الرئيسية تحقيقات مواضيعية “سواعد الخير” و “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” أذرع أمنية جديدة لهيئة تحرير الشام في إدلب وأريحا

“سواعد الخير” و “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” أذرع أمنية جديدة لهيئة تحرير الشام في إدلب وأريحا

تقرير خاصّ يسلّط الضوء على معاناة السكان المحليين نتيجة التضييق وتشديد الخناق على مفاصل الحياة العامّة في محافظة إدلب

بواسطة wael.m
615 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدّمة: تنوعت الممارسات التي تقوم بها هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً[1]، بحق العديد من المؤسسات المدنية والمدنيين المتواجدين في مناطق سيطرتها، وخاصة في مدينة إدلب[2] مركز المحافظة، إضافة إلى مدينة أريحا[3] في ريف إدلب الغربي الجنوبي، إذ أنها تسعى لفرض مزيد من السيطرة على كافة مناحي الحياة في تلك المناطق ومحاولة صبغها بأيديولوجية إسلامية متشددة، سواء من خلال ما يسمى بجهاز "سواعد الخير" الذي أطلقته في إدلب المدينة (مركز محافظة إدلب) بتاريخ 10 آب/أغسطس 2017،  أو من خلال "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي أطلقتها في مدينة أريحا في شهر شباط/فبراير 2017.

وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ جهاز "سواعد الخير" في مدينة إدلب، بات يمارس التضييق على المدنيين والمؤسسات المدنية في مدينة إدلب، من خلال إصدار عدة قرارات والإلزام بتطبيقها، ففي تاريخ 2 شباط/فبراير 2018، بدأ عناصر "سواعد الخير" بتشديد الخناق على الكوادر العاملة في المرافق الطبية، بحجة تطبيق أوامر الشريعة الإسلامية من فرض اللباس الشرعي ومنع الاختلاط بين الذكور والإناث.

وفي تاريخ 7 شباط/فبراير 2018، عمد عناصر "سواعد الخير" إلى إيقاف أحد مشاريع النقل الداخلية المجانية في مدينة إدلب، وذلك بحجة منع الاختلاط بين الذكور والإناث، كما قاموا بالتضييق على الباعة المتجولين بحجة منع التدخين وكل مايتعلق بشرائه وبيعه، ولم يكتفوا بذلك فحسب، فحتى أصحاب المحال التجارية كان لهم نصيب من ممارساتهم ومضايقاتهم التي تمثلت بفرض اللباس الشرعي حتى على "العارضات البلاستيكية" المستخدمة أمام واجهة محالهم (منكانات).

كما لم يسلم المدنيون والمؤسسات المدنية في مدينة أريحا، من الممارسات والتضييق عليهم من قبل مايسمى ب"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وخصوصاً المؤسسات التعليمية في المدينة، إذ تمّ فرض عدة قرارات على العاملين والطلاب في هذه المؤسسات، ومنها مايتعلق بفرض اللباس الشرعي على الطالبات حتى وإن لم يتجازون السابعة من عمرهم بعد، إضافة إلى عزل الإناث عن الذكور في المدارس سواء كانوا  طلاباً أو معلمين.

وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق تقريراً يتحدث عن قيام هيئة تحرير الشام بفرض سيطرتها على عدة  مؤسسات خدمية ومدنية في مدينة سراقب بريف إدلب. كما كانت قد أصدرت المنظمة أيضاً تقريراً يوثق الاستيلاء على عدة ممتلكات عامة وخاصة في منطقة جسر الشغور بريف إدلب، وذلك من قبل هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقا.

 

أولاً: ماهو جهاز "سواعد الخير"؟

بتاريخ 10 آب/أغسطس 2017، أطلقت هيئة تحرير الشام /جبهة النصرة سابقاً، مايعرف ب"سواعد الخير" أو "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مدينة إدلب، وتضم هذه الهيئة رجالاً ونساءً من جنسيات سعودية ومنها سورية، وتتجول في شوارع مدينة إدلب بدعم من كتائب أمنية تابعة لهيئة تحرير الشام/ جبهة النصرة سابقاً، وتتولى عدة مهام ومنها متابعة أمور الحجاب واللباس الشرعي الإسلامي للسيدات، ومنع الدخان في الأماكن العامة ومصادرته من التجّار، كما تتولى منع كل مايتعلق بالموسيقا وأدواتها من بيع وشراء، فضلاً عن منع الاختلاط بين الذكور والإناث في الأماكن العامة والخاصة، وفي حال مخالفة هذه التعليمات فإنها توجه إنذاراً للأشخاص المخالفين إما بإغلاق محالهم التجارية أو السجن.

 

ثانياً: تضييق الخناق على الكوادر العاملة في المشافي والمرافق الطبية في إدلب:

بتاريخ 2 شباط/فبراير 2018، بدأت "سواعد الخير" بتضييق الخناق على الكوادر العاملة في مشافي مدينة إدلب، وذلك من خلال عدة قرارات أصدرتها ومنها ضرورة التقيد باللباس الشرعي ومنع الاختلاط بين الإناث والذكور، وهو ما أكده أحد الممرضين في مدينة إدلب، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بأنّ "سواعد الخير" بدأت بإلزام الموظفين والمراجعين في جميع المشافي، بضرورة التقيد باللباس الشرعي المفروض، وذلك عقب عدة ضغوطات مورست على مديرية الصحة (التابعة للحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة السورية)، في محافظة إدلب من أجل إصدار تعميم بهذا الأمر وتحديداّ بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 2018.

 

صورة تظهر القرار الصادر عن مديرية الصحة (التابعة للحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة السورية)، في محافظة إدلب بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 2018، والذي أكدّ على ضرورة الالتزام باللباس الشرعي في المشافي، مصدر الصورة: أحد الأطباء من مدينة إدلب.

 

وكرد على التعميم السابق، قام عدد من الأطباء ومدراء المشافي في مدينة إدلب، بإصدار بيان بتاريخ 10 شباط/فبراير 2018، إذ رفضوا من خلاله أي تدخل في شؤون المؤسسات الطبية، وفي هذا الخصوص تحدث أحد أطباء مدينة إدلب قائلاً:

"أصدرنا هذا البيان بالإجماع وذلك بسبب كثرة المضايقات التي تتعرض لها كودرانا العاملة في مدينة إدلب من قبل مايسمى ب"سواعد الخير"، إلى جانب الاعتداءات التي حصلت بحق العديد من المراجعين من قبلهم، ونرفض باسم (نقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ونقابة عمال المهن الصحية) أي تدخل في شؤوننا مهما كان، ولاسيما بعد الحادثة التي وقعت بتاريخ 30 كانون الثاني/يناير 2018، حيث قامت حسبة "سواعد الخير" بالاعتداء على بعض المراجعين والحراس، ومن ثمّ عمدت إلى اعتقالهم لعدة أيام، وبعدها أفرجت عنهم، وكان ذلك بحجة السماح بالاختلاط بين الذكور والإناث وعدم التقيد باللباس الشرعي."

 

صورة تظهر البيان الصادر عن نقابات الأطباء والصيادلة والمنشآت الطبية في مدينة ادلب، وذلك بتاريخ 10 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: أحد أطباء مدينة إدلب.

 

ثالثاً: إيقاف أحد مشاريع النقل المجانية في مدينة إدلب بحجة الاختلاط:

لم تكتفِ "سواعد الخير" بهذا الكم من المضايقات فحسب، ففي تاريخ 7 شباط/فبراير 2018، عمدت إلى إيقاف أحد مشاريع النقل الداخلي المجانية في مدينة إدلب- وهو مشروع تدعمه منظمة بنفسج- وذلك بحجة الاختلاط بين الإناث والذكور، وكان هذا المشروع قد انطلق منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بهدف نقل الناس الذين لا قدرة لديهم على دفع تكاليف المواصلات، إضافة إلى طلاب المدارس والجامعات، ولا سيما مع غلاء وسائل النقل العامة في مدينة إدلب بشكل كبير، وعدم توافراها بشكل عام، وهو الأمر الذي أكده أحد العاملين في منظمة بنفسج لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"جاءت فكرة المشروع بعد عدد من الدراسات والتقارير التي نفذها فريق تقييم الاحتياجات لدى المنظمة، حيث وجدنا بأنّ العديد من أهالي مدينة إدلب لايستطيعون استخدام وسائل النقل العامة أو الخاصة في مدينة إدلب، بسبب ارتفاع أسعارها، ومن خلال باص "الخير" يستطيع أولئك تأمين احتياجاتهم بشكل منتظم، وعلى وجه الخصوص كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة منهم، إلا أنّ عناصر "سواعد الخير" التابعين لهيئة تحرير الشام، قاموا بإيقاف السائقين العاملين ضمن مشروع النقل الداخلي المجاني في يوم 7 شباط/فبراير 2018، حيث اقتادوهم بدايةً إلى جهة مجهولة، ومن ثمّ أطلقوا سراحهم بعد عدة ساعات، لكن دون أن يسمحوا لنا باستئناف المشروع من جديد، وكل ذلك بحجة منع الاختلاط بين الإناث والذكور، كما قامت "سواعد الخير" بتوقيف عمل النقل الداخلي في المدينة حتى يتمّ الاتفاق مع المنظمة على حل هذه المسألة."

 

صورة تظهر جانباً من عمل "باص الخير" المجاني في مدينة إدلب، مصدر الصورة: منظمة بنفسج.

 

رابعاً: التضييق على الباعة المتجولين وأصحاب المحال التجارية:

خلال شهر شباط/فبراير 2018، قامت "سواعد الخير" أيضاً بالتضييق على الباعة المتجولين في مدينة إدلب، وذلك بحجة منع التدخين وكل مايتعلق ببيعه وشرائه، وهو الأمر الذي أكده لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أبو محمد وهو أحد الباعة المتجولين الذين يقومون ببيع الدخان إضافة إلى أشياء اخرى من أجل إعالة أسرته، حيث قال:

"لم أحظَ بفرصة عمل أخرى قد أعيل منها أولادي الأربعة، لذا قمت ببيع بعض المواد الاستهلاكية وعلب الدخان في الشارع، وبتاريخ 7 شباط/فبراير 2018، قامت حسبة "سواعد الخير" بتوجيه إنذار لي بالسجن في حال كررت العمل ببيع الدخان، كما صادرت كل ما أملك من بضائع، وتقدر قيمتها بحوالي (30) ألف ليرة سورية، فأصبحت دون مصدر رزق أستطيع من خلاله إعالة أطفالي. هذا هو حال الفقراء في مدينة إدلب، خصوصاً أولئك الذين لا يملكون أي علاقات أو صلات قربة مع عناصر من هيئة تحرير الشام، علماً بأنّ معظم الزبائن الذين كانوا يقومون بشراء الدخان مني هم من عناصر الهيئة."

 

وأظهر مقطع فيديو بثته قناة (IDLIB PLUS) بتاريخ 11 شباط/فبراير 2018، بعض عمليات التضييق والقرارات التي أصدرتها "سواعد الخير" في مدينة إدلب.

 

أصحاب المحال التجارية لم يسلموا أيضاً من مضايقات مايعرف ب"سواعد الخير"، ففي تاريخ 12 شباط/فبراير 2018، بدأ عناصر "سواعد الخير" بالدخول إلى المحال التجارية في مدينة إدلب، وأعلموهم بضرورة التقيد باللباس الشرعي حتى على "العارضات البلاستيكية" المستخدمة على واجهة محالهم، وقاموا بتهديدهم بمصادرة بضائعهم وإغلاق تلك المحال خلال (24) ساعة من تاريخ الإنذار في حال لم يتم ذلك، وهو الأمر الذي أكده ياسر العلي وهو أحد أصحاب المحال التجارية في مدينة إدلب، حيث قال:

"منذ عدة أشهر ونحن نتعرض للمضايقات من جانب "سواعد الخير"، إذ أنها تقوم بزيارة المحال التجارية بشكل دوري في مدينة إدلب، كما تقوم باختلاق الأسباب لمضايقة الناس، فعلى سبيل المثال فرضت علينا أن تتولى امرأة مهمة البيع في محال الألبسة النسائية، ومنعت تواجد أي رجل فيها، وكأصحاب محال تجارية لانستطيع سوى تنفيذ جميع مطالب "سواعد الخير"، وذلك من أجل الاستمرار بعملنا، فهي القوة التنفيذية والعسكرية في المدينة وتعمل كيفما شاءت دون أن يقف أحد في وجهها، ومن اللافت الإشارة إلى أنّ أهالي مدينة إدلب كانوا قد قاموا في وقت سابق بطرد جهاز الحسبة الذي طرحته هيئة تحرير الشام بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 2017، وذلك بعد خروجهم في عدة تظاهرات رفضت جهاز الحسبة، إلا أنّ هيئة تحرير الشام قامت بخداع الأهالي وغيرت اسمها فقط من جهاز الحسبة إلى "سواعد الخير"."

 

وأضاف العلي بأنّ عناصر "سواعد الخير" بدأوا منذ بداية شهر شباط/فبراير 2018، بشن حملات وفرض مخالفات على عدة قضايا، كما أصبحوا يتدخلون في الشؤون الخاصة للمدنيين مثل لباس "الجينز"، أو شكل الحلاقة، ومنع الاختلاط في وسائل التقل العامة، مشيراً إلى أنّ عناصر "سواعد الخير" يقومون بممارسة هذه المضايقات بالتزامن مع ماتشهده مدينة إدلب من ظروف أمنية ومعيشية صعبة، وتابع قائلاً:

"لم يبقَ إلا أن تقوم "سواعد الخير" يتحديد أوقات النوم والاستيقاظ لجميع المواطنين، ومازلت أذكر إحدى الحوداث التي وقعت في مدينة سلقين بتاريخ 4 كانون الثاني/يناير 2018، حيث قام عناصر "سواعد الخير" بمخالفة أصحاب محال الألبسة النسائية، وذلك بسبب عدم تغطية وجوه العارضات المتموضعات أمام واجهة المحل، كما فرضت عليهم إزالة صور النساء من ماركات الألبسة وبررت بأنّ ذلك هو ترويج للأصنام وإثارة الغرائز."

 

صورة تظهر جانبا من إزالة صور النساء على ماركات الألبسة في مدينة إدلب، وذلك بسبب القرارات الأخيرة الصادرة عما يسمى ب"سواعد الخير"، مصدر الصورة: صفحة انتهاكات جبهة النصرة.

 

وبحسب عدة مصادر في مدينة إدلب فإنّ عناصر القوة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، قاموا بجلد ثلاثة عشر شاباً في المدينة بتهمة حلاقة القزع[4] ولبس "الجينز"، وذلك بتاريخ 12 شباط/فبراير 2018، وذكر أحد الشهود لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ عناصر الأمن التابعين لهيئة تحرير الشام قاموا بداية باقتياد بعض الشبان إلى سجن القوة الأمنية في المدينة، وذلك بعد تسيير عدة دوريات أمنية في شوارع المدينة، ومن ثمّ قاموا بسوقهم إلى أحد أحياء المدينة، حيث تمّ جلد كل شاب منهم عشر جلدات على الظهر وأخرى على الأرجل، ثمّ أطلق سراحهم بعدما وقعوا على تعهد بعدم الحلاقة بهذا الشكل وارتداء "الجينز".

وحسبما أكدّ أحد المصادر المطلعة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ المسؤول عن الحملة والقرارات الأخيرة الصادرة عن جهاز "سواعد الخير"، هو المدعو "أحمد آغا" أحد أمراء هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، ويعرف بلقب "أمير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقد تسلّم ملف الحسبة وجهاز الشرطة الإسلامية مؤخراً والتي تمارس هذه الحملات حالياً باسم "سواعد الخير".

 

خامساً: التدخل في شؤون القطاع التعليمي في مدينة أريحا:

لم تسلم المؤسسات المدنية في مدينة أريحا بريف إدلب الغربي الجنوبي من التدخل في شؤونها من قبل مايعرف "بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، هذه الهيئة التي تشكلت منذ شهر شباط/فبراير 2017، كي تتولى عدة مهام، ومنها متابعة التقيد بالحجاب واللباس الشرعي للمرأة وحتى لطالبات المدارس، ومنع الإتجار بالدخان في المدينة، إضافة إلى الإشراف على منع الاختلاط داخل الأماكن العامة والخاصة وحتى داخل القطاع التعليمي، كما يوكل إليها توجيه الإنذارات للأهالي ولأصحاب المحال التجارية المخالفة، والأهم من ذلك تنفيذ القرارات الموكلة إليها من قبل هيئة تحرير الشام، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ هذه الهيئة ومنذ تأسيسها بدأت تتدخل في شؤون المدنيين إضافة إلى المؤسسات المدنية وخاصة قطاع التعليم، وهو الأمر الذي أكدته إحدى نساء مدينة أريحا، حيث قالت:

"عندما يصل الأطفال إلى الصف الثالث من المرحلة الابتدائية، يتم على الفور عزل الإناث عن الذكور، وتُجبر الطالبات على ارتداء اللباس الشرعي (العباية)، طبعاً ناهيك عن دوريات النساء التابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي تقف على أبواب المدارس حتى تقوم بتفقد اللباس الشرعي للأطفال بشكل يومي، وفي حال كانت إحدى الفتيات لا ترتدي لباسها الشرعي، لا يسمح لها بالدخول إلى المدرسة وتجبر على العودة إلى المنزل. المشكلة أنّ هذه الطقوس قاسية على الطفل في هذا السن المبكر، لكن ليس بيدنا حيلة، فالخوف يسيطر علينا من كثرة الاعتقالات التي تجري بحق كل مايخالف هذه التعليمات، ولا شكّ أن هذه المعتقدات تأثر سلباً على أطفالنا وفي أكثر الأحيان لا نجد تفسيراً  عندما يقوم أطفالنا بسؤالنا عن أسباب تفريق الذكور عن الإناث في المدرسة، إنها معاناة كبيرة مع أطفالنا لكننا مجبرين على هذه الحياة."

 

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الوضع التعليمي في مدينة أريحا بسبب قرارات "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" .

 

إحدى المعلمات في مدينة أريحا، قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً هي السلطة العليا في المدينة كما أنها المسيطرة على كافة مناحي الحياة، مشيرة إلى أنّ مايسمى ب"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، عمدت إلى فرض اللباس الشرعي على فتيات لم يتجاوزن السبع سنوات، كما أنهم لم يقوموا فقط بفصل الذكور عن الإناث من الطلاب، بل قاموا أيضاً بفضل المعلمين والمعلمات من الجنسين، وتابعت قائلة:

"حتى المعلمات النساء بتن يقمن بتدريس الطالبات فقط، كذلك الأمر بالنسبة إلى المعلمين من الذكور، فهنالك نساء عاملات في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دائماً ما تتولين مراقبة المدرسين وطلاب المدارس في حال مخالفتهم لأي تعليمات، ناهيك عن مراقبتهن للأسواق والمحال التجارية وخاصة محال الألبسة النسائية، كما أنّ العديد من الشبان في مدينة أريحا باتوا يتعرضون لمضايقات من قبل هيئة تحرير الشام، وقد تصل هذه المضايقات حد الاعتقال دون معرفة الأسباب وراء ذلك، وهذا ماحصل مع العديد من الشبان في أريحا."

 

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة تظهر جانباً من الوضع التعليمي في مدينة أريحا بسبب قرارات "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

 

ومن الجدير ذكره بأنّ حكومة الانقاذ[5] التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، كانت قد أصدرت قراراً بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 2017، حيث أعلنت من خلاله حلّ المجلس المحلي لمدينة أريحا، واعتبار مجلس مدينة أريحا الذي تمّ تشكليه من قبل هيئة تحرير الشام بتاريخ 25 شباط/فبراير 2017، هو الممثل الوحيد أمام الدوائر الرسمية في مدينة أريحا، وذلك سعياً منها للسيطرة على كل زمام الأمور في المدينة.

