الرئيسية تحقيقات مواضيعية اقتراب فصل الشتاء يضيف مأساة جديدة إلى مآسي نازحي “مخيم إخوة سعدة” في ريف إدلب الشمالي

اقتراب فصل الشتاء يضيف مأساة جديدة إلى مآسي نازحي “مخيم إخوة سعدة” في ريف إدلب الشمالي

أكثر من (600) نسمة يمكثون في خيام ممزّقة ويعانون قلة الغذاء والدواء مازالوا ينتظرون الرعاية والاهتمام من المنظمات الإنسانية

بواسطة wael.m
453 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة: يعاني العديد من النازحين داخلياً، في مخيم "إخوة سعدة" الواقع في ريف إدلب الشمالي وبالقرب من الحدود السورية التركية، أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة، حيث يتواجد أكثر من (600) نازح داخلياً -معظمهم من أهالي ريف حماة الشرقي- كانوا قد تركوا منازلهم وبلداتهم هرباً من جحيم القصف والمعارك التي دارت ما بين القوات النظامية السورية وفصائل المعارضة المسّلحة في أواخر العام 2017[1]، ولم يكن أمامهم خياراً سوى التوجه إلى أرضٍ زراعية ونصب الخيام فيها، ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ أهالي المخيم يعيشون حالة إنسانية قاسية، ولا سيّما إثر مكوثهم في خيام ممزقة وغير صالحة للسكن، ويضاف إلى ذلك عدم وجود أي مركز صحي داخل المخيم أو بالقرب منه، وهو ما جعل العديد من النازحين يواجهون الأمرّين للحصول على الخدمات الطبية، فضلاً عن أنّ هنالك أكثر من (150) طفل من أطفال المخيم، يواجهون خطر الجهل والأميّة بسبب عدو تواجد أي مدرسة داخل المخيم.

وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ المخيم يعاني غياباً تاماً للمنظمات الإنسانية والراعية، مشيراً إلى أنّ إدارة شؤون المهجرّين التابعة لحكومة الإنقاذ[2] هي من تتولى الإشراف على هذا المخيم وتقوم أحياناً بتوزيع بعض المعونات الغذائية وإعطاء اللقاحات في فترات متباعدة، ما جعل العديد من أهالي المخيم يقضون أغلب أوقاتهم وهم يعانون من قلة الغذاء، كما أشار إلى أنّ ندرة فرص العمل جعلت أهالي المخيم يواجهون صعوبة بالغة في تأمين قوت يومهم، إضافة إلى أنّ العديد منهم نزحوا من قراهم تحت جحيم القصف ولم يتمكنوا من أخذ أي شيء من ممتلكاتهم، كما أفاد الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة بأنّ العديد من الخيام التي يقطنها النازحون كانت قد تمزّقت، ولا قدرة للعديد من الأهالي على شراء خيام جديدة، وهو ما دفع بالعديد منهم للنوم في العراء، مشيراً إلى أنّ اقتراب فصل الشتاء بات هاجساً يقلق معظم أهالي المخيم، وخاصةً أنّ أرض المخيم هي أرض زراعية وسرعان ما تتحول إلى أرض طينية في حال هطول الأمطار.

وحال النازحين داخلياً في مخيم "إخوة سعدة" كحال آلاف النازحين من ريف حماة الشرقي، والذي نزحوا وتوجهوا إلى مخيمات عشوائية في ريف إدلب، ومنها ريف معرة النعمان، حيث يعاني (15) ألف نازح داخلياً أوضاعاً إنسانية كارثية بسبب تدهور الوضع الطبي والتعليمي واقتراب فصل الشتاء، حيث كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدّت تقريراً[3] حول هذه المخيمات.

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين الموقع التقريبي لمخيم "إخوة سعدة" في ريف إدلب الشمالي.

أولاً: ظروف إنسانية كارثية مع غياب كامل للمنظمات الراعية:

يقع مخيم "إخوة سعدة" غرب بلدة أطمة بالقرب من الحدود السورية التركية، ويقطن فيه أكثر من (600) نازح داخلياً، ويمتد على مساحة تقدّر ب (19) كيلو متر مربع، ويعاني سكان المخيم أوضاعاً إنسانية حرجة للغاية، بحسب "عبود باسم" وهو أحد المسؤولين عن هذا المخيم، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:

"يعاني سكان المخيم من حالة إنسانية حرجة فجميع الخيام تقريباً ممزّقة ولم تعد صالحة للاستعمال، كما أنّ عدد الخيام قليل جداً، إذ يسكن في كل خيمة أكثر من عائلتين وقد يصل عدد سكان الخيمة الواحدة إلى أكثر من 10 أفراد، فضلاً عن أنّ المخيم بحاجة إلى إنشاء دورات مياه كافية لخدمة جميع سكان المخيم فالبعض منهم يقضي حاجته في العراء، كما أنّ الوصول إلى الشارع العام أمراً صعباً للغاية خصوصاً في فصل الشتاء ومع بداية هطول الأمطار وتحوّل الأرض الزراعية إلى أرض طينية يصعب المشي عليها، والأهم من ذلك فإنّ المخيم يفتقر إلى وجود مركز صحي داخله أو بالقرب منه، فالمراكز الصحية بعيدة عن المخيم ويصعب على الكثير من سكانه الوصول إليها بسبب ضعف الإمكانيات المادية."

  

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر إحدى الخيام في مخيم "إخوة سعدة" الواقع في ريف إدلب الشمالي، وقد التقطت هذه الصورة في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2018.

وتابع "باسم" بأنّ الواقع التعليمي في مخيم "إخوة سعدة" ليس بأفضل حال، مشيراً إلى أنّ المخيم لا يتضمن أي مدرسة مخصّصة لتعليم الأطفال مبادئ القراءة والكتابة، الأمر الذي قد ينذر بكارثة يجب تداركها، وهي أنّ أكثر من 150 طفل من سكان المخيم غالبيتهم بين عمر (10-14) عاماً أمييّن بشكل كامل، ولا يجيدون القراءة والكتابة، ولافتاً إلى أنّ السبب يكمن في كون الأطفال لم يتلّقوا أي تعليم في بلداتهم وقراهم التي نزحوا منها منذ أواخر العام 2017، بسبب الأوضاع الأمنية التي كانوا يعيشونها في ريف محافظة حماة الشرقي، من قصف مستمر يطال منازلهم، ما جعل أولياء أمورهم يرفضون إرسالهم إلى المدارس خوفاً على حياتهم، وبعد أن حطت بهم الرحال في مخيم "إخوة سعدة"، لم تكن تتوجه إليهم أي منظمة إنسانية لرعاية ودعم العملية التعليمية على الرغم من المناشدات العديدة لسكان المخيم، لكن دون جدوى، وأضاف قائلاً:

"وضّحنا عدة مرات للجهات والمنظمات المعنيّة، أنّ هنالك شباناً ضمن المخيم من جميع الاختصاصات وهم قادرون وأكفّاء لبدء تدريس الطلاب من أطفال المخيم فور تلقيهم الدعم المطلوب والكافي للقيام بذلك، من إنشاء خيمة كبيرة ومجهزّة بمقاعد وألواح وقرطاسية، بالإضافة إلى تزويد المدرّسين بمبلغ مادي مقابل ذلك، فالجميع هنا يعاني من هذه المعضلة التي لا بد من وضع آلية عمل واضحة للحد منها، فالجهل بدأ يتسرب إلى جميع أطفال المخيم شيئاً فشيئاً ولا شكّ أن هذا الأمر يعد خطراً كبيراً قد يهدّد مستقبلهم."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من مخيم "إخوة سعدة" الواقع في ريف إدلب الشمالي وبالقرب من الحدود السورية التركية، وقد التقطت هذه الصورة في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2018.

ثانياً: "يفترشون الأرض ويتخذون من السماء غطاءً لهم":

وفي شهادة أخرى أدلى بها "مهنا أبو نعيم" وهو أحد سكان مخيم "إخوة سعدة"، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ أغلب أهالي المخيم هم نازحين من مناطق ريف حماة الشرقي، وحطّت بهم الرحال في هذا المخيم، عقب معارك عنيفة دارت ما بين القوات النظامية السورية من جهة وفصائل المعارضة السورية المسلّحة من جهة أخرى، وقد أفضت هذه المعارك إلى سيطرة القوات النظامية على المنطقة، ونزوح العديد من سكانها في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017،، دون أن يتمكن هؤلاء من إخراج أي شيء من ممتلكاتهم الشخصية، بسبب كثافة القصف الذي تعرّضت له قراهم وبلداتهم وتابع قائلاً:

"نزح العديد من سكان ريف حماة الشرقي إلى مخيمات بلدة أطمة الواقعة بالقرب من الحدود السورية التركية، لكن ولدى وصولهم واجه أهالي المخيم البالغ عددهم أكثر من 600 نسمة، مشكلة عدم قبول أصحاب الأراضي بنصب خيامٍ لهم دون مقابل مادي، الأمر الذي كان يعتبر صعباً جداً بالنسبة إليهم على اعتبار أنهم لا يملكون أي شيء، وبعد محاولات عدّة تمّ بناء هذا المخيم مقابل مبلغ مالي شبه مقبول وهو حوالي (100) ألف ليرة سورية مقابل الدونم الواحد، فقام السكان بجمع المبلغ وضمان الأرض، وحصلنا على خيام مستعملة وقديمة وقمنا بنصبها بسبب عدم توفر المال الكافي لشراء خيام جديدة وعدم توجيه دعم من قبل أي منظمة إنسانية."

 وأضاف "أبو نعيم" بأنّ سكان المخيم عانوا الأمرّين في فصل الشتاء، كون الخيام التي يقطنون فيها، لا تقاوم العواصف أو الأمطار، إضافة إلى أنّ الأرض التي يقع عليها المخيم هي أرض زراعية وتتحول إلى أرض طينية بفعل الأمطار، مشيراً إلى أنّ ما زاد الأمر تعقيداً هو بعد المسافة ما بين المخيم والطريق الأساسي، فإذا ما أراد أحد النازحين الخروج من المخيم، فلابدّ انه سيتعثر بأرض طينية يصعب المشي عليها وتنعدم فيها أي وسائل للنقل، وتابع حول مخاوف النازحين مع اقتراب حلول فصل الشتاء، حيث قال:

 "تلفت الكثير من خيامنا ولم تعد صالحة للسكن، واضطرّ العديد من أهالي المخيم للنوم في العراء، فهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء منتظرين من يقدم لهم أي مساعدة كانت، أما عن الوضع التعليمي فأقلّ ما يقال بحقه أنه مُعدم، وخاصةً أنّ عشرات الأطفال هنا لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، مع أنّ أعمارهم تتجاوز 13 سنة، وقد طالبنا العديد من المنظمات والمؤسسات العاملة في المجال الإغاثي بضرورة إقامة مدرسة قريبة من المخيم، كي يتمكن الأطفال من تلقي التعليم، ولكن للأسف لم نجد أي آذانٍ صاغية، ويعاني أطفال المخيم حالياً من الجهل الذي يؤثر بطبيعة الحال على سير حياتهم اليومية، ومن المؤكد أنه سيخلّف عواقباً وخيمة على حياتهم في المستقبل، وإننا نناشد جميع المنظمات والمؤسسات المهتمة بالطفولة بالنظر في حال هذا المخيم المهمّش إعلامياً والذي يعيش سكانه في حالة إنسانية محزنة."

 
ثالثاً: "لا أحد من أطفالي يجيد الكتابة والقراءة":

"محمد عمر الدوخي" وهو أحد سكان مخيم "إخوة سعدة"، كان قد نزح من زوجته وأطفاله الثمانية من ريف حماة الشرقي، وتحديداً في أواخر العام 2017، عقب سيطرة القوات النظامية السورية على مناطق ريف حماة الشرقي، ويعتبر "الدوخي" واحداً من عشرات المتضررين من أهالي المخيم، فلديه خمسة أطفال في أعمار متفاوتة وجميعهم لم يتمكنوا من ممارسة حقهم في التعلّم، وحول ذلك تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"نزحت كالمئات غيري من ريف حماة الشرقي تحت وطأة القصف الجوي والبري وصخب المعارك التي دارت ما بين قوات النظام والمعارضة المسّلحة، حيث نزح الكثيرون وانتشروا في مخيمات النزوح في الشمال السوري، أما أنا فقد وضعت الرحال في هذا المخيم الصغير مصطحباً معي زوجتي وأطفالي الخمسة، ولم يكن بمقدوري إرسال أطفالي إلى المدارس لتلقي التعليم في ريف حماة الشرقي قبيل النزوح،  فآلة الحرب لا تميز ما بين طفل صغير ورجل كبير والجميع لهم النصيب من ويلاتها، ولم يكن حالنا أفضل في هذا المخيم بل على العكس تماماً، فعلى الرغم من قساوة المعيشة والوضع المادي المترّدي غير أننا عانينا هنا من مشكلة أخرى لا تقلّ أهمية عن الطعام والشراب والكساء، وهي مشكلة عدم توفر سبل تعليم الأطفال، فالكثير من الأطفال هنا يقضون معظم أوقاتهم في اللعب واللهو غير مبالين بما ينتظرهم من مستقبل مجهول، بسبب الأميّة والجهل الذي بدأ ينتشر بينهم."

وتابع "الدوخي" بأنّ لديه خمسة أطفال في سن يأهلهم لدخول المدرسة، وهم "زهراء الدوخي (13) عاماً، وأسماء وإسراء الدوخي (توأم) في عمر (11) عاماً، ومصطفى الدوخي في عمر (9) سنوات، ودعاء الدوخي في عمر (7) سنوات، وجميعهم لم تتاح لهم الفرصة كي يتلّقوا التعليم، وحالهم كحال بقية أطفال المخيم، وتابع قائلاً:

"الجميع هنا بحاجة ماسّة إلى توافر مدرسة تستوعب الأطفال وتشرف على تعليمهم، وفي الحقيقة فإني أعيش حالة من الخوف على مستقبل أطفالي إذا ما استمرّ الوضع على هذا الحال، فلا أريد لهم أن يكبروا ويصبحوا غير مؤهلين للعمل في وظيفة مناسبة، فطفلتي "زهراء" (13) عاماً، وهي الأكبر سناً بين إخوانها تكتفي بمساعدة والدتها في بعض الأعمال أحياناً واللعب مع صديقاتها أحياناً أخرى، وكثيراً ما أراها تجهد نفسها في محاولة قراءة بعض الكلمات المتناثرة هنا وهناك، ولكن كل مرة كانت تنتهي محاولتها بالفشل، وتتذمر وكأنّ لسان حالها يقول من حقي أن أتعلم  مثل باقي أطفال العالم."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من مخيم "إخوة سعدة" الواقع في ريف إدلب الشمالي وبالقرب من الحدود السورية التركية، وقد التقطت هذه الصورة في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2018.

رابعاً: " دائماَ ما كنت أحلم بأن أصبح طبيباً جراحاً عندما أكبر، ولكن الأقدار والظروف لم تمكنني من تحقيق ذلك":

الكثير من الأطفال الذين نزحوا برفقة عائلاتهم إلى مخيم "إخوة سعدة"، رووا العديد من المآسي لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث كان منهم الطفل "أنس أحمد الصقار"، والذي لم يتجاوز (13) عاماً، حيث كان قد نزح مع عائلته من بلدة السميرية في ريف حماة الشرقي في أواخر العام 2017، هرباً من جحيم القصف المتواصل.

"ثلاثة أشهر فقط" هي المدة التي قال "أنس" أنه تلّقى التعليم فيها في مدرسة القرية، قبل أن تجبره عمليات القصف والمعارك العنيفة على ترك بلدته والبدء برحلة نزوح مريرة، باحثاً عن أي ملاذ آمن، وفي هذا الخصوص تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حيث قال:

"دائماَ ما كنت أحلم بأن أصبح طبيباً جراحاً عندما أكبر، ولكن الأقدار والظروف لم تمكنني من تحقيق ذلك الحلم، والذي أصبح حالياً في طيّ النسيان وأشبه بسراب لا علاقة له بالحقيقة، وقد عشت مع والدي ووالدتي وأخوتي طفولتي التي لم أستمتع بها أيضاً، وبدأت أولى أيام دراستي في الصف الأول من المرحلة الابتدائية في عام 2013، فشعرت بالسعادة الغامرة حينما بدأت أدرس وأتعلّم القراءة والكتابة، إلا أنّ فرحتي لم تدم طويلاً، فبعد مضي أقل من 3 أشهر على انطلاق الدراسة، قرر والدي النزوح من القرية بسبب الأوضاع التي كانت لا تحتمل هناك، فخرجنا إلى قرية "الطرفاوي" في ريف إدلب الشرقي، وما إن وصلنا إلى تلك القرية حتى أصبح لديّ يقين أنني لن أتمكن بعد اليوم من متابعة دراستي، لقد كانت أياماً عصيبة جداً هناك، حيث جلسنا في أحد المنازل التي لا تُعتبر صالحة للسكن والعيش، فهو منزل يعود إلى أحد أقارب والدي وقد سمح لنا بالمكوث فيه ريثما تهدأ الأوضاع في قريتنا، وشعرت حينها باليأس والحزن بسبب رحيلي عن المدرسة والأصدقاء فيها، وبقينا في قرية "الطرفاوي" حوالي عام ونصف وتحديداً حتى منتصف العام 2015،  وبعد كل هذا العناء عدنا إلى بلدتنا "السميرية" لكن للأسف لم نتمكن من المكوث فيها لمدة طويلة فقد كانت مدة إقامتنا لا تتجاوز الأربعة  أشهر، وكنا في تلك الفترة نخرج من القرية لعدة أيام ثم نعود إليها من جديد وذلك بسبب الأوضاع هناك والقصف المتكرر علينا، بعد ذلك نزحنا مجدداً إلى قرية "عبلة" بالقرب من بلدتنا، وقد قاسيت مع أفراد عائلتي هناك أسوأ الأيام وأصعب المواقف لمدة 6 أشهر، ثم عدنا من جديد إلى قريتنا بعد أن سمعنا عن هدوء  الأوضاع هناك، ومكثنا في القرية حتى نهاية العام 2016، لكن وخلال هذا العام لم يكن هنالك أي تعليم بسبب عدم حصول المدرسة على الدعم من قبل وزارة التربية التابعة للنظام السوري ولا من جهة الحكومة المؤقتة، وضاع ذلك العام أيضاً دون فائدة، إلى أن نزحنا آخر الأمر إلى مخيم "إخوة سعدة"."

يزداد حزن "أنس" يوماً بعد يوم، بسبب عدم تلقيه التعلّم كغيره من الأطفال، وبسبب عدم وجود مدرسة داخل المخيم قد يمضي فيها أوقاته، وقد يتعلّم فيها مبادئ القراءة والكتابة، وعلّق قائلاً:

"تفاجأت بأنّ العديد من أطفال المخيم مثلي تماما، فهم لا يجيدون القراءة ولا الكتابة لأسباب مشابهة تماماً لما جرى معي، والآن أعيش في هذا المخيم على أمل أن يتمكن القائمون عليه من إقامة مدرسة لأتعلم ولو المبادئ الأساسية للقراءة والكتابة، فحلمي بالطب لم يعد هو شغلي الشاغل، فالكثير الكثير من المصاعب التي ألاقيها هنا تنسيني ذلك الهدف."

  

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من مخيم "إخوة سعدة" الواقع في ريف إدلب الشمالي وبالقرب من الحدود السورية التركية، وقد التقطت هذه الصورة في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2018.

 


[1] أفضت هذه المعارك إلى سيطرة القوات النظامية السورية على قرى ريف حماة الشرقي في أواخر العام 2017.

[2] بتاريخ 7 تشرين الأول 2017، تمّ الإعلان عن تشكيل "حكومة الإنقاذ" لإدارة محافظة إدلب والمناطق الخاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"، حيث انبثقت حكومة الإنقاذ عن "هيئة تأسيسية" انبثقت بدورها عن "المؤتمر السوري العام" الذي دعت إلى عقده هيئة تحرير الشام" في 17 أيلول/سبتمبر 2017، وعقدت جميع جلساته وجلسات تشكيل الحكومة في معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.

[3] " أوضاع إنسانية كارثية يعاني منها آلاف النازحين داخلياً في مخيمات عشوائية جنوبي محافظة إدلب"، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 28 آب/أغسطس 2018، آخر زيارة بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/700.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد