ما هو موضوع الدعوى؟
تتناول الشكوى الجنائية المقدَّمة من قبل “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” (ECCHR) “وسوريون من أجل الحقيقة والعدالة” (STJ) انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الميليشيات الإسلامية المسلحة في منطقة عفرين شمالي سوريا منذ كانون الثاني/يناير 2018، بعلم من تركيا ودعم منها.
تشمل هذه الانتهاكات اضطهاد وتهجير السكان المدنيين ذوي الأغلبية الكردية، والقمع العنيف للسكان من خلال الاعتقال والتعذيب، والقتل المستهدف، وتدمير مواقع التراث الثقافي. يتمحور موضوع هذه الشكوى عملياً حول الفظائع التي ارتكبتها مختلف الميليشيات المنضوية تحت مظلة الجيش الوطني السوري، ولا سيما فرقة الحمزة (الحمزات)، وأحرار الشرقية، وفرقة السلطان مراد، ولواء السلطان سليمان شاه (العمشات). ويجدر الذكر أنَّ “المركز الحقوقي الأوروبي” و”سوريون” يدعمان ستة ناجين/ات من هذه الجرائم الدولية.
ما هو السياق الذي ارتكبت فيه هذه الجرائم؟
خلال فترة الصراع السوري، وتحديداً في عام 2012، أنشأت القوات المسلحة الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، منطقة “إدارة ذاتية” في شمال سوريا (AANES)، والتي تم توسيعها في عام 2014 لتشمل عفرين. ويذكر أنَّ التعاون الذي حصل بين وحدات “حماية الشعب الكردية/وحدات حماية المرأة” (YPG/YPJ) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، و”التحالف الدولي ضد تنظيم داعش” الذي تقوده الولايات المتحدة كان قد شكَّل قوّة بارزة وحاسمة في الحرب ضد الميليشيات الإرهابية التابعة لما يعرف بتنظيم “الدولة الإسلامية” أو “داعش”.
ولمدة أربع سنوات، كانت عفرين منطقة آمنة نسبياً وملجأً للأشخاص الفارين من الأعمال العدائية في مناطق أخرى من البلاد. إلّا أنه بين عامي 2016 و2019، شنَّت تركيا ثلاث هجمات عسكرية متتالية على مناطق الإدارة الذاتية الكردية المتاخمة لتركيا بهدف تقليص حجمها عسكرياً. وتمثّل العملية العسكرية الثانية التي شنَّتها تركيا تحت مسمى “غصن الزيتون” في كانون الثاني/يناير 2018، بداية الإطار الزمني للشكوى الجنائية هذه. ويذكر أنَّ الهدف من عملية “غصن الزيتون” كان فرض السيطرة العسكرية والسياسية على منطقة عفرين – التي لازالت تحتفظ بها تركيا حتى يومنا هذا – وطرد سكانها ذوي الغالبية الكردية.
تشكّل الجرائم التي تُرتكب على يد الميليشيات المسلحة في عفرين، هجوماً ممنهجاً على السكان المدنيين ذوي الأغلبية الكردية، وبالتالي على الهوية الكردية للمنطقة. وبعد أن كانت عفرين تعتبر تاريخياً المنطقة الأكثر كثافة سكانية كردية في سوريا، أصبحت اليوم تعاني من التقلص المستمر لأعداد الكرد فيها وذلك بسبب عمليات الطرد الممنهجة التي تمارس في حقهم. وفي الوقت نفسه الذي تستمر فيه الحكومة الجديدة بتهجير السكان الأصليين للمنطقة، تبني الأخيرة مستوطنات في عفرين بهدف إعادة توطين السوريين المُهجَّرين من مناطق أخرى في البلاد.
ما هو الدور الذي تلعبه تركيا؟
خلال الحرب الأهلية السورية، تكيَّفت تركيا باستمرار مع الظروف السياسية والعسكرية المتغيرة، ولا سيما في مناطق الإدارة الذاتية الكردية المتاخمة لحدودها الجنوبية. وتجدر الإشارة إلى أنَّ تركيا تعتبر حزب الاتحاد الديمقراطي، وبخاصة جناحه المسلح، “وحدات حماية الشعب الكردية/وحدات حماية المرأة”، امتداداً “لحزب العمال الكردستاني”، وبالتالي منظمة إرهابية. وعليه، فهي تعتبر إنشاء منطقة الإدارة الذاتية بمثابة إنشاء “ممر إرهابي” على طول حدودها الجنوبية. ويُذكر أنَّ تركيا كانت قد أدانت التعاون العسكري الوثيق بين الولايات المتحدة والقوات السورية الكردية. وبين 24 آب/أغسطس 2016 و29 آذار/مارس 2017، شنَّ الجيش التركي أولى عملياته العسكرية في سوريا بهدف “تطهير مناطق الشمال من الجماعات الإرهابية” على حد تعبيره، والتي قصد فيها الوجود الكردي في المقام الأول.
وكان للميليشيات الإسلامية المسلحة التابعة للجيش الوطني السوري والمتحالفة مع تركيا، دوراً رئيسياً في جميع العمليات العسكرية التركية في سوريا.
هل تتحمل ألمانيا مسؤولية سياسية في هذه القضية؟
تماماً كتركيا، تعدّ المانيا جزءاً من “حلف الناتو” السياسي العسكري وبالتالي فهي تخضع للوائح “معاهدة شمال الأطلسي” التي تُلزِم الدول الأعضاء بالعمل على إيجاد حلول سلمية للصراعات. وعليه، فإنَّ أقل ما يجب أن تقوم به الحكومة الألمانية هو توضيح هذا الالتزام لتركيا. إذ لا يمكن للحكومة الألمانية أن تبقى صامتة إزاء ما تقوم به شريكتها في “الناتو” في الشمال السوري، وذلك لكيلا يُشكَّك بمصداقيتها عند الاحتجاج على سلوك الدول الأخرى التي تنتهك القانون الدولي، مثل جرائم روسيا في أوكرانيا. وفي هذا الصدد، يعارض ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان” سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها الدول الغربية في تعاملها مع الانتهاكات في العالم. وعلاوةً على ذلك، أشارت تقارير إعلامية إلى استخدام تركيا لدبابات ألمانية الصنع في عملياتها العسكرية في شمال سوريا، والتي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
هل هذه الشكوى هي حملة ضد تركيا؟
لا، تركيا ليست هي الهدف من الشكوى، وإنما المرتكبين المزعومين للجرائم الذين هم جزء من الميليشيات المسلحة المحلية التي تدعمها وتمولها تركيا، إذ لا يمكن لحقيقة أنَّ الأخيرة عضو في “الناتو” أن تبرر عدم محاسبة المجرمين عن انتهاكاتهم. يجب تطبيق القانون الدولي بالتساوي على جميع الجهات الفاعلة المسؤولة، بغض النظر عن انتماءاتها السياسية.
ما علاقة الشكوى الجنائية بالصراع السياسي الدائر حول السيادة السورية الكردية في المنطقة؟
لا ترتبط الشكوى بأي شكل من الأشكال بالجهود التي يبذلها السكان الأكراد في المنطقة لتحقيق الحكم الذاتي المحلي أو الاستقلال السياسي. وينبغي التَّذكير بأنَّه يجب التحقيق في جميع الجرائم التي يشملها القانون الدولي ضد السكان المدنيين في جميع أنحاء العالم، ومقاضاة مرتكبيها عند الضرورة. لقد طالبنا منذ بداية الانتفاضة المشروعة في سوريا ولا زلنا نطالب بمقاضاة المتورطين في الانتهاكات بمن فيهم الدولة السورية المسؤولة عن ممارسة عمليات تعذيب وعنف منهجي موثقة ضد الأقليات العرقية مثل الكرد. وفيما يخص الفظائع التي ارتكبت في سياق الحرب السورية، يجب تطبيق القانون الجنائي الدولي على جميع مرتكبي هذه الفظائع، بما فيها تلك المرتكبة في عفرين – موضوع هذه الشكوى – وبالأخص تلك التي تستهدف السكان الكرد بشكل رئيسي.
لقد تعرض الكرد للطرد قسراً من منازلهم، وللاحتجاز غير القانوني وللتعذيب والعنف الجنسي. وقد تم احتلال منازلهم ومزارعهم بشكل غير قانوني من قبل أفراد الميليشيات المسلحة منذ الغزو العسكري التركي. بيد أنَّ هذه الانتهاكات لم يتم تناولها إلا نادراً أو ربما أبداً في أي محفل دولي، إذ لطالما تمَّ تجاهلها في الخطاب العام وفي أحسن الأحوال اعتبارها “نقطة عمياء” في التحقيقات في الجرائم المرتكبة ضد القانون الدولي في سوريا – على الرغم من أنها تعتبر أيضًا جرائم تستوجب التحقيق بموجب القانون الدولي.
وليس فقط الكرد، فالايزيديون أيضاً، على سبيل المثال، الذين يعيشون إلى جانب الأقليات الأخرى في عفرين متضررون أيضاً من هذه الجرائم، حيث كثيراً ما تعرضوا للاضطهاد على أساس عدة أنواع من التمييز مثل الدين والعرق و/أو الجنس. ونتيجة لذلك، فإن تجارب الناجين/ات من الظلم متنوعة، كما أن عواقب الجرائم التي يعانون/ين منها لها أبعاد متعددة.
ما هو الأساس القانوني للإجراءات الألمانية بشأن ممارسات الجماعات المسلحة في شمال سوريا؟
تستند الشكوى إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية، ووفقاً لهذا المبدأ المنصوص عليه في القانون الألماني للجرائم ضد القانون الدولي (CCAIL) لعام 2002، فإنَّ الجرائم الخطيرة مثل الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، تؤثّر على المجتمع الدولي ككل. وإذا كانت الدول القريبة من الجريمة أو المحافل القانونية الدولية غير متاحة للملاحقة الجنائية عن هذه الجريمة، فإن الولاية القضائية العالمية توفر سبيلاً بديلاً لذلك. وفي هذه الحالة، يُسمَح لألمانيا (والدول الأخرى التي يُطبَّق فيها المبدأ) التحقيق في الجرائم الدولية ومقاضاة مرتكبيها، بغضّ النَّظر عن مكان ارتكابها، وعن جنسية المشتبه فيهم أو ضحاياهم.
ما هو التحقيق الهيكلي؟
في التحقيق الهيكلي، يتم إجراء تحقيق أوَّلي دون الإشارة إلى أفراد محددين، وذلك في حال كان هناك أسباب منطقية للاشتباه في ارتكاب جريمة، بمعنى أن يقوم المدعي العام الألماني وأعضاء مكتبه بجمع أدلّة حول حيثيات الجريمة، وهياكلها، والجماعات المشتبه فيها من أجل الإعداد للمحاكمات المستقبلية ضدَّ الأفراد الذين تثبت إدانتهم.
يهدف ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان ” و”سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من خلال هذه الشكوى إلى حثّ المدَّعي العام الألماني على تكثيف التحقيق الهيكلي القائم الذي يجريه بشأن الجهات المسلَّحة غير الحكومية في سوريا، ودعوته إلى استخدامها لتوضيح الجرائم المتناولة وإضفاء الطابع الفردي عليها. وبالإضافة إلى ذلك، نحن ندعو إلى بدء تحقيقات شخصية مع قادة الميليشيات الذين يرتكبون الجرائم في عفرين.
لماذا لم يكن من الممكن توجيه اتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية؟
لم توقّع تركيا على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) وبالتالي فهي لا تخضع لولايتها القضائية. وسوريا ليست دولة طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية. كما أنَّ الصين وروسيا تمنعان إحالة مجلس الأمن الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهذا يعني أنَّ اتخاذ الإجراءات غير ممكن حالياً إلا في دول ثالثة خارج سوريا وتركيا وذلك بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، أو في الحالات التي تكون فيها دول ثالثة مسؤولة عن الجرائم في سوريا لكون مواطنيها متورطون فيها إما كضحايا أو جُناة.
من هي الأطراف المتأثرة؟
تستند هذه الشكوى الجنائية إلى معلومات قدَّمها ناجون/ات من الجرائم وغيرهم/نَّ من الشهود. الناجون/ات هم مواطنون/ات سوريون/ات يعيشون في المنفى في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى، وهم/نَّ ضحايا تهجير واعتقال تعسفي وتعذيب وعنف جنسي. وفي حال فُضِح أمر تعاونهم مع أجهزة الأمن الألمانية، فإنهم قد يتعرضون للقمع العنيف من قبل سلطات الاحتلال ضدهم/نَّ وضدَّ أقاربهم/نَّ الذين ما زالوا يعيشون في سوريا.
ما هو الدور الذي يلعبه المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في الشكوى الجنائية؟
يقدّم “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان” بالتعاون مع “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” هذه الشكوى الجنائية نيابةً عن المتضررين. ويدعم موظفو ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان ” المتضررين/ات في ممارسة حقوقهم/نَّ من خلال عملياته في البحث والتحليل. كما يدعم المركز المتضررين/ات من الجرائم الدولية المرتكبة في سياق الحرب الأهلية السورية في عدّة حالات بالتعاون مع المنظمات السورية الشريكة والمحامين الشركاء.
كيف ترتبط شكوى عفرين بالعمل السابق للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان بشأن جرائم حقوق الإنسان في سوريا؟
يعمل ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان” على التحقيق في الجرائم المرتكبة في سوريا منذ عام 2012. وفي الفترة ما بين نيسان/أبريل 2020 وكانون الثاني/يناير 2022، أجرت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز الألمانية أوَّل محاكمة في العالم بشأن التعذيب الذي تمارسه الدولة في سوريا. وحينها، دعم ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان” 29 ناجياً/ةً من التعذيب من سوريا، 14 منهم مُدَّعون مشتركون في القضية. وساهمت الشكاوى الجنائية في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج في إصدار مذكرات اعتقال بحق جميل حسن وآخرين.
كما يساند ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان” أشخاصاً متضررين من العنف الجنسي وذلك بتقديم شكوى جنائية إضافية ضد مسؤولي أجهزة المخابرات السورية. ويذكر أنَّ الشركات الأوروبية هي محور التدخلات القانونية، مثل شركة “لافارج” الفرنسية السويسرية، التي أبرمت على ما يبدو اتفاقيات مع تنظيم الدولة الإسلامية من عام 2012 إلى عام 2014 للحفاظ على عمليات مصانعها في شمال شرق سوريا. ويُقال أنَّ “لافارج” ساعدت وحرَّضت على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بأفعالها هذه.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه الجرائم المرتكبة من قبل العديد من الجهات الفاعلة موضوعاً للتحقيقات على مدى السنوات العشر الماضية، لا تزال ممارسات تركيا وحلفائها في سوريا مُتجاهلة إلى حد كبير. لذلك يدعو ” المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الانسان ” إلى التصدي لجرائم جميع الجهات الفاعلة – بما فيها تركيا، التي تدعم جماعات مسلحة تشن هجمات واسعة النطاق وممنهجة ضد السكان المدنيين في عفرين، وخاصة ضد الأكراد. وتتعاون تركيا مع هذه الجماعات في كثير من الحالات تعاوناً مباشراً في ارتكاب هذه الجرائم. أخيراً، يجب أن تصبح الجرائم نقطة محورية في التحقيقات التي يجريها مكتب المدعي العام الاتحادي الألماني.