أمضى "جمعة" (33) عاماً وهو محرومُ من الجنسية السورية، ما جعله يشعر كالغريب في بلاده، حيث تعرّض في إحدى المرات للتوقيف من قبل أجهزة الأمن السورية، والذين بدأوا باستجوابه والتحقيق معه وكأنه مجرمُ ما، بل إنهم قاموا بالاستهزاء والسخرية من بطاقته الحمراء، فقط لأنه واحد من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية، وهو ما دفع بجمعة لاحقاً لحسم قراره والهجرة بقصد اللجوء إلى أوروبا.
"جمعة عبد الله كمي" من مواليد مدينة المالكية/ديريك عام (1975)، متزوج ويعمل في مجال البناء، يصنّف جمعة على أنه واحد من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية السورية، وتحديداً من فئة الأجانب، وينتمي لعائلة غالبية أفرادها من هذه الفئة أيضاً، إلا أنه وعقب إصدار المرسوم الرئاسي رقم (49) في العام 2011 والقاضي بمنح الجنسية السورية لفئة "أجانب الحسكة"، تمّكن جميع أفراد عائلة جمعة من الحصول على الجنسية، فيما بقي هو على حاله نظراً لوجوده خارج البلاد، وذلك بحسب ما روى للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في شهر تموز/يوليو 2018، حيث قال:
"ولدت في مدينة المالكية/ديريك، لكني كبرت وترعرعت في مدينة رأس العين/سري كانييه، والتي انتقل إليها والداي بعد الزواج، وعشت فيها (25) عاماً، ولكن بسبب سوء وضعنا الاقتصادي انتقلت عائلتي التي كانت تتألف من (13) فرداً عام 2003 إلى مدينة حلب للعمل والعيش فيها، حيث عملت مع والدي وأخوتي في مجال البناء وتحسّن وضعنا الاقتصادي عاماً بعد الآخر، فتزوجت في عام 2005 واشتريت منزلاً في حي الشيخ مقصود، لكني سجّلته باسم زوجتي التي كانت تتمتع بالجنسية السورية، لأنه لم يكن يحق لنا امتلاك عقار أو أرض أو سيارة أو أي شيء آخر، كما لم يكن يحق لنا العمل في القطاع العام، كما أنّ اثنتين من شقيقاتي كانتا تعملان في ورشات خاصة للخياطة ولكن برواتب زهيدة، لأننا لم نكن نملك وثائق شخصية معترف بها لدى الحكومة السورية، كما سجّل شقيقاي اللذين يصغرانني "محمد وأحمد" أيضاً منزليهما باسم زوجاتهما."
كان جمعة مضطراً للعمل في مجال البناء لكسب قوت عيشه رغم مشّقة العمل، فقط لأنه واحد من الكرد السوريين المحرومين من الجنسية، وكان هذا سبباً كافياً دفعه للهجرة خارج البلاد مع أول فرصة سنحت له في عام 2008، وفي هذا الخصوص تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"كنت قد ادّخرت بعض المال، وسافرت إلى ألمانيا عبر طرق التهريب، وقدمت طلباً للجوء فيها، ورغم أنني لاجئ هنا، فأنا أتمتع بكافة حقوقي كأي مواطن ألماني، وحتى باقي أفراد عائلتنا أيضاً قدموا إلى هنا في السنوات القليلة الفائتة، رغم حصولهم جميعاً على الجنسية السورية بعد عام 2011، ولم يبقَ في سوريا سوى أخي "حسن" الذي يكمل دراسته الجامعية في كلية الهندسة المدنية بجامعة حلب".
مازال "جمعة" يجد صعوبة بالغة في القراءة والكتابة باللغة العربية، فهو لم يكمل دراسته الابتدائية في بلاده بسبب وضعه القانوني، واضطر للعمل في سن مبكرة حتى يعين والده على تأمين لقمة عيش العائلة، فهو الأكبر بين إخوانه، كما عانى وعائلته الحرمان من أبسط الحقوق الاجتماعية، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"نحن خمسة أخوة وستة أخوات، ولم يكمل أحد منا المرحلة الابتدائية، باستثناء أخي "حسن" الذي يدرس الآن بكلية الهندسة المدنية في جامعة حلب، والذي أصرّ على إكمال الدراسة وتحقيق حلمه في أن يكون مهندساً، رغم أننا كأجانب لم يكن يحق لنا الحصول على شهادة تخرّج من الجامعات السورية، العامة منها والخاصة، وحتى التسجيل في المدرسة الابتدائية كان يتمّ بموجب ورقة سند إقامة من مختار الحي، وفي الجانب الصحي أيضاً لم يكن يحق لنا الحصول على الطبابة في المشافي العامة، باستثناء بعض المرات في الحالات الطارئة فقط. لذا كنا مضطرين للحصول على العلاج في المشافي والعيادات الخاصة، وكانت تكاليف هذه الأخيرة تثقل كاهلنا".
وصف "جمعة" قرار خروجه من سوريا بالصائب، نظراً لأنه لم يكن يتمتع بأي حقوق مدنية أو سياسية قبيل هجرته إلى ألمانيا، وكان حاله كحال بقية أفراد عائلته، وفي هذا الصدد أضاف قائلاً:
"لم نكن نملك حق الترّشح أو التصويت في أي مرحلة من مراحل العملية السياسية، لأننا لم نكن نملك أي وثائق تثبت هويتنا، وكان القانون ينظر إلينا كغرباء أو دخلاء، والأسوأ من ذلك أننا حُرمنا من التعليم، وحق التملّك، ناهيك عن أنني لا أمتلك أية وثيقة سورية حتى هذه اللحظة، ولكن باقي أفراد عائلتي حصلوا على البطاقة الشخصية وجواز السفر السوري عقب إصدار المرسوم القاضي بتجنيس أجانب الحسكة عام 2011، ولكن بعد ماذا؟ بعد 49 عاماً من الحرمان".
مازال جمعة يستذكر بعض المشاهد التي أبت أن تغادر ذاكرته، ففي إحدى المرات وقبيل مغادرته البلاد، أوقفه عدد من عناصر الأمن السوري، بالقرب من ساحة "سعد الله الجابري" في مدينة حلب، وطلبوا منه بطاقته الشخصية، إلا أنّ جمعة عندما قام بإبراز بطاقته الحمراء لهم، بدأ عناصر الأمن باستجوابه والتحقيق معه وكأنه مجرمُ ما على حد وصفه، وتابع قائلاً:
"استغرب عناصر الأمن من بطاقتي الحمراء، وكأنها المرة الأولى التي يرون فيها هكذا وثيقة في سوريا، وبدأوا باستجوابي والتحقيق معي وكأنني مجرمُ ما، فأخبرتهم بأنني أجنبي فما كان منهم إلا أن ضحكوا عليّ قائلين: شكلك شكل سائح؟ ولا لتكون جاسوس!!
كما أذكر عندما كنت طالباً في الصف الرابع الابتدائي، تمّ تنظيم مسابقة للمتفوقين في مدرستنا، وكنت أود أن أشارك في مادة الرسم، لكن المدّرس أخبرني أنه لا يمكنني المشاركة لأنني من فئة الأجانب، حينها أحسست أنني لا أنتمي إلى المدرسة، وأنّ الدراسة غير مجدية، لذا تركت الدراسة في العام نفسه لأساعد والدي في العمل، فنحن الأجانب كنا نعامل كغرباء في مجتمعنا، والآن حتى بعد منح الجنسية للأجانب لا نية لي بالعودة للحصول عليها، والأفضل لأولادي أن يلدوا ويعيشوا هنا، كي لا يعانوا ما عانيناه."
يعتقد "جمعة" بأنّ تعويض الكرد السوريين المجرّدين من الجنسية صعب للغاية، لكنه ضروري جداً، وسيكون ملموساً في حالة واحدة، فقط عندما تحل القضية الكردية في سوريا ويحصل الكرد على كامل حقوقهم حسب تعبيره، وعلّق على ذلك قائلاً:
"عانينا (56) عاماً بسبب حرماننا من الجنسية، وأي تعويض بدون حل القضية الكردية لن يكون ناجعاً، لأن مثل هذا الظلم قد يتكرر في أي وقت آخر وفي ظل أي حكومة، لكن لا شكّ في أنّ الأجانب ومكتومي القيد في سوريا يستحقون تعويضاً عادلاً يعيد لهم الثقة بمفاهيم حقوق الإنسان".