مقدمة: مازال عشرات آلاف النازحين/اللاجئين السوريين العالقين في "مخيم الركبان" والواقع على الحدود الأردنية السورية يعانون ظروفاً معيشية لا تطاق، وذلك نتيجة نقص المواد الغذائية والطبّية بشكل حاد، وقد تزامن ذلك مع اشتداد المواجهات العسكرية بين القوات النظامية السورية من جهة وفصائل المعارضة السورية من جهة أخرى في منطقة البادية السورية، ما أدى إلى انقطاع كافة الطرق الواصلة بين المخيم وريف السويداء الشرقي، والتي تُعتبر طرقاً لإمداد المخيم بالمواد الغذائية والطبية وبمثابة شريان للمخيم، ووفقاً لمراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإن ندرة المياه في المخيم واستخدام مياه ملوثة للشرب والاستحمام، ساهم في انتشار عدة أمراض بين اللاجئين، وخصوصاً مع غياب شبه تام للرعاية الطبية المقدمة من قبل المنظمات المعنية إلى داخل المخيم.
يقع مخيم الركبان بالقرب من نقطة التقاء الحدود الأردنية السورية ويبعد إلى الغرب من معبر التنف الحدودي (والذي يربط ما بين سوريا والعراق) مسافة (25)كم تقريباً، وبدأت نشأة هذا المخيم نتيجة تجمع العديد من اللاجئين السوريين الفارين من مناطق النزاع المسلح في محافظة حمص ومنطقة البادية السورية ومناطق الشمال السوري، وذلك بعدما منعتهم السلطات الأردنية من الدخول إلى أراضيها في شهر آذار/مارس2015، تحت ذريعة أن أعداد اللاجئين السوريين قد تجاوزت طاقة استيعاب الأردن.
وتتواجد أكثر من نصف خيام اللاجئين في المنطقة "المنزوعة السلاح"[1]، وماتبقى منها يمتد داخل الأراضي السورية، وتبلغ أعداد اللاجئين في هذا المخيم العشوائي والواقع في منطقة صحراوية مايزيد عن (75) ألف لاجئ وفق مصادر عديدة داخل المخيم، في حين لا توجد حتى الآن أية إحصاءات رسمية حول أعداد اللاجئين في مخيم الركبان من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لكن وبحسب تقديرات مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة فقد تجاوزت أعدد اللاجئين في المخيم(100) ألف لاجئ اعتباراً من شهر تموز/يوليو2017، وذلك نتيجة فرار آلاف اللاجئين من "مخيم الحدلات"[2] القريب من مخيم الركبان عقب استهداف الطيران الحربي السوري لأطرافه بعدة غارات جوية واشتداد المعارك في منطقة البادية القريبة من المخيمين، وذلك ما بين القوات النظامية السورية من جهة وفصائل المعارضة السورية من جهة أخرى.
هذا وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد نشرت في وقت سابق، تقريراً يتحدث عن خطورة الوضع الأمني في مخيم الركبان، والسيارات المفخخة التي استهدفت المخيم وخلفت عشرات القتلى من المدنيين خلال الأشهر السابقة من العام 2017.
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي، تظهر الموقع التقريبي لمخيم الركبان الواقع على الحدود الأردنية السورية، والذي يبعد إلى الغرب من معبر التنف الحدودي مسافة (25)كم.
أولاً: شح المياه في مخيم الركبان :
لم تقتصر معاناة اللاجئين السوريين العالقين في مخيم الركبان على الارتفاع الكبير في درجات الحرارة خلال أشهر الصيف فحسب، بل وصلت حد معاناتهم من شح كبير في المياه الصالحة للشرب والاستحمام أيضاً، وذلك بسبب تحكم الجانب الأردني بكمية المياه التي يتم ضخها من الداخل الأردني بالقرب من الساتر الحدودي، وفي هذا الصدد تحدث طارق الحمد وهو أحد اللاجئين الذين نزحوا إلى المخيم برفقة عائلته منذ حوالي العام ونصف، حيث أدلى بإفادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في منتصف شهر آب/أغسطس 2017، قائلاً:
"نزحنا من مدينة حمص بسبب الظروف الأمنية السيئة هناك، ولم ننجح في الدخول إلى الأردن نتيجة القيود المفروضة من قبل السلطات الأردنية ومنعها دخول أي لاجئ. ومنذ وصولنا إلى مخيم الركبان ومصاعب عدة تواجهنا كتأمين الماء الصالح للشرب والغذاء، فلكي نحصل على عدة ليترات من المياه يجب علينا السير مسافة تزيد على (5) كم، وهنالك بعض الأشخاص الذين يقطعون مسافة أكثر من (15)كم في سبيل ذلك، فلا يوجد هنا مصدر دائم للمياه، وخلال الشهرين الماضيين لم يدخل إلى المخيم أي صهاريج من قبل الجانب الأردني، ولم يتم ضخ الماء عبر الأنابيب التي تم تمديدها خلال العام السابق، لذا فإن بعض التجار كانوا يقومون ببيع الماء لللاجئين بأسعار مرتفعة تفوق حاجتهم."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر نقطة تجمع اللاجئين في منطقة توزيع المياه جنوبي مخيم الركبان، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2017.
بدوره تحدث الناشط الإعلامي "أبو عمر الحمصي" لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 18 آب/أغسطس 2017، حول الطرق البديلة التي يلجأ إليها اللاجئون في ظل ندرة المياه في المخيم، حيث يعمد العديد من اللاجئين إلى الاستفادة من تجمع مياه الأمطار في السهول والوديان والشقوق في منطقة البادية التي تبعد عن المخيم مسافة (100)كم، ثم يقومون بتصفيتها وتركها مدة خمسة أيام، حتى يتم استخدامها لاحقاً كمصدر للشرب، وتابع قائلاً:
"المياه التي يقوم اللاجئون باستخدامها وتصفيتها هي مياه غير صالحة للشرب تماماً، وهو ماتسبب في انتشار العديد من الأمراض بينهم، كالفشل الكلوي وأمراض الجهاز الهضمي، إضافة إلى ظهور العشرات من حالات الإقياء ومرض اليرقان لدى الأطفال، كما أنه وفي الآونة الأخيرة انتشرت العديد من الأمراض الجلدية، كالتحسس الجلدي نتيجة قلة الاستحمام والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وبتاريخ 2 آب/أغسطس 2017 أقدم مجهولون على حرق الأنابيب المخصصة لضخ المياه إلى المخيم، إلا أن الجانب الأردني أعاد ضح المياه إلى النقطة الجنونية في المخيم بتاريخ 15 آب/أغسطس 2017، وذلك بعد انقطاع دام قرابة الشهرين لأسباب غير معروفة."
صورة أخرى تظهرأحد الأطفال اللاجئين في مخيم الركبان وهو يقوم بتعبئة مياه الأمطار لاستخدامها لاحقاً للشرب والاستحمام، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 10 آب/أغسطس2017، مصدر الصورة : نشطاء من مخيم الركبان.
صورة أخرى تظهرمدى تلوث مياه الأمطار والآبار القريبة من مخيم الركبان، والتي يقوم اللاجئون باستخدامها إما للشرب أو الاستحمام، وقد التقطت هذه الصورة خلال شهر تموز/يوليو2017، مصدر الصورة : ناشطون من مخيم الركبان.
ثانياً: قلة الغذاء داخل مخيم الركبان نتيجة المعارك الدائرة بالقرب منه وتوقف المساعدات الأممية:
تضاف إلى معاناة اللاجئين السوريين في مخيم الركبان فقدان معظم المواد الغذائية الأساسية كالخبز والطحين والسكر والزيت، وذلك نتيجة انقطاع المساعدات التي كانت تقدم للمخيم بعد التفجير الانتحاري الأخير الذي وقع بتاريخ 15 أيار/مايو2017، واستهدف السوق الرئيسية بالقرب من نقطة توزيع المساعدات، كما أن سيطرة القوات النظامية السورية على مساحات واسعة من ريف السويداء الشرقي ومنطقة البادية السورية القريبة من المخيم، كان له تأثيراً سلبياً على لاجئي المخيم، ولاسيما أنهم كانوا يقومون بشراء المواد الغذائية من قرى السويداء على حسابهم الخاص، وقد باتوا محرومين من ذلك في الوقت الحالي.
سالم العمور، لاجئ سوري فرّ برفقة عائلته من مدينة حمص إلى مخيم الركبان منذ أكثر من عام، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة بتاريخ 12 آب/أغسطس2017، حول صعوبة المعيشة في المخيم والارتفاع الحاد في الأسعار، حيث قال:
"الأمور هنا تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فأسعار المواد الغذائية باتت مرتفعة جداً، والمبالغ المالية التي كنا ندخرها خلال الأيام السابقة قد نفدت تماماً، حيث كانت آخر مرة تلقينا فيها سلة غذائية منذ حوالي الشهرين (أي خلال شهر أيار/مايو2017)، فقد قامت إحدى المنظمات الإنسانية وتدعى "جسور الأمل" بتوزيعها، ومازاد الطين بلة هو أن الطرق الواصلة مع الداخل السوري أصبحت مقطوعة، لذا ومع كل أسبوع تأتي إحدى السيارات القادمة من مدينة الضمير عبر طرق وعرة، وتقوم ببيع المواد الغذائية بأسعار مرتفعة جداً، حيث أصبح سعر كيلو الخبر ب (500) ليرة سورية وليتر الزيت الواحد ب (2200) ليرة سورية، أما كيلو السكر الواحد فقد أصبح ب (700) ليرة سورية، وعقب منع السلطات الأردنية دخول المياه إلى المخيم منذ أكثر من شهرين، أصبح تجار المياه يبيعون برميل المياه (200)ليتر ب (2000) ليرة سورية."
وأشار العمور إلى أن تراكم المعاناة ترك أثراً سلبياً في نفوس أهالي المخيم، مادفع العديد منهم إلى إيجاد طرق بديلة للاستمرار في العيش، حيث ظهرت بعض الحالات التي لجأت فيها نساءُ إلى "ممارسة الجنس" مقابل المال في سبيل إطعام أطفالهن، واستدل بذلك على إحدى نساء المخيم التي تحتاج أسبوعياً إلى علبة حليب بكلفة (5000) ليرة سورية من أجل رضيعها.
رابعاً: الوضع الطبي في مخيم الركبان:
يفتقر مخيم الركبان إلى أي مشفى ميداني أو مركز صحي، ويقتصر العمل الطبي فيه على خمس نقاط طبية يشرف عليها متطوعون من أهالي المخيم، كانوا قد تلقوا بعض التدريب في المركز الطبي التابع للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الداخل الأردني، وفي هذا الخصوص تحدث أبو حذيفة وهو مدير إحدى النقاط الطبية داخل المخيم، حيث أدلى بإفادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في منتصف شهر آب/أغسطس 2017، وقال:
"الوضع في مخيم الركبان بات أشبه بالموت البطيء، فأهالي المخيم يعانون من نقصٍ شديدٍ في كافة مستلزمات الحياة، يضاف إليه النقص الكبير في الأدوية والمعدات الطبية، أما الخدمات الطبية فهي شبه معدومة، وتقتصر على نقطة طبية رئيسية إضافة إلى أربع نقاط طبية أخرى، ويتم تمويل بعضها بشكل بسيط من منظمة "جسور الأمل"، حيث يقدم الدواء مجاناً للمرضى رغم صعوبة الحصول عليه وارتفاع أسعاره، باعتبار أن بعض التجار يقومون بشراء تلك الأدوية من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو من مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، ناهيك عن الصعوبة الكبيرة في تأمين الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، كمرض السكري والربو والضغط."
وأشار أبو حذيفة إلى أنه خلال اليوم الواحد يتم استقبال ما لايقل عن (70) حالة طبية من مختلف الأمراض، فنتيجةً لندرة المياه واستخدام مياه الأمطار كبديل للشرب والاستحمام، ظهرت العديد من الأمراض وخصوصاً بين الأطفال، ولعل أبرزها الإسهال الشديد والالتهابات الجلدية كالجدري والجرب والصدف، إضافة إلى أمراض الجهاز البولي كالحصى والرمل. كما نوه أبو حذيفة إلى عدم وجود أي غرفة عمليات جراحية أو قيصرية داخل تلك النقاط، الأمر الذي يستدعي تحويل تلك الحالات إلى الأردن، وتابع قائلاً:
"يتواجد في إحدى النقاط الطبية غرفة مخاض فقط، وقد بلغ عدد حالات الولادة خلال عام ونصف (2400) حالة، في حين بلغت حالات إسقاط الأجنة (700) حالة، وكل ذلك يحدث نتيجة الافتقار إلى التجهيزات والنظافة الطبية، كما لايوجد في مراكزنا الطبية أية حاضنة أطفال ولاحتى مخبر للتحاليل الطبية أو جهاز للتصوير الشعاعي، ويتم تحويل الحالات الطبية الصعبة إلى النقطة الطبية في الداخل الأردني والتي تشرف عليه منظمة "اليونيسيف"، كما أن الجانب الأدرني لا يوافق في كثير من الأحيان على إدخال تلك الحالات المرضية، إلا في حال كانت حالة المريض أقرب إلى الموت."
وبدوره أردف أبو حذيفة بأن الأطفال هم أكثر المتضررين من ارتفاع درجات الحرارة وشرب المياه الملوثة في المخيم، حيث بين بأن أكثر من (50) طفل أُصيبوا بالإسهال الشديد والإقياء منذ فترة قصيرة، في حين تسّبب نقص الرعاية الطبية في وفاة ثلاثة اطفال خلال شهر تموز/يوليو 2017، وكان من بينهم طفل توفي بعد يوم واحد من ولادته لعدم وجود حاضنة أطفال، فيما قضت الطفلة "روعة الدخان" في الشهر ذاته، نتيجة إصابتها بإسهال شديد وعدم السماح بدخولها إلى الأردن لتلقي العلاج.
صورة تظهر طفلين لاجئين في مخيم الركبان، وهما يقومان بشرب مياه ملوثة في نقطة توزيع المياه جنوبي المخيم، وقد التقطت هذه الصورة خلال شهر أيار/مايو2017، مصدر الصورة : نشطاء من مخيم الركبان.
رابعاً: التهديد الأمني الذي يحيط بمخيم الركبان:
خلال شهر تموز/يوليو 2017، شهدت البادية السورية القريبة من مخيم الركبان، معارك عنيفة مابين القوات النظامية السورية من جهة وفصائل المعارضة السورية (أسود الشرقية – لواء شهداء القريتين- قوات أحمد العبدو) من جهة أخرى، وقد أدت هذه المعارك إلى سيطرة القوات النظامية السورية على كامل منطقة ريف السويداء الشرقي ومناطق من بادية حمص القريبة من مدينة تدمر وأهمها (قرية الهلبة)، كما أدت إلى سيطرتها على أجزاء من بادية دمشق وأهمها (قرية أرنوبة)، ماجعل اللاجئين السوريين في مخيم الركبان تحت تهديد خطر جديد، وفي هذا الصدد أضاف الناشط الإعلامي أبو عمر الحمصي والذي تم اللقاء معه بتاريخ 18آب/أغسطس 2017، حيث قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
"شن الطيران الحربي السوري عدة غارات جوية على أطراف "مخيم الحدلات"، وعلى إثر ذلك نزح العديد من سكانه إلى مخيم الركبان، فالمعارك التي سبق ذكرها أدت إلى سيطرة قوات النظام على مسافات شاسعة تبعد عن مخيم الركبان مسافة تقدر ب (26) كم فقط، وباتت تلك القوات قريبة من مخيم الحدلات مسافة (60) كم، ولاشك أن هذا التقدم الكبير لقوات النظام أصبح يهدد اللاجئين في المخيمات الحدودية، وخصوصاً في حال استطاعت قوات النظام السيطرة على تلك المخيمات."
صورتان تظهران إحدى الغارات التي شنها الطيران الحربي السوري على أطراف مخيم الحدلات بتاريخ 10 آب/أغسطس 2017، مصدر الصورة : ناشطون من مخيم الحدلات.
[1] كان الجانبان السوري والأردني قد اتفقا على إنشاء حواجز على أراضيهما من مسافات متساوية من الحدود، وهو ما خلق منطقة منزوعة السلاح يقع كل شطر منها في بلد.
[2] يقع على الحدود السورية الأردنية ويبعد إلى الغرب من مخيم الركبان مسافة (90) كم، ويبلغ عدد سكانه ما يزيد عن ثمانية آلاف شخص وفق إحصاءات غير رسمية، وتعتبر نشأته مشابهة لنشأة مخيم الركبان وذلك بسبب منع الأردن اللاجئين من دخول أراضيه.