مقدمة: قُتل سبعة مدنيين حرقاً على طريق بلدة المنصورة الواقعة في منطقة سهل الغاب[1] بريف حماة الغربي، إثر القصف الذي طال الطريق من قبل القوات النظامية السورية، وذلك بتاريخ 16 أيار/مايو 2018، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد قامت القوات النظامية السورية المتمركزة في "معسكر جورين" والكائن في سهل الغاب، باستهداف الطريق مرتين بواسطة صواريخ موجهة من نوع "كورنيت"، وذلك بينما كانت تعبر منه سيارتان تقلّ مدنيين بينهم نساء وأطفال، وهو ما تسبّب في مقتلهم على الفور.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ معسكر جورين الواقع في بلدة جورين والتي تبعد عن مركز محافظة حماة قرابة (91) كم، يعدّ واحداً من أهم وأكبر القواعد العسكرية التابعة للقوات النظامية السورية في ريف حماة، والتي تقوم من خلاله إلى قصف تجمعات المدنيين بشكل شبه يومي بالقذائف المدفعية والصاروخية في المدن والقرى الخارجة عن سيطرتها في ريف حماة، مثل (الحواش والعنكاوي والقرقور والحمرا)، كما لفت الباحث الميداني إلى أنّ القوات النظامية السورية كانت قد أنشأت هذا المعسكر في العام 2012، وذلك بعدما قامت بتحويله من مدرسة ثانوية زراعية إلى معسكر.
ويأتي هذا الهجوم في إطار الحملة العسكرية التي تقودها القوات النظامية السورية للسيطرة على عدة قرى وبلدات في ريف حماة، والتي بدأتها منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت في وقت سابق، تقريراً يسلّط الضوء على التصعيد العسكري الأخير في ريف حماة، وقد حمل التقرير عنوان "هجمات بواسطة مواد حارقة على ريف حماة الشمالي خلال شهر نيسان/أبريل 2018 – الهجمات استهدفت بشكل أساسي مدينتي كفريتا واللطامنة في ريف حماة.".
كما كانت المنظمة قد أعدت تقريراً آخراً بعنوان "القصف على مشفى كفرزيتا في ريف حماة يحرم آلاف السكان المحليين من خدماته، المشفى كان قد تعرض لعدة هجمات خلال العام 2018، وكان آخرها بتاريخ 2 أيار/مايو الجاري."
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي، تبين موقع معسكر جورين في ريف حماة والمكان الذي وقت فيه الحادثة
تفاصيل الحادثة:
في صبيحة يوم الأربعاء الموافق 16 أيار/مايو 2018، قامت القوات النظامية السوريّة بإطلاق عدة صواريخ من نوع "كورنيت" على سيارتين تقلّ مدنيين بينما كانتا تعبران طريق بلدة المنصورة في سهل الغاب، وهو الأمر الذي أكده "إياد أبو الجود" وهو أحد ناشطي ريف حماة الغربي، حيث قال في هذا الصدد:
"الصواريخ التي استخدمت هي صواريخ مضادة للدروع، وقد أدت إلى احتراق السيارتين بشكل كامل، كما أسفرت عن مقتل جميع ركابها السبعة، وكان من بينهم نساء وأطفال، فالسيارة الأولى كانت من نوع "بيك آب"، وهي تعود لأحد المواطنين الذين ينحدرون من بلدة معرة حرمة في ريف إدلب، وكان يقودها رجلٌ ومعه طفله الصغير، أما السيارة الثانية فهي تعود لمدنيين من مدينة حارم، إذ كان بداخلها رجل و أربع نساء، وقد احترقت السيارتان بالكامل وتفحمت جثث ركابها وذلك بحسب مصادر قامت برصد الحادثة، ولمّا سارعت فرق الدفاع المدني لانتشال الجثث من المكان، عاودت قوات النظام المتواجدة في معسكر جورين استهداف ذات المكان لكن هذه المرة بقذائف المدفعية الثقيلة، وهو ما اضطرّ فرق الدفاع المدني للابتعاد عن مكان الحادثة والعودة لاحقاً للقيام بمهامها."
وتابع أبو الجود بأنّ معسكر "جورين أو كما يعرف باسم "معسكر الموت"، يعدّ أحد أهم نقاط تمركز القوات النظامية السورية في ريف حماة الغربي، ويتواجد بداخله ترسانة عسكرية كبيرة من آليات وجنود، مشيراً إلى أنّ القوات النظامية السورية كانت قد أنشأت هذا المعسكر من أجل بسط سيطرتها على المنطقة نارياً، وتابع قائلاً:
"يتمركز في منطقة سهل الغاب أيضاً، عدة نقاط تابعة لقوات النظام وخصوصاً في قرى الحاكورة وقبر فضة وشطحة وغيرها، ومن المفترض أن تكون منطقة سهل الغاب منطقة خاضعة لاتفاقية خفض التصعيد التي تمّ الاتفاق عليها في مؤتمر الآستانة، والذي نشرت الحكومة التركية على ضوئها (12) نقطة عسكرية في أرياف حلب وإدلب وحماة، وسبقتها نقطة مطلة على سهل الغاب كانت قد وضعت في قرية "شيرمغار" في جبل شحشبو في ريف حماة، غير أنّ النظام لم يلتزم بهذه الاتفاقية، بل على العكس تماماً، حتى أن قصفه كان يتزامن أحياناً مع وصول دفعات من مهجري الغوطة الشرقية أو ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي باتجاه ريف حماة الغربي."
وفي شهادة أخرى أدلى بها "سامر نصار" وهو مدير الدفاع المدني في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنهم تلقوا نداءً عبر الأجهزة اللاسلكية في صبيحة يوم 16 أيار/مايو 2018، يفيد باستهداف سيارتين مدنيتين على طريق قرية المنصورة في سهل الغاب، وفي هذا الخصوص تحدّث قائلاً:
"سارعنا للتوجه إلى مكان الحادثة، وإذ بالسيارتين قد احترقتا بالكامل، أما الجثث فقد كانت قد تفحمت ولم يبقَ منها أي ملامح، ثمّ تشجعنا واقتربنا لنحاول انتشال الجثث التي كانت عالقة بمقاعد السيارة، وبينما كنا نحاول إخراج الجثث ووضعها في أكياس مخصصة، انهالت علينا القذائف وتمّ رصد تجمعنا من قبل قوات النظام المتواجدة في معسكر "جورين"، الأمر الذي أجبرنا على ترك المكان والتراجع إلى مكان بعيد، حيث انتظرنا أكثر من ساعتين تقريباً إلى أن هدأت الأوضاع وتوقفت القذائف، ومن ثمّ عدنا مرة أخرى إلى مكان الحادثة، ووجدنا أنّ السيارات قد تفحمت، ولم يكن هنالك أمل في إنقاذ أي شخص بداخلها، فالجميع كان مصيرهم الموت حرقاً بسبب الصواريخ التي تمّ استهدافهم بها."
صور تظهر جانباً من جثث الضحايا المتفحّمة، والذي قضوا إثر قصف القوات النظامية السورية على طريق قرية المنصورة بتاريخ 16 أيار/مايو 2018، مصدر الصورة: الصورة تمّ أخذها من مدير فريق الدفاع المدني في منطقة سهل الغاب "سامر نصار".
وأضاف النصار بأنه كان من الصعوبة التعرف على هوية الضحايا في المرة الأولى، ولاسيّما أنهم لم يجدوا أي أوراق ثبوتية بحوزتهم، وبعد ساعات وجهد كبير من قبلهم تمّ التعرف على هوية الضحايا، إذ كانت السيارة الأولى تعود لأحد المدنيين من بلدة معرة حرمة بريف إدلب، وكان يستقلها "أحمد خالد الشمعة" ويبلغ من العمر (45) عاماً، مع طفله "خالد أحمد خالد الشمعة" والبالغ من العمر (7) أعوام، وقد كان الوالد وابنه متوجهين إلى سهل الغاب، وتابع قائلاً:
"السيارة الأخرى كانت تعود إلى شخص من مدينة حارم يدعى "إبراهيم جمعة قويري" ويبلغ من العمر (70) عاماً، وكان برفقته أربع نساء وهنّ "أمينة إبراهيم جمعة قريري" و "حميدة جمعة مانجي" وتبلغ من عمرها (47) عاماً، إضافة إلى "شيماء مرعي المصري" (17) عاماً، و"آلاء محمد معتوه" (23) عاماً، وقد قمنا بإخراج الجثث ودفنها بمقبرة جماعية، عملنا على حفرها بواسطة أحد الجرافات وبالتعاون مع أهالي المنطقة."
