مقدمة: أقدمت الجهات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية والمتمثلة بقوات الأسايش، على اعتقال (7) مدرّسين وإداريين عاملين في أحد المعاهد التدريسية في بلدة الشدادي، وذلك بتاريخ 12 تموز/يوليو 2018، وبحسب العديد من الشهادات والإفادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ هذه الاعتقالات جاءت على خلفية خروج عدد من المدرّسين والإداريين العاملين في معهد "علاوي صالح" في تظاهرة، احتجاجاً على اعتقال أحد معلّمات المعهد[1] من قبل "قوات أسايش المرأة"، وذلك بتاريخ 10 تموز/يوليو 2018.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد أثارت هذه الحادثة حالة من التوتر داخل بلدة الشدادي، مشيراً إلى أنّ المعتقلين السبعة كان قد تمّ اقتيادهم إلى مركز الأسايش العام في بلدة الشدادي ومن ثمّ إلى مدينة القامشلي، كما لفت الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ المعتقلين ما زالوا محتجزين لدى قوات الأسايش حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في يوم 3 آب/أغسطس 2018.
وسبق لقوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية أن قامت باعتقال (12) مدرّساً في بلدة تل براك الواقعة شمال شرقي الحسكة بتاريخ 5 نيسان/أبريل 2018، وذلك على خلفية مشاركتهم في تظاهرة خرجت احتجاجاً على قرارات صادرة عن هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت تقريراً موجزاً حول هذا الموضوع.
كما كان شهر حزيران/يونيو 2018، قد شهد العديد من حالات الاعتقال التي تمّت بحقّ سياسيين كرد معارضين، من قبل قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية، حيث كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت تقريراً موجزاً حول هذا الموضوع.
أولاً: أين تقع بلدة الشدادي؟
تقع بلدة الشدادي في الناحية الجنوبية من مدينة الحسكة وعلى بعد (66) كلم منها، وتعدّ ذات أهمية كبيرة نظراً لتواجد أحد أكبر حقول النفط وأهمها في سوريا، وهو حقل "الجبسة"، وكان تنظيم "داعش" أو كما يطلق على نفسه اسم تنظيم الدولة الإسلامية، قد سيطر على بلدة الشدادي في مطلع شهر آذار/مارس 2014، إلا أنّ قوات سوريا الديمقراطية نجحت في انتزاعها من قبضة التنظيم والسيطرة عليها في منتصف شهر شباط/فبراير 2016، ومنذ ذلك الوقت بدأت الإدارة الذاتية بعمل مؤسساتها التعليمية والمدنية داخل البلدة.
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تظهر موقع بلدة الشدادي.
ثانياً: تفاصيل الحادثة:
بتاريخ 10 تموز/يوليو 2018، قام أحد أعضاء الكادر الإداري في هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية، بالتوجه إلى معهد "علاوي صالح" لإعداد المدرّسين في بلدة الشدادي من أجل تفّقد أحواله، حيث تمّ خلال هذه الجولة التفّقدية التي قامت بها العضوة المشرفة على العملية التعليمية في مقاطعة الجزيرة، وبعد تبادل الحديث عن مواضيع عامّة مع معلمة من المعهد، قامت العضوة المشرفة بأمر المعلمة بالخروج من المدرسة والتعامل معها بحكم المفصول من سلك العملية التدريسية، وعندها ردّت المعلمة قائلة بأنّ "المدرسة هي ملك لنا ونحن أولى بتدريس أطفالنا. وذلك بحسب شهادة أحد شهود العيان.
"محمد حميد" اسم مستعار، وهو أحد شهود العيان الذين يمتلكون متجراً بجانب معهد "علاوي صالح" في بلدة الشدادي، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنه كان شاهداً على ما جرى، حيث قامت قوات "أسايش المرأة" بسحب المعلمة بشكل غير لائق، من المعهد، وهي تبكي، ثم قاموا باقتيادها إلى مركز الأسايش العام وبحضور العضوة المشرفة.
قال أحد المدرّسين في معهد "علاوي صالح"، لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول مجريات الحادثة قائلاً:
"خيّم الصمت والتوتر على المعهد مدة يوم كامل، لذا قمنا بإخبار المدير بضرورة التصرف اتجاه ما حدث من تهجّم على المعلمة ومن ثمّ اعتقالها، فأخبرنا أنّ الأمر سيصل إلى مجلس ناحية الشدادي وبأنه لا بدّ من الإفراج عن المعلمة فوراً لأن السبب كان من العضوة المشرفة وليس للمعلمة، بل إنّ العضوة المشرفة هي من قامت بالتهجّم على معتقداتنا، وبالفعل قام مدير المعهد بالتوجه إلى مجلس ناحية الشدادي، وبدوره قام المجلس بمراسلة مركز الأسايش، إلا أنّ المركز قام بإخبارهم بأنّ هذا الأمر تحديداً مرهون بالقيادة العامة لقوات الأسايش في مدينة القامشلي، وسيصدر الأمر بالقضية خلال الأيام المقبلة، وبعدها قام مجلس ناحية الشدادي بإصدار بيان عن الحادثة على صفحته الرسمية علىالفيسبوك وبقي البيان مدة يوم كامل، إلا أنّ قوات الأسايش بتاريخ 12 تموز/يوليو 2018، قامت بمداهمة منزل الإعلامي المسؤول عن المجلس، وأرغمته على حذف البيان فوراً كما قامت بالتعدّي عليه بالضرب والألفاظ النابية."
وبعد محاولات عدّة للتواصل مع الإعلامي في مجلس ناحية الشدادي للوقوف على ما جرى، رفض الأخير الإدلاء بأي إفادة إلى الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، نظراً لحساسية الموقف حسب تعبيره.
وأشار المدرّس (سمير.ع) إلى أنّ الكادر الإداري ومدرسي معهد "علاوي صالح" اتفقوا على الخروج في مظاهرة احتجاجاَ على اعتقال المدرّسة، وفي تمام الساعة (12:00) ظهراً من يوم 12 تموز/يوليو 2018، خرجت المظاهرة مطالبة باحترام حقوق الناس ومعتقداتهم الدينية والعرقية، إضافة إلى عدم الانجرار وراء الأهواء السياسية الخاصة بطرف معين، واستمرت المظاهرة بحسب أقوال الشاهد، حوالي الربع ساعة، واتجهت إلى مركز الأسايش العام في بلدة الشدادي، وعندها قامت قوات "الأسايش" بتطويق المظاهرة من الأمام وإطلاق النار في الهواء من أجل تفريق المتظاهرين، ما أدى إلى فرار العديد منهم.
ثالثاً: مداهمات واعتقالات على خلفية المظاهرة:
في مساء يوم 12 تموز/يوليو 2018، قامت قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية بمداهمة منازل (7) مدرّسين أعضاء من الكادر الإداري في معهد "علاوي صالح"، ومن ثمّ اقتيادهم إلى مركز العلاقات العامة لقوات الأسايش في بلدة الشدادي، وفي صبيحة اليوم التالي، قام أهالي الموقوفين بالسؤال عنهم، إلا أنّ قوات "الأسايش تحجّجت بأنّ التظاهرة كانت غير مرّخصة وسيتم النظر بوضع الموقوفين والإفراج عنهم فور الانتهاء من التحقيقات، بحسب ما روى العديد من أهالي أولئك الموقوفين لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
"أبو عبد الله"، والد لأحد المعتقلين الذين تمّ اعتقالهم على خلفية ما جرى، حيث روى لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
"في تمام الساعة (8:30) مساءً من يوم 12 تموز/يوليو 2018، طرق أحدهم باب المنزل بقوة كبيرة، وعندما قمت بفتح الباب قام عنصران من قوات الأسايش بدخول المنزل دون استئذاني، وأصبحوا يسألونني عن ابني وعندما استفسرت عن سبب سؤالهم، فقاموا بالسؤال عن مكان ابني بصوت عال، مهددين بتفتيش غرف المنزل، وعندا خرج ابني وعلى الفور قاموا باقتياده وإدخاله إلى سيارة الأمن، ومن ثمّ أشاروا عليّ بأن أقوم بمراجعة مركز الأسايش العام في اليوم التالي لمعرفة سبب الاعتقال."
وأضاف "أبو عبد الله" بانه وفي صبيحة اليوم التالي أي بتاريخ 13 تموز/يوليو 2018، قام بالتوجه إلى مركز الأسايش العام في بلدة الشدادي، للاستفسار عن سبب اعتقال ابنه، حيث أخبره عناصر المركز، بأنّ سبب الاعتقال هو خروج ابنه في مظاهرة غير مرّخصة، كما قالوا له بأنّ ابنه كان أحد المشرفين على هذه المظاهرة، بحسب التقارير التي وردت إليهم، وسيتم إجراء التحقيق معه، وبعدها سيتم النظر في أمره والبت في قضيته هو ورفاقه، كما أخبروه بأنّ عليه الانتظار مدة أسبوع كامل على أقل تقدير، حتى يتم الانتهاء من التحقيق معه، فعاد "أبو عبد الله" إلى منزله، وعلّق على ذلك قائلاً:
"مضى أكثر من 15 يوماً على اعتقال ابني، وأنا لا أعلم عنه شيئاً، كما أنني قمت بمراجعة مجلس ناحية الشدادي، إلا أنهم قالوا لي بألا حيلة لديهم وبأنه سيتم الإفراج عن ابني فور الانتهاء من التحقيقات وفقاً للاتهامات الموجهة إليه."
وفي شهادة أخرى أدلى بها أحد أعضاء مجلس ناحية الشدادي، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ العديد من أهالي المعتقلين قاموا بمراجعتهم من أجل الوساطة للإفراج عنهم، وهوما حمل أعضاء من مجلس ناحية الشدادي على التوجه إلى مركز الأسايش العام في بلدة الشدادي، وتابع قائلا حول ما جرى:
"أخبرنا مركز الأسايش بأنّ علينا الخروج من هذه القضية، كما أخبرونا بأنّ هذا الموضوع مرتبط بالأمن القومي لمقاطعة الجزيرة، كما قالوا بأنه سيتم الإفراج عن المعتقلين في حال لم يثبت عليهم شيئاً فور الانتهاء من التحقيقات، لذا وضحنا للأهالي بأنه ليس بيدنا حيلة أو وسيلة ولا نستطيع أن نفعل شيئاً لهم."
[1] بحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية، مازالت تحتجز المعلمة التي كان اعتقالها سبباً في خروج المظاهرة واعتقال (7) من أعضاء الكادر التدريسي في بلدة الشدادي.