مقدمة: شهدت مدينة الحسكة الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، حالة من التوتر والاحتجاجات، وذلك اعتباراً من تاريخ 26 أيار/مايو 2018 وحتى تاريخ 3 حزيران/يونيو 2018، حيث تعرّضت أحياء النشوة الغربية والشرقية وغويران، إلى حملات مداهمات من قبل الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، من أجل سوق عدد من الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين (18 عاماً وحتى 30 عاماً) لخدمة واجب الدفاع الذاتي، ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد قامت الشرطة العسكرية بمداهمة عدد من المنازل التي تحوي زواراً ونازحين من محافظات أخرى، من أجل سوقهم للخدمة، وهو ما دفع بالعديد من الأهالي للاحتجاج و تسبّب في نشوب عراك بالأيادي ما بينهم وبين عناصر الشرطة العسكرية، ليتطور الأمر لاحقاً إلى إطلاق الرصاص بشكل عشوائي في الهواء من قبل عناصر الشرطة العسكرية، إضافة إلى اعتقالها عدد من الشبان.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، حيث قامت الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية بسوق عدد من الشبان النازحين -داخلياً- إلى حي غويران من محافظات أخرى مثل محافظة الرقة، وعمدت إلى تجنيدهم إجبارياً، وهو ما أدى أيضاً إلى حدوث احتجاجات من قبل أهالي الحي، قابلتها الشرطة العسكرية بإطلاق الرصاص الحي في الهواء.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فلا زالت حالة التوتر هذه تسود الأحياء الثلاثة في مدينة الحسكة حتى تاريخ إعداد هذا التقرير بتاريخ 13 أيار/مايو 2018، وذلك على الرغم من بذل العديد من المحاولات لتهدئة الأمور بين الطرفين، مشيراً إلى أغلب سكان هذه الأحياء الثلاثة هم عرب، ولافتاً إلى أنّ الحواجز العسكرية التي وضعتها الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية عند مداخل هذه الأحياء الثلاثة أدت إلى ازدياد هذا التوتر، ولا سيّما أنهم يقومون بتفتيش المارة جيئة وذهاباً، ويقومون بفحص هوياتهم.
وكانت قوات تابعة للإدارة الذاتية قد نفذّت في وقت سابق حملات مداهمة بغرض التجنيد، طالت عشرات الشبان في محافظة الرقة ومدينة منبج خلال شهري أيار/مايو 2018 وبدايات حزيران/يونيو الجاري، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت خبراً موجزاً حول ذلك حمل عنوان "استمرار عمليات التجنيد الإجبارية في الرقة ومنبج واحتجاجات ضدها، عمليات الاعتقال تتم بموجب قانون واجب الدفاع الذاتي الصادر في 21 تموز/يوليو 2014 عن هيئة الدفاع التابعة للإدارة الذاتية."
كما كانت المنظمة قد أعدت تقريراً آخراً حمل عنوان "عمليات تجنيد تحت بند "الحماية الذاتية" تتزايد في محافظة الحسكة، سوق العشرات من الشباب إلى معسكرات التدريب رغم أنّهم مستثنون من الخدمة الإلزامية."
أولاً: ما هو واجب الدفاع الذاتي:
بتاريخ 21 كانون الثاني/يناير 2014، تمّ تشكيل الإدارة الذاتية في شمال سوريا من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وأحزاب كردية وعربية وسريانية متحالفة معه، وتمّ على إثر ذلك تشكيل ثلاث مقاطعات وسميت بالـ "كانتونات" وهي: (كانتون الجزيرة وكانتون كوباني وكانتون عفرين)، لتشكل كل مقاطعة مجلسها والتي ستتمثل في المجلس العام.
وتضم الإدارة الذاتية (16) هيئة وهي (هيئة البلديات والبيئة وهيئة العلاقات الخارجية وهيئة الدفاع والحماية الذاتية وهيئة الداخلية وهيئة شؤون الشهداء وهيئة المرأة وهيئة الثقافة والفن وهيئة السياحة وحماية الآثار وهيئة التربية والتعليم وهيئة الاقتصاد وهيئة المالية وهيئة العمل والشؤون الاجتماعية وهيئة الصحة وهيئة الطاقة وهيئة الشباب وهيئة العدل).
ومن خلال هذه الهيئات استطاعت الإدارة الذاتية أن تحكم سيطرتها على المناطق التابعة لها، إذ أنّ هيئة الدفاع والحماية الذاتية كانت معنية أول الأمر بالشؤون العسكرية المتعلقة بوحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ ، لكن وبتاريخ 21 تموز/يوليو 2014، أصدرت هيئة الدفاع أول قانون لها ضمن بند الحماية الذاتية، حيث قضى هذا القانون بأنّ:
"على كل أسرة أن تقدم أحد أفرادها ممن تتراوح أعمارهم ما بين (18-30) عاماً من أجل أداء واجب الدفاع الذاتي الذي يستمر مدة (6) أشهر."
وبتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2016، قامت الإدارة الذاتية برفع شهور الخدمة لواجب الدفاع الذاتي إلى تسعة أشهر بدلاً من ستة، وذلك وفق تصويت قام به المجلس التشريعي.
وبتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر 2017، أصدر المجلس التشريعي للإدارة الذاتية، قراراً يقضي رفع شهور الخدمة الإلزامية أو ما يعرف باسم واجب الدفاع الذاتي إلى سنة بدلاً تسعة أشهر.
ثانياً: سوق الشباب في مدينة الحسكة وبدء الاحتجاجات:
بتاريخ 26 أيار/مايو 2018، قامت الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، بتشكيل حاجز عسكري داخل حي النشوة الغربية في مدينة الحسكة وتحديداً في منطقة "دوار الشريعة"، وبدأت من خلاله بتوقيف عدد الشبان ممن تجاوزت أعمارهم (18 عاماً وحتى 30 عاماً)، ثمّ قامت باقتياد عدد منهم إلى مركز التجنيد الخاص بالإدارة الذاتية داخل مدينة الحسكة، من أجل سوقهم إلى واجب الدفاع الذاتي، بحسب ما أفاد العديد من أهالي حي النشوة الغربية لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
(مهند.خ) وهو أحد أهالي حي النشوة الغربية، وهو والد لثلاثة أبناء، تمّ اقتياد أحدهم مؤخراً إلى واجب الدفاع الذاتي من قبل الإدارة الذاتية، وفي هذا الخصوص تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"يبلغ ابني من العمر (29) عاماً، وهو موظف في دائرة الخدمات الفنية التابعة للحكومة السورية في مدينة الحسكة ويعمل بصفة مراقب فني داخل الدائرة، كما أنه مسرّح من الخدمة العسكرية النظامية، باعتبار أنه خدم لدى النظام في مدينة دمشق من العام 2007 وحتى العام 2009، ولكن نظراً لأنّه في العمر المطلوب لدى الإدارة الذاتية، فقد تمّ توقيفه على حاجز الشرطة العسكرية عند دوار الشريعة بتاريخ 26 أيار/مايو 2018، وبعدها قاموا بسوقه إلى مركز التجنيد، وتمّ إعلامنا بذلك، فقمنا باللحاق به إلى مركز التجنيد من أجل شرح الوضع لهم والتوضيح بأنّ ابني خدم الخدمة النظامية السورية، إلا أنهم أخبروني داخل مركز التجنيد بأنهم لا يعترفوا بالنظام السوري والخدمة العسكرية لديه، كما قالوا لي بأنّ خدمة واجب الدفاع الذاتي أمرُ مفروض على الجميع وسيخدم الواجب شاء من شاء وأبى من أبى، ولم أتمكن من عمل أي شيء سوى انتظار ابني حتى يعود في أول إجازة تتاح له بعد إخضاعه لدورة عسكرية من قبل الإدارة الذاتية، ومن ثمّ العمل على تهريبه خارج البلاد."
وبحسب ما أفاد به شهود عيان وأهالي من حي النشوة الغربيةـ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد استمرّت الشرطة العسكرية في سوق العديد من شبان الحي لخدمة واجب الدفاع الذاتي على مدار يومين متواصلين، كما وصل الأمر بهم إلى دخول بعض المنازل في الحي عنوةً، وذلك بعد ورود تقارير إلى الجهات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية بأنّ هنالك شبان من محافظات سورية أخرى داخل هذه المنازل، وهم بصفة زوار عند أصحاب تلك البيوت.
وفي ساعات المساء الأولى من يوم 27 أيار/مايو 2018، عمدت دورية من الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية إلى دخول بعض هذه المنازل التي تحوي زواراً من محافظات أخرى في حي النشوة الغربية، وعلى إثر ذلك قامت مجموعة من أهالي الحي بمهاجمة تلك الدورية، وهو الأمر الذي تسبّب في حدوث عراك بالأيدي ما بين الدورية وأهالي الحي، لينتهي الأمر بهم إلى اعتقال بعض الشبان الذين شاركوا في هذه الحادثة وكان منهم شباناً من آل (الزهرواي)، وهو الأمر الذي أكده أحد أفراد آل (الزهراوي) لسوريون أجل الحقيقة والعدالة، حيث تحدّث في هذا الصدد قائلاً:
"قام عدد من نساء وشبان العائلة بمهاجمة تلك الدورية، الأمر الذي استدعى استعمال القوة من قبلها ضدّ أفراد عائلتي، وهو ما أدى إلى إصابة أحد أفراد الدورية بطعنة سكين خلال ذلك الهجوم، وعندها تمّ طلب المؤازرة من قبل عناصر الدورية، فقدمت قوات الأسايش التابعة للإدارة الذاتية، مؤدية بذلك إلى حدوث حالة من الفوضى داخل الحي، نتيجة إطلاق الرصاص بشكل عشوائي في الهواء، وقيام الشبان بمهاجمة الدورية الثانية وإشعال النيران بالإطارات، وهو ما تسبّب في قطع الطريق ما بين حيي النشوة الغربية والشرقية، ودفع بالدوريتين إلى الفرار."
