أصرّت “آهين خلف أوسي” على إتمام دراستها الثانوية والجامعية، رغم أنها تدرك تماماً استحالة الحصول على أي وثائق -معترف بها- تثبت ذلك، حيث أنها لا زالت تعاني حتى يومنا هذا من تبعات حرمانها من الجنسية السورية، رغم مرور 57 عاماً على الإحصاء الاستثنائي الذي أجرته الحكومة السورية عام 1962، والذي جُرّد بموجبه عشرات آلاف الكرد السوريين من الجنسية السورية، ومن ضمنهم عائلة “آهين” المكونة من 13 فرداً، والمصنّفين تحت فئة “مكتومي القيد”.
“آهين خلف أوسي” من مواليد مدينة القامشلي/قامشلو عام 1994، روت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة[1] مأساة حرمانها من الجنسية، حيث تحدّثت قائلة:
“كان والدي مكتوم القيد في حين كانت والدتي مواطنة تتمتع بالجنسية السورية، وقد تعرّضت لمعاناة كبيرة بسبب وضعي القانوني، وخاصةّ في دراستي، كذلك كان أخواني فقد تركوا مقاعد الدراسة في أعمار مبكّرة، أما أنا فقلت في نفسي أنني سأكمل وسأصل إلى هدفي، وأذكر أنني حين انتهيت من المرحلة الإعدادية والثانوية لم يمنحوني الشهادة، ورغم ذلك قررت الدراسة في كلية هندسة الزراعة، وقد واجهت العديد من الصعوبات والعراقيل حتى أكملت دراستي، فقد كان من غير المسموح لنا إعادة المرحلة الثانوية الأخيرة، وفي الجامعة كانوا يقولون لي لا يحق للمكتوم أن يدرس، وحتى حينما أنهيت الجامعة هذا العام لم يعطوني وثيقة التخرج، وطبعاّ حين كانوا يعلمون أنني كردية كان الأمر يزداد سوءاً، لكن كل هذه الأمور لم تثنيني عن تحقيق طموحي، وحين كنت أمرّ على الحواجز العسكرية في هذه الأوضاع غير المستقرة، كانوا يسألوني ألا تملكين أية ورقة ثبوتية، وكانوا يقومون بتيسير وضعي بسبب بطاقتي الجامعية وليس بسبب شهادة التعريف، حيث أنهم لا يعترفون بشهادة التعريف، وبعد تخرّجي أصبت بالإحباط ولم أعرف ما عليّ فعله، فكل ما أستطيع الحصول عليه هو ورقة من الجامعة تسمّى “قرار تخرج” وقد لا أتمكن من الحصول عليها، وهذه الورقة أصلاً لا تخوّلني للعمل لدى الحكومة، لكن ربما أستطيع العمل لدى الإدارة الذاتية.”
بذلت عائلة “آهين” العديد من المحاولات من أجل الحصول على الجنسية السورية، وكانوا يعملون على تسيير أوراقهم عبر المحامين ودفع الرشاوى التي كلفتهم الكثير، لكن دونما فائدة، وحول ذلك أضافت “آهين” قائلة:
“حين تمّ إصدار مرسوم[2] تجنيس الأجانب في العام 2011، ذهبنا إلى الدوائر الحكومية، وأخذنا معنا الأوراق اللازمة، إلا أنّ الموظفين قالوا لنا بأنّ القرار الصادر لا يشمل المكتومين بل يشمل الأجانب فقط، وقبل سنة أو سنتين، عاد والدي للعمل على الأوراق، ومازلنا حتى اللحظة نأمل في الحصول على الجنسية، وبالنسبة لعائلة والدي فقد كان جميع أفرادها مواطنين باستثناء والدي، فقد أصبح مكتوماً لأنه لم يؤدِ الخدمة العسكرية، حيث كان بعض الناس لا يسجّلون أولادهم لك لا يخدموا في الجيش، لكن نحن من دفعنا الثمن غالياً، وبالنسبة لوالدي فهو ومنذ الثمانينات يحاول أن يسّوي أوضاعه لكن دون جدوى، وقد ذهب وطرق أبواباً كثيرة، وفي كل مرة كانوا يعطوننا أملا كنا نصاب بالخيبة.”
صورة تظهر البطاقة الجامعية الخاصة بالشاهدة “آهين”، والتي تظهر بأنها مكتومة القيد، مصدر الصورة: الشاهدة “آهين أوسي”.
تعتبر “آهين” بأنّ أكثر الصعوبات التي واجهتها كانت خلال إتمامها للدراسة الجامعية، وحول ذلك تابعت قائلة:
“كنت أدرس في حلب ثمّ انتقلت إلى جامعة دمشق، وكانت أوراقي قد ضاعت في جامعة حلب، وقد تعبت كثيراً حتى توصلّت إلى أوراقي، فقمت بعمل وكالة لأحد الأصدقاء عن طريق بطاقتي الجامعية لأنني لم أتمكن من ذلك من خلال شهادة التعريف، فوجدوا أوراقي أخيراً في رئاسة الجامعة وأرسلوها إلي، لكنّ جامعة دمشق لم تعترف بها، ولم تقبل موظفة الشؤون بتسجيلي، بل إنها قالت لي: “إن لم تأتِ بشهادة البكالوريا لن أقوم بتسجيلك”، وحين كنت أبرز ورقة “لا مانع” أمامها كانت تقول: “نحن لا نعترف بهذه الورقة”، في ذلك اليوم كان الثلج والمطر يهطلان بغزارة وكان علي التقدّم بامتحان في اليوم ذاته، وحاولت كثيراَ كي يسمحوا لي بالتقدّم للامتحان على أن أكمل أوراقي في اليوم التالي، لكن دونما فائدة، حينها فوضت أمري لله وذهبت إلى رئاسة جامعة دمشق فقالوا بأنّ عليّ التوجه إلى وزارة التعليم العالي، وحين وصلت إلى هناك قالوا بأنّ طلبي ليس لديهم، فذهبت إلى وزارة التربية وشرحت لهم وضعي وبقيت على هذه الحالة مدة أسبوع، وأنا أذهب وآتي إلى وزارة التعليم العالي ووزارة التربية، وفي النهاية أعطوني بطاقتي الجامعية وكتبوا عليها عبارة مكتومة القيد.”
وأضافت “آهين” حول إحدى المواقف التي تعرّضت لها نتيجة وضعها القانوني كمكتومة قيد، والتي ما زالت تذكرها حتى يومنا هذا، حيث قالت:
“في إحدى المرات أوقفني حاجز تابع للحكومة السورية، بينما كنت أستقلّ إحدى الحافلات في طريقي إلى الجامعة، وبدأ أحد العناصر يقول لي: “من لا يزال مخبئاً هويته فليخرجها”، في إشارة إلى أنني أخفيت هويتي. حينها غضبت كثيراً وقلت له هذا هو وضعي، فقال: “أيعقل أنه لا يزال هناك مكتومون في قامشلو، يبدو أنكم لا تريدون هويات”، فقلت له: “ومن هو الذي لا يريد هوية”. ولم يصدقني حتى أريته بطاقتي الجامعية.”
[1] تمّت مقابلة الشاهدة بشكل مباشر من قبل الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في أواخر أيلول/سبتمبر 2019.
[2] بعد اندلاع الاحتجاجات السلمية في سوريا، والمطالبة بإجراء إصلاحات شاملة في البلاد صدر المرسوم التشريعي رقم (49) بتاريخ 7 نيسان/أبريل 2011، إذ نشر موقع مجلس الشعب السوري مرسوماً تشريعياً معنوناً بـ (منح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب الحسكة) جاء في مواده ما يلي:
المادة 1: يُمنح المُسجلون في سجلات أجانب الحسكة الجنسية العربية السورية.
المادة 2: يُصدر وزير الداخلية القرارات المتضمنة للتعليمات التنفيذية لهذا المرسوم.
المادة 3: يُعتبر هذا المرسوم نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
وبعد عدّة أشهر من صدور المرسوم رقم (49) من العام 2011، نُشرت أخبار بخصوص قرار وزاري يقضي بمعاملة فئة مكتومي القيد نفس معاملة الأجانب (فيما يخصّ الحصول على الجنسية)، إلّا أنّه وعند مراجعة العديد من الأشخاص المكتومين لدوائر السجل المدني/النفوس، كان الرد يأتيهم بعدم إنكار القرار والتأكيد على صدوره، ولكن عدم معرفة الجهة التي سوف تتولى تنفيذه.
للمزيد اقرأ: “المواطنة السورية المفقودة. منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة. 15 أيلول/سبتمبر 2018. (آخر زيارة للرابط 1 تشرين الأول/أكتوبر 2019). https://stj-sy.org/ar/746/.