مقدمة: لم يعد قصف القوات النظامية السورية وحلفائها هو الهاجس الوحيد الذي لازال يرعب المدنيين في ريفي حماة وإدلب، بل أصبحت أيضاً مخلّفات القصف غير المنفجرة ذات خطرٍ كبيرِ يهدد أرواح العديد منهم ولا سيّما الأطفال، حيث شهدت مناطق متفرقة في ريفي إدلب وحماة الخاضعتين لسيطرة المعارضة المسّلحة وبعض الفصائل الجهادية الأخرى، خلال شهر حزيران/يونيو 2018، مقتل وإصابة عدد من الأطفال بسبب مخلّفات القصف وخاصة الذخائر العنقودية[1] غير المنفجرة.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ القوات النظامية السورية وحلفائها، كانت قد صعّدت منذ بداية العام 2018، من حدة القصف الجوي على قرى وبلدات ريفي حماة الشمالي والغربي بالإضافة إلى ريف إدلب الجنوبي، وذلك خلال عدة مواجهات عسكرية وقعت ما بين القوات النظامية السورية وفصائل مسلّحة معارضة في تلك المناطق، مشيراً إلى أنّ القصف مازال يتجدد بشكل شبه يومي على عدة بلدات وقرى في ريف حماة الشمالي مثل "كفرزيتا واللطامنة ولطمين"، وتعتبر هذه المناطق خط تماس مع المناطق الخاضعة لسيطرة القوات النظامية السورية مثل حلفايا، كما تقوم نقاط تمركز القوات النظامية السورية في منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي مثل "معسكر جورين" باستهداف القرى المجاورة لها مثل "الحواش والعنكاوي"، ويتكرر أيضاً القصف على قرى وبلدات في ريف إدلب الجنوبي بغارات جوية من الطيران الحربي بواسطة أسلحة متنوعة، وقد نتج عن هذا القصف وجود الكثير من مخلّفات القصف والذخائر العنقودية غير المنفجرة ما جعلها بمثابة قنابل موقوتة قابلة للانفجار بأي لحظة وتؤدي إلى وقوع ضحايا مدنيين.
كما لفت الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة إلى أنّ هذه المخلّفات تشكّل بالدرجة الأولى خطراً كبيراً على حياة المزارعين (نظراً لانتشار مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في ريفي إدلب وحماة) إضافة إلى الأطفال، وخاصة أنهم لا يستطيعون إدراك خطر هذه المخلّفات والذخائر المنتشرة على الأرض في حال صادفوها.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت تقريراً خاصاً يسلّط الضوء على قصص بعض الأطفال الذين أصيبوا بإعاقات وتشوهات غيرت حياتهم، في ريفي إدلب وحماة، وذلك بسبب العنف الدائر في سوريا، كما كانت المنظمة قد أعدّت تقريراً آخراً حول تعرّض الأطفال وتحديداً في مناطق ريف حلب، إلى مخاطر الذخائر العنقودية غير المنفجرة والمستخدمة من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها بشكل رئيسي، وذلك خلال سنوات النزاع السوري.
أولاً: طفلان ضحية مخلّفات القصف على ريف حماة الشمالي:
بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2018، حصدت ذخيرة عنقودية حياة كل من الطفل "مدين كمال محمود (10) أعوام، إضافة إلى شقيقه "أنس كمال محمود" (19) عاماً، وذلك في مدينة مورك بريف حماة الشمالي، حيث فُجع والدهما بمقتل طفلين من أطفاله دفعة واحدة، إضافة إلى جرح بقية أفراد العائلة، وفي هذا الخصوص تحدّت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"منذ حوالي العامين نزحنا من بلدة عطشان في ريف حماة الشمالي بسبب ترّدي الأوضاع وشدّة القصف على البلدة، فتوجهنا إلى مدينة مورك، وبتاريخ 20 حزيران/يونيو 2018، طلب مني أحد الجارة بعض المساعدة من أجل سقاية أشجار الزيتون بالقرب من منزلي مقابل مبلغ مالي، فقمت بإرسال الطفلين، ووافقت بطبيعة الحال باعتبار أننا بحاجة ماسة للمال في ظل الفقر الذي نعيشه، وأثناء عملهما، انفجرت قنبلة عنقودية من مخلّفات القصف الجوي على المدينة، ولدى سماعي صوت الانفجار توجهت مسرعاً إلى المكان الذي ذهب إليه طفليّ، وأحسست بأنّ صاعقة نزلت عليّ، عندما وجدتهما قد فارقا الحياة والدماء تغطيهما، فما زلت ألوم نفسي حتى يومنا هذا على مقتلهما، فلو لم أوافق على إرسالهما في ذلك الوقت لكانا على قيد الحياة الآن. لقد عجز لساني عن الكلام من هول ما رأيت، كما أصيبت زوجتي وابنتي الاثنتين أيضاً إصابات متوسطة من شدة الانفجار، ووصلت فرق الدفاع المدني بشكل فوري إلى مكان الحادثة، وقمت بدفن أنس ومدين بيديّ هاتين، ومن ثمّ قمنا بنقل إحدى بناتي إلى مشفى معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، أما الأخرى فقد تمّ نقلها إلى مشفى باب الهوى الحدودي مع والدتها، وهما الآن في حالة مستقرة."
صورة تظهر الطفل الضحية "أنس كمال محمود" عقب مقتله، وذلك بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2018.
مصدر الصورة: عائلة الطفل الضحية "أنس كمال محمود".
صورة تظهر الطفل الضحية "مدين كمال محمود" قبيل مقتله بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2018.
مصدر الصورة: عائلة الطفل الضحية "مدين كمال محمود".
صورة تظهر الطفل الضحية "مدين كمال محمود" عقب مقتله بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2018.
مصدر الصورة: عائلة الطفل الضحية "مدين كمال محمود".
ثانياً: قنبلة موقوتة تحصد حياة طفل في بلدة التمانعة بريف إدلب:
لم يسلم أطفال ريف إدلب أيضاً، من خطر مخلّفات القصف على مدنهم وبلداتهم من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها، ففي بلدة جرجناز، قتُل الطفل "رياض عمر الحماديش" والذي يبلغ من العمر (12) عاماً، بينما كان يحاول القيام بعمله وإعالة أسرته الفقيرة في شهر حزيران/يونيو 2018، وفي هذا الخصوص تحدّث عمّ الطفل "لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"في مطلع العام 2018، اضطررنا للنزوح مع عائلة أخي المكونة من ستة أفراد، من بلدة سنجار في ريف إدلب الجنوبي، ومن ثمّ توجهنا إلى بلدة جرجناز، وبعد مضي أكثر من (7) أشهر على مكوثنا في جرجناز، وبسبب ضيق الحال، اقترح ابن أخي "رياض" أن يعمل بقطف وبيع نبتة "الشفلح"[2] كمساهمة منه لتوفير لقمة العيش، وبعد أيام من بحثه عن أي عمل في البلدة، لم يوفق رياض في إيجاد أي عمل، ثم سمع عن عملِ وفيه من الصعوبة مالا يحتمله طفل بعمره، وهو البحث عن أزهار نبتة "الشفلح" في المناطق المرتفعة كالجبال والتلال، وبيع هذه النبتة للتجار من أجل استخدامها في مستحضرات طبية، وعلى الرغم من صعوبة ومشّقة هذا العمل، قرر رياض بدء العمل، فبدأ يتردد مع مجموعة من الأطفال والشبان إلى بلدة التمانعة لقطاف نبتة "الشفلح"، حيث يتواجد بكثرة هناك، ومن ثمّ يبيعه لأصحاب المحلات بأسعار زهيدة."
في صبيحة يوم 12 حزيران/يونيو 2018، خرج "رياض" كعادته إلى بلدة التمانعة بريف إدلب من أجل ممارسة عمله في قطاف نبتة "الشفلح"، فكانت في انتظاره ذخيرة عنقودية من مخلّفات قصف الطيران الحربي على البلدة، فانفجرت به ما أدى إلى مقتله إلى الفور، وفي هذا الخصوص تابع عمّ الطفل قائلاً:
"تلقينا الخبر بكامل الحزن والأسى، وانطلقت مع والده "عمر" باتجاه البلدة لنجد "رياض" وقد فارق الحياة بينما شوهت القنبلة كامل جسده، فقمنا بإحضار جثمانه إلى بلدة جرجناز ودفنه هناك حيث يسكن والده مع العائلة. لقد كان الخبر مفجعاً جداً لوالدته وإخوانه الصغار، فعلى الرغم من صغر سن "رياض" إلا أنه تحمّل من الأعباء ما لا يطاق، من أجل توفير لقمة العيش لأهله، وفي النهاية كان ضحية لمخلّفات القصف الذي يمارسه النظام السوري مع حليفه الروسي على المدنيين في ريف إدلب الجنوبي وجميع المناطق الخارجة عن سيطرته."
ثالثاً: انتشار مخلّفات القصف في ريفي حماة وإدلب:
وفي شهادة أخرى أدلى بها "مصعب القدور" وهو مدير مركز الدفاع المدني في بلدة التمانعة بريف إدلب الجنوبي، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ عناصر الدفاع المدني يقومون بشكل مستمر ودائم بحملات لإزالة مخلّفات القصف التي تركها القصف الجوي والبري طيلة السنوات الماضية، وتابع قائلاً:
"تمّ إحصاء أكثر من (350) غارة جوية من الطيران الحربي التابع للنظام السوري وسلاح الجو الروسي بأنواع مختلفة من الأسلحة فقط في العام (2017)، علماً أنّ العام (2018) شهد أيضاً تصعيداً كبيراً في حدة القصف، و يقوم فريق الهندسة بتعقّب هذه المخلّفات والتخلّص منها بطرق مختلفة مثل تفكيكها أو تفجيرها عن بعد، بعيداً عن الأماكن المأهولة بالسكان، ويتواجد في البلدة أعداد هائلة من المخلّفات من صواريخ غير منفجرة أو ذخائر عنقودية كان قد ألقاها الطيران الحربي التابع لقوات النظام السوري وسلاح الجو الروسي، كما أنه يوجد الكثير منها لم يتم الكشف عنها ولم نستطع التوصل لمكان وجودها، وبالتالي فهي تشكّل خطر اً كبيراً على أرواح المدنيين، وقد صادفنا العديد من حالات انفجار مخلّفات القصف، مما تسبّب بمقتل وجرح العديد من المدنيين، وقد أحصينا (5) حالات قتل بالإضافة إلى (2) حالات إصابة في بلدة التمانعة وحدها، نتيجة انفجار هذه المخلّفات فقط خلال عام 2018، وكان أحدها حادثة مقتل الطفل "رياض عمر الحماديش"، ويقيم فريق الهندسة التابع لمركز الدفاع المدني حملات توعوية على مدار العام تستهدف المدارس والمؤسسات المدنية والأماكن العامة لتوعية المدنيين حول مخاطر هذه المخلّفات."
صورة تظهر جانباً من مخلّفات القصف على بلدة التمانعة بريف إدلب، وذلك خلال شهر أيار/مايو 2018.
مصدر الصورة: الدفاع المدني في محافظة إدلب.
"مناحي الأحمد" وهو أحد الناشطين الإعلاميين من ريف حماة، أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ المئات من الذخائر العنقودية غير المنفجرة، مازالت متواجدة في ريفي إدلب وحماة، وهو ما ينذر بخطر كبير على أرواح السكان المدنيين ولاسيمّا الأطفال منهم، وتابع قائلاً:
"شهدت المنطقة خلال السنوات الفائتة معارك عنيفة بين القوات التابعة للنظام السوري وقوات فصائل المعارضة المسلحة، وقد تخلّل تلك المعارك تصعيد جوي عنيف من قبل الطيران الحربي التابع للنظام السوري وسلاح الجو الروسي استخدمت فيه شتى أنواع الأسلحة من صواريخ عنقودية وفراغية وارتجاجية وبراميل متفجرة وغيرها، بالإضافة إلى القصف البري الذي تنفذه قوات النظام السوري المنتشرة في ثكنات عسكرية وحواجز في البلدات التي تخضع لسيطرة النظام السوري، مثل مدن محردة والسقليبية في ريف حماة الغربي ومدن طيبة الإمام وحلفايا شمال المدينة، وإنّ نسبة كبيرة من هذه الذخائر وخصوصاً الصواريخ المحملة بقنابل عنقودية لا تنفجر في لحظة وقوعها بل تبقى في مكانها وتكون عرضة للانفجار في أي لحظة، كما ومن المعلوم أن مناطق ريفي محافظة حماة وإدلب يوجد ضمنها الكثير من الأراضي الزراعية والتي يتوجب على المدنيين التواجد فيها بشكل متكرر لزراعة ورعاية أرضهم، والذي يجعل الأمر يزداد تعقيداً هو أن الكثير من هذه الذخائر الغير منفجرة والمتناثرة هنا وهناك متخفية بين الصخور أو بين المحاصيل الزراعية فلا يمكن رؤيتها للعيان والكشف عنها من قبل المختصين، فالخوف لا يزال قائم من انفجارها في أي لحظة لتترك وراءها الموت والدمار."
[1]الذخائر العنقودية هي أسلحة تتكون من "حاوية" تفتح في الهواء وتنثر أعدادًا كبيرةً من "القنابل الصغيرة" أو الذخائر الصغيرة المتفجرة، وذلك على مساحة واسعة. وعلى حسب الطراز، يمكن أن يتراوح عدد الذخائر الصغيرة من عدة عشرات إلى ما يربو على 600. ويمكن إلقاء الذخائر العنقودية عن طريق الطائرات أو المدفعية أو القذائف. الجزء الأعظم من الذخائر الصغيرة معدٌّ للانفجار عند الاصطدام. ويتسم أغلبها بميزة السقوط الحر، بمعنى أنها لا تـُوجه بصفة فردية نحو أي هدف ما. الذخائر العنقودية استُخدمت للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية، ونسبةٌ كبيرةٌ من الذخائر العنقودية المخزَّنة في الوقت الحالي صُممت للاستخدام في الحرب الباردة. وتمثل المقصد الأساسي منها في تدمير الأهداف العسكرية المتعددة المنثورة على مساحة واسعة، مثل تشكيلات الدبابات أو المشاة، وفي قتل المحاربين أو إصابتهم، "الذخائر العنقودية: ما هي؟ وما المشكلة؟ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، آب/أغسطس 2013، للمزيد يرجى زيارة الرابط التالي:
https://www.icrc.org/ara/resources/documents/legal-fact-sheet/cluster-munitions-factsheet-230710.htm
[2] وهو اسم متداول لنبتة طبّية.