وأكمل الشاهد بأنّ وجهاء العشائر تدخلوا من أجل حل هذه المشكلة بشكل سلمي، إلا أنّ الإدارة الذاتية طالبت آل (الزهراوي) بتسليم شبانها ممن تتراوح أعمارهم ما بين (18 وحتى 30 عاماً) وذلك من أجل سوقهم لخدمة واجب الدفاع الذاتي، وعلى إثر ذلك قامت العائلة بتهريب الشبان المطلوبين إلى العراق ليتمّ بعدها تهريبهم إلى تركيا.
ثالثاً: اقتياد الشبان النازحين من محافظات أخرى إلى واجب الدفاع الذاتي:
بتاريخ 29 أيار/مايو 2018، قامت مجموعة أخرى من الشبان بالهجوم على دورية من الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، وذلك بالقرب من منطقة دوار الباسل الكائنة في حي غويران داخل مدينة الحسكة، مع العلم بأنّ غالبية سكان هذا الحي من العرب إذ أنهم يشكلون (90 %) منهم، وهو الأمر الذي أكدّه "عمار الحميدي" وهو أحد أهالي حي غويران، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة في هذا الصدد قائلاً:
"وقع الهجوم بعدما قامت دورية من الشرطة العسكرية بمداهمة عدة منازل للنازحين داخل الحي، واقتياد عدد من شبانهم وسوقهم لخدمة واجب الدفاع الذاتي، علماً أنهم نازحون ومقيمون مؤقتاً داخل الحي، إلا أنّ الشرطة العسكرية لم تعطِ أي أهمية لهذا الأمر، وحينها قامت مجموعة من الشبان بمهاجمة الدورية من أجل إطلاق سراح أولئك الشبان لكن دون جدوى، فالدورية عمدت إلى إطلاق الرصاص الحي في الهواء مما جعلهم يلوذون بالفرار، ويعودون لاحقاً إلى الحي من أجل إشعال الإطارات وقطع طريق دوار الباسل، وهو الأمر الذي جعل قوات الأسايش تتدخل وتعتقل بعض الشبان على خلفية هذه الفوضى التي تمّ افتعالها على حد قولهم."
وفي شهادة أخرى أدلت بها "نائلة ضويحة/اسم مستعار"، وهي إحدى النازحات من مدينة الرقة إلى حي غويران، إذ قالت لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية كانت قد داهمت منزلها بتاريخ 29 أيار/مايو 2018، ومن ثمّ قامت بسوق ابنها البالغ من العمر (24) عاماً، "كمال صويلح"، إضافة إلى ابن عمه "محمد صويلح" والذي يبلغ من عمره (28) عاماً، علماً بأنهم نازحون وليسوا من سكان الحسكة، وتابعت قائلة:
"رغم محاولاتنا العديدة إخبار الشرطة العسكرية بأننا نازحون من مدينة الرقة، إلا أنهم أخبرونا بأنّ الأمر عائد إلى الإدارة الذاتية، وبأن علينا مراجعتها، وبتاريخ 31 أيار/مايو 2018، قمنا بذلك، فأخبرونا بأنّ الخدمة واجب على كل فرد متواجد في مدينة الحسكة مهما كان أصله، وإلى يومنا هذا لم أتمكن من زيارة ابني وابن عمه اللذين سيقا إلى الخدمة، علماً بأنّ زوجي مفقود ومحتجز لدى تنظيم "داعش" منذ العام 2016، وذلك بتهمة الحلاقة بطريقة غير شرعية، كما أنني لا أعلم شيئاً عن مكانه حتى الآن."
وبحسب ما أفاد به شهود عيان وأهالي من أحياء النشوة الغربية والشرقية وغويران لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ هذا التوتر ما بين قوات الإدارة الذاتية وأبناء هذه الأحياء والمعروف بأنّ غالبيتهم من العرب، استمرّ حتى تاريخ 3 حزيران/يونيو 2018، حيث توقفت الشرطة العسكرية التابعة للإدارة الذاتية عن حملات المداهمات بقصد السوق لواجب الدفاع الذاتي، وذلك بعد قيامها باقتياد أكثر من (27) شاباً في مدينة الحسكة إلى خدمة واجب الدفاع الذاتي.