مقدّمة: لم تكتفِ القوات النظامية السورية وحلفاؤها بقصف الأحياء السكنية وتجمعات المدنيين خلال حملتها العسكرية الأعنف[1]على عموم مدن وبلدات الغوطة الشرقية فقط، بل عمدت أيضاً إلى حرمانهم من كل مايبقيهم على قيد الحياة، من خلال قصف الأفران التي تقوم بإنتاج مادة الخبز لمئات آلاف المدنيين المحاصرين، وذلك بحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
ففي يوم 19 شباط/فبراير 2018، تعرض أحد أهم الأفران الرئيسية في الغوطة الشرقية عموماً وفي بلدة مسرابا[2] خصوصاً إلى قصف جوي أخرجه عن الخدمة بشكل كامل، كما أنه حرم آلاف العائلات في عموم الغوطة الشرقية من خدماته.
وفي يوم 20 شباط/فبراير 2018، قام الطيران الحربي باستهداف أحد الأفران الرئيسية في مدينة سقبا[3] بثلاث صواريخ دفعة واحدة، وهو ما تسبّب في دماره بشكل كلي، وجعل أهالي المدينة يواجهون صعوبة بالغة في الحصول على رغيف خبز واحد.
وفي يوم 23 شباط/فبراير 2018، عمد الطيران الحربي إلى إلقاء أحد الصواريخ أمام باب الفرن الرئيسي في مدينة حمورية[4]، وهو ما أدى إلى خروجه عن الخدمة، كما تسبّب في حرمان العديد من الأهالي من مادة الخبز.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ القوات النظامية السورية وحلفائها كانت قد تعمّدت وبشكل ممنهج استهداف كل ما من شأنه أن يبقي الناس على قيد الحياة، وذلك منذ بدء حملتها العسكرية الأخيرة على الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أنّ هذه الاستهدافات جعلت من العثور على مادة الخبز أمراً نادراً، وفي حال وجد فإنّ لاقدرة للعديد من الأهالي على شرائه، نظراً لارتفاع أسعاره بشكل جنوني والتي تجاوزت (5) دولار، أي ما يعادل (2250 ليرة سورية) مقابل كيس الخبر الواحد.
ومن اللافت الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدولي كان قد تبنّى القرار رقم (2401) وذلك بتاريخ 24 شباط/فبراير 2018 وسط ترحيب من الأمم المتحدة، وطالب القرار بوقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا في مدّة لا تقل عن (30) يوماً متتالياً، وذلك للتمكين من إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم خدمات الإجلاء الطبّي للمرضى والمصابين. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد وصف الوضع في سوريا ب"القاتم" وذلك على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف الأعمال القتالية لمدة 30 يوما فى جميع أنحاء البلاد.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت في وقت سابق تقريراً بعنوان "لا منازل تأويهم بعد اليوم"، وهو تقرير موجز يوثق جانباً من الدمار الحاصل في منازل أهالي الغوطة الشرقية بريف دمشق منذ حملة شباط/فبراير 2018، كما كانت قد أعدت أيضاً تقريراً بعنوان "حفر الأنفاق تحت الأرض بات الأمل الوحيد للنجاة والبقاء على قيد الحياة في الغوطة"، وهو تقرير موجز يسلّط الضوء على الحالة الإنسانية المزرية لأشخاص يعيشون في أقبية تحت الأرض بسبب الحملة العسكرية الوحشية على الغوطة الشرقية.
أولاً: قصف أحد أهم الأفران الرئيسية في الغوطة الشرقية:
بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018، تمّ استهداف مستودعات "المنفوش" في بلدة مسرابا، وهي إحدى أهم المستودعات الغذائية في الغوطة الشرقية والتي تعتبر بمثابة السلة الغذائية التي يعتمد عليها الأهالي في تأمين احتياجاتهم ومعيشتهم، وكانت تضم هذه المستودعات أحد أهم الافران التي يعتمد عليها أهالي الغوطة الشرقية في تأمين الخبز، وهو الأمر الذي أكده فهد التلكة وهو أحد أبناء بلدة مسرابا لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث قال:
" في حوالي الساعة (10:00) صباحاً، قام الطيران الحربي بشن غارة على كتل الأبنية التي تضم مستودعات المنفوش وفرن الخبز الخاص به غربي بلدة مسرابا، فسارعت فرق الإسعاف للتوجه إلى المكان فور وقوع الهجوم، لكن وفي تلك الأثناء عاد الطيران الحربي ليلقي بصواريخه مرة أخرى على المنطقة، وبدأ بتكثيف القصف، حيث شنّ الطيران الحربي مرة أخرى أربع غارات على المنطقة ذاتها، كما قام الطيران المروحي بإلقاء برميلين متفجرين، فضلاً عن ثلاثين قذيفة هاون تمّ إلقاؤها على المنطقة، وهو ماتسبّب في خروج الفرن عن الخدمة بشكل كامل."
وأضاف التكلة بأنّ الفرن المستهدف كان يقوم بإنتاج (400) ألف طن من الخبز، وكان يخدّم مايقارب نصف العائلات في الغوطة الشرقية، مشيراً إلى أنّه كان يؤمن الخبز للعديد من الأهالي بنصف القيمة، وخصوصاً أنّ سعر كيس الخبز الواحد كان يصل في بقية الأفران حتى (3) دولارات أي ما يعادل (1350 ليرة سورية)، أما فرن بلدة مسرابا فكان يقوم ببيعه بسعر (1.6) دولارات.
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني في ريف دمشق، جانباً من الدمار والأضرار التي لحقت بكتل الأبنية التي تضم مستودعات وفرن "المنفوش" في بلدة مسرابا، وذلك إثر قصفها بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018.
صورة مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، يظهر جانباً من الدمار والأضرار التي لحقت بكتل الأبنية التي تضم مستودعات وفرن "المنفوش" في بلدة مسرابا، إثر قصفها بتاريخ 19 شباط/فبراير 2018.
ثانياً: خروج أحد الأفران الرئيسية عن الخدمة في مدينة سقبا:
بتاريخ 20 شباط/فبراير 2018، عمدت القوات النظامية السورية وحلفاؤها إلى استهداف الأحياء السكنية في مدينة سقبا، وهو ماتسبّب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين مابين قتلى وجرحى، ولم تقف عند ذلك الحد فحسب، بل قامت أيضاً باستهداف أحد أهم الأفران الرئيسية في مدينة سقبا، وهو ما أكده أسامة الحسن وهو أحد أبناء مدينة سقبا لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث تحدث قائلاً:
"قام الطيران الحربي باستهداف الفرن بثلاثة صواريخ دفعة واحدة، وهو ما أدى إلى دماره بشكل كلّي، وخصوصاً أنه لم يكن محصناً ولم يتواجد فوقه أي بناء، كما أسفر هذا القصف أيضاً عن إلحاق الدمار والأضرار بالمباني المحيطة به، لقد كان هذا الفرن واحداً من الأفران الرئيسية داخل مدينة سقبا، وكان يقوم بتوزيع الخبز على كامل أهالي المدينة، ولم يكن يتواجد في المدينة سواه وسوى فرن آخر، وبعد هذه الاستهدافات لم يعد أصحاب الأفران يتجرؤون على تشغيل أفرانهم خوفاً من القصف المباشر والممنهج الذي كانت تتعرض له، إضافة إلى أنّ النظام كان يتقصد زرع الخوف في قلب كل من يجرؤ على تشغيل فرنه."
وأظهر مقطع فيديو نشره الدفاع المدني في ريف دمشق، جانباً من إخلاء الجرحى والمصابين في مدينة سقبا، إثر عمليات القصف العينفة التي شهدتها المدينة في يوم 20 شباط/فبراير 2018.
صورة تظهر جانباً من الدمار الذي حلّ في مدينة سقبا، إثر عمليات القصف العنيفة التي شهدتها في يوم 20 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: مركز الغوطة الإعلامي.
ثالثاً: قصف أحد الأفران في مدينة حمورية:
بتاريخ 23 شباط/فبراير 2018، شهدت مدينة حمورية يوماً دامياً إثر القصف الذي طالها من قبل الطيران الحربي التابع للقوات النظامية السورية وحلفائها، والذي عمد أيضاً إلى قصف أحد الأفران في مدينة حمورية، وذلك من خلال استهدافه بصاروخ سقط أمام باب الفرن مباشرة، وهو الأمر الذي أفاد به محمد عيسى وهو أحد أبناء مدينة حمورية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث قال:
"في صبيحة ذلك اليوم، تمّ استهداف فرن حمورية بشكل مباشر وهو ما أدى إلى خروجه عن الخدمة، علماً بأنّ هذا الفرن كان يقوم يومياً بخبز (3) طن من الخبز، أي مايعادل (4000) ربطة خبز تقريباً، وكان أهالي مدينة حمورية يعتمدون عليه بشكل رئيسي في شراء الخبز، لكن وبعد استهدافه وخروجه عن الخدمة، أصبح هنالك أزمة كبيرة ونقص كبير في مادة الخبز."
وتابع عيسى بأنّ القوات النظامية السورية وحلفائها كانت تعمد إلى استهداف العديد من المنشآت والأماكن التي تتوقف عليها حياة الناس، مشيراً إلى أنّ الهجمات التي استهدفت الأفران أدت إلى رفع سعر الخبز في عموم الغوطة الشرقية بشكل جنوني، وعلق قائلاً على ماسبق:
"منذ بدء النظام حملته العسكرية تلك، ومنذ قيامه باستهداف الأفران، بدأت أجد صعوبة جمّة في العثور على مادة الخبز في السوق، وإن نجحت في العثور عليها فإنّ ربطة الخبز الواحدة أصبحت تباع بسعر جنوني وقد يتجاوز (5) دولارات، لذا فإنّ معظم أهالي الغوطة الشرقية لاقدرة لهم على شرائها وهو ماجعلنا نلجأ إلى مواد أخرى للبقاء على قيد الحياة مثل الأرز والشعير، وفي بعض الأحيان كانت بعض المنظمات الإغاثية تقوم بتوزيع الخبز علينا إلا أنه قليل جداً. لقد باتت حياتنا صعبة جداً وخصوصاً أنّ أطفالنا أصبحوا يأنون من الجوع دون أن نستطيع فعل شيء قد يخفف من معاناتهم."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي حلّ في مدينة حمورية، إثر عمليات القصف العنيفة التي شهدتها خلال شهر شباط/فبراير 2018.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي حلّ في مدينة دوما، إثر عمليات القصف العنيفة التي تعرضت لها خلال شهر آذار/مارس 2018.
[1] في يوم 17 شباط/فبراير 2018، قامت القوات النظامية السورية والميليشيات التابعة لها بحشد عدد كبير جداً من الآليات والجنود في عدّة نقاط متاخمة للغوطة الشرقية، وبحسب مصادر عسكرية فإنّ هذه الحشود جاءت كجزء من تحضيرات للعمليات العسكرية التي تشارك فيها "قوات النمر" التابعة ل"سهيل الحسن" من أجل السيطرة على عموم منطقة الغوطة الشرقية، وقد بدأت هذه الحملة بقصف مكثف اعتباراً من تاريخ 18 شباط/فبراير 2018، سواء من خلال الطيران الحربي و طائرات هلكوبتر أوالمدفعية الثقيلة، مخلفةً منذ بداية هذه الحملة وحتى يومنا أكثر من ألف قتيل مدني فضلاً عن مئات الجرحى، وذلك بحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
[2] تمكنت القوات النظامية السورية من السيطرة على بلدة مسرابا بتاريخ 10 آذار/مارس 2018، إلا أنّ جيش الإسلام قام باسترداد بلدة مسرابا ونجح في معاودة السيطرة عليها بحسب مصادر عدة بتاريخ 18 آذار/مارس 2018.
[3] كانت مدينة سقبا تخضع لسيطرة جيش الإسلام إلا أن القوات النظامية السورية تمكنت من السيطرة عليها بتاريخ 18 آاذر/مارس 2018.
[4] كانت مدينة حمورية تخضع لسيطرة فيلق الرحمن، إلا أنّ القوات النظامية السورية تمكنت من السيطرة على قسم كبير منها بتاريخ 14 آذار/مارس 2018.