مقدمة: ازدادت وتيرة الاعتداءات التي طالت منشآت وكوادر طبية في شمال وغرب سوريا، وذلك خلال شهر آب/أغسطس 2018، ففي تاريخ 30 آب/أغسطس 2018، تمّ اختطاف مدير المشفى الجراحي التخصصي في إدلب المدينة "حسام دبيس"، حيث أقدم ملّثمون مجهولون على اختطافه من المبنى الذي يقطن فيه، ومن ثمّ اقتياده إلى مكان مجهول، والقيام بتعذيبه وضربه بشكل وحشي، قبل أنّ يتمّ إطلاق سراحه من قبل الخاطفين بعد ساعتين تقريباً وعقب الإبلاغ عنهم من قبل الأهالي.
وبتاريخ 2 آب/أغسطس 2018، عمدت قوة عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام، إلى اقتحام مشفى "عدي الحسين" في مدينة سراقب وهم مدججّين بالسلاح، كما قاموا بالاعتداء على أعضاء الكادر الطبي داخل المشفى، وذلك بغية نقل أحد الجرحى العسكريين التابعين لهم من المشفى، مع العلم بأنها ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها هذا المشفى لهذا النوع من المضايقات والاعتداءات بل سبق أن تعرّض لها في العام 2016، من قبل تنظيم جبهة النصرة.
وقد أثارت هاتين الحادثتين غضباً واستياءً شعبياً كبيراً بين أواسط الأهالي، ولا سيما مع ازدياد عمليات الاختطاف والاعتداءات التي طالت كوادر طبية في الآونة الأخيرة في عموم محافظة إدلب، وفي ظل الوضع الراهن الذي تعيشه محافظة إدلب، وخصوصاً مع الهجمات العسكرية العنيفة التي تتعرّض لها من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها.
وكانت قد سُجّلت أربع حالات خطف نفذّها مجهولون بحق أطباء في محافظة إدلب، كما سُجلت حالة اعتقال واحدة بحق طبيب نفذتها هيئة تحرير الشام، وذلك خلال حزيران/يونيو 2018 وقبلها شهر نيسان/أبريل. في حين علّقت عدة مؤسسات طبية عملها احتجاجاً على الاعتداءات واستهداف الكوادر الطبية في المحافظة، وكانت حادثة الخطف الأبرز هي اختطاف الطبيب "محمود المطلق" التي حصلت مساء 9 حزيران/يونيو 2018 وتمّ إطلاق سراحه في الـ 15 من الشهر ذاته، مقابل فدية مالية قدرها 150 ألف دولار أمريكي، حيث كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدّت خبراً[1] حول هذا الموضوع.
من جهة أخرى فقد شهدت محافظة اللاذقية غرب البلاد، اختطاف الطبيب "خليل آغا" مدير الصحة الحرّة في ريف اللاذقية، وذلك بتاريخ 7 آب/أغسطس 2018، حيث أقدمت مجموعة مسلّحة على اقتحام مشفى الساحل في منطقة خربة الجوز الحدودية، وعمدت للاعتداء على حرس المشفى وقيدتهم، من ثمّ اقتحمت المشفى واقتادت الطبيب "خليل آغا" إلى جهة مجهولة، ولم تطلق سراحه إلا عقب دفعه مبلغ مالي بقيمة (125) ألف دولار، وتحديداً بتاريخ 12 آب/أغسطس 2018، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت خبراً [2]حول هذه الحادثة.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد شهدت محافظة إدلب مؤخراً ازدياداً ملحوظاً في حالات الخطف والاعتداء التي طالت كوادر ومنشآت طبية، ولم يتم التعرّف على الجهات المسؤولة وراء تلك الاعتداءات، ما أدى إلى شيوع حالة من الاستهجان والتنديد الشعبي بالفلتان الأمني الذي شهدته ومازالت تشهده مناطق المحافظة بشكل عام، حيث كانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدّت تقريراً[3] مفصلاً حول ازدياد وتيرة حوادث الخطف والقتل في محافظة إدلب، وذلك في الأشهر السابقة من العام 2018، كما أضاف الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ العديد من الكوادر الطبية في عموم محافظة إدلب، كانت قد أعلنت إضرابها احتجاجاً على هذه الممارسات بحقهم، لافتاً إلى أنّ هنالك أكثر من (500) ألف نسمة، يستفيدون من الخدمات الطبية في محافظة إدلب شهرياً، إضافة إلى (13) ألف عملية جراحية تجرى في مختلف مشافي المحافظة، لذا يجب على الجهات المعنية أن تقوم بتوفير الحماية للكوادر والمنشآت الطبية، والعمل على إيجاد الفاعلين ومحاسبتهم.
أولاً: اختطاف الطبيب "حسام دبيس" مدير المشفى الجراحي التخصصي في مدينة إدلب:
بتاريخ 30 آب/أغسطس 2018، تمّ اختطاف الطبيب "حسام الدين دبيس" وهو مدير "المشفى الجراحي التخصصي" في مدينة إدلب، حيث أقدم ملّثمون على اختطافه ليلاً من المبنى الذي يقطن فيه، ومن ثم اقتياده إلى مكان مجهول، وهو الأمر الذي أكده أحد العاملين في "المشفى الجراحي التخصصي" في إدلب المدينة، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
"في تمام الساعة (9:30) مساءً من ذلك اليوم، وبينما كان الطبيب حسام في منزله، قام مجهولون بإطفاء الكهرباء عن منزله، كنوع من الخداع واستدراج الضحية للخروج من المنزل، وبالفعل هذا ما حدث مع الطبيب حسام، حيث سارع بالنزول إلى الطابق الأرضي من المبنى الذي يقطنه، لرفع قاطع الكهرباء، إلا أنّ الطبيب تفاجأ حينها بوجود أربعة أشخاص ملّثمين، وعلى الفور دخل معهم في مشادة بالأيادي، وقد سمع بعض الاهالي هذا الشجار، وحاولوا مساعدة الطبيب لكن دون جدوى، وفي بداية الأمر قاوم الطبيب قليلاً، إلى أن استسلم آخر الأمر، وقام الأهالي بالإبلاغ عن السيارة التي قامت باختطافه، والتي قامت باقتياده إلى جهة مجهولة لمدة تجاوزت الساعتين، حيث تعرّض خلالها للضرب المبرح، وبعدها تمّ إلقاء الطبيب على قارعة الطريق بالقرب من دوار معرة مصرين في إدلب المدينة، ومن ثمّ تم نقله إلى المشفى لتلقي العلاج، وهو حالياً يتماثل للشفاء، لكن حتى الآن لم يتم التعرف على هوية أولئك الخاطفين."
صورة تظهر بعض آثار الضرب المبرح الذي تعرّض له الطبيب "حسام دبيس" عقب اختطافه من قبل مجهولين وذلك بتاريخ 30 آب/أغسطس 2018، مصدر الصورة: وكالات إعلامية.
عقب هذه الحادثة، حمّل العديد من أهالي إدلب المدينة، فصائل المعارضة المسلحة والمسيطرة على المدينة، متمثلة بهيئة تحرير الشام، المسؤولية عن عمليات الخطف المتكررة والتي تطال مدنيين أو كوادر طبية على حد سواء، وفي هذا الخصوص تحدّث أحد أهالي إدلب المدينة لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"هيئة تحرير الشام هي الفصيل العسكري الوحيد والمسيطر على إدلب المدينة، لذا يتوجب عليهم الحفاظ على أمن المدينة وليس العكس، فمن يا ترى يستطيع الوصول الى المدينة ليلاً وإشهار السلاح على العلن!!، وهذا ما حصل معنا كمدنيين حين حاولنا الاقتراب من الملّثمين الذين حاولوا اختطاف الدكتور "حسام دبيس" من منزله بعد سماع أصوات الشجار الذي وقع بينه وبين الخاطفين، فهل من المعقول أن يكون هنالك خاطفين لديهم الجرأة على دخول مدينة محاطة بحواجز تابعة لهيئة تحرير الشام من كل جانب، ونحن كمدنيين ليس لدينا قوة حتى نقاوم المسّلحين وقطاعي الطرق والخاطفين، ولاشكّ أنّ الحفاظ على أمان الكوادر الطبية هو أولوية للمدنيين، ولا سيّما بسبب الوضع الراهن وعمليات القصف العنيفة التي تشهدها المحافظة، مع العلم بأنّ هذه الانتهاكات بحق الأطباء والكوادر الطبية ستدفع الكثير من المؤسسات الطبية لإغلاق أبوابها، وهذا ما سيتسبّب بكارثة إنسانية إن حصل."
صورة تظهر بعضاً من آثار الدماء التي خلّفها اختطاف مدير المشفى التخصصي في إدلب المدينة "حسام دبيس"، وذلك بتاريخ 30 آب/أغسطس 2018، مصدر الصورة: تنسيقية مدينة إدلب.
صورة تظهر البيان الصادر عن مديرية صحة إدلب، حول اختطاف الطبيب "حسام دبيس" والاعتداء عليه من قبل مجهولين وذلك بتاريخ 30 آب/أغسطس 2018، مصدر الصورة: مديرية صحة إدلب.
ثانياً: عناصر من هيئة تحرير الشام يعتدون على أعضاء الكادر الطبي في مشفى "عدي الحسين" في سراقب:
بتاريخ 2 آب/أغسطس 2018، قامت قوة عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام، بمداهمة مشفى الشهيد "عدي الحسين" في مدينة سراقب، حيث قام هؤلاء بالاعتداء على أعضاء الكادر الطبي في المشفى، ويعدّ مشفى "عدي الحسين" هو المشفى الوحيد من نوعه في المنطقة والذي يقدّم خدماته لقرابه (100) ألف نسمة من مدينة سراقب وما حولها، وهو الأمر الذي أكده "زياد سطوف" وهو مدير مشفى "عدي الحسين"، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
"في ذلك اليوم قام أحد عناصر الحواجز العسكرية التابعة لهيئة تحرير الشام، بإسعاف أحد العسكريين إلى المشفى، وقد كان برتبة "عقيد"، وخلال إجراء أعضاء الكادر الطبي الفحوصات الأولية له، عمد الممرضون إلى حمل العقيد المصاب إلى غرفة الأشعة، وخلال دقائق وصلت آليات عسكرية تابعة لهيئة تحرير الشام إلى المشفى، ومن ثمّ دخلوا المشفى وهم مدجّجين بالسلاح، وبدأوا بالبحث عن العقيد المصاب، وعقب دقائق، دخل أحد أولئك المسلحين إلى غرفة الأشعة، فوجدوا العقيد وهو ملقى على جهاز الأشعة بينما يقوم الممرضون بإجراء صور الأشعة له لإتمام علاجه، وهنا بدأ المسّلحون بالاعتداء على الكادر الطبي من أجل أخذ العقيد المصاب، إلا أنّ الممرضين رفضوا إخراجه من المشفى وهو في هذه الحالة، فقام المسّلحون بالاعتداء على الكادر الطبي، وتمّ أخذ العقيد المصاب إلى مكان مجهول رغم أنه كان في حالة حرجة، وقد تسبّبت هذه الحادثة، باستياء شعبي كبير في المدينة، بسبب انتهاك حرمة المشافي والاعتداء على الكوادر الطبية التي تحاول دائماً تقديم الخدمات الطبية لمن يحتاجها."
وتابع "سطوف" بأنها ليست المرة الأولى التي يدخل فيها عناصر مسلّحون مشفى "عدي الحسين" عنوةً، ويتسببّون بالعديد من المضايقات لأعضاء الكادر الطبي داخل المشفى، ففي العام 2016، قام مسّلحون يتبعون لتنظيم "جبهة النصرة"، باقتحام المشفى بغرض البحث عن جرحى عسكريين تابعين لهم، كما عمدوا للاعتداء على الكادر الطبي، مشيراً إلى أنّ هذه الاعتداءات والمضايقات في حال استمرت، فإنها ستفضي إلى إيقاف عمل المشفى، ومن ثمّ حرمان العديد من الأهالي من خدماته، وأضاف قائلاً:
"في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه محافظة إدلب، نحن بأمسّ الحاجة الى كل طبيب وممرض أو مؤسسة طبية تقوم على تقديم الرعاية الطبية للمدنيين، كما أننا نحاول بكل الطرق المتاحة لدينا العمل والتنسيق مع مديرية الصحة وكافة المؤسسات الطبية للحيلولة ومنع تكرار هذه الحوادث والانتهاكات التي انتشرت بشكل كبير ومكثف في الآونة الاخيرة في محافظة ادلب، ونتمنى من جميع الفصائل العسكرية التي تعمل على الأرض أن تقوم بواجبها الإنساني والأخلاقي في احترام المشافي والكوادر الطبية، وتوفير الأمان للأطباء والمشافي، وتسيير الدوريات الليلية لحماية المنشآت الطبية من عمليات النهب والسرقة أو عمليات الخطف المتكررة التي تشهدها المحافظة بشكل عام."
ثالثاً: اعتداءات على الكوادر الطبية في ريف اللاذقية:
وفي ريف اللاذقية[4]، وتحديداً بتاريخ 7 آب/أغسطس 2018، قام مسّلحون مجهولون، باختطاف الطبيب "خليل آغا" وهو مدير الصحة الحرّة[5] في الساحل، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد قام هؤلاء باقتحام مشفى الساحل في منطقة خربة الجوز الحدودية، وعمدوا للاعتداء على حرس المشفى وقيدوهم، من ثمّ اقتحموا المشفى واقتادوا الطبيب "خليل آغا" إلى جهة مجهولة.
الطبيب "محمد خليل" وهو أحد المقرّبين من الطبيب "خليل آغا"، تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، حول مجريات هذه الحادثة قائلاً:
"تعرّض الطبيب "آغا" للتهديد أكثر من مرة، ولكنه أصرّ على البقاء في الأرض والعمل الميداني، ويعتبر "آغا" من أوائل الأطباء العاملين على الأرض، كما أنه مؤسّس مديرية الصحة الحرّة، واستمرّت عملية اختطاف "آغا" قرابة الثلاثة أيام، حيث تمّ الإفراج عنه بعد دفعه مبلغ مالي وقدره (125) ألف دولار أمريكي، وقد تمّ دفعها للمجهولين الذين قاموا باختطافه، ما دفع بمديرية الصحة الحرّة لإصدار بيان حول قضية استمرار الاعتداءات على الكوادر الطبية، ووجهت فيه إنذاراً الى المدنيين والجهات المسؤولة عن حماية المدينين، وطالبتهم بتوفير الحماية اللازمة للكوادر الطبية وتأمين سلامتهم، وأشارت إلى أنّ تكرار مثل هذه الممارسات بحق الكوادر الطبية سيضطرّ مديرية الصحة لتعليق عملها في المشافي والمراكز الصحية."
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت[6] خبراً حول إطلاق سراح الطبيب "خليل آغا" مدير الصحة الحرّة في ريف اللاذقية، حيث ورد فيه بأنّ الخاطفين أطلقوا سراح "آغا" بتاريخ 12 آب/أغسطس 2018، وذلك عقب دفع فدية مالية، في حين ما تزال هوية خاطفيه مجهولة والاتهامات تدور حول مسؤولية "هيئة تحرير الشام" عن الحادثة.
[1] " ازدياد في وتيرة الاعتداءات على الكوادر الطبية في محافظة إدلب"، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 25 حزيران/يونيو 2018، آخر زيارة بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/610.
[2] "مسلحون يختطفون الطبيب "خليل آغا" والمشافي تعلّق عملها احتجاجاً"، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، في 9 آب/أغسطس 2018، آخر زيارة بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/666.
[3] "ازدياد ملحوظ في حوادث قتل وخطف المدنيين في محافظة إدلب نتيجة الفلتان الأمني"، سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 5 تموز/يوليو 2018، آخر زيارة بتاريخ 11 أيلول/سبتمبر 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/618.
[4] يسيطر على ريف اللاذقية عدّة فصائل تابعة للمعارضة المسّلحة أبرزها هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني.
[5] تتبع للحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف المعارض.
[6] "مسلحون يختطفون الطبيب "خليل آغا" والمشافي تعلق عملها احتجاجاً، تم إطلاق سراح الطبيب "خليل آغا" بعد ستة أيام من اختطافه وذلك مقابل فدية بلغت 120 ألف دولار أمريكي" سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في 14 آب/أغسطس 2018، آخر زيارة بتاريخ 11 أيلول/سبتمبر 2018، https://www.stj-sy.org/ar/view/684.