وكرد على ذلك أصدر المجلس المحلي لمدينة أريحا بتاريخ 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، بياناً يرفض فيه قرار حلهّ جملة وتفصيلاً، مؤكداً على أنً الأهالي في مدينة أريحا هم الجهة الوحيدة والمخولة بحلّ المجلس أو إيقافه.

 

صورة تظهر القرار الصادر عن حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وذلك بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 2017، للإعلان عن حلّ المجلس المحلي في أريحا، مصدر الصورة: نشطاء من مدينة أريحا.

 

صورة تظهر البيان الصادر عن المجلس المحلي لأريحا بتاريخ 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، والذي رفض قرار حلّه، مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة أريحا.

 

وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، مازالت تسعى لفرض نفسها بقوة السلاح على المدنيين سواء في مدينة إدلب أو مدينة أريحا، وذلك من خلال جهاز "سواعد الخير" و"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وخاصة بعد فشلها في بسط السيطرة على الحياة المدنية في عدة مناطق من محافظة إدلب ومنها مدينة سراقب ومعرة النعمان وتفتناز وخان شيخون، وذلك نتيجة الحراك الشعبي المدني الرافض لممارسات هيئة تحرير الشام وعدم السماح لها بالتدخل في الحياة المدنية وافتتاح مقرات لها  كجهاز "سواعد الخير" في تلك المناطق، ومن اللافت الإشارة إلى أنّ هذه الممارسات تجري بالتزامن مع ظروف أمنية ومعيشية صعبة يعيشها الأهالي في مدينتي إدلب وأريحا، وذلك بسبب موجات النزوح المستمرة إلى المدينتين بسبب عمليات القصف المستمرة على بقية المناطق في محافظة إدلب من جانب القوات النظامية السورية وحلفائها.

 


[1] بتاريخ 28 كانون الثاني/يناير 2017، أعلنت عدّة فصائل جهادية في شمال سوريا الإندماج تحت مسمّى "هيئة تحرير الشام" وكانت الفصائل التي أعلنت عن حلّ نفسها والاندماج تحت المسمّى الجديد هي جبهة فتح الشام – تنظيم جبهة النصرة سابقاً، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنّة، وحركة أنصار الشام الإسلامية، إلا أنه وعلى خلفية اندلاع المواجهات الأخيرة بين حركة أحرار الشام  وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري بتاريخ 15 تموز/يوليو 2017، أعلنت حركة نور الدين الزنكي انفصالها عن الهيئة بتاريخ 20 تموز/يوليو 2017.

[2] تسيطر هيئة تحرير الشام/بهة النصرة سابقاً على مدينة إدلب منذ تاريخ 23 تموز/يوليو 2017. ومازالت حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في أوائل آذار/مارس 2018.

[3] تسيطر هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً على مدينة أريحا منذ تاريخ 28 أيار/مايو 2015. ومازالت حتى تاريخ إعداد هذا التقرير في أوائل آذار/مارس 2018.

[4] وهي حلق الرأس وترك بعضه وهي حلاقة "مكروهة في الإسلام" بحسب مصادر.

[5] بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2017، تم انعقاد "المؤتمر السوري العام" في محافظة إدلب، والذي توصل إلى تشكيل "مجلس تأسيسي/هيئة تأسيسية" لتسمية رئيس حكومة جديد، ونتج في عنه بيان ختامي لتشكيل ما أطلقوا عليها اسم "حكومة الإنقاذ" حتى تدير "المناطق المحررة" في شمال سوريا، وقد تمّ تشكيل "حكومة الإنقاذ" فعلياً بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، إذ أنها أعلنت عن تسمية وزرائها في مؤتمرها التأسيسي الذي تمّ برئاسة "محمد الشيخ"، والذي قال بأنّ تشكيل هذه الحكومة جاء بعد إطلاق مبادرة لتشكيل إدارة مدنية من قبل مجموعة من الأكاديميين والفعاليات والهيئات في محافظة إدلب، وواجهت هذه الحكومة اتهامات بالتبعية لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وذلك على خلفية استعانتها بعناصر من هيئة تحرير الشام في تطبيق عدد من قرارتها.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد