالة من الرعب كانت قد سيطرت على أرجاء المكان وفرق الإنقاذ والإسعاف، وحين وصلت إلى النقطة الطبية كان هنالك حالة من الاستنفار، بسبب توافد الإصابات بشكل كبير، وبعد دقائق جاءني خبر بأنّ صديقي الإعلامي كان قد قتل نتيجة الغارات التي استهدفت الأحياء المدنية، والتي تحوي أعداداً كبيرة من إخواننا النازحين من مناطق أخرى، أما أنا فقد بقيت أتلقى العلاج في النقطة الطبية، حيث كان معظم الضحايا من النساء والأطفال، وبسبب كثيرة الإصابات اضطر الأطباء إلى تحويل غرف الإسعاف إلى غرف عمليات وتحويل عشرات الإصابات إلى المشافي المجاورة والتركية، نظراً لخطورة الإصابات التي تعرّض لها الأهالي."
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي لحق ببلدة أورم الكبرى، وذلك إثر القصف الذي طالها بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018، وقد التقطت هذه الصور بتاريخ 11 آب/أغسطس 2018.
تحليل الأدلة البصرية.
وفي شهاد أخرى أدلى بها مدير مركز الدفاع المدني في محافظة حلب، حيث أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة هو الآخر، بأنّ طيراناً حربياً يُعتقد أنه روسي، كان قد استهدف الأحياء السكنية في البلدة بثلاث غارات، وهو ما أدى إلى مقتل وجرح العديد من المدنيين، حيث تحدّث في هذا الخصوص قائلاً:
"لدى وصول فرق الدفاع المدني إلى مكان الهجوم، شاهدنا جثث القتلى وهم ملقيين على الأرض وتمّ خلال الساعة الأولى توثيق مقتل (17) شخصاً، بينهم نساء وأطفال، كما أن القصف استهدف الأحياء سكنية وبعض من المحال التجارية والتي هي أقرب إلى سوق شعبي بسيط في المنطقة، وتعدّ هذه المنطقة مأهولة بالسكان والوافدين إلى البلدة، وبعد عمل دام لأكثر من (12) ساعة متواصلة، أنهى فرق الدفاع المدني السورية عمله وارتفع عدد القتلى حتى (37) شخصاً جلّهم من الأطفال والنساء، كما تمّ توثيق جرح (70) آخرين أصيب بعضهم بإصابات خطرة، ولعلّ من أهم الصعوبات التي واجهتنا خلال قيامنا بعملنا هو سقوط المباني وانهيارها فوق بعضها البعض من شدة الانفجار، وهذا ما تطلّب منا إحضار معدّات ثقيلة، والعمل بشكل متواصل من أجل إنقاذ العالقين وانتشالهم من تحت الأنقاض."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من محاولات فرق الدفاع المدني وهي تحاول انتشال الضحايا العالقين من تحت الركام، وذلك إثر القصف الذي طال بلدة أورم الكبرى بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018.
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني في محافظة حلب بتاريخ 11 آب/أغسطس 2018، جانباً من محاولات فرق الدفاع المدني وهم يحاولون انتشال أحد الأطفال الضحايا العالقين من بين الأنقاض، إثر القصف الذي طال بلدة أورم الكبرى بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018.
صورة مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، تظهر انتشال أحد الأطفال العالقين من تحت الأنقاض، إثر القصف الذي طال بلدة أورم الكبرى بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018.
"حمزة اليوسف" وهو أحد العاملين في مركز الأتارب الإعلامي، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ قصف الطيران الحربي استهدف الأحياء السكنية، وقد تركزّ القصف على مساحة لا يتجاوز قطرها (250) متر بشكل دائري، كما أشار إلى أنّ هذه المنطقة مؤلفة من ثلاثة أحياء وتحوي على نسبة كبيرة من النازحين من مختلف المحافظات السورية، وتابع قائلاً:
"تمّ قصف بلدة أورم الكبرة بثلاث غارات متتالية، وفي كل غارة كان الطيران يسقط صاروخين دفعة واحدة، وهو ما أدى إلى دمار كبير في الأحياء السكنية، وبعد انتهاء الطيران من تنفيذ غاراته غادر الأجواء وتمّ التبليغ عبر مراصد الطيران الحربي بأنّ الطائرة انتهت وفي طريقها للعودة، وهذا دليل على أنها نفذّت كامل حمولتها في بلدة أورم الكبرى، ووصلت أعداد الضحايا القتلى إلى (37) شخصاً بعضهم من أورم الكبرى ومنهم من الإخوة النازحين، كما أنّ هنالك عائلة بأكملها من كفرزيتا بريف حماة، كانت قد قضت بسبب هذا القصف وهم من آل عبود (الرجل وزوجته وأطفاله الخمسة)، فيما بلغ عدد المنازل المدمرّة قرابة (27) منزلاً سُويّت على الأرض بشكل كامل، فضلاَ عن تضررّ قرابة (10) منازل بنسبة (60 %)، وشهدت البلدة حركة نزوح من الأحياء التي تعرّضت للقصف، وقدّر عدد النازحين منها بقرابة (1000) شخص قاموا بإخلاء المنطقة بسبب تخوّفهم من القصف الذي طال البلدة."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر المنازل المجاورة لمكان سقوط أحد الصواريخ وحجم الاضرار الكبيرة التي لحقت بها، على خلفية الهجوم الذي طال بلدة أورم الكبرى بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 11 آب/أغسطس 2018.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر فرق الإنقاذ وهي تحاول البحث عن مفقودين، إثر القصف الذي طال بلدة أورم الكبرى وذلك بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018.
وفي شهادة أخرى، قال رئيس المجلس المحلي لبلدة أورم الكبرى "محمود الابراهيم"، بانّ البلدة شهدت في يوم 10 آب/أغسطس 2018، هجوماً من قبل سلاح الجو الروسي، حيث تمّ قصف البلدة بثلاث غارات محمّلة بصواريخ شديدة الانفجار استهدفت منازل المدنيين، ما أدى إلى دمار أحياء بالكامل كانت تضمّ عدداً من النازحين، كما أشار إلى أنّ هذا القصف الجوي تسبّب في حركة نزوح كبيرة، وقد بلغ عدد العائلات التي نزحت من بلدة أورم الكبرى حوالي (100) عائلة تقريباً، لافتاً إلى أنّ البلدة لم تشهد مثل هذا الهجوم منذ وقت طويل، وأضاف قائلاً:
"أطلقنا نداء استغاثة أعلنا من خلاله بأنّ البلدة أصبحت منكوبة بعد تعرّضها لهذا القصف، كما طالبنا المنظمات الإنسانية أن تسارع لمد يد العون للأهالي الذين تعرّضت منازلهم لدمار هائل بسبب القصف، إضافة إلى تأمين مأوى بديلِ لهم بسبب فقدانهم منازلهم بشكل كامل، والاستجابة العاجلة لما يحتاجه الاهالي من مستلزمات بالسرعة القصوى."
صورة تظهر نداء الاستغاثة الصادر عن المجلس المحلي لبلدة أورم الكبرى بتاريخ 13 آب/أغسطس 2018، وذلك عقب القصف الذي طال البلدة بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018، مصدر الصورة: المجلس المحلي لبلدة أورم الكبرى.
"أبو عمر" وهو أحد المشرفين على مراصد الطيران الحربي في بلدة أورم الكبرى، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنه وفي تمام الساعة (6:30) من مساء يوم الجمعة الموافق 10 آب/أغسطس 2018، شوهدت طائرة حربية لونها أبيض، وتبيّن أنها من نوع (سوخوي 24) وهي تحلّق في أجواء البلدة، وأضاف قائلاً:
"بعد تواصلنا مع بقية المراصد، وصلنا تعميم بأنّ هنالك طائرة حربية روسية أقلعت من مطار حميميم العسكري في محافظة اللاذقية في تمام الساعة (6:25)، وعلى الفور قمنا بتحذير الأهالي منها، وماهي إلا لحظات حتى شنّ الطيران غارة جوية بصواريخ شديدة الانفجار أدت لدمار عدة منازل، وبعد عدة دقائق نفذت الغارة الثانية واستهدفت المكان الأول، ثم تبعتها غارة ثالثة بعد قرابة الخمس دقائق، واستهدفت ذات المنطقة أيضاً، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا المدنيين ما بين قتيل وجريح. لقد كان يوماً عصيباً جداً على البلدة كما شوهدت أعمدة الدخان وهي تتصاعد بشكل كبير جداً بسبب هذه الغارات المتتالية، ونذكر أنّ هذه الأحياء هي أحياء سكنية مدنية بامتياز ولا يوجد فيها أي مظاهر عسكرية."
واستطاع الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، توثيق أسماء الضحايا المدنيين من القتلى والذي بلغ عددهم (37) شخصاً بينهم (19) طفل وعدداً من النساء، فضلاً عن إصابة (70) آخرين بسبب هذا الهجوم الذي استهدف بلدة أورم الكبرى بتاريخ 10 آب/أغسطس 2018، وهم كالتالي:
- الطفل نايف ابراهيم درويش.
- الطفلة غدير ابراهيم درويش.
- الطفلة خديجة ابراهيم درويش.
- الطفلة غادة ابراهيم درويش.
- الطفلة ميس محمد رضوان.
- الطفلة فاطمة محمد رضوان.
- الطفلة بيان أحمد حمادة
- الطفلة خديجة أحمد حمادة.
- الطفلة فاطمة ابراهيم درويش.
- الطفل عمر الشيخ.
- الطفلة آية محمد الشيخ.
- الطفل عبد الكريم محمد مصطفى.
- طفل من حمص مجهول الهوية.
- طفلة من حمص مجهولة الهوية.
- الطفلة ملك أحمد العبود.
- الطفلة حلا أحمد العبود.
- الطفلة هلا أحمد العبود.
- الطفل محمد أحمد العبود.
- الطفل مصطفى أحمد العبود.
- أنعام حسن العبود.
- فاطمة زوجة صبري درويش.
- سكينة المصري.
- مريم حج عبد الكريم.
- بتول سلامة.
- أمينة عنون.
- أسماء آغا.
- عبد القادر علي.
- عبد الستار حمادة.
- أحمد محمد غازي درويش.
- علي عبدالوهاب.
- حسين عنون.
- حسين عابد.
- الإعلامي أحمد عزيزي.
- نادر الحلبي.
- أحمد العبود.
- حسين المحمد.
- عبد القادر درويش.
[1] تخضع بلدة أورم الكبرى إلى سيطرة حركة نور الدين الزنكي، والتي تأسست في أواخر العام 2011، مع بداية ظهور العمل المسلح في محافظة حلب، وتسيطر على عدة بلدات في ريف حلب الشمالي الغربي مثل (عنجار وتقاد وقبتان الجبل)، ويبلغ عدد مقاتليها حوالي (5) آلاف مقاتل، كما أنها شاركت في عدة معارك ضد القوات النظامية السورية في أحياء مدينة حلب، وساهمت أيضاً في طرد تنظيم "داعش" من المدينة، وتميز مسار الحركة بالكثير من التحالفات والانشقاقات، إذ أنها كانت قد انضمت لهيئة تحرير الشام بتاريخ 13 آذار/مارس 2016، لكن بسبب اتخاذ هيئة تحرير الشام قرار محاربة حركة أحرار الشام الإسلامية في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، قامت حركة نور الدين الزنكي بالانشقاق عن صفوف الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.
[2] "قتلى وجرحى مدنيون في هجمات عسكرية انتقامية عنيفة على محافظة إدلب- تموز/يوليو وحزيران/يونيو 2018"، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، في يوم 29 آب/أغسطس 2018، آخر زيارة بتاريخ 29 آب/أغسطس 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/701.