بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2022، انتشر مقطع فيديو لسيدة دمشقية تشكو أثناء مقابلة لها في إحدى شوارع العاصمة دمشق مع إذاعة “نينار إف إم” حرمانها من أملاكها ومصادرتها من قبل الحكومة السورية في حي “بساتين الرازي” الملاصق لرئاسة الوزراء، وذلك بسبب المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012، والذي نصّ آنذلك على إحداث “منطقتين تنظيميتين” في منطقة جنوب شرق المزة و وجنوب المتحلق الجنوبي بدمشق.
“كان عندي ملك وحرموني ياه“، بهذه الكلمات أجابت السيدة على سؤال للمذيعة فيما إذا كانت”تسكن حالياً في منزل بالإيجار أم بالمُلك؟ وأردفت السيدة غاضبة:
“كنت أملك منزلاً في المزة بساتين، ولكن تمّ حرماني منه ومصادرته حيث كان المنزل” سبع نجوم” (كناية عن حالة المنزل الإنشائية الجيدة والصالحة للسكن ومساحته الواسعة)”. وأضافت بالقول:
“لقد تعبت بكل قرش حتى تمكنت من امتلاك منزل في البساتين (المزة خلف مشفى الرازي)، وأتعجب لماذا سمحوا لنا (المقصود بها الحكومة السورية/محافظة دمشق) بالبناء منذ البداية في هذه المنطقة إذا كان من الممنوع إشادة البيوت عليها!! علما بأننا دفعنا الرشاوي مقابل السماح لنا بالبناء (أشارت بأن دفع الرشوة تمّ منذ 23 عشرين عاماً/منذ عام 1989).
وأكملت حديثها متسائلة:
“من هي الجهة المسؤولة عن تهجيري ومصادرة أملاكي؟ لقد تُوفي زوجي غضباً ومرارة على فقدان ملكه، كما وأننا أخبرنا في ذاك الوقت السيد “جمال اليوسف “(المقصود هنا مدير التنظيم والتخطيط في محافظة دمشق)، أنّ توقيت إصدار القانون (المقصود هو المرسوم 66 لعام 2012) والشروع في تنفيذ هذا المشروع جاء في غير أوانه، حيث أننا مازلنا نعيش حالة الحرب حتى هذه اللحظة وأنّ البلد مثل جسم الإنسان المريض حالياً، فهل يعقل أن نقوم بعملية تجميل لهذا الإنسان المريض؟ ووهل هذا هو الوقت المناسب للعمران في زمن الحرب؟، هذا جنون و”تهجير للعباد” وقصف لأرزاق السكان التي تملك فقط محلات صغيرة هنالك، علماً أن غالبية الأهالي يعيشون من منتجات الأراضي التي يمتلكونها.”
وعندما سألت المذيعة السيدة: هل أنتم من المشمولين بالقانون 66 عام 2012؟ فأجابت بالقول:
“خضع منزلي للمرسوم 66 عام 2012، وأتقاضى حالياً بدل ايجار بخس حوالي 500 ألف ليرة سورية في السنة (أي ما يعادل 137 دولار أمريكي سنوياً)، وعندما توفي زوجي تمّ توزيع المبلغ بين الأولاد الورثة وورثت جزء من هذا البدل القليل أصلاّ، وبقي لي حوالي 100 ألف ليرة سورية في السنة (أي ما يعادل 27 دولار أمريكي سنوياً). علماً أنه ومع ارتفاع الأسعار في هذه الأيام لا يكفي هذا المبلغ حتى لقوت يومي.”
وختمت قائلة:
“هذا بلدي ووطني ولدي حقوق فيه، أنا مقيمة حالياً في بيت بالآجار ومصنوع من التراب/ الطين وربّما سينهار عليّ بأية لحظة! وما يزيدُ الطينَ بلّة؛ أن هناك مشروع أخر بالقرب من جسر المواساة سيجرف معه كل البيوت هناك.”
ما هو المرسوم التشريعي رقم 66 عام 2021؟
بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر 2012، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي الذي حمل الرقم 66. ونص على إحداث “منطقتين تنظيميتين” في محافظة دمشق ضمن المصور العام لمدينة دمشق بحجة “تطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي” وفق الدراسات التنظيمية التفصيلية المعدّة لهما. وقد حدد المرسوم تلك المنطقتين في مادته الأولى منه بما يلي:
المنطقة الأولى: تنظيم منطقة جنوب شرق المزة من المنطقتين العقاريتين مزة – كفرسوسة، وسميت لاحقاً (ماروتا ستي). المنطقة الثانية: تنظيم جنوبي المتحلق الجنوبي من المناطق العقارية مزة – كفرسوسة – قنوات بساتين – داريا – قدم، وسميت لاحقا (باسيليا سيتي).
وأخضعهما القانون لأحكام تنظيمية خاصة تختلف عن الأحكام المعمول بها بموجب القانون السوري الساري عليها آنذاك رقم 9 عام 1974. حتى تاريخ إصدار المرسوم رقم 66، كانت تلك المناطق خاضعة للقانون رقم 9 والذي كان ينصّ على اقتطاعات مجانّية بحدود ثلث المساحة المصادرة للمشيدات العامة. وفي حال إذا زادت المساحة المقتطعة على النصف يترتب على الجهة الإدارية دفع ثمن المساحة الزائدة ويتم تقدير هذا الثمن وفقاً لأحكام قانون الاستملاك. ولم يكن ينصّ على (سكن بديل) خلافاً لمواد المرسوم 66. |
تبريرات علنية جوفاء لعمليات “تنظيم” المناطق المشمولة بالمرسوم 66
بررت السلطات السورية عملية “تنظيم تلك المناطق” لكونها مناطق سكن عشوائي ومخالفات (عشوائيات)، وبالتالي سوف تعمل محافظة دمشق على إعادة إعمار تلك المناطق وتجميل المدينة ومنح تراخيص بالبناء بالشراكة مع الشركات الخاصة، بهدف جعل دمشق مركز مالي وتجاري. علماً بأن هنالك مناطق أخرى تصنف على أنّها أماكن عشوائية، وهي أيضاً قريبة من المزة/الرازي، ولكن الحكومة لم تشرع في البدء بعملية تنظيمها.
تعتقد “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” أنّ السبب الأساسي للتركيز على “تنظيم مناطق” وتجاهل أخرى؛ هو رؤية السلطات السورية للمناطق الأخرى القريبة من المزة (مثل المزة 86) على أنّها مناطق موالية للحكومة، فيما ترى مناطق مثل الرازي والبساتين المحيطة بها هي مناطق معارضة لها، احتضنت المجموعات العسكرية المسلّحة وباتت تشكل خطراً عليها. |
وإضافة لقضية التأييد السياسي، يبدو أنّ الحكومة السورية تنبهت إلى الأهمية الاستراتيجية لمنطقتي التنظيم بالنسبة للعاصمة دمشق، ووقوعها بالقرب من الاتستراد الدولي المعروف باسم (المتحلق الجنوبي) الذي يصل جنوب العاصمة بشمالها، دون المرور بمركز المدينة، وبالتالي يبدو أنّ الحكومة السورية تعتبر هذه المناطق “خط دفاع أول” عن العاصمة ضد أي احتجاجات أو عمليات عسكرية تقوم بها الفصائل المناهضة للحكومة.
إشكالية المرسوم رقم 66 المتعلقة بـ”الاقتطاع المجاني” لصالح محافظة دمشق:
يعتبر اصدار المرسوم التشريعي رقم 66 عام 2012، استثناء من قانون التنظيم العام النافذ آنذالك، وهو المرسوم رقم 9 لعام 1974. ويبدو أن السبب الأساسي لصدور المرسوم رقم 66 لعام 2021، هو تعزيز قدرة الحكومة على تملّك عدد كبير من المقاسم (مساحة الأراضي والأبنية) التي تستطيع محافظة دمشق الاستئثار بها “مجاناً” في المنطقتين بدون معيار أو سقف أو رقابة.
بالإضافة إلى ذلك، يعزز المرسوم 66 قدرة الحكومة على تخصيص مقاسم مخصصة للمشيدات العامّة (دور عبادة مشافي مدارس.. ألخ) من أملاك الناس دون إلزام نفسها بتعويض حقيقي وعادل للمتضررين. ومنحها صلاحيات إسكان سكان تلك المنطقة المستولى عليها في مساكن بديلة قد لا تساوي/تعادل ربع قيمة المساكن الأساسية. وهو ما يُعتبر انتهاكاً خطيراً لحقوق الملكية، حيث تقوم فيها محافظة دمشق بالإثراء على حساب المالكين الأساسيين عبر تجاوزها ملكيتها الشائعة التي حددها لها القانون 66 نفسه، وهو ما يعدّ خرقاً جسيماً للدستور السوري النافذ (دستور عام 2012)، وتحديداً في المادة 15 منه، والتي تقضي بصيانة الملكية العامّة والخاصة وعدم نزع تلك الملكيات إلا بأحكام قضائية نهائية.
أيضاً، يشكّل المرسوم 66 خرقاً للمادة 771 من القانون المدني السوري، حيث لا يجوز أن يحرم أحد ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون، وبالطريقة التي يرسمها. ويكون ذلك في مقابل تعويض عادل.
علاوة على ذلك، فقد نصّت المادة 10 من المرسوم 66 عام 2012، بأن يكون التعويض المفروض منحه للسكان، معادلاً للقيمة الحقيقية قبل تاريخ صدور هذا المرسوم التشريعي مباشرة وأن يسقط من الحساب كل ارتفاع طرأ على الأسعار نتيجة صدور هذا المرسوم التشريعي، وهو ما يعني؛ بأن مجلس محافظة دمشق بالشراكة مع الشركات الخاصة ستتملك الأراضي وتدفع ” التعويض” للناس المصادرة بيوتهم بأسعار زهيدة (لأن المنطقة غير منظمة) وثم تعيد بيعها – بعد التنظيم بأسعار مرتفعة للغاية لأناس آخرين منهم مستثمرون، مما تعتبر مخالفة قانونية واثراء بلا سبب على حساب سكان المنطقة. ناهيك عن التعسف في عملية تقييم القيمة الحقيقة للأرض نفسها قبل الاقتطاع.
تعسف في استعمال الحق:
من الأمثلة الواقعية على عملية الاقتطاع التعسفية بحق ملكيات الناس، ما حدث في مشروع (ماروتا سيتي)، حيث قامت محافظة دمشق باستغلال التفويض الممنوح لها في المرسوم 66 واقتطعت مساحة كبيرة كمحاضر مخصصة لتوسيع مبنى “رئاسة مجلس الوزراء” ومبنى “مجلس الشعب” الجديد والإدارات الملحقة بهما. في حين أن هذه المساحات لم ينص عليها القانون 66 أصلاً، ولا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال اعتبارها من المشيدات العامة، وذلك حسب الرأي الصريح للقسم الاستشاري في مجلس الدولة رقم 133 لسنة 1964 والقائل:
“لا يدخل في هذه المشيدات العامة الأبنية المخصصة للدوائر الرسمية لكون هذه أملاك البلدية وليس لها علاقة بالسلطات البلدية، بل أنها من أملاك الدولة وتنظمها أحكام قانونية خاصة”.
صورة رقم (1) – نسخة عن التصميم الهندسي لمنطقة (ماروتا سيتي) وتوزيعات المقاسم بحسب منصة مشروع ماروتا سيتي على الفيس بوك. ويُلاحظ في أعلى الصورة على اليمين (باللون الرمادي) كمية الأرض المقتطعة .لتوسيع رئاسة مجلس الوزراء ومجلس الشعب والإدارات الملحق لهمها.
صورة رقم (2) – نسخة عن المخططات التنظيمية والمقاسم في مشروع ماروتا سيتي/ الرموز ومناهج الوجائب/ بحسب الصفحة الرسمية لمشروع ماروتا سيتي.
إشكالية المرسوم 66 ذات الصلة بالسكن البديل:
نصّ القانون رقم 66 عام 2012، على إلزام محافظة دمشق بتأمين “سكن بديل”، للشاغلين المستحقين في المنطقة التنظيمية، على أنّ يتمّ منحهم تعويضاً يعادل بدل الإيجار السنوي، إلى حين تسلّمهم “سكناً بديلاً”. ويتمّ اعتماد المساكن البديلة بقرار من وزير الاشغال العامة والإسكان في المنطقة التنظيمية فقط للأشخاص الذين تواجدوا في المنطقة أثناء صدور المرسوم (الشاغل المقيم)، أي أنّ المرسوم يتجاهل حقوق النازحين داخلياً واللاجئين أو المطلوبين أمنياً من سكان تلك المناطق التي عّرف أنّها شهدت اضطرابات وأحياناً مواجهات عسكرية.
من الأهمية بمكان أيضاً، الإشارة أيضاً، إلى أنّ محافظة دمشق اقتطعت 50 مقسماً من هذه المناطق التنظيمية، وأدخلتها في ملكيتها الخاصّة، ثمّ قام المحافظ بنقل ملكية تلك الأقسام/المقاسم (الأسهم التي تملكها الدولة) لشركة (دمشق الشام القابضة) التي قامت بتملّكها للمقاسم، مقابل وعود بإعطاء مساكن بديلة وتعويضات بسيطة للسكان.