صور تظهر محاولات عناصر الدفاع المدني إخماد الحرائق الناجمة، عن قصف القوات النظامية السورية على طريق قرية المنصورة بريف حماة وذلك بتاريخ 16 أيار/مايو 2018، مصدر الصورة: الدفاع المدني في حماة الحرة.
تحليل الأدلة البصرية.
"محمد خالد الشمعة" وهو شقيق أحد الضحايا الذين قصوا في هذا الهجوم، أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ أخاه "أحمد خالد الشمعة" كان تاجر سيارات ويقوم على الدوام بجلب سيارات للتجارة من عدة مناطق في الشمال السوري، وفي هذا الصدد تابع قائلاً:
"لم يكن لشقيقي أي ارتباط عسكري، وكان ينوي فتح أحد المحال المخصصة لبيع التحف الشرقية، وكان يخطط للقيام بهذا المشروع بالشراكة مع أحد أصدقائه، فانطلق بسيارته من نوع "بيك آب" نمرة طرطوس، وصحب معه طفله ذو السبع سنوات، واتجه باتجاه منطقة سهل الغاب، وبعد وصوله إلى طريق قرية المنصورة، تمّ استهداف سيارته بصواريخ حرارية من قبل قوات النظام، وهو ما أدى إلى مقتله ومقتل طفله على الفور، وقد تلقينا هذا الخبر بالحزن والاستياء فقد كان أحمد بمثابة الأخ العطوف والأب الحنون، وكان رحيماً يحب الجميع وليس لدية أي خصومات، وقد أقمنا له عزاءً كما ودعنا طفله الذي لم يكمل عامة الدراسي الأول."
صورة تظهر الضحية "أحمد خالد الشمعة" والذي قضى إثر القصف على طريق قرية المنصورة، وذلك بتاريخ 16 أيار/مايو 2018، مصدر الصورة: عائلة "أحمد خالد الشمعة".
"فجر إبراهيم قويري" وهو الابن الأكبر للضحية "إبراهيم جمعة القويري"، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ والده كان رجلاً طاعناً في السن وكان موظفاً في قسم البريد في مدينة حارم ومتقاعداً منذ فترة طويلة، ولم يكن له أي علاقة بحركات أو تنظيمات عسكرية، وتابع قائلاً:
"كان والدي مسافراً بغية إيصال أختي "أمينة" إلى جامعتها في مدينة حلب، وكان برفقتهم ثلاث نساء أخريات، وبعد وصوله إلى منطقة سهل الغاب، وحسبما وصلنا من أنباء عن تفاصيل الحادثة، فقد تمّ استهداف السيارة الأولى وكان بداخلها رجلُ وطفله الصغيرـ، فشاهد والدي الطفل الصغير وقد خرج من نافذة السيارة بفعل الهجوم، وظنّ أنّ الطفل لا زال على قيد الحياة، ومن باب الإنسانية فقد توقف أبي ومعه أختي من أجل محاولة إنقاذ الطفل وإسعافه، إلا أنّ قوات النظام قامت باستهداف سيارة والدي بصاروخ آخر، وهو ما أدى إلى مقتلهم على الفور."
صورة تظهر الضحية "إبراهيم جمعة قويري" والذي سقط إثر الهجوم على طريق قرية المنصورة في سهل الغاب، وذلك بتاريخ 16 أيار/مايو 2018، مصدر الصورة: عائلة "إبراهيم جمعة القويري".
[1] تسيطر القوات النظامية السورية على قسم كبير من منطقة سهل الغاب، بينما تخضع بعض قراه مثل (الحواش والعنكاوي والقرقور والحمرا)، لسيطرة عدد من فصائل المعارضة السورية المسلحة وأبرزها حركة أحرار الشام الإسلامية.