مقدمة: تضاعفت مأساة آلاف اللاجئين السوريين العالقين في مخيم الركبان الواقع على الحدود الأردنية السورية، وذلك عقب عدة تفجيرات انتحارية قام بها التنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية" والمعروف باسم تنظيم "داعش"، وباتت تلك التفجيرات هاجساً آخراً يفاقم معاناة اللاجئين/النازحين السوريين، ولاسيما أنهم يعيشون ظروفاً معيشية قاسية، وكان آخر تلك التفجيرات قد وقع بتاريخ 15 أيار/مايو 2017، حيث لقي عدة مدنيين مصرعهم وجرح العشرات نتيجة انفجار سيارة مفخخة هزت سوق المخيم الرئيسي وذلك وفق ما قاله مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في درعا.
يقع مخيم الركبان بالقرب من نقطة التقاء الحدود الأردنية السورية ويبعد إلى الغرب من معبر التنف الحدودي مسافة (25كم) تقريباً، وبدأت نشأة هذا المخيم نتيجة تجمع العديد من اللاجئين الفارين من مناطق النزاع المسلح في محافظة حمص ومنطقة البادية السورية ومناطق الشمال السوري، وذلك بعدما منعتهم السلطات الأردنية من الدخول إلى أراضيها في شهر آذار/مارس 2015، بحجة أن أعداد اللاجئين السوريين قد تجاوزت طاقة استيعاب الأردن.
وتتواجد أكثر من نصف خيام اللاجئين في المنطقة "المنزوعة السلاح"[1]، وماتبقى منها يمتد داخل الأراضي السورية، وتبلغ أعداد اللاجئين في هذا المخيم العشوائي والواقع في منطقة صحراوية مايزيد عن خمسة وسبعين ألف لاجئ وفق مصادر عديدة وبحسب تقديرات مراسل سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
صورة مأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية، تظهر الموقع التقريبي لمخيم الركبان على الحدود الأردنية السورية، والذي يبعد إلى الغرب من معبر التنف الحدودي مسافة (25كم).
صورة تظهر خيم اللاجئين السوريين العالقين في مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية– مصدر الصورة: نشطاء من المخيم نفسه.
أولاً: تفجير سيارة مفخخة ودراجة نارية في السوق الشعبي داخل مخيم الركبان:
في تمام الساعة الثامنة مساءً من يوم الإثنين 15 أيار/مايو 2017، ضرب انفجاران سوق المخيم الرئيسي، حيث استهدف تنظيم "داعش" عناصر من "جيش أحرار العشائر" [2] التابع للمعارضة السورية المسلحة بسيارة مفخخة، خلال قيامهم بدورية أمنية داخل المخيم، ولدى تجمع المدنيين لإسعاف الجرحى الذين سقطوا في الانفجار الأول، وقع انفجار آخر بواسطة دراجة نارية، ما ضاعف أعداد القتلى والجرحى من المدنيين، وذلك وفق شهادات أدلى بها سكان المخيم لسوريين من أجل الحقيقة والعدالة.
"فرج الفرج" وهو أحد سكان المخيم من ريف حمص، تحدث لسوريين من أجل الحقيقة والعدالة حول التفجيرين اللذين ضربا سوق المخيم الرئيسي، بما أنه كان قريباً من موقعهما وشاهداً عليهما لحظة وقوعهما، حيث قال:
"استهدف التفجيران السوق الرئيسي الواقع في الجهة الشمالية من مخيم الركبان، حيث تتواجد العديد من المحلات التجارية المخصصة لبيع المواد الغذائية والخضار والألبسة، كما أنهما كانا على مقربة من صهريج مخصص لبيع المحروقات، وأودى التفجير الأول بحياة ثلاثة مدنيين على الأقل إلى جانب خمسة من عناصر المعارضة المسلحة، وبمجرد وقوع التفجير الثاني، تضاعفت أعداد القتلى من المدنيين، وبلغت في الحصيلة النهائية عشرة قتلى، بينهم الطفل "محمد العمور" ابن (12عاماً) وهو من مدينة تدمر، فضلاً عن خمسة آخرين من عناصر المعارضة، كما أسفر التفجيران عن سقوط ما يزيد عن عشرين جريحاً تم نقلهم إلى مشافي المملكة الأردنية لتلقي العلاج، ومن شدة الانفجارين تحولت معظم جثث الضحايا إلى أشلاء."
ووفق ما قاله أهالي المخيم، فإن تأخر السلطات الأردنية في السماح للجرحى بالعبور وتلقي العلاج -لحين استكمال إجراءاتها الأمنية- حتى صبيحة اليوم التالي، زاد من سوء أحوال الجرحى ذوي الإصابات الخطيرة، وأودى بحياة واحد منهم على الأقل، لا سيما أن مخيم الركبان لا يحوي مراكز طبية قادرة على استقبال وعلاج تلك الحالات.
صورة تظهر تبني تنظيم "داعش" للتفجيرين الانتحاريين اللذين ضربا السوق الرئيسي لمخيم الركبان بتاريخ 15 أيار/مايو 2017- مصدر الصورة: موقع سايت لمراقبة الحركات الإسلامية المتشددة .
صورة تظهر جزءاً من السوق الرئيسي داخل مخيم الركبان وذلك عقب التفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا فيه بتاريخ 15 أيار/مايو 2017– مصدر الصورة: نشطاء من المخيم.
صورتان تظهران احتراق بعض الحافلات والمحلات التجارية عقب التفجيرين الانتحاريين اللذين ضربا السوق الرئيسي في مخيم الركبان بتاريخ 15 أيار/مايو 2017– مصدر الصورة: شبكة تدمر الإخبارية.
وبدوره استطاع مراسل "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" توثيق مقتل أحد سكان المخيم عقب التفجيرين الانتحاريين اللذين ضربا سوق المخيم الرئيسي، وهو "فادي العبد الكافي المحمد" من مدينة تدمر في محافظة حمص، إلى جانب بعض عناصر الحراسة وهم "أيمن ظاهر البحير، محمود عليوي شيخو، محسن جلود الأسعد، علي سليم الدنحة، فادي أحمد الحمد"، فيما لم يتم التعرف على باقي الضحايا بسبب التشوه الكبير الذي لحق بالجثث جراء شدة الانفجار.
ومن جهة أخرى، أشار الناشط الإعلامي محمد العدنان، إلى دور التفجيرات الانتحارية التي ضربت مخيم الركبان على مدار الأشهر الأخيرة، في تفاقم وسوء الوضع الطبي بالمخيم، مشيراً إلى عدم وجود أية نقطة طبية فعالة داخل المخيم نتيجة فقدان المستلزمات الطبية اللازمة لحالات الإسعاف، حيث تابع قائلاً:
"معظم الحالات الإسعافية الخطيرة التي سببتها التفجيرات الانتحارية، تم نقلها إلى العيادات المتواجدة داخل الأراضي الأردنية على الحدود، وخصوصاً أننا نعاني من وضع طبي كارثي يتمثل في غياب الأطباء الذين هاجروا أوعبروا إلى الأردن، فضلاً عن ندرة الأدوية في الصيدليات العشوائية التي تتوزع داخل المخيم، أما حالياً فلا يتواجد إلا قلة قليلة من الممرضين والمتطوعين بالإضافة إلى بعض القابلات اللواتي تعملن بأجور مرتفعة ولا يستطيع معظم أهالي المخيم سدادها."
ثانياً: الصعوبات التي تواجه المسؤولين في الحفاظ على أمن المخيم:
أبو ماجد الأحمد وهو المسؤول الأمني التابع لجيش "أحرار العشائر" داخل مخيم الركبان، تحدث لسوريين من أجل الحقيقة والعدالة عن ستة تفجيرات انتحارية استهدفت مخيم الركبان في العام 2016 و2017، حيث قال:
"تبنى تنظيم "داعش" معظم التفجيرات الانتحارية التي ضربت المخيم، وكان آخرها بسيارة مفخخة من نوع (كيا 4000) ودراجة نارية، حيث تم استهداف سوق المخيم التجاري بتاريخ 15 أيار/مايو 2017، وهذه التفجيرات الستة أودت بحياة ثلاثين مدنياً، وأكثر من عشرين عنصراً من عناصر المعارضة المسلحة، ويهدف التنظيم من خلال التفجيرات إلى خلق حالة من الفوضى وبث الرعب في نفوس قاطني المخيم، حيث تبين لنا لاحقاً بأن هناك خلايا أمنية تابعة للتنظيم داخل المخيم، قمنا بإلقاء القبض على الكثير منهم، وخلال التحقيق معهم تبين لنا أنهم ساهموا بتسهيل تلك التفجيرات."
ولدى سؤال أبو ماجد حول الخطوات المتبعة لمنع حدوث أية تفجيرات انتحارية في المستقبل، أكد على أهمية فرض حزام أمني حول مخيم الركبان، بغية السيطرة على عمليات الدخول والخروج من المخيم بشكل كامل، وتابع قائلاً:
"يبلغ عدد عناصر المعارضة المسؤولين عن أمن المخيم حوالي ال(300) عنصر فقط، وبالطبع هذا العدد غير كافي، كما أننا لانتلقَ مايكفي من دعمٍ لتأمين حدود المخيم، ومنذ عدة أشهر تقدمنا بطلب للسلطات الأردنية، بغية تأمين الدعم اللازم لحفر خندق وبناء ساتر ترابي يحيط بالمخيم، فضلاً عن تزويدنا بالمعدات اللازمة لذلك، إلا أن السلطات الأردنية أخبرتنا بأن طلبنا مازال قيد الدراسة، أما حالياً فنحاول جاهدين منع دخول أي من السيارات العسكرية الخاصة بالفصائل السورية المسلحة إلى المخيم، ولا سيما مع تواجد أهالي العديد من العناصر التابعين لفصائل أخرى، كفصيل"مغاوير الثورة" و"أسود الشرقية"، والذين يأتون لزيارة عائلاتهم بشكل مستمر، وهو مايسبب حالة من الفوضى الأمنية داخل المخيم."
التفجيرات التي ضربت مخيم الركبان منذ بداية العام الحالي 2017:
وفي وقت سابق من هذا العام، شهد المخيم ثلاثة تفجيرات سابقة، حيث تبنى تنظيم "داعش" بتاريخ 4 أيار/مايو 2017، تفجير سيارة مفخخة أمام أحد المحلات التجارية في سوق المخيم أيضاً، ما أدى إلى مقتل اثنين من المدنيين، عرف منهم "اسماعيل العوفان" من مدينة تدمر بريف حمص، فيما جرح عدة مدنيين آخرين كانوا في مكان الانفجار.
وفي تاريخ 9 نيسان/أبريل2017 استهدفت سيارة مفخخة عدة مركبات عسكرية تابعة للمعارضة السورية المسلحة على أطراف المخيم، ما أسفرعن سقوط ثلاثة قتلى بين صفوف المدنيين وإصابة العشرات منهم، وتزامن هذا التفجير مع اشتباكات مسلحة شهدتها المنطقة القريبة من معبر التنف المجاور، مابين فصائل المعارضة السورية وتنظيم "داعش"، وذلك على خلفية محاولة الأخير التسلل باتجاه المخيم، ما قد يشير إلى مسؤولية تنظيم "داعش" عن تفجير السيارة المفخخة داخل المخيم.
ومع بداية العام الحالي بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير2017، وقع تفجير آخر بسيارة مفخخة محملة بالخردة، في سوق الخضار الكائن على أطراف المخيم، ما أودى بحياة سبعة قتلى من المدنيين، عرف منهم "حسين أحمد الكمش" و"علي حسين الكمش" و"صالح محمد جمعان الصالح"، وهم من مدينة تدمر بريف حمص، كما أدى التفجير إلى إصابة العشرات معظمهم من النساء والأطفال تم إسعافهم إلى الأراضي الأردنية.
تفجيرات ضربت مخيم الركبان عام 2016:
بتاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر2016، استهدفت دراجة نارية مفخخة نقطة توزيع للمواد الإغاثية داخل مخيم الركبان، ما أودى بحياة اثنين من ساكني المخيم وهما "فايز حسين المذهان" و"حازم الهجيج"، وإصابة سبعة عشر آخرين، فضلا عن تدمير مستودع الإغاثة بشكل كامل، وفي اليوم التالي من التفجير بث تنظيم "داعش" مقطعاً يظهر فيه الانتحاري قبيل توجهه لمكان التفجير.
وفي تاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر 2016، فجّر انتحاري نفسه بسيارة مفخخة عند نقطة حراسة تتبع لجيش "أحرار العشائر" وكان ذلك بالقرب من النقطة الطبية داخل المخيم، ما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين، عرف منهم الشاب "يامن محمود الشاغر" من مدينة تدمر، وعمره (18عام)، فيما أصيب ما لايقل عن عشرة مدنيين آخرين، وحمل جيش "أحرار العشائر" التابع للمعارضة السورية المسلحة، تنظيم "داعش" المسؤولية عن هذا التفجير.
صورة تظهر بقايا السيارة المفخخة التي تم تفجيرها بالقرب من النقطة الطبية داخل مخيم الركبان بتاريخ 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 – مصدر الصورة: المكتب الاعلامي في جيش "أحرار العشائر".
ومن الجدير ذكره أن أول تفجيرٍ انتحاريٍّ ضرب مخيم الركبان، كان بتاريخ 21 حزيران/يونيو 2016، حيث استهدفت سيارة مفخخة نقطة عسكرية أردنية، أدت إلى مقتل سبعة من أفراد الأمن الأردني وإصابة أربعة آخرين، ومن بينهم مدنيون كانوا بالقرب من المكان، فيما تبنى تنظيم "داعش" تلك العملية، ونشر مقطعاً يظهر فيه لحظة استهداف النقطة العسكرية الأردنية.
وعقب هذا الهجوم اتخذت السلطات الأردنية قراراً باعتبار مخيم الركبان منطقة عسكرية، وفرضت قيوداً على حركة عبور اللاجئين باتجاه الأراضي الأردنية مما تسبب في زيادة سكان المخيم وتفاقم المعاناة اليومية وخاصة في ظل نقص الغذاء والماء والمواد الطبية.
وفي هذا الصدد تحدث لسوريين من أجل الحقيقة والعدالة، غانم الحميدي وهو أحد سكان مخيم الركبان من ريف الرقة، واصفاً مدى سوء الأوضاع الإنسانية التي يعيشها أهالي المخيم، حيث قال:
"نعاني داخل المخيم من نقص كبير في الغذاء وخاصة مادة الخبز، فمنذ عام كامل لم تقم الأمم المتحدة بتوزيع معونات غذائية سوى ثلاث مرات، و كان آخرها الأسبوع الفائت، حيث حدث إطلاق نار من قبل المسؤولين عن أمن المخيم بحجة تنظيم الصفوف وعدم الفوضى، أما بالنسبة للماء فإننا نقطع مسافة كبيرة للوصول إلى مكان توزيع المياه الموجود بالقرب من الساتر الأدرني، وتكاد تكون الرعاية الطبية المقدمة لنا شبه معدومة، فبتاريخ 31 آذار/مارس 2017، توفي الطفل "محمد فهد البعيجان" بعد إصابته بنوع من الأمراض دون أن يقدم العلاج المناسب له، وفوق ذلك يطل علينا تنظيم "داعش" كل مدة ويستهدفنا بسياراته المفخخة."
[1] كان الجانبان السوري والأردني قد اتفقا على إنشاء حواجز على أراضيهما من مسافات متساوية من الحدود، وهو ما خلق منطقة منزوعة السلاح يقع كل شطر منها في بلد.
[2] يتولى "جيش أحرار العشائر" إدارة الأمور الأمنية في مخيم الركبان، ويقوم بتسيير دوريات داخله بالتنسيق مع السلطات الأردنية التي تقدم الدعم المالي والسلاح لهذا الفصيل بغية الحفاظ على أمن المخيم، ويقوم أيضاً بتوزيع المعونات المقدمة من منظمة الغذاء العالمي والتي يتم إدخالها كل عدة أشهر. وقد خاض جيش "أحرار العشائر" عدة معارك مع تنظيم "داعش" في منطقة البادية السورية، ونجح في فرض سيطرته على عدة مواقع كانت تحت سيطرة التنظيم المتطرف، ما جعله هدفاً للسيارات المفخخة داخل المخيم وخارجه.