ترحب “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” بالدعوة التي وجهها المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لمعالجة قضية انعدام الجنسية في جميع أنحاء العالم. نود أن نستغل هذه الفرصة لتزويد المفوض السامي لشؤون اللاجئين بمعلومات حول مصير الأشخاص عديمي الجنسية في سوريا.
يَحرم انعدام الجنسية الأفراد من حقهم الأساسي في الجنسية/المواطنة. ويؤدي غياب الاعتراف هذا إلى استبعادهم من المشاركة المدنية والسياسية والاجتماعية، وحرمانهم من الوصول إلى حقوقهم وتهميشهم في مجتمعاتهم.
طوال عقود قضاها الكرد في ظل الحكومة السورية، حُرموا جزئياً من الاعتراف بهم قانونياً ومن حقهم بالمواطنة والتمتع بحقوق الإنسان الأساسية. قبل ستين عاماً، في عام 1962، وبعد إحصاء سكاني[1] جرى في محافظة الحسكة، خلقت الحكومة السورية وضعين للسكان الأكراد: وضع “الأجانب”، ووضع “المكتومين”، وهم عديمو الجنسية المحرومون من الوجود الإداري والقانوني. تأثر بهذا التعداد أيضاً عدد من أبناء قبائل البدو الرُّحَّل، والأطفال، لا سيما مجهولو النَّسَب وأبناء المعارضين السياسيين.
تستمر ممارسة هذه الأنماط من الانتهاكات بصورة ممنهجة، رغم صدور المرسوم رقم 49 لعام 2011، والذي منح الجنسية لفئة “الأجانب” المذكورة آنفاً. ولم يشمل هذا المرسوم “المكتومينَ” على أي حال. في عام 2018، أكدت المعلومات التي جمعتها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أن حوالي 50,000 من “المكتومين” أصبحوا مواطنين في نهاية المطاف من خلال إعلانهم “أجانب” أولاً، ثم إجراء عملية التجنيس. ومع ذلك، ما زال هناك حوالي 150,000 شخص محرومين من حقوقهم ويتعرضون للتمييز والإغفال.[2]
ورغم الإعلان الرسمي الذي نشرته الحكومة السورية عام 2021[3] عبر موقع فيسبوك وحددت فيه 6 خطوات للمكتومين للحصول على الجنسية، أفاد العديد من نشطاء حقوق الإنسان والمحامين الذين أشرفوا على ملفات موكليهم “المكتومين” أن إجراءات الجنسية معقدة للغاية وأن الموافقة على منح الجنسية للمكتومين هي مجرد “قرار أمني”.
في سياق النزاع السوري، ومنذ عام 2011، أصبح انعدام الجنسية مشكلة متزايدة لا سيما في تأثيره على حياة الأطفال. فالأطفال من اللاجئين معرضون بشكل خاص لانعدام الجنسية. فبحسب قانون الأحوال المدنية لعام 2021،[4] لا يمكن تسجيل الأطفال في مراكز التسجيل المدني (النفوس) ما لم يكن زواج الوالدين مسجلاً. في الواقع، غالباً لا يتمكن السوريون اللاجئون في الخارج، أو النازحون في الداخل، من تسجيل وقائع الزواج، وهذا يمنعهم من تسجيل الولادات ويجعل أطفالهم عديمي الجنسية.[5]
يُضاف إلى هذا خوفُ السوريين من الاضطهاد ومن الفساد، وهذا بدوره يمنع الأزواج من السوريين من اتباع مثل هذه الإجراءات. وعلاوة على ما سبق، هناك الأطفال الذين ولدوا لسوريات متزوجات من مقاتلين أجانب؛ والأطفال الذين يولدون نتيجة تعرض أمهاتهن للاغتصاب في مراكز الاحتجاز أو نقاط التفتيش الأمنية؛ والأطفال الذين فقد ذووهم وثائقهم الشخصية أثناء النزوح؛ جميع هؤلاء مهددون بخطر انعدام الجنسية.
لهذا الوضع عواقب على الحياة اليومية. إن حرمان الأشخاص من الجنسية يؤدي إلى منعهم من ممارسة حقوقهم، ويشجع على التمييز المحظور بموجب المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.[6] لهذا التمييز جذوره العميقة في التحيز المبني على النوع الاجتماعي؛ حيث ما زالت نساء سوريا غير قادرات على منح جنسيَّتهنَّ لأطفالهنّ.
إن انعدام الوجود القانوني يجعل مشاركة الأشخاص المحرومين من الجنسية في الشؤون المدنية والعامة أمراً مستحيلاً عملياً. ورغم أن الجمهورية العربية السورية لم تنضم إلى اتفاقية عام 1954 بشأن الأشخاص عديمي الجنسية[7] واتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية؛[8] لكن يجب على الدولة ألا تفسر سلطتها السيادية دون مراعاة مسؤولياتها وواجباتها في حماية وإعمال حقوق الإنسان، وفقاً لما جاء في المادة الثامنة من “إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية”.[9]
توصيات للمفوَّض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين:
- الضغط على الحكومة السورية لتسهيل إجراءات تسجيل الأطفال السوريين الذين ولدوا خلال النزاع؛ وخاصة الأطفال النازحين واللاجئين. وهذا يتطلب إعادة النظر في “الموافقات الأمنية” المطلوبة من قبل الأجهزة الأمنية السورية، والحدّ من الصلاحيات الواسعة الممنوحة لتلك الأجهزة دون أي مبرر قانوني.
- الضغط على الحكومة السورية من أجل تسهيل إجراءات الاعتراف وتثبيت وثائق تسجيل الزواج والولادة للسوريين/ات، والتي تم إصدارها في الدول التي حدث فيها الزواج أو الولادة.
- التوسط نيابة عن عديمي الجنسية والمطالبة بقانون يعالج قضية الكرد السوريين المحرومين من الجنسية بموجب الإحصاء السكاني غير العادل الذي جرى عام 1962، وخاصة “المكتومين”.
- الضغط على الدولة السورية من أجل تعديل قانون الجنسية السورية الحالي بما يحقق المساواة بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالجنسية، ويعطي الأم السورية الحق في منح جنسيتها لأولادها، تماماً كما يعطيه للأب.
[1] أمر المرسوم رقم 93 الصادر في 23 آب/أغسطس 1962 بإجراء إحصاء سكاني بناءً على المرسوم رقم 1 الصادر في 30 نيسان/أبريل 1962، والقرار الوزاري رقم 106 الصادر في 23 آب/أغسطس 1962.
[2] «سوريا والحرمان الجنسية: محنة بلا نهاية». سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، 05 تشرين الأول/أكتوبر 2022.
[3] المرجع السابق نفسه.
[4] القانون رقم 13 لعام 2017.
[5] المادة 28 من القانون رقم 13 لعام 2017 (قانون الأحوال المدنية). وردت نفس الأحكام في قانون الأحوال المدنية الذي حمل الرقم 26 لعام 2007.
[6] مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، 1966.
[7] مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “اتفاقية بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية”، 1954.
[8] مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، “اتفاقية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية”، 1961.
https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/convention-reduction-statelessness
[9] مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، “إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية”، 1992.