1. خلفية:
مرة أخرى وخلال شهر آذار/مارس، ناشدت عائلات عربية نازحة من قرى ناحية “شيوخ فوقاني” -التابعة لمنطقة عين العرب (كوباني) في محافظة حلب- الإدارة الذاتية بالسماح لهم بالعودة إلى قراهم التي نزحوا منها منذ عام 2015، ومازالوا ممنوعين من العودة إليها حتى تاريخ كتابة هذا التقرير في نهاية نيسان/أبريل 2023، وذلك على الرغم من سماح القوى المسيطرة على الأرض (مجلس منبج العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية) لسكان كرد بالعودة لقرى محاذية تقع بالقرب من خط التماس ذاته.
جاءت مطالب الأهالي الأخيرة، كخطوة إضافية لمحاولات سابقة بالحصول على إذن العودة من السلطات المحلية المسيطرة، حيث سبق أن نظموا احتجاجات مطالبة بحق العودة وقوبلت بالرفض آنذاك بحجة “الضرورات الأمنية”.
وكانت ناحية “شيوخ فوقاني” قد شهدت موجة نزوح واسعة في أيلول/سبتمبر 2014، بعد سيطرة تنظيم “داعش” على المنطقة، والتي انسحب منها في منتصف عام 2015 بعد العمليات العسكرية التي شنها التحالف الدولي ضد داعش مصحوباً بقوات سوريا الديمقراطية والتي انتهت باستعادة الأخيرة السيطرة على كامل منطقتي عين العرب/كوباني ومنبج.
أفادت الشهادات التي جمعتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من ست عائلات نازحة (موجودة خارج القرى المذكورة) بأن القوات العسكرية المسيطرة في منطقة منبج منعت الكثير من العائلات العربية النازحة من زيارة قراهم علاوة على منعهم من العودة إليها إلا في بعض الحالات الاستثنائية، كما اتخذت من منازل بعض العائلات مقرات عسكرية ولم تخلها رغم انتهاء العمليات العسكرية والسماح بعودة العوائل الكردية في قرى مجاورة، حيث ماتزال تلك القوات متمركزة فيها حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
من الجدير بالذكر، أنّه وبتاريخ 10 آذار/مارس 2023، اجتمع المئات من أهالي “شيوخ” المهجرين من أجل إيجاد حل لقضيتهم وحضر الاجتماع العديد من شيوخ العشائر في مدينة منبج ومجلس أعيان العشائر الذي يعتبر المنسق بين العشائر والإدارة المدنية الديمقراطية في منبج وريفها، وخلال الاجتماع تكفل شيوخ عشائر منبج ومجلس الأعيان بالعمل الجاد على عودة الأهالي خلال فترة زمانية قصيرة، مقابل تأجيل توجه الأهالي نحو قراهم بدون التنسيق مع القوات العسكرية التابعة لقسد خوفاً من المواجهة.
وكان أحد الحضور قد ألقى بياناً باسم أهالي الشيوخ وقراها وبدعم وبحضور كافة عشائر منبج وريفها، طالب سلطات الإدارة الذاتية بحقهم في العودة إلى منطقة الشيوخ، منوهاً في كلمته: أنّهم قدموا العديد من الطلبات للعودة إلى قراهم لكنّها كانت وعود بدون تنفيذ. نافياً أن تكون المنطقة عسكرية. متهماً أناساً من خارج المنطقة بزراعة واستثمار أراضي المنطقة (أراضي السكان الأصليين من العرب)، مؤكداً على أنهم جهات مدنية ولا يتبعون لأي جهة سياسية.
قامت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بإرسال نسخة من التقرير إلى “مجلس منبج العسكري” في أوائل شهر أيار/مايو 2023، وطلبت توضيحات حول منع العائلات بالعودة إلى قراهم ومناطقهم ولم تتلقى أي ردّ رسمي حتى تاريخ نشر التقرير. |
صورة رقم (1) – خارطة تم رسمها من قبل “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” وتُظهر القرى العربية التي مُنع سكانها العرب من العودة إليها والقرى الكردية المحاذية التي سُمح للسكان الكرد بالعودة إليها.
2. نزوح جماعي بسبب العمليات العسكرية ومنع عودة:
منذ انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم “داعش” التي خاضتها قوات سوريا الديمقراطية في منطقة كوباني/عين العرب في صيف عام 2015، حرمت الأخيرة سكان عدد من القرى العربية والمختطلة ما بين الكرد والعرب (المحاذية لنهر الفرات الفاصل ما بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني السوري/المعارض)، ممن نزحوا من منطقتي شيخ فوقاني وشيوخ تحتاني بالعودة إلى منازلهم وقراهم، متذرعة بحجج كثيرة منها أن المنطقة ما تزال مليئة بالألغام أو أن المنطقة ما تزال منطقة أمنية، كما أنها اعتمدت سياسة انتقائية للسماح للاهالي بزيارة مؤقتة لمنازلهم وتفقدها، بحسب الشهادات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” لغرض هذا التقرير.
يتوزع السكان النازحون من تلك الناحيتين في ثلاث مناطق أساسية: منطقتي منبج والرقة اللتان تسطير عليهما قوات سوريا الديمقراطية، وفي منطقة جرابلس التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري/المعارض” المدعوم من تركيا.
المصادر التي التقتهم “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تقاطعت الروايات التي تحدثوا فيها حول المواعيد التي تقدموا بها بطلبات لمجلس منبج العسكري ومجلس أعيان العشائر، من أجل السماح لهم بالعودة إلى قراهم في الناحيتين، وبدأت هذه الطلبات منذ مطلع شهر شباط/فبراير 2016، واستمرت بشكل سنوي، كما قام سكان تلك الناحيتين بالخروج بمظاهرات للمطالبة بالعودة لكنها قوبلت بالرفض.
محمود الخالد (اسم مستعار لأحد نازحي منطقة جب الفرج/مصدر رقم 1) قال في شهادة حصرية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:
“أنا أنحدر من قرية جب الفرج في ناحية شيوخ تحتاني، عندما بدأت المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وتنظيم داعش في المنطقة نزحنا إلى جرابلس وجزء من سكان القرية هرب باتجاه منطقة منبج، بعد انتهاء المعارك حاولنا العودة إلى منازلنا عبر جسر كان يربط منطقة شيوخ تحتاني بمنطقة جرابلس تبيّن أن الجسر قد تمّ تفجيره من قبل داعش، وكانت حينها قوات سوريا الديمقراطية قد أصدرت تعميم بمنع عودة الأهالي بسبب وجود ألغام ومخلفات حربية في المنطقة. في عام 2017 حاولنا العودة من جديد إلى قريتنا وذلك عبر قارب لنجتاز نهر الفرات لكن الناس حذرونا من أن قوات سوريا الديمقراطية قد تستهدفنا باعتبار أننا قادمون من مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري والتي هي بحالة عداء معه، في كل مناسبة نحاول إعادة المطالبة بحقنا بالعودة إلى منازلنا وقرانا، مؤخرا أخبرنا مسؤول في قسد بأن ضرورات أمنية هي سبب عدم السماح للنازحين بالعودة إلى المنطقة، وأن هنالك اتهامات للنازحين من هذه القرى بأنهم كانوا يساندون داعش، ولكن هذه كلها مبررات غير صحيحة وغير واقعية.”
وحول آلية حصول النازحين على إذن زيارة إلى القرى التي ينحدرون منها أضاف المصدر:
“تجري العملية بأن يقوم الشخص بإحضار هوية شخصية تثبت أنه من سكان ناحية الشيوخ ومن ثم التوجه إلى مقر مجلس منبج العسكري الواقع في مطاحن مدينة منبج وتحديداً جنوب المدنية، ويملئ ورقة يطلب فيها أن يزور قريته من أجل الاطمئنان على منزله، لكن الموافقة تكون انتقائية ولا تتم الموافقة إلا على جزء ضئيل من الطلبات وذلك بحجة أن المنطقة ما تزال عسكرية”.
مصدر آخر/رقم 2 – وهو نازح من منطقة شيوخ تحتاني، فضّل استخدام اسم (قاسم الظاهر)، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهادته ما يلي:
“عندما بدأت المعارك بين قسد وداعش تركنا منازلنا ونزحنا باتجاه منطقة منبج وما نزال نقيم فيها حتى اليوم رغم انتهاء المعارك منذ زمن بعيد لكن ما تزال قسد ترفض عودتنا لمنازلنا. في عام 2016 عندما هدأت الأجواء وشعرنا أن بإمكاننا العودة توجه قسم كبير من النازحين إلى المنطقة لكن قبل الوصول إليها كانت حواجز قسد المنتشرة تمنع الناس من المرور بمجرد معرفة أنهم ينحدرون من ناحيتي شيوخ فوقاتي وشيوخ تحتاني، وكان الحاجر العسكري عند جسر قره قوزاق هو الذي يقوم بإعادة الأهالي”.
أضاف المصدر:
“حاولنا مراراً أن نعود إلى قرانا. وفي في عام 2018، قررنا المسير وقطع الجسر لكن قسد أطلقت النار علينا واضطررنا للعودة، وفي عام 2020 خرجنا بمظاهرة كبيرة في مدينة منبج بعدما وصلتنا أخبار بأن قسد قامت بتجريف منازل في قرية الجديدة قرب ناحية شيوخ فوقاتي، وطلبنا خلال المظاهرة توضيحات عن سبب منعنا من العودة، لكن قسد واجهت المظاهرة بالعنف وقامت باعتقال عشرات النازحين ممن شاركوا فيها وقاموا بإطلاق سراحهم لاحقا بعد ان أجبروهم على توقيع تعهد بعدم الخروج بمظاهرات مجددا”.
“محمد المحمد” أحد النازحين المنحدرين من قرية شيوخ فوقاني قال لسوريون من اجل الحقيقة والعدالة في شهادته ما يلي:
“بعدما نزحنا من المنطقة بسبب المعارك بقينا في منطقة جرابلس لفترة قصيرة ومن ثم توجهنا للإقامة في منبج ريثما تنتهي العمليات العسكرية بين قسد وداعش، وفي عام 2017 حاولت مع مجموعة من شبان القرية أن نعود لنرى الأوضاع وما إذا كان الوضع مناسباً لجلب عائلاتنا والعودة إلى منازلنا، لكن عندما وصلنا إلى حاجز قسد المعروف بـ حاجز جسر قره قوزاق منعنا الحاجز من المرور بعدما قرأوا على هوياتنا الشخصية بأننا ننحدر من منطقة شيوخ فوقاني”.
أمّا خالد الشيوخي (اسم مستعار لأحد النازحين) والذي ينحدر من قرية الشيوخ فوقاني يقول لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قال بأنّ عدد قليل من الأهالي استطاعوا زيارة المنطقة، قائلاً في شهادته:
“سمحت قسد لعدد من السكان بزيارة قراهم المهجرين منها لساعات، ولكن نحن المهجرون من قرية الشيوخ فوقاتي لم تسمح لنا بذلك واقتصر الأمر على السماح لبعض الوجهاء بزيارة القرية لساعات قليلة، حتى أن أي شخص يتوفى ونطالب بدفنه في القرية يأتي الطلب مع الرفض”.
وتابع المصدر في شهادته:
“باسمي وباسم سكان قريتنا وكل القرى التي يمنع على الناس العودة إليها، أطالب بأن يزور المنطقة وفد أممي لدراسة واقع القرى عن كثب والتأكد بأن ليس هناك سبب منطقي يمنع عودتنا إلى منازلنا، حيث أننا أكثر من 60 ألف نسمة مهجرون لأسباب واهية وغير قانونية”.
3. منع العودة يقتصر على العائلات العربية:
تقاطعت المعلومات التي حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من المصادر اللذين التقتهم حول الأسباب التي اتخذتها السلطات العسكرية المحلّية كحجة لمنع السكان العرب من العودة إلى قراهم، وكان هذه الأسباب تنحصر باتهامات لبعض السكان بأنّهم كانوا يساندون تنظيم داعش، أو أن المنطقة ما تزال تحوي ألغاماً، وأنها خط تماس مع الجيش الوطني السوري/المعارض، وفي ذات الوقت فسمحت قسد للسكان الكرد في القرى المحاذية باتجاه الشرق لتلك التي نزح منها العرب بالعودة والسكن فيها.
يقول المصدر يزن الشيوخي (اسم مستعار لأحد النازحين من شيوخ تحتاني ومقيم في جرابلس) لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:
“إن القرى العربية التي هجرها سكانها هي: شيوخ فوقاني وشيوخ تحتاني والعواصي والسليمانات والجديدة والحوايج وجب الفرج والعطو, بينما هناك قرى سكانها من الكرد وهي بمحاذاة القرى التي تهجرنا منها، وما يزال سكانها فيها حتى الآن وهي قرى: الدويرات والبوراز والعوينة وزرك وتعلك ودربازن. وإن عمليات منع العودة تقتصر على السكان العرب”.
كما يضيف المصدر “أحمد المصطفى” الذي ينحدر من قرية شيوخ فوقاني ويقيم حالياً في منطقة جرابلس لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
“ما حصل أنه بعد انتهاء المعارك بقيت قسد تعتبر قرانا كمناطق عسكرية، حاولنا كثيرا العودة لكن كان الرد يأتي من قسد دائما بالرفض، في عام 2018 شكلنا وفدا وذهبنا إلى الرقة والتقينا بنائب قائد إقليم الفرات في قوات سوريا الديمقراطية ويدعى (نجم أبو علي العميري) ودار بيننا نقاش طويل عن سبب منعنا من العودة، وكان الرد بان قرانا هي خطوط تماس، وأوضحنا له بأن كل المنطقة يوجد بها قرى على خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري وما يزال سكانها فيها، فقال إنه سينقل مطالبنا إلى القيادة العليا ولكن لم نتلقى أي رد حتى بعد أربع سنوات”.
المصدر خالد الشيوخي (اسم مستعار) يتابع في شهادته التي قدمها لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة:
“نزحنا من القرية في 20 نيسان / أبريل 2014 بسبب المعارك بين قسد وداعش، وبعد انتهائها رفضت قسد السماح لنا بالعودة إلى منازلنا بحجة أن سكان المنطقة كانوا يدعمون داعش، حاولنا العودة إلى في 15 تشرين الأول / أكتوبر ، وحاولنا في شباط / فبراير 2017 من خلال التقدم بطلب للحصول على إذن عودة للقرية من مجلس منبج العسكري، لكن طلبنا جاء بالرفض بحجة وجود ألغام في المنطقة، وفي تاريخ 19 حزيران / يونيو 2017 شكلنا وفدا من وجهاء المنطقة والتقينا بمسؤول العلاقات العامة في مجلس منبج العسكري ويدعى (هفال خليل رشو) حيث اخبرنا أنه ممنوع ان نعود إلى قرانا لأن سكان المنطقة ساعدت داعش في المعارك وهذا الكلام عار من الصحة، ولأن قرانا قريبة من خط التماس وأن قسد متخوفة من أن يقوم الأهالي في حال عودتهم بإعطاء إحداثيات المواقع العسكرية التابعة لها للجيش الوطني السوري”.
4. إسكان عائلات كردية في بعض القرى:
بعد سنوات من منع السكان الأصليين لناحيتي الشيوخ فوقاني والشيوخ تحتاني من العودة إلى منازلهم، وعندما سمح لعدد منهم بزيارة مؤقتة لساعات، تفاجئ عدد من السكان من وجود عوائل كردية تسكن منازلهم وتعمل في أراضيهم الزراعية، وهو ما أكّد عليه البيان الآخير خلال شهر آذار/مارس 2023. وعند الاستفسار عن سبب وجود تلك العوائل في المنطقة جائهم الرد من عدد من القيادات العسكرية بأنهم عوائل مهجّرة من منطقة عفرين وعوائل مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية قتلوا في معارك سابقة.
يقول المصدر (خالد الحمود) وهم اسم مستعار لأحد النازحين من ذات المنطقة في شهادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:
“استمرت قسد بمنعنا من العودة إلى مناطقنا، حتى العام 2022، عندما سمحت لقسم من السكان بالقيام بزيارة مؤقتة لقرية جب الفرج وقرية العواصي، وتمكن والدي في تاريخ 12 شباط/فبراير، من أخذ إذن من مجلس منبج العسكري للذهاب والاطمئنان على المنزل والحقل، لكن المفاجأة كانت عندما وصل والدي إلى القرية وشاهد بالفعل عدّة عائلات تقيم في منازل ليست ملكها، حتى أن منزلي ومنزل شقيقي كانت تقيم فيهم عائلات غريبة، وعندما حاول الاستفسار عن سبب سكنهم في القرية، طلب الأهالي منه زيارة نقطة عسكرية في القرية لطلب توضيح، وعندما وصل وسأل أخبروه بأن هذه العوائل التي تسكن في منازلنا هم ذوي مقاتلين من قوات سوريا الديمقرطية ممن قتلوا خلال المعارك مع الجيش الوطني والجيش التركي في منطقة عفرين أو هم مهجرون من عفرين”.
وتابع الشاهد في إفادته قائلاً
“بتاريخ 20 نيسان/أبريل 2022، عاد والدي مرة أخرى إلى القرية بعد أن حصل على إذن دخول جديد من مجلس منبج العسكري، وعندما وصل إلى القرية شاهد السكان الذين يقيمون في منازلنا وهم يقومون بزراعة أرضينا وعندما سألهم عن سبب قيامهم بالزراعة، فأخبروه بأنهم يعتبرون هذه الأرض أرضهم كبدل عن التي فقدوها عندما سيطر الجيش الوطني السوري والجيش التركي على منطقة عفرين”.
وبحسب المصدر فإنّ هنالك أكثر من 200 عائلة عائلة من منطقة عفرين تقيم منازل نزح منها أهلها، وتحديداً في قرية “جب الفرج” و”قرية العواصي” وفي أطراف ناحية “الشيوخ تحتاني”. فيما قال مصدر آخر، أنّ تلك العائلات بقيت بضعة أشهر ثم غادرت المنطقة باتجاه مناطق أخرى في شمال شرق سوريا.
محمد المحمد (اسم مستعار لأحد نازحي قرى الشيوخ والمقيمين في منبج) قال في شهادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة ما يلي:
“في عام 2018 تمكن بعض وجهاء القرية من زيارتها بعد أخذ إذن من قوات سوريا الديمقراطية، وعندما عادوا أخبرونا بأن المنازل جرى استخدمها لأغراض عسكرية، حيث قاموا بحفر أنفاق داخل غرف المنازل، وفي منزلي تحديدا كانواً قد حفروا نفقا داخل الصالة، وأن أغلب منازل قريتنا يقيم فيها عناصر من قسد وحولوها لمقرات عسكرية بحجة أنها قرية من خطوط التماس مع الجيش الوطني السوري، لكن هذه حجج واهية لأن القرى التي يسكن فيها الأكراد بالمنقطة ما تزال مسكونة رغم أنها خطوط تماس، لكنهم فقط يمنعون العرب من العودة”.
فيما اتهم (قاسم الظاهر/المصدر رقم 2) بمحاولة إحداث تغييرات ديمغرافية من خلال منع السكان العرب العودة في مقابل السماح لسكان القرى الكردية المجاورة، ودعا إلى مواجهة هذه الممارسات ووقفه.
كذلك يقول الشاهد قاسم الظاهر:
“قسد لا تريد إعادتنا للمنطقة لأنها تريد أن تحول منطقة عين العرب إلى منطقة للاكراد فقط، فهي تقوم الآن بتسكين عوائل كردية من عفرين في منازلنا وتعطيهم أراضينا ليعملوا بها، هذا الأمر يعتبر تغييراً ديمغرافياً ويجب مواجهته ووقفه”.
5. رأي قانوني:
يعتبر حظر التهجير القسري أحد العناصر المهمة في القانون الدولي الإنساني لحماية السكان المدنيين خلال النزاع المسلح. ويفترض القانون الدولي الإنساني من خلال هذا الحظر أن الأصل هو تجنيب السكان المدنيين آثار الأعمال العدائية بين أطراف النزاع، وأن بقاءهم آمنين في أماكن إقامتهم وسكنهم الأصلية هو جزء من الحماية الممنوحة لهم والتي على أطراف النزاع ضمانها. وبالتالي، فإن الظاهرة المتكررة لنزوح السكان المدنيين خلال النزاع المسلح يجب أن يكون الاستثناء.
لقد غادر السكان المدنيون في منطقة عين العرب/كوباني ممتلكاتهم ومناطق إقامتهم الأصلية بسبب التأثر بالأعمال العدائية أو الخوف من تبعاتها. قد يقوم أحد أطراف النزاع بإجلاء السكان المدنيين بما لا يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني في حال كان ذلك الإجراء للحفاظ على أمن هؤلاء السكان بهدف عدم تعريضهم لخطر جسيم لا يمكن منعه. غير أن الإجلاء القانوني للسكان المدنيين يجب أن يكون مؤقتاً بطبيعته وعلى الطرف المسؤول في النزاع المسلح أن يتعامل مع هذا الإجراء باعتباره مؤقتاً مما يرتب عليه جملة من الالتزامات القانونية الأخرى منها استقبال هؤلاء السكان في ظروف مُرضية من حيث المأوى والشروط الصحية والصحة البدنية والأمان والتغذية وعدم تفريق العائلة الواحدة، واحترام حقوقهم الملكية، وضمان عودتهم الطوعية بأمان إلى ديارهم أو أماكن سكناهم المعتادة.
تجدر الإشارة إلى أن العنصر الأساسي الذي يجعل من مغادرة السكان المدنيين لأماكن إقامتهم الأصلية انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني هو العوامل القهرية التي لا تترك لهم خياراً آخر سوى المغادرة. ومن الثابت في الفقه القضائي الدولي أن العوامل القهرية التي تجبر السكان على الرحيل لا تقتصر على القوة المباشرة، ولكنها قد تكون على أشكال أخرى مثل التهديد والاضطهاد وإساءة استخدام السلطة وغيرها.[1] إن سيطرة قوات سوريا الديموقراطية على المناطق التي هُجِّرَ منها السكان المدنيون موضوع التقرير وممارستها للسلطة عليها يجعل من استغلالها لذلك في منع عودة النازحين وإطالة أمد نزوحهم، بما يخالف شرط الوضع المؤقت للإجلاء في حال كان مشروعاً، إساءة لاستخدام السلطة بما قد يفسّر باعتباره أحد العوامل القهرية التي لا تترك خياراً للسكان سوى النزوح – أو استمرار هذا النزوح كما هو الحال في الشهادات الواردة في التقرير.
وفي الحالات التي يتم الادعاء بالضرورة العسكرية الملحّة كمبرر لتهجير السكان أو استمرار تهجيرهم، يجب ألا يتحول هذا الاستثناء إلى وسيلة لاضطهاد السكان المهجرين على الإطلاق. ويجب أن تخضع اعتبارات الضرورة العسكرية الملحّة لتقييم دقيق للظروف مما يجعل منها حالات استثنائية جداً. وقد أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى أن مبررات الضرورة العسكرية الملحّة يجب ألا تكون ذات دوافع سياسية، وعليه يحظر تهجير السكان أو الإبقاء على تهجيرهم في سبيل ممارسة المزيد من السيطرة الفعالة عل مجموعة إثنية معينة على سبيل المثال. إن التمييز الذي يعرضه التقرير من خلال شهادات الضحايا لجهة اقتصار منع العودة على العائلات العربية يعتبر تجسيداً عملياً للوضع المشار إليه في تعليق اللجنة الدولية للصليب الأحمر حيث أن مظاهر التمييز هذه تعتبر أحد أشكال القهر وقد يرقى ليكون أحد عناصر الاضطهاد كجريمة ضد الإنسانية إذا ما ثبت ارتكابه في سياق هجوم ممنهج أو واسع النطاق ضد سكان مدنيين بالمعنى الوارد في المادة 7(1)(h) من ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، بالإضافة إلى أن التهجير القسري بحد ذاته قد يرقى ليكون جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.[2]
إن حق السكان المدنيين الذين تم تهجيرهم بالعودة بأمان إلى ديارهم مكفول بموجب القانون الدولي عموماً، وفي القانون الدولي الإنساني في حالة النزاع المسلح خصوصاً كما تنص القاعدة ١٣٢ من قاعدة بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي. إن الإطار المنطقي لهذا الحق هو وجوب أن يكون النزوح/التهجير حالة مؤقتة. وكي يتم إعمال هذا الحق، يترتب على السلطات المختصة المعنية – وهي بطبيعة الحال الجهة المسيطرة على أماكن الإقامة الأصلية للنازحين – مسؤولية تهيئة الظروف وتوفير الوسائل لتحقيق هذه العودة، وهو ما أكدته أيضاً مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن النزوح الداخلي. إن تذرع قوات سوريا الديموقراطية بالأسباب الأمنية أو ظروف عسكرية أخرى مثل الألغام بعد مرور عدة سنوات على انتهاء العمليات العدائية في المنطقة التي اضطر بسببها السكان المدنيون للنزوح لا يمكن قبوله في سياق الضرورة العسكرية الملحّة، كما أنه يعتبر فشلاً من قبل هذه الجهة في إنفاذ التزاماتها بتوفير الظروف المناسبة للعودة الآمنة. يقع على عاتق أطراف النزاع مسؤولية إنفاذ الحقوق ولا يمكن تحميل السكان المهجرين باعتبارهم ضحايا مسؤولية عدم القيام بتهيئة هذه الظروف وإطالة أمد نزوحهم.
وفي السياق ذاته الذي قد يندرج ضمن العناصر التي تعزز من احتمالية أن ترقى ممارسات منع العائلات العربية من العودة إلى ديارهم إلى أفعال جرمية هو القيام بمصادرة والاستيلاء على الممتلكات الخاصة لتلك العائلات. يحظر القانون الدولي الإنساني السيطرة على الممتلكات إلا في حالة الضرورة العسكرية. ولا تعتبر طبيعة أو موقع الملكية المصادرة العنصر الوحيد في تحديد وجود ضرورة عسكرية، إنما كيف يتم استخدام هذه الملكية من قبل المستولين عليها.[3] إن الاستيلاء على ممتلكات العائلات العربية وفق الشهادات الواردة في التقرير كان يهدف إلى استخدامها لغايات غير مرتبطة بالأعمال العدائية والعمليات العسكرية عموماً. فإسكان عائلات المقاتلين في تلك الملكيات لا يمكن بأي شكل اعتباره ضرورة عسكرية. كما أن معالجة نزوح سكان مدنيين من منطقة أخرى – عفرين – عبر الاستيلاء على ملكيات السكان الأصليين يعتبر انتهاكاً واضحاً لأحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الممارسات تعتبر تمييزاً مجحفاً بحق العالات العربية على مستويين: أولاً منعهم دون سواهم من العودة، وثانياً التعامل مع قضية النازحين من عفرين على حساب حق العائلات العربية في ملكياتهم وفي العودة لديارهم.
من وجهة نظر التشريعات السورية:
إن ممارسات قوات سورية الديمقراطية وفق ما وردت على لسان الضحايا الذين تم الاستماع اليهم في هذا التقرير، تشكل انتهاكاً لما ورد في الكثير من العهود والمواثيق الدولية ــ وفق ما تم ذكره آنفاً ــ فإنها تخالف أيضا التشريعات السورية النافذة، كما وتخالف تشريعات الإدارة الذاتية نفسها، وفق ما سيتم تفصيله في الأسطر التالية.
فعدم السماح لمالكي العقارات الموجودة في المناطق والقرى التي تناولها التقرير بالعودة لديارهم، يخالف صراحة نص المادة 15 من الدستور السوري النافذ منذ عام 2012، والتي أكدت إن الملكية الخاصة مصانة، ولا تنزع إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض يعادل القيمة الحقيقية للملكية، وقد توصل التقرير إلى إنه لم يتم تعويض أي من المالكين الذين كانوا ضحايا عمليات الاستيلاء تلك. وعدم السماح للمالكين من المكون العربي بالعودة إلى ديارهم وإدارة أملاكهم، مع منح هذه الميزة للمالكين الكرد في القرى المجاورة، إضافة إلى إسكان عائلات كردية في منازل مالكين عرب مهجرين، يشكل إخلالاً بمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 33 ف3 من الدستور السوري، حيث نصت على أن ” المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة”.
زد على ذلك، فإن الانتهاكات الواردة في هذا التقرير تخالف ما ورد في القانون المدني السوري رقم 84 لعام 1949، والذي أكد على عدم جواز حرمان أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون على أن يكون ذلك مقابل تعويض عادل، (المادة 770)، وبأن لمالك الشيء وحده الحق في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته مالم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك (المادة 771)، ولم تقف التشريعات السورية عند هذا الحد، بل إعتبر قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 إن الاستيلاء على عقار الغير بدون وجود سند رسمي يشكل جريمة غصب عقار يعاقب فاعلها بالحبس (المادة 723)، كما إن الدخول الى العقارات المذكورة في التقرير وإسكان عائلات أخرى فيها يشكل جريمة غصب العقار المعاقب عليها بموجب المادة 557 من القانون المذكور.
وإذا افترضنا جدلاً إن الإدارة الذاتية تعتبر نفسها بمنأى عن تطبيق التشريعات السورية في مناطق نفوذها كون لها قوانينها الخاصة بها، فإن الممارسات والانتهاكات المذكورة في التقرير تخالف تلك القوانين أيضاً، فالمادة 20 من ميثاق العقد الاجتماعي، والذي يعتبر دستور الادارة الذاتية، أكدت بان العهود والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان تعتبر جزءا أساسيا و مكملا لهذا العقد، وقد ذكرنا سابقا بأن تلك الانتهاكات تخالف العهود والمواثيق الدولية. كما إن عمليات الاستيلاء على عقارات الضحايا المذكورين في هذا التقرير تخالف صراحة نص المادة 42 من الميثاق المذكور والتي أكدت بأن ” للجميع حق التملك، والملكية الخاصة مصانة، ولا يحرم أحد من التصرف بملكه إلا وفق القانون ولا ينتزع منه إلا لأغراض المنفعة العامة شرط تعويضه تعويضا عادلا حال رفع يده عن ملكه”.
وتعتبر محاباة بعض المواطنين على حساب البعض الآخر خرقا للمادة السادسة من الميثاق والتي نصت على أن ” جميع أفراد ومكونات الإدارة الذاتية الديمقراطية متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات”.
وكذلك عاقب قانون العقوبات الصادر عن الادارة الذاتية على الاستيلاء على عقار الغير بدون سند قانوني، حيث نصت المادة 141 من القانون المذكور على أنه ” يعاقب بالحبس من سنة الى سنتين من استولى على عقار او جزء منه دون ان يستند على سندا رسميا بالملكية او التصرف واذا ارتكب الجرم بالتهديد او بأشتراك جماعة شددة العقوبة على ان لا تقل عن الحبس سنة ونصف ولا تزيد على ثلاث سنوات”.
ووفقا للميثاق ذاته يعتبر حق التعبير والتظاهر السلمي من الحقوق الأساسية لكل من يعيش في مناطق نفوذ الادارة الذاتية (المادة 25)، إلا إن قوات سوريا الديمقراطية انتهكت هذا الحق عندما قامت بفض المظاهرات السلمية بالقوة واعتقلت بعض المتظاهرين لمنعهم مستقبلا من تنظيم هكذا تظاهرات.
[1] See for example ICTY, Prosecutor v. Radovan Karadžić, “Public Redacted Version of Judgment Issued on 24 March 2016”, IT-95-5/18-T, 24 March 2016, §§ 489-491.
[2] Rome Statute, Articles 7(1)(d) and 8(2)(e)(viii).
[3] ICTY, Prosecutor v. Gotovina et al., Case No. IT-06-90-T, Judgement (TC), 15 April 2011, § 1783.