الرئيسية قصص مكتوبة “كانت رائحة الجثث تملأ أرجاء المكان”

“كانت رائحة الجثث تملأ أرجاء المكان”

قصة الناجي "أحمد أسعد هنداوي" عقب ستة أعوم من الاحتجاز في سجون الأجهزة الأمنية السورّية

بواسطة wael.m
570 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة: لم يكن في حسبان “أحمد” أن يكون شاهداً على مقتل (35) محتجزاً في سجن حلب المركزي، وذلك خلال فترة احتجازه هنالك في شهر تموز/يوليو 2013، فمازال يذكر أنّ جثث المعتقلين بقيت مرمية على الأرض عدّة أيام إلى أن ملأت رائحتها أرجاء المكان، وقام عناصر الأجهزة الأمنية السورية لاحقاً بدفنها في مقبرة جماعية في ساحة السجن، هذه هي إحدى المشاهد التي مازالت راسخة في ذهن “أحمد” والذي أمضى حوالي (6) أعوام من الألم والمعاناة والتنقل بين الأفرع الأمنية، بتهمة “تمويل الإهاب”، حيث تحدّث في شهادته لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً[1]:

“ما زلت أذكر وبعد مضي شهر على اعتقالي، وتحديداً بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2011، كيف تمّ نقلي برفقة عدد من المعتقلين من فرع أمن الدولة في محافظة حلب إلى مطار حلب الدولي، وبعد أقل من ساعة على وصولنا إلى المطار، قاموا بإدخالنا إلى طائرة نقل، ولمّا سألت أحد العناصر وقلت له “إلى أين ذاهبين؟” فتفاجأت بجواب صادم وارتعدت خوفاً منه، حيث قال لي بلهجة قبيحة “جاء أمر قتلك ورح نقتلك ونرميك بالبحر”، حينها لم أستطع النطق بكلمة واحدة وعجزت عن الكلام، ثمّ قام أحد العناصر بسحبي إلى مؤخرة الطائرة وفتحها، ثمّ بدأ يحاول أن يهوي بي خارج الطائرة من أجل ترهيبي.”

أولاً: من هو الناجي “أحمد أسعد هنداوي”:

“أحمد أسعد هنداوي” من مواليد بلدة إحسم في جبل الزاوية في ريف إدلب عام 1985، كان أحمد يعمل قبل اندلاع النزاع السوري عام 2011، كمزارع، ويعمل على رعاية أرضه وإعالة أهله وزوجته وطفليه، لينتقل بعدها إلى محافظة حلب، حيث عمل هناك في حي ” السكري ” في إحدى الشركات التجارية كفني صيانة وكهرباء، وبدأت قصة اعتقال “أحمد” في حي السكري في حلب بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ما جرى قائلاً:”

“في حوالي الساعة (11:00) مساءً، طلبت مني زوجتي أن أخرج لشراء بعض الحاجيات للمنزل، فخرجت وتوجهت إلى أحد الدكاكين القريبة من منزلي،  وبعد دقائق تفاجأت بسيّارة تابعة لفرع “أمن الدولة ” تقف أمام الدّكان، ومن ثمّ خرج منها حوالي (6) من العناصر وهم مدجّجين بالسلاح الكامل، وعلى وجه السرعة ودون سابق إنذار قاموا بتقييد كلتا يديّ إلى الخلف بواسطة “كلبشات الحديد”، وبعد ذلك قاموا أيضاً باعتقال صاحب الدّكان دون أن نعرف ما هي التهم الموجهّة إلينا، ومن ثمّ قاموا بإخراجنا ووضعنا داخل السيارة دون رحمة مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين، ثمّ انطلقت بنا السيارة لتأخذنا إلى حيث مقر فرع “أمن الدولة” في حي السكري في محافظة حلب.”

ما إن وصل “أحمد” إلى فرع أمن الدولة في محافظة حلب، حتى قام العناصر بإخراجه من السيارة ووضعه داخل قبو أرضي، ودخل معه أحد العناصر إلى هذا القبو حتى يقوم بتعليقه “شبحه” على الحائط وهو مكبّل اليدين، كان “أحمد” حينها يشعر بخوف لم يراوده من قبل، جعله يعجز عن الكلام أو حتى السؤال عن سبب اقتياده بهذه الطريقة الوحشية، وبقي أحمد في ذلك القبو المظلم مدة أربعة أيام، وكان العناصر يقدّمون له في كل يوم القليل من الطعام والماء، كما كانوا يفكون وثاقه حتى يتمكن من تناول الطعام ومن ثمّ يعيدونه إلى الوضعية السابقة وهي الشبح على الحائط، وأضاف قائلاً:

“بقيت على هذا الحال طيلة أربعة أيام، وفي صبيحة  يوم الأحد الموافق 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، دخل عليّ أحد العناصر ليأخذني خارج القبو، وبعد ذلك بدأ بضربي وتعذيبي بشكل وحشي هو ومجموعة من العناصر، وكانوا حينها حوالي (4) أشخاص، وأذكر أنهم ضربوني بشدة بعصي وكابلات كهربائية على كامل جسدي، غير مراعين لصراخي وتوسّلي إليهم للتوقف، فقام أحدهم حينها بتوجيه ضربة قاسية على إصبع قدمي اليمنى ما أدى لكسره، وحينها صرخت بصوت مرتفع هزّ أرجاء السجن من شدة الألم، وبعد أكثر من نصف ساعة على هذا الحال توقفوا وبقيت كجثة هامدة لا أقوى على الحراك، ليأتي بعدها عنصر آخر ويقوم بسحبي وإعادتي إلى الزنزانة الموحشة التي بقيت فيها على هذا الحال لمدة شهر كامل، وخلال هذا الشهر كانوا يرسلون عناصر من فرع أمن الدولة لتفتيش منزلي بشكل متواصل، فقد قاموا بتفتيشه أكثر من أربع مرات، وفي إحدى المرات كانوا قد ذهبوا للمنزل فوجدوا برميل مازوت فيه أكثر من (50) ليتر، فقاموا بإفراغه على الأرض بحجّة أنه مخلوط مع مواد كيماوية وذلك بحسب ما ذكره العناصر لي لاحقاً.”

ثانياً: رحلة العذاب في إدارة المخابرات الجوية في مدينة دمشق:

بعد مضي شهر على اعتقال أحمد، وتحديداً بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر 2011، دخل بعض العناصر على زنزانة أحمد وأخرجوه برفقة عدد من المعتقلين، ثمّ وضعوه وهو معصوب العينين ومكبّل اليدين داخل سيارة عسكرية، وخلال هذه الأثناء، تناوب عدد من العناصر على ضربه وإهانته، وتوجهت به السيارة إلى مطار حلب الدولي، وبعد أقل من ساعة على وصوله إلى المطار، قاموا بإدخاله برفقة بقية المعتقلين إلى طائرة نقل، حيث انطلقت بهم دون معرفة الوجهة التي سيتمّ أخذهم إليها، وفي هذا الخصوص تابع أحمد قائلاً:

“على الرغم من خوفي الشديد والألم الذي سيطر على كامل جسمي، تجرّأت وسألت أحد العناصر وقلت له “إلى أين ذاهبين؟” فتفاجأت بجواب صادم وارتعدت خوفاً منه، حيث قال لي بلهجة قبيحة “لقد جاء أمر قتلك ورح نقتلك ونرميك بالبحر”، لم أستطع النطق بكلمة واحدة بعد ما سمعت، فأنا قد وقعت بين أيدي أناس لا يعرفون الرحمة ولا يوجد في قلوبهم مكان للإنسانية، ثمّ قام أحد العناصر بسحبي إلى مؤخرة الطائرة وفتحها، ثمّ بدأ يحاول أن يهوي بي خارج الطائرة من أجل إخافتي، وكنت حينها عاجزاً تماماً عن الحركة فقد كنت مكبّل اليدين والقدمين واستمروا هكذا بإهانتنا وتخويفنا إلى أن حطت بنا الطائرة في مكان مجهول لا نعرفه، فاستقبلنا مجموعة من العناصر بالضرب أيضاً والشتائم، ثمّ بعد نصف ساعة تقريباً، قاموا بإدخالنا إلى مكان تحت الأرض، ثم دخل علينا عدد من العناصر بعصيهم والكرابيج، وبدأوا بتعذيبنا وضربنا، وتعالى الصراخ في أرجاء المكان أكثر من 6 ساعات متواصلة، حيث كانوا يتناوبون على ضربنا ولم يمنحونا فرصة للتنفس والراحة، بينما كانت رائحة الدم قد ملأت أرجاء المكان، والعديد من المعتقلين قد غابوا عن الوعي بسبب شدة الضرب، وبعد ذلك أدخلوني ومعي 35 معتقلاً آخرين، إلى غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها (3) أمتار، ولا يوجد فيها متنفس للهواء ولا حتى حمام مجاور لها أو ماء للشرب، غير أنّ أحد العناصر قام بتوزيع الماء علينا بغطاء علبة “الكولا” التي لا تتسع إلا لبضع قطرات من الماء كطريقة منه لإهانتنا.”

تعرّض أحمد لصدمة كبيرة، عندما علم في اليوم التالي من خلال أحد المعتقلين بأنه محتجز في فرع إدارة المخابرات الجوية في مدينة دمشق، وبعد حوالي الأسبوع على احتجازه هناك، وتحديداً بتاريخ 2 شباط/فبراير 2012، كان أحمد يمكث داخل القبو في فترة الظهيرة، فحدث انفجار عنيف هزّ أجراء السجن وإدارة المخابرات الجوية بأكملها، فانهارت الجدران خارج القبو وتناهى إلى مسامع المعتقلين صوت تهدّم الجدران، وكأنّ منافذ القبو (وهي عبارة عن فتحات صغيرة يدخل منها هواء بكميات قليلة جداً) قد أغلقت بشكل كامل، وانقطع التيار الكهربائي عن كامل السجن، فسارع أحمد وبقية المعتقلين للتوجه إلى منافذ القبو لمعرفة ما حصل إلا أنّهم لم يلفحوا في ذلك، وأكمل قائلاً:

“بعد يومين من هذه الحادثة، أي بتاريخ 4 شباط/فبراير 2012، دخل عليّ عنصران، وأخرجاني من الزنزانة وساقاني إلى غرفة مخيفة تسمى “غرفة التحقيق”، وما إن وصلت إليها حتى انهال عليّ بالضرب أكثر من 5 عناصر، فضربوني بشدّة ودون رحمة بعصي كهربائية  وكابلات نحاسية ملفوفة، وكان أحدهم يحمل كبل مصنوع من إطارات السيارات قد جهزه للتعذيب، فغبت عن الوعي لعدة لحظات  ثمّ وعيت على أحدهم وهو يدوس بحذائه العسكري على رأسي ويقول لي “أنت واحد مسّلح ما رح نرحمك لحتى تعترف، أنت إرهابي وعم تتعاون مع المسلحين”، وبعد أن تعبوا من المحاولة معي وأنا مصرّ على كلامي وعدم اعترافي بالتهمة، قام أحدهم بإعادتي إلى الزنزانة، حيث سحبني أرضاً كجثة هامدة دون أن أتمكن من تحريك أي طرف من أطرافي، وبعد هذه الحادثة بقيت لمدة 5 أيام ثم قاموا بإجباري على وضع بصمتي على أوراق لا أعرف محتواها، وتلك الحادثة وقعت بتاريخ 9 شباط/فبراير 2012، حيث دخل عليّ المحقق وقال لي بالحرف الواحد “ستوافق على ما هو موجود في هذه الورقة بالرغم عنك” وكان يرافقه أحد العناصر الذي قد تجهزّ لبدء جولة من التعذيب، وبدون أي تردد وضعت بصمتي على الورقة من أسفلها دون أن أسأله عن أي شيء خوفاً من التعذيب الذي لا يطاق ولا يحتمل.”

بتاريخ 15 آذار/مارس 2012، قام العناصر في إدارة المخابرات الجوية بإخراج جميع المعتقلين ووضعهم داخل أحد ساحات الفرع، ومن ثمّ جاء أحد الضباط وتوجه بخطاب مفاده بأنّ جميع المعتقلين سيتم الإفراج عنهم غداً بعفو من الرئيس، إلا أن ّ المعتقلين لم يلقوا بالاّ لهذا الخطاب، فقد كانوا يعلمون أنها مجرد وعودِ لا أكثر، بسبب وجود مباحثات آنذاك لدخول بعثة دولية إلى سوريا برئاسة “كوفي عنان”، الذي تولى مهمة مباحثات السلام في سوريا، على حد وصف أحمد.

ثالثاً: مشاهدات حول حصار سجن حلب المركزي من قبل فصائل المعارضة المسّلحة:

وفي صبيحة اليوم التالي، تمّ وضع “أحمد” في سيارة عسكرية، من أجل اقتياده إلى فرع الشرطة العسكرية في حي القابون الدمشقي، حيث بقي محتجزاً داخل زنزانة صغيرة برفقة عدد كبير من المعتقلين القدامى والجدد، وبقي على هذا الحال مدة أسبوع كامل، وبتاريخ 23 آذار/مارس 2012، تمّت معاودة نقله مع عدد من المعتقلين، بوساطة “برادات الخضار” إلى محافظة حمص، وتحديداً إلى سجن “البالونة” والذي يقع خلف جامعة البعث على طريق دمشق الدولي، وأضاف أحمد قائلاً:

“ما إن وصلنا داخل السجن، حتى بدأ العناصر بضربنا بوحشية مستخدمين “أنابيب مياه حديد”، وبعد أكثر من ساعة من الضرب والتعذيب قاموا بإجبارنا على خلع كل ملابسنا حتى الداخلية منها، ووضعنا عراة داخل زنزانة تحت الأرض، حيث بقينا فيها مدة أسبوع كامل، تعرّضنا خلاله إلى جميع أصناف وأنواع التعذيب، من ضرب وإهانات وشتائم إضافة إلى الجوع والعطش وانعدام سبل الحياة في هذا السجن، وبتاريخ 2 نيسان/أبريل 2012، قام عناصر السجن بإخراجنا من الزنزانة الأرضية وتمّ وضعنا للمرة الثانية في “برّادات للخضار والفواكه” وذهبوا بنا منطلقين إلى محافظة حلب مرة أخرى ولكن هذه المرة إلى فرع “الأمن العسكري”، وكان سبب إعادتي إلى محافظة  حلب على حد قولهم، للمحاكمة التي سيوجهون فيها تهماً لا علم لي بها، ولكن كنت صابراً وقلبي هناك حيث منزلي وزوجتي وطفلي، وبعد يوم من احتجازي داخل فرع “الأمن العسكري” تمّ نقلي ومعي عدد من السجناء إلى “سجن حلب المركزي”.”

بتاريخ 3 نيسان/أبريل 2012، تمّ نقل ” أحمد” إلى سجن حلب المركزي، حيث عاش أصعب وأقسى أيام حياته، فقد كان السجن في بداية اعتقاله يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، حيث كان المعتقلون يعيشون على الماء وبقايا الخبز المتّعفن، والبقايا التي يتركها عناصر السجن بعد طعامهم، وقد مُنعت الزيارات والاتصالات عن المعتقلين وأصبحوا معزولين تماماً عن العالم، واستمر بهم الحال عدّة أشهر، قبل أن يبدأ العمل على حصار السجن من قبل فصائل المعارضة المسلّحة آنذاك، وتابع “أحمد” قائلاً:

“تمّ عرضي خلال هذه الفترة عدّة مرات أمام قاضي المحكمة، وكان يقول لي في كل مرة، أنه لا يوجد حالياً إمكانية للمحاكمة حيث أنّ الأوراق قيد التجهيز وهناك دراسات أمنية يجب أن تجرى قبل المحاكمة على حد زعمه، وفي شهر نيسان/أبريل 2013، قام عناصر السجن بإخراج المعتقلين من أقبيتهم ووضعهم في الطابق الثالث وتحديداً في مبنى بالقرب من سور السجن، في حال قامت فصائل المعارضة المسّلحة بشنّ أي هجوم، وكي يتخذوا منا دروع بشرية بغية حمايتهم من ضربات تلك الفصائل، وفي منتصف الشهر ذاته، بدأت أحداث حصار سجن حلب المركزي الذي فرضته عدة فصائل من المعارضة المسّلحة وكان منها تنظيم جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية، وفي الأيام القليلة الأولى كنا نسمع أصوات اشتباكات عنيفة وقصف عنيف بمختلف أنواع الأسلحة وبدأت العناصر التي تتمركز على الأطراف الخارجية للسجن بالانسحاب تحت ضربات الفصائل المسّلحة إلى داخل السجن، وكل يوم يدخلون علينا مدججّين بالسلاح ويقوموا بتعذيبنا انتقاماً لما يجري من محاولة اقتحام السجن… ثمّ بدأت معاناة المعتقلين تزيد يوماً بعد آخر بسبب الجوع الذي فرضه علينا عناصر السجن، بل إني لا زلت أذكر عندما كان يقف أحد العناصر ويقول لنا من على بوابة الزنزانة “مافي لا أكل ولا شرب يلي بدو يموت يصف عالحيط لقوصو وريحو” هذا المشهد الذي تكرّر عدة مرات لا أستطيع نسيانه أبداً.”

رابعاً: (35) معتقلاً قتلوا عقب قيامهم باستعصاء:

وأضاف أحمد بأنه وبتاريخ 10 تموز/يوليو 2013، عمد نزلاء الجناح الأول والثاني (الملاصقان لجناحه) في سجن حلب المركزي، إلى تنفيذ استعصاء وذلك بسبب نفاد المواد الغذائية داخل السجن خلال فترة الحصار، فقابله حينها عناصر السجن بوحشية كبيرة، حيث قاموا بإطلاق النار المباشر على صدور السجناء العزّل وقتلوا منهم حوالي 35 معتقلاً، وبقيت جثثهم متناثرة وفاحت رائحتها لعدة أيام، ثم بعد ذلك أخذوا الجثث ودفنوها في مقبرة جماعية في ساحة السجن، وكانت تلك الحادثة واحدة من أقسى الحوادث التي كان أحمد شاهداً عليها، حيث قال:

“بعد هذه الحادثة قام عناصر السجن بنشر الرشاشات والقناصات على سطح السجن تحسّباً من أي محاولة استعصاء أخرى، وخلال فترة الحصار الذي أطبقته فصائل المعارضة المسّلحة على السجن كانت تقوم الطائرات المروحية بإلقاء المواد الغذائية والتموينية لعناصر السجن، وكانوا يستغلون الوضع الأمني الخطير ليبيعوا بعض المواد للسجناء بأسعار باهظة، حيث كان يباع رغيف الخبز الواحد بـ 1500ليرة سورية، وغيرها من المواد مثل الخضار الذي يصل سعر الكيلو الواحد منها بمختلف أنواعها لحدود 2000 ليرة سورية، وهكذا عشنا أحداث حصار السجن والذي زاد من معاناة المعتقلين طوال فترة عام كامل تقريباً حتى انتهى بتاريخ 22 أيار/مايو 2014، وبعد انتهاء الحصار  ونجاح قوات النظام في فكّه، قاموا بنقلي ومعي الكثير من السجناء، إلى سجن الوحدة في  حلب الجديدة ونقلوا جميع أضابير وأوراق السجناء إلى محكمة الإرهاب في دمشق، وبدأت أتردد بشكل متواصل إلى المحكمة في مدينة دمشق، وفي هذه الأثناء قام أهلي بتوكيل محامٍ لي ودفعوا له مبلغاً مالياً وقدره مليون ليرة سورية، وبعد ذلك تمّ طلبي مرتين إلى فرع  الأمن الجنائي  بمحافظة دمشق، وكانت عبارة عن جلسات لمتابعة قضيتي، وبقيت على هذه الحال إلى تاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2014، ثمّ تمّ نقلي بمفردي بشكل شخصي إلى سجن  عدرا المركزي لتلّقي العلاج، فقد كنت قد أصبت بمرض السل، خلال فترة احتجازي في سجن الوحدة في حلب الجديدة، وبقيت لمدة عام كامل في سجن عدرا المركزي، أتلقى العلاج وأتابع مجريات قضيتي مع المحامي إلى تاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 2015، ومن ثمّ تمّ نقلي إلى سجن حماة المركزي، والذي كان  السجن الأخير من بين السجون التي تنقلّت بينها، ومكثت فيه حوالي السنة وشهرين.”

 

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي لسجن حلب المركزي بتاريخ 27/4/2011.

 

صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي لسجن حلب المركزي بتاريخ 20/2/2017.

كان مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، قد أصدر تقاريراً[2] في شهر نيسان/أبريل 2014، حول سجن حلب المركز تحت عنوان ” تقرير خاص حول سجن حلب المركزي – اعدام العشرات من السجناء وتجويعهم حتى الموت”، وقد أورد التقرير صور أقمار اصطناعية لأماكن دفن جثث المحتجزين في السجن. وقد جاء في التقرير ما يلي:

“في جميع الشهادات والمقابلات التي أجراها نشطاء مركز توثيق الانتهاكات في سوريا مع الشهود والمعتقلين السابقين كان يتمّ سؤالهم عن أرقام القتلى على يد قوات النظام وأماكن الدفن حيث أنّ السجن محاصر من قبل القوات المناهضة للحكومة، وكان كان آخر اتصال مع السجن بتاريخ 14-2-2014 مع أحد المساجين – والذي رفض الكشف عن اسمه – عن طريق الهاتف والذي أكدّ لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا عن وصول عدد الضحايا إلى ( 639 ) وهذا الرقم لا يشمل عناصر وجنود النظام الذين قتل منهم فقط في آخر معركة – معركة وا معتصماه – عشرة جنود وأصيب ( 23 ) آخرين وقتل أيضاً سجينان بنيران مجهولة المصدر، وأكدّ الشاهد أنّ الطعام توقف خلال أربعة أيام في ظل المعارك الشرسة لاقتحام السجن.

وقد أكدّ شهود العيان أنّ المساجين الذين كان يموتون تحت التعذيب أو يتمّ اعدامهم أو يموتون نتيجة الجوع كان يتمّ دفنهم في الباحة الشرقية للسجن، وكانت هنالك مسافة تفصل ما بين مقابر قتلى النظام وأمكنة دفن السجناء، وقد قام مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بالاتصال بإحدى شركات تزويد صور الأقمار الاصطناعية بعد أنّ قدم مواقع دقيقة وتواريخ محددة للدفن، وتمّ التقاط الصورة الأولى بتاريخ 31 – 10 – 2013 والتي أظهرت ما يلي:

أولاً: المنطقة رقم ( 1 ) تظهر مواد قد تمّ حرقها وتبدوا وكأنّها أكياس من القمامة.

ثانياً: وجود مدافن في المربع رقم ( 2 )، وهي الأماكن التي تحدث شهود العيان عن دفن قوات النظام لعناصرها الذي كانوا يقضون في المواجهات مع الكتائب المقاتلة.

ثالثاً: وجود مقابر كبيرة نسبياً في المربع رقم ( 3 ) وهي الأماكن التي تحدث شهود العيان عن دفن قوات النظام للمساجين فيها، وبحسب شهود العيان فقد كان عدد القتلى الذين تمّ دفنهم هنالك حوالي ( 300 ) سجين إلى تاريخ التقاط الصورة.

وقد قام مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بأخذ صورة بتاريخ 6 شباط 2014 وتمّ معاينة المناطق المذكور مرة أخرى وكانت النتائج كالتالي:

أولاً: لم يتمّ ملاحظة أي تغيير في المنطقة رقم ( 2 ).

ثانياً: زادت مساحة مقابر السجناء في المربع رقم ( 3 ) بشكل ملحوظ جداً واتسعت مساحتها لتبلغ حوالي 700 متر مربع، وتمّ تنظيمها، وأشارت الصورة بانسجامها بشكل كبير جداً مع كونها مقابر جماعية، والتي كان الشهود قد أكدّوا مسبقاً أنّ عمليات دفن السجناء تتم في هذا المكان.”

صور أقمار اصطناعية لأماكن دفن جثث المحتجزين في سجن حلب المركزي
المصدر: مركز توثيق الانتهاكات في سوريا

 

خامساً: الحرية بعد دفع رشاوي:

بتاريخ 13 شباط/فبراير 2017، تمّ الإفراج عن “أحمد” لكن بعد أنّ دفع رشوة بقيمة (6) ملايين ليرة سورية لأحد القضاة، وبعد أن اضطرت عائلته إلى بيع كل ما تملك من أجل أن يتم إطلاق سراحه، حيث تمّت المصادقة على قرار الإفراج عنه من سجن حماة المركزي، وذلك بعد احتجاز دام ستة أعوام بتهمٍ ملفقة، واختتم أحمد حديثه لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

“على الرغم من أنني خرجت وأنا حاملاً معي الأمراض والذكريات المؤلمة، غير أني لا زلت أنشد حريتي وحرية أبناء شعبي المسلوبة طوال عقود مضت من تاريخ سورية، وقد تعلّمت من تجربتي هذه الكثير والكثير وعلمت أن الحكم بقبضة من حديد ورغماً عن الشعب لن يطول كثيراً وأنّ النهاية قادمة لا محالة، وستنعم سوريا بالعيش ضمن دولة عربية موحدة يشكّل أفرادها نسيجاً من جميع الطوائف ويجمعهم وطن واحد.”

صورة تظهر وثيقة الإفراج عن الناجي “أحمد أسعد هنداوي” بتاريخ 13 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: الناجي “أحمد أسعد هنداوي”.

 


[1] تم لقاء الشاهد من قبل الباحث الميداني لدى سوريون من اجل الحقيقة والعدالة في شهر حزيران/يونيو 2018.

[2] ” تقرير خاص حول سجن حلب المركزي – اعدام العشرات من السجناء وتجويعهم حتى الموت”، مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، نيسان/أبريل 2018. (آخر زيارة 1 ايلول/سبتمبر 2018) http://www.vdc-sy.info/index.php/ar/reports/1398197682#.W4p2yLhRXIU.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد