الرئيسية تحقيقات مواضيعية القصف بمواد حارقة يتسبب بتلف وحرق المحصول الزراعي في ريف حماه الشمالي

القصف بمواد حارقة يتسبب بتلف وحرق المحصول الزراعي في ريف حماه الشمالي

شهرا نيسان/أبريل و أيار/مايو 2018 يشهدان تدمير موسم الحصاد السنوي في مدن وبلدات كفرزيتا واللطامنة ولطمين من قبل القوات السّورية

بواسطة wael.m
347 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

 مقدمة: واصلت القوات النظامية السورية وحلفاؤها تصعيدها العسكري على مناطق ريف حماة الشمالي وذلك خلال شهر أيار/مايو 2018، لكن هذه المرة كان للأراضي الزراعية التي يعتمد عليها الأهالي كمصدر رزق رئيسي للعيش، نصيبُ وافر من هذا القصف، ووفقاً للعديد من شهود العيان وإفادات أهالي تلك المناطق، فقد صعّدت القوات النظامية السورية من قصفها على الأراضي الزراعية الواقعة في مدن وبلدات اللطامنة وكفرزيتا ولطمين وكفرنبوذة[1] اعتباراً من شهر نيسان/أبريل 2018، حيث تمّ استهداف هذه الأراضي بأنواع مختلفة من الأسلحة وأبرزها المواد الحارقة، كما تزامن هذا القصف مع موعد الحصاد السنوي، وهو ما أدى إلى إتلاف وتضرر عدد كبير من المحاصيل الزراعية.

وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ ريف حماة الشمالي يعدّ واحداً من أكثر المناطق الزراعية في سوريا، حيث تستثمر أكثر من (40 %) من أراضيه في الزراعة، ويعمل في هذا المجال حوالي (62 %) من سكان المنطقة، ويتميز ريف حماة بخصوبة تربته وصلاحيته في الزراعة، حيث يعتبر كسلة غذائية تمدّ أهالي المنطقة بكل المنتجات من خضروات وفاكهة، لكن مع اشتداد وتيرة التصعيد العسكري من قبل القوات النظامية السورية على ريف حماة اعتباراً من شهر نيسان/أبريل 2018، فإنّ الكثير من هذه الأراضي أصبحت صحراوية وغير مزروعة، ومشاهد الحرق والخراب فيها واضحة للعيان، مشيراً إلى أنّ عمليات القصف كانت قد تزامنت مع دخول فصل الصيف وموسم الحصاد، حيث كان لمدن وبلدات كفرزيتا واللطامنة ولطمين حصة وافرة منها، باعتبار أنها متاخمة لمناطق (حلفايا ومحردة وزلين والزلاقيات) والخاضعة لسيطرة القوات النظامية السورية، كما لفت إلى أنّ الأخيرة  كانت قد تعمّدت حرق هذه الأراضي من أجل كشفها بشكل كامل ومنع أي عمليات هجومية من قبل قوات المعارضة السورية المسّلحة، بالإضافة إلى استخدامها كوسيلة ضغط على المدنيين في تلك المناطق للتخلي عن احتضانهم لفصائل المعارضة هنالك.

وكانت منظمة الأغذية والزارعة للأمم المتحدة (الفاو)، قد أصدرت تقريراً خلال شهر نيسان/أبريل 2018، بينّت من خلاله أن خسائر القطاع الزراعي في سوريا وصلت إلى (16) مليار دولار منذ بداية النزاع السوري، وقالت فيه: "قبل أن يبدأ النزاع السوري، كانت الزراعة تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وكانت مصدر الرزق الرئيسي لنصف السكان تقريباً. واليوم يعاني ثلث السكان داخل سوريا، أو ما يعادل 6.5 مليون نسمة، من الجوع الحاد، وما زال النزاع يتسبب بأكبر أزمة لاجئين في العالم."

وتأتي هذه الهجمات في إطار الحملة العسكرية التي تقودها القوات النظامية السورية للسيطرة على عدة قرى وبلدات في ريف حماة، والتي بدأتها منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت في وقت سابق، تقريراً يسلّط الضوء على التصعيد العسكري الأخير في ريف حماة، وقد حمل التقرير عنوان "هجمات بواسطة مواد حارقة على ريف حماة الشمالي خلال شهر نيسان/أبريل 2018

الهجمات استهدفت بشكل أساسي مدينتي كفريتا واللطامنة في ريف حماة."، كما كانت المنظمة قد أعدت تقريراً آخراً بعنوان "القصف على مشفى كفرزيتا في ريف حماة يحرم آلاف السكان المحليين من خدماته، المشفى كان قد تعرض لعدة هجمات خلال العام 2018، وكان آخرها بتاريخ 2 أيار/مايو الجاري."

أولاً: (280) طن من الشعير كان مصيرها الحرق بسبب القصف على اللطامنة:

خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو 2018، انتهجت القوات النظامية السورية ما يمكن تسميته ب سياسة "الأرض المحروقة" في مناطق ريف حماة الشمالي، وهو الأمر الذي أكده "علي الهواري" وهو أحد المهندسين الزراعيين في ريف حماة، حيث تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المرات التي تمّ فيها استهداف الأراضي الزراعية لهذا الموسم في ريف محافظة حماة الشمالي، إلا أنه ومنذ بداية شهر نيسان/أبريل 2018، عمدت قوات النظام السوري المتواجدة في مناطق سيطرتها إلى قصف الأراضي الزراعية  في مدن  كفرزيتا واللطامنة وكفرنبودة بشكل شبه يومي، وذلك بعشرات القذائف المحمّلة ب (النابالم)، إضافة إلى القذائف الصاروخية وقذائف المدفعية الثقيلة، وقد تنوع مصدر القصف إلا أنّ أبزر هذه النقاط التي استخدمت في القصف هو حاجز "الترابيع" الكائن في مدينة حلفايا، ولم يقتصر استهداف الأراضي الزراعية في ريف محافظة حماة الشمالي على العام 2018، إذ كان قد تعرضت للقصف أيضاً في الأعوام السابقة مثل عامي 2015 و2017، وهو ما جعل المعاناة تكرر في كل عام وتشكّل عبئاً ثقيلاً على كاهل المدنيين، فعلى الرغم من أنهم يعانوا بالأساس من ويلات الحرب وتبعاتها المؤلمة من قتل وتشرد، فقد أضيف إلى معاناتهم مأساة بنكهة أخرى."

وأظهر مقطع فيديو خاص حصلت عليه سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، جانباً من عمليات القصف التي كانت محمّلة بمواد حارقة على الأراضي الزراعية الواقعة ما بين مدينتي كفرزيتا واللطامنة في ريف حماة الشمالي، وذلك بتاريخ 23 أيار/مايو 2018.

وفي شهادة أخرى أدلى بها "حسام الحسن" وهو رئيس المجلس المحلي لمدينة اللطامنة، إذ قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ الأراضي الزراعية في المدينة كانت قد تعرضت لقصف شبه يومي خلال شهر أيار/مايو 2018، وذلك بالتزامن مع موسم الحصاد الذي ينتظره العديد من السكان للحصول على قوت يومهم ودخلهم الوحيد، وفي هذا الخصوص تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"بالنسبة لمدينة اللطامنة وما حولها مثل بلدة "الزكاة" وبلدة "لطمين"، فإنّ مساحة الأراضي الزراعية فيها تقدر بحوالي (65) ألف  دونم، وعلى الرغم من حالة النزوح التي شهدتها مدينة اللطامنة وما حولها  بسبب القصف المتواصل عليها، فإنّ أكثر من (90 %) من سكان المنطقة هم خارجها ويقبعون في مخيمات النزوح على الحدود السورية التركية، وبالنسبة للتصعيد على الأراضي الزراعية فإنه أصبح واضحاً منذ بداية شهر نيسان/أبريل 2018، وبشكل عام فإنّ موعد الحصاد لهذا العام قد أتى قبيل موعده بأكثر من (20) يوم قياساً مع كل عام، وذلك يعود إلى الجفاف الطويل الذي أصاب المنطقة."

وتابع الحسن بأنّ المجلس المحلي لمدينة اللطامنة قام منذ بداية موسم الحصاد الحالي، بعمل إحصاء كامل للخسائر والأضرار التي لحقت بالقطاع الزراعي في المدينة نتيجة القصف، ففي تاريخ 9 أيار/مايو 2018، قام المجلس المحلي بعمل إحصاء تبيّن فيه أنّ الأراضي المزروعة بالقمح وشعير والتي تمّ استهدفها بلغت (20) هكتار،  بالإضافة إلى (10) هكتارات من الأراضي المزروعة بمواد أخرى مثل البرسيم، وفي إحصاء آخر قاموا به بتاريخ 18 أيار/مايو 2018، تبين لهم أنّ الرقم الإجمالي لكل الأراضي الزراعية المتضررة في مدينة اللطامنة وما حولها بلغت بحدود (100) هكتار أي ما يعادل (1100) دونم، كان من بينها (700) دونم مزروع بمادة الشعير، و(300) دونم قمح بالإضافة إلى (100) دونم حبة سوداء، وتابع الحسن قائلاً:

"قدّرنا الإنتاج المحتمل بشكل تقريبي وكانت التقديرات تشير إلى أنّ ما يقارب (280) طن  من الشعير و (220) طن من القمح كان مصيرها الحرق بشكل كامل، بسبب القذائف التي تمّ قصف الأراضي بها من قبل قوات النظام المتواجدة في حاجز "الترابيع" في مدينة حلفايا، بالإضافة لحواجز عدة منتشرة في قرى زلين والمصاصنة والزلاقيات، وكانت النتائج مؤسفة بالفعل إذ إنّ السكان  يعانون من ضيق مادي كبير بسبب التشرد والنزوح خارج مدينتهم، بالإضافة إلى ندرة فرص العمل في المناطق المحررة وصعوبة الحصول على لقمة العيش والوضع المعيشي السيء بشكل عام، فضلاً عن أمر مهم جداً وهو أنّ  الكثير من المزارعين يقومون بأخذ الديون ليتمكنوا من زرع أراضيهم ويأملون في كل عام أن تكون هذه الأرض مصدر رزق لهم ولعائلاتهم، غير أنهم يقفون أمام واقع القصف الذي يدمر لهم كل ما تعبوا من أجله طوال فترة العام."

وكان المجلس المحلي لمدينة اللطامنة قد أصدر بياناً بتاريخ 9 أيار/مايو 2018، طالب فيه الحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف المعارض وكافّة المنظمات الإنسانية، بتعويض السكان المتضررين من قصف القوات النظامية السورية الذي حرق أراضيهم ومحاصيلهم، وأوضح البيان بأنّ العديد من السكان المحليين كانوا في حالة ترقب لهذا الموسم، إلا أنّ آلة القصف حالت دون حصولهم على ثمار هذا الموسم.

صورة تظهر البيان الصادر عن المجلس المحلي لمدينة اللطامنة بتاريخ 9 أيار/مايو 2018، مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة اللطامنة.

كما أظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون، جانباً من عمليات القصف التي تعرضت لها الأراضي الزراعية في مدينتي كفرزيتا واللطامنة، وذلك بتاريخ 19 أيار/مايو 2018.

صورة مأخوذة من مقطع الفيديو السابق، تظهر جانباً من عمليات القصف على الأراضي الزراعية في اللطامنة وكفرزيتا بريف حماة الشمالي، وذلك بتاريخ 19 أيار/مايو 2018.

ثانياً: قصف الأراضي الزراعية بالمواد الحارقة:

كانت المواد الحارقة هي أبرز الأسلحة التي استخدمت في قصف الأراضي الزراعية في مدينة اللطامنة، بحسب ما أفاد به "قاسم الخضيري" وهو أحد المزارعين من مدينة اللطامنة، إذ أنه متزوج ولديه عائلة مكونة من ستة أفراد، ويعيشون على ما تنتجه أرضهم في كل موسم، لكن وبسبب التصعيد العسكري الكبير الذي شهدته مدينة اللطامنة خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو 2018، تغيرت ملاح معيشتهم وبدا عليها طابع الفقر، وهو ما جعل من "قاسم" وعائلته يطالبون بوضع حد نهائي لهذه المعاناة التي يعيشها أبناء ريف حماة الشمالي بشكل عام، وفي هذا الصدد تحدّث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"لديّ أرض أزرعها وأعيش من خيراتها جنوب مدينة اللطامنة، وتقدّر مساحتها بحوالي (30) دونم، وهي مجاورة تماماً لقرية الزلاقيات التي تقع تحت سيطرة قوات النظام السوري، وأجبرت على زراعتها بمادة الشعير  نظراً لغلاء أسعار المحروقات والأسمدة وغيرها من المواد، فالشعير يُعتبر أقل تكلفة من باقي المحاصيل، ولا يحتاج مني التواجد في الأرض بشكل دائم، وخصوصاً أنه لم يعد بإمكاني التواجد في أرضي خوفاً من الاستهداف، كما أنني عندما قمت بزرع الأرض، أجبرت أنا وغيري من المزارعين على دفع ضرائب (أتاوات) لحاجز قوات النظام الواقع في قرية الزلاقيات،  وقد وصل المبلغ حينها إلى (1000) ليرة سورية على الدونم الواحد وذلك مقابل السماح لنا بالاقتراب من الأرض وزراعتها."

وأضاف الخضيري بأنّ القوات النظامية السورية قامت بإطلاق قنابل محمّلة بمواد حارقة شبيهة بمادة الفوسفور على الأراضي الزراعية في المنطقة، وذلك بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2018، لافتاً إلى أنّ أرضه الزراعية تعرضت للاحتراق إثر هذا القصف وتابع قائلاً:

"انتظرت حتى هدأ القصف في ذلك اليوم، ثمّ ذهبت مسرعاً باتجاه أرضي، ولكني للأسف رأيتها من بعيد وهي تحترق ويحترق محصولي الذي كنت أنتظره بشغف، فطلبت العون من الناس ثمّ سارعت لطلب النجدة من فريق الدفاع المدني، لكن لم يكن بمقدورهم أيضاً الاقتراب من الأرض خوفاً من الاستهداف من قبل قوات النظام في قرية الزلاقيات، فعادوا إلى مقرهم وبقيت أنا أرمق محصولي الزراعي بنظرات أخيرة، ثمّ عدت إلى المنزل بعدما كانت ألسنة اللهب قد التهمت كامل الأرض ولم تترك منها شيئاً."

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من أرض المزارع "قاسم الخضيري" قبيل تعرضها للقصف بمواد حارقة بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2018.

صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من أرض المزارع "قاسم الخضيري" عقب تعرضها للقصف بمواد حارقة وذلك بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2018.

"محمد درويش" مزارع آخر من مدينة كفرزيتا، يقوم على زراعة أرض والده ورعايتها باعتبار أن والده طاعن في السن ولا يقوى على القيام بهذه المهمة، إذ قال بأنّ معظم الأراضي الزراعية في كفرزيتا كانت قد تعرضت لحملة قصف وحشيّة من قبل القوات النظامية السورية خلال شهر أيار/مايو 2018، وتابع قائلاً:

 "بشكل عام لا أستطيع أن أصف ما يحدث في كفرزيتا، فكل الأراضي الزراعية تقريباً تعرضت لحملة قصف وحشيّة من قبل الحواجز المنتشرة على أطراف المدينة في مناطق سيطرة قوات النظام السوري، وكانت أرضي من بينها، حيث قامت قوات النظام المتواجدة في مدينة محردة وبلدة  الحماميات بتاريخ 17 أيار/مايو 2018 وتحديداً في وقت الظهيرة، باستهداف أرضي وعدة أراضِ أخرى بمادة النابالم الحارقة، وحينها لم أخرج من المنزل خوفاً على حياتي فالقصف كان شديداً للغاية ولا يمكن لأحد الاقتراب من مكان سقوط الصواريخ المحمّلة بمادة النابالم، فكانت النتيجة احتراق المحصول بأكمله، وتقدّر مساحة الأرض التي أمتلكها حوالي (90) دونم، إلا أنها وخلال أقل من نصف ساعة، التهمتها النيران المستعرة وجعلتها أشبه بالرماد، وضاع تعبي وعنائي معها."

صور أقمار اصطناعية تُظهر حجم الأراضي الزراعية المحيطة ببلدات (كفرزيتا واللطامنة ولطمين).

 


[1] يسيطر على مدن وبلدات اللطامنة وكفرزيتا ولطمين وكفرنبوذة في ريف حماة الشمالي عدة فصائل تابعة للمعارضة السورية المسّلحة أبرزها جيش العزة وجيش النصر. 

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد