الرئيسية تحقيقات مواضيعية محكمة دار العدل في حوران تلاحق عدداً من أبناء محافظة درعا بسبب مشاركتهم في مؤتمر سوتشي “للحوار الوطني”

محكمة دار العدل في حوران تلاحق عدداً من أبناء محافظة درعا بسبب مشاركتهم في مؤتمر سوتشي “للحوار الوطني”

بواسطة wael.m
674 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدمة: على خلفية مشاركتهم في مؤتمر "الحوار الوطني السوري" الذي عقد في مدينة "سوتشي" الروسية بتاريخ 29 و30 كانون الثاني/يناير 2018، قامت محكمة دار العدل في حوران[1]، بإصدار عدد من مذكرات التوقيف بحق ستة عشر شخصاً من محافظة درعا كانوا قد شاركوا في المؤتمر وهم (بسام عمر مسالمة وأحمد عبد الكريم المحاميد وفهد العدوي ومحمد عبد المجيد اللباد وعبد العزيز الرفاعي وأيمن الأسود وعبد السلام السويدان وجمال عقيل المسالمة وعايش غنيم وغادة المسالمة وسليمان طلال اللباد وحسين الرفاعي ومنير السويدان وفيصل الشحادات وخالد الشرع ومعتز الصيدلي)، وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تمّ رفع دعاوي قضائية ضد هؤلاء بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2018، وذلك من جانب بعض الهيئات المحلية في محافظة درعا بجرم "الخيانة العظمى والتواصل مع جهات أجنبية".

ووفقاً للعديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة في أواخر شهر شباط/فبراير 2018، فقد عمد المجلس العسكري في مدينة داعل، إلى إلقاء القبض على اثنين كانا مشاركين في مؤتمر "سوتشي" وهما (خالد الشرع وفيصل الشحادات) وذلك بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018، وقد تمّ الإفراج عن هذين الشخصين مباشرة، وذلك بعد التثبت من صحة أقوالهما حول إرغامهما على الذهاب إلى المؤتمر من قبل فرع المخابرات الجوية التابع للحكومة السورية في مدينة درعا، أمّا الأشخاص المتبقين فلم تتمكن محكمة دار العدل في حوران-حتى تاريخ إعداد هذا التقرير- من اعتقالهم، وذلك لاعتبارات عشائرية.

أولاً: دعاوى قضائية ضد المشاركين بمؤتمر "سوتشي":

بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2018، تقدمت عدة هيئات محلية في محافظة درعا، ومنها مجلس حوران الثوري[2] وتجمع أحرار داعل[3]، ونقابة المحامين الأحرار[4]، بدعوى قضائية إلى محكمة دار العدل في حوران، وذلك لمحاكمة ستة عشر شخصاً من أبناء محافظة درعا بتهمة "الخيانة"، وذلك عقب مشاركتهم في مؤتمر "سوتشي"، وقد برر مجلس حوران الثوري في بيان نشره بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2018، أن الدعوى التي تمّ رفعها ضد هؤلاء الأشخاص، كانت بسبب تلبيتهم لدعوة روسيا حليفة القوات النظامية السورية لحضور المؤتمر، كما قال في بيانه بأنّ الأشخاص المذكورين، كانوا قد لبوا نداء روسيا لحضور مؤتمر "سوتشي"، والذي وصفه بأنه "يسعى إلى إعادة تأهيل القتلة من جديد ليصبحوا حكاماً لسوريا، بشرعية قانونية وشعبية كاذبة، وهم يعلمون تماماً أنها دولة معادية، وفي حالة حرب مع الشعب السوري"، مشيراً إلى أنّ القانون الجزائي العربي الموحد[5] يجرّم هذه الاتصالات غير الشرعية، ويعاقب على هذه الأفعال وفق الفقرة الثانية من المادة (215)[6].

وطالب مجلس حوران الثوري بتحريك دعوى الحق العام ضد المتهمين، وذلك بجرم "الخيانة والتخابر والتواصل مع سلطة أجنبية"، وهو الأمر الذي أكده لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، محمد الزعبي وهو رئيس المكتب التنفيذي في مجلس حوران الثوري، حيث قال:

"قمنا برفع دعوى قضائية ضد هؤلاء الأشخاص لدى النيابة العامة في محكمة دار العدل، وذلك بتهمة الخيانة والتواصل مع جهات أجنبية، وما زلنا نقوم بجمع أسماء أخرى والتأكد منها لرفع دعوى قضائية ضدهم، ولدينا معلومات تفيد بوجود بعض الأشخاص المطلوبين في مدينة داعل بريف درعا وهم حالياً موجودون لدى إحدى الفصائل التابعة للمعارضة السورية وسيتم تسليمهم للمحكمة، وما زلنا نتابع الموضوع بالتعاون مع النيابة العامة والتي رفعت مذكرات إحضار بحق ستة عشر شخصاً ممن شاركوا في مؤتمر "سوتشي"، ولكن هناك بعض المعوقات "العشائرية" و"المناطقية" تحول دون تسليمهم وعرضهم على القضاء، ولكننا نسعى لإحقاق الحق وخاصة أن بعض المتهمين هم من عرَابي المصالحات مع النظام السوري وقد ذهبوا إلى مؤتمر "سوتشي" بملء إرادتهم"."

صورة تظهر البيان الصادر عن مجلس حوران الثوري بتاريخ 31 كانون الثاني/يناير 2018، والذي طالب فيه بتحريك دعوى ضد المشاركين في مؤتمر "سوتشي"، مصدر الصورة: صفحة مجلس حوران الثوري.

ثانياً: التحقيق مع بعض المشاركين في مؤتمر "سوتشي":

في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2018، تقدمت إحدى الهيئات المدنية في مدينة داعل وتعرف باسم "تجمع أحرار داعل"، بدعوى قضائية إلى محكمة دار العدل في حوران، إذ تمّ رفع هذه الدعوى ضد أربعة أشخاص من أبناء مدينة داعل وتحديداً ممن شاركوا في مؤتمر "سوتشي"، وهم (خالد الشرع وفيصل الشحادات وعايش غنيم وأيمن العاسمي) وقد أصدرت المحكمة مذكرات توقيف بحقهم بتاريخ 3 شباط/فبراير2018، وبناءً على ذلك قامت فصائل المعارضة السورية المسلحة في المدينة بإلقاء القبض على اثنين منهم وهما (خالد الشرع وفيصل الشحادات)، ومن ثمّ تمّ إطلاق سراحهما لاحقاً، وذلك بعد التأكد من صحة أقوالهما حول إجبارهما على الذهاب إلى مؤتمر "سوتشي" من قبل المخابرات الجوية التابعة للقوات النظامية السورية في محافظة درعا، وفي هذا الخصوص تحدث فهمي العاسمي، وهو أحد أعضاء  الهيئة الإدارية لتجمع "أحرار داعل" حيث قال:

"لقد رأى التجمع بأن روسيا هي دولة احتلال، ومن يتعامل مع المحتل ويسّهل مهمته في السيطرة على بلادنا فهو عميل وخائن للوطن، وبما أنّ هؤلاء الأشخاص قد ذهبوا مع وفد النظام السوري إلى المؤتمر، فهم أصبحوا بحكم الموافقين على جرائمه التي يرتكبها بحق المدنيين، وبناءً على ذلك قمنا برفع دعوى قضائية بحق أربعة أشخاص من مدينة داعل، وبدورها قامت محكمة دار العدل بإرسال دعوات إحضار بحقهم، وقام المجلس العسكري[7] التابع للمعارضة المسلحة في مدينة داعل، باستدعاء اثنين منهم بعد عودتهم من روسيا وهما (فيصل الشحادات وخالد الشرع)، لكن وخلال استجوابهما من قبل المجلس العسكري أكدا على أنّ المخابرات الجوية التابعة للنظام كانت قد دعتهما إلى فرع المخابرات الجوية في مدينة درعا، قبيل يوم واحد من انعقاد مؤتمر "سوتشي"، ومن ثمّ قامت بإرسالهما إلى مدينة دمشق وفي صباح اليوم التالي تمّ إيصالهما إلى مطار دمشق الدولي من أجل ركوب الطائرة المتجهة إلى روسيا دون جوازات سفر أو أية وثائق أخرى، وبعدها أقلعت بهم الطائرة إلى روسيا لحضور مؤتمر "سوتشي" ولم هناك تنسيق مسبق للذهاب إلى المؤتمر."

وتابع العاسمي بأنّ الاستجواب مع الشخصين المذكورين، كان قد تمّ "بشكل حضاري" ودون أي ضغوط، مشيراً إلى أنهما عادا إلى منزلهما عقب إنهاء التحقيق، أما بالنسبة للشخصين الآخرين وهما (عايش غنيم ويقيم في دمشق وأيمن العاسمي ويقيم في تركيا)، فأكدّ على أنه ستتم متابعة موضوعهما عبر القضاء المدني لمعرفة خلفيات ذهابهما لحضور المؤتمر.

صورة تظهر مذكرة إحضار صادرة عن محكمة دار العدل في حوران بحق (عايش غنيم) وهو أحد المشاركين بمؤتمر "سوتشي"، وذلك بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: أحد نشطاء درعا.

صورة أخرى تظهر مذكرة إحضار صادرة عن محكمة دار العدل في حوران بحق (فيصل الشحادات) وهو أحد المشاركين بمؤتمر "سوتشي"، وذلك بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: أحد نشطاء درعا.

صورة أخرى تظهر مذكرة إحضار صادرة عن محكمة دار العدل في حوران بحق (خالد الشرع) وهو أحد المشاركين بمؤتمر "سوتشي"، وذلك بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: أحد نشطاء درعا.

ثالثاً: محكمة دار العدل في حوران بانتظار تسليم المتهمين للتحقيق معهم:

وحسبما أكدّ الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ محكمة دار العدل في حوران لم تتمكن حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، من إلقاء القبض على الأشخاص المتهمين، باستثناء (خالد الشرع وفيصل الشحادات) اللذين تمّ الإفراج عنهما مباشرة بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018، وذلك على الرغم من إصدار محكمة دار العدل مذكرات توقيف بحقهم، وتواجد غالبية "المطلوبين" في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة في محافظة درعا، وفي هذا الخصوص تحدث عصمت العبسي وهو رئيس محكمة دار العدل في حوران لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"كانت قد قُدمت إلى محكمة دار العدل في حوران، عدة دعاوي قضائية بحق البعض من أبناء محافظة درعا الذين شاركوا في مؤتمر "سوتشي"، بتهمة الخيانة والتخابر مع جهات أجنبية معادية، وذلك بحسب المادة (215) من القانون العربي الموحد والمعتمد من قبل محكمة دار العدل، كما تمتلك المحكمة بعض الأدلة التي تؤكد هذه التهم، وسيتم إثبات هذه التهم أو نفيها من خلال القضاء، وللمتهمين الحق بالدفاع عن أنفسهم أمام القضاء، لكنّ هنالك اعتبارات عشائرية حالت دون إلقاء القبض على بعض الأشخاص الموجودين ضمن المناطق الخاضعة للمعارضة السورية، وقد تمّ تجاوز هذه العقبة وسيتم إلقاء القبض عليهم خلال الأيام المقبلة، علماً أن هنالك شخصين من المشاركين في مدينة داعل كانا قد وضعا تحت الإقامة الجبرية لحين تسليمهما وعرضهما على القضاء، ولا علم للمحكمة بمجريات التحقيق التي تمت في مدينة داعل من قبل المجلس العسكري، وما قالوه هناك أمرُ لا يؤخذ به فهم مطلوبون للقضاء وهو من سيبتّ بالقضية، وما يملكونه من مبررات عليهم أن يعرضوها أمام النيابة العامة والتي بدورها ستواجههم بالأدلة الموجودة لديها، وإذا ثبت ادعائهم بأنهم ذهبوا بالقوة والإجبار لحضور المؤتمر فلا مشكلة لدى لمحكمة بتبرأتهم من التهم الموجهة لهم."

وأضاف العاسمي بأنّ "الهيئة العليا للمفاوضات" هي الجهة الرسمية الوحيدة والمخوّلة بإجراء المفاوضات، وبأنّ أي جهة أخرى تقوم بالتفاوض مع "العدو" فيجب اتهامها بالجريمة والخيانة، فكيف إذا جرت تلك المفاوضات على أرض روسيا التي تشارك القوات النظامية السورية في قتل الأبرياء، مشيراً إلى أنّ هنالك قراراً كان قد سبق اتخاذه من قبل الفعالية الثورية والمدنية في سوريا برفض مؤتمر "سوتشي" وما نتج عنه، إلى جانب تخوين كل من شارك فيه.

رابعاً: الإطار القانوني – محاكم الجهات الفاعلة غير الحكومية:

في سياق النزاع المسلح غير الدولي، لا يسمح القانون الدولي الإنساني للجهات الفاعلة غير الحكومية بتأسيس محكمة ومحاكمة الأفراد بشكل صريح. ولكنّه من جهة أخرى ينظم عمل المحاكم في سياق النزاع المسلح غير الدولي. هذه الوثيقة أولاً: تؤسس فيما إذا كان يمكن شرح أن القانون الدولي الإنساني ينظم إنشاء المحاكم وعملها من قبل الجهات الفاعلة غير الحكومية. ثانياً: إنها تفحص فيما إذا كان القانون الدولي الإنساني يؤمّن، على الأقل ضمنياً، قاعدة قانونية لإنشاء هكذا محاكم. ثالثاً: تضع هذه الوثيقة الشروط التي ينبغي على الجهات الفاعلة غير الحكومية توفيرها حتى تمتثل لأحكام القانون الدولي الإنساني.

سوف تستخدم هذه الوثيقة مصطلحي الجماعات المسلحة والجهات الفاعلة غير الحكومية بالتبادل. 

ينظم القانون الدولي الإنساني عمل المحاكم في النزاع المسلح غير الدولي من خلال مادتين: المادة الثالثة المشتركة والمادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف.

تحظر المادة الثالثة المشتركة "كل طرف من النزاع" – سواء أكانت جهات فاعلة حكومية أم غير حكومية _ من إصدار حكم أو تنفيذ العقوبات دون "إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً والتي تكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة[8]".

دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي تقترح أن المحكمة "مشكلة تشكيلاً قانونياً" في حال تم تأسيسها وتنظيمها بالتوافق مع القوانين والإجراءات السارية بالأساس في الدولة[9].  ويستثني هذا التفسير إمكانية الجهات الفاعلة غير الحكومية من إنشاء محاكم لأنه من غير المرجح أن تسنّ الدولة قوانين محلية (وطنية) بحيث تسمح لكيانات أخرى غيرها بإنشاء محاكم[10].  كما يقر تعليق عام 2016 على اتفاقيات جنيف بأن هذا الشرح سوف يجعل تطبيق المادة 3 على "كل طرف من أطراف النزاع" بلا جدوى. [11]

لهذا وحسب التعليق فإن مصطلح "محاكم مشكلة تشكيلاً قانونياً" قد يتم تفسيره حتى يشمل المحاكم المشكلة حسب "القوانين" التي تبنتها الجماعات المسلحة[12].

المادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني والذي تم وضعه بعد عدة سنوات من المادة الثالثة المشتركة، لا يستخدم مصطلح "محاكم مشكلة تشكيلاً قانونياً" بل على العكس، إذ أنه يحظر إصدار أحكام أو تنفيذ العقوبات مالم "يتم إصدارها من محكمة تتوفر فيها الضمانات الأساسية للاستقلال والحيدة[13]". ويعتبر شرط الاستقلال مُحقق في حال كانت المحكمة والقضاة مستقلين عن فروع الدولة الأخرى، أو كانوا مستقلين من الهيئة القيادية للجماعة المسلحة التي تحكم المنطقة. أما شرط الحيدة فيعتبر مُحقق في حال كانت المحكمة والقضاة لا "يضعون أحكام مسبقة للمسألة المعروضة أمامهم[14]".

ملحق اللجنة الدولية للصليب الأحمر يقترح أن القائمين على صياغة البروتوكول الإضافي الثاني كانوا يدركون المصاعب التي تنتج من تفسيرات المادة الثالثة المشتركة، لذا قرروا تعديل الكلمات لينتج عنها المادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني[15]. عناصر الجريمة في المحكمة الجنائية الدولية، وهي وثيقة تكمل قانون روما للمحكمة الجنائية الدولية، مبنية على هذا الأساس وتفسر بأن أي محكمة لا تكون محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً ما لم "تقدم الضمانات الأساسية للاستقلال والحيدة أو أن المحكمة التي أصدرت الحكم لا تقدم كافة الضمانات القضائية اللازمة بشكل عام بحسب القانون الدولي[16]."

البروتوكول الإضافي الثاني وعناصر الجريمة تعززان هذا النقاش لصالح تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني بخصوص إنشاء المحاكم من قبل جماعات مسلحة غير حكومية كمطلب للاستقلال والحيدة والتي يمكن تحقيقها من خلال محاكم الجماعات المسلحة.

البروتوكول الإضافي الثاني وعناصر الجريمة لا تلزمان سوريا بما أن سوريا ليست طرفا من البروتوكول الإضافي الثاني ولا طرف في قانون روما. لكن عناصر الجريمة بالإضافة الى المادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي، وهي الأهم، مرتبطتان بتفسير المادة الثالثة المشتركة، إذ أن البروتوكول "يطور ويستكمل" المادة الثالثة المشتركة. [17]

النقاش الذي ينظم القانون الدولي الإنساني على أساسه محاكم الجماعات المسلحة يجد دعما أكبر في تطبيق مبدأ مسؤولية القيادة اتجاه النزاع المسلح غير الدولي. [18]

وفق هكذا مبدأ، فإن القائد العسكري مسؤول مسؤولة جنائية لو علم أو كان من المفترض أن يعلم أن المرؤوس الذي يخضع لسلطته قد ارتكب جرماً ينتهك به القانون الدولي الإنساني، وفشلت هذه القيادة العسكرية في اتخاذ التدابير اللازمة والمعقولة لمعاقبة المرؤوس[19].  الأكثر من هذا، غالبا ما دعا مجلس الأمن للأمم المتحدة في قراراته كافة أطراف النزاع “لضمان احترام القانون الدولي الإنساني في كافة الظروف". [20] 

إحدى الطرق لتجنب المسؤولية الجنائية وضمان احترام القانون الدولي الإنساني هو إحالة المسؤولية الفردية لانتهاكات القانون الدولي الإنساني إلى سلطات قضائية.  على كل حال، من غير المعقول أن يطلب من قائد إحدى الجماعات المسلحة إحالة أحد مرؤوسيه إلى سلطات الدولة، وفي هذه الحالة فإن السلطات القضائية التي سوف يتم التحقيق معها ستكون هي سلطة الجماعات المسلحة.

على خلفية هذا، من المنطقي القول إن القانون الدولي الإنساني ينظم تأسيس وعمل محاكم من قبل جهات فاعلة غير حكومية. هذا الاستنتاج مدعوم من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومن قبل جزء غير بسيط من أبحاث الأكاديميين والمعلقين[21]. من جهة أخرى، إن الرأي الذي يقول بأن القانون الدولي الإنساني لا ينظم فقط محاكم الجماعات المسلحة بل ويؤمن قاعدة قانونية لإنشائها هو رأي مثير للجدل[22]. قرار المحكمة السويدية مؤخرا قد يسلط بعض الضوء على هذا الجانب.

في بداية عام 2017، أقرت محكمة محلية سويدية أن الجماعة المسلحة غير الحكومية لها القدرة، بموجب القانون الدولي، على إنشاء محاكم وتنفيذ العقوبات، فقط في ظل ظروف معينة.[23] تضمنت القضية عضواً من الجماعة المسلحة تدعى "فرقة سليمان المقاتلة" والتي قامت بإعدام عدد من الأفراد كان يزعم أنهم محكومون بالإعدام إثر محاكمة أمام محكمة شكلتها الجماعة المسلحة[24].  في القرار، أقرت المحكمة بأن مصطلح "المشكلة تشكيلاً قانونياً الموجود في المادة الثالثة المشتركة قد تعطي الانطباع بأنه يمكن للدولة فقط إنشاء المحاكم. على أية حال، بالرجوع إلى البروتوكولات الإضافية وملحقاتها إضافة إلى عناصر الجريمة في المحكمة الجنائية الدولية وجد بأن التركيز قد تغير الآن من كيفية إنشاء المحاكم إلى النظر فيما إذا كانت توفر ضمانات إجرائية أساسية من الحيدة والاستقلال[25].  حكمت المحكمة وقتها أنه بما أن القانون الدولي الإنساني يطلب من الجماعات المسلحة الامتناع عن الأعمال غير الإنسانية كالقتل والتعذيب، فهو أيضاً يطلب منهم الحفاظ على الانضباط ضمن صفوفهم[26]. من أجل هذا، ينبغي أن تكون الجماعة المسلحة قادرة على تأسيس محاكم ولكن بقدرات قانونية تتحدد فيما يلي:

1) الحفاظ على الانضباط في أعمال القوات المسلحة نفسها.

2) الحفاظ على القانون والنظام ضمن الإقليم بشرط أن تكون المحكمة مزودة بطاقم معين كقضاة او مسؤولين في القضاء قبل اندلاع النزاع، وأن تطبق المحكمة القانون الذي كان ساربا قبل النزاع أو على الأقل لا تختلف جوهريا نحو قانون أكثر صرامة من القانون الذي كان متواجدا قبل النزاع.[27] يضاف إلى كل هذا كله أن أية محاكمة يجب عليها أن تستوفي معايير المحاكمات. [28]

يعد هذا القرار أول قرار يصدر من محكمة محلية أو دولية لمعالجة شرعية المحاكم التي تنشئها الجهات الفاعلة غير الحكومية. قد يكون وضع الشروط المطلوبة من المحاكم غير الحكومية مقيدة إلى حد بعيد، لكنها تؤكد تطبيق المادة الثالثة المشتركة تماشياً مع الشروط التي تطلبها المادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني. الأهم من هذا، إنها تدعم الحجة التي هي جزء من المبدأ ألا وهو أن القانون الدولي الإنساني ليس فقط ينظم تأسيس الجماعات المسلحة لمحاكم، بل ضمنياً يخولها للقيام بذلك[29]. قرار المحكمة السويدية غير ملزم بموجب القانون الدولي لكنه يشكل سابقة سيتم أخذها بعين الاعتبار من قبل أية محكمة أخرى تتعامل مع قضية مشابهة. إن أي قضية وشيكة تعرض أمام المحكمة الجنائية الدولية بحضور عضو سابق من الجماعة المسلحة العاملة في مالي والتي حسب الملاحقة القضائية كان متورطا في عمل محكمة إسلامية في تيمبوكوتو، سوف يؤمن على الأرجح ثقة أكبر حول موقف القانون الدولي من هذا الموضوع. [30]

أخيراً، للالتزام بالقانون الدولي الإنساني، بالإضافة إلى الشروط الضرورية للاستقلال والحيدة، إن محاكمة أمام محكمة الجهات الفاعلة غير الحكومية يجب أن تقدم عددا من الضمانات القضائية. المادة المشتركة 3 لا تحدد ماهية "الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة".

من جهة أخرى تضع المادة 6 (2) من البروتوكول الإضافي الثاني عدداً من الضمانات القضائية. البروتوكول الإضافي الثاني لا يلزم سوريا. على كل حال، إن قائمة المادة 6 (2) يمكن استخدامها كدليل لتفسير المادة الثالثة المشتركة، [31] وخاصة بما أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أحدث ملحق على المادة الثالثة المشتركة ناقشت أن الضمانات القضائية للمادة 6 (2) قد بلغت مكانتها العرفية.[32]

هناك جدال قوي لصالح اعتبار الضمانات القضائية التالية ضمانات لازمة لا غنى عنها:

  • الالتزام بإبلاغ المتهم دون تأخير بطبيعة وأسباب الجرم المزعوم. 

  • ضرورة أن يتاح للمتهم الحقوق والوسائل اللازمة للدفاع عن نفسه.

  • الحق في ألا يتم إدانة المتهم بجرم إلا على أساس مسؤولية العقوبة الفردية.

  • منع احتجاز أي شخص وادانته بجرم لم يكن يشكل جرماً جنائياً في الوقت الذي تم ارتكاب الجرم فيه، ومنع اصدار الحكم بعقوبة أكبر من تلك العقوبة المنصوص عليها وقت حدوث الجرم.

  • الحق في اعتباره بريئاً.

  • الحق في محاكمة الشخص أثناء وجوده.

  • الحق في عدم إجبار شخص على تجريم نفسه أو الاعتراف بأنه مذنب.

  • الحق في الحصول على النصيحة القضائية وأي حلول أخرى والفترة الزمنية التي يجوز فيها ممارستها [33]

ووفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على الرغم من عدم ذكرها في المادة 6 (2)، يجب الالتزام بالضمانات التالية:

  • الحق في حضور واستجواب الشهود.

  • الحق في النطق بالحكم علنا.

  • منع مقاضاة أو معاقبة أي شخص أكثر من مرة لنفس التصرف. [34]

الخاتمة:

باختصار، على الرغم من أنه غير واضح فيما إذا كان القانون الدولي الإنساني يقدم الأساس القانوني لإنشاء محاكم من قبل جهات فاعلة غير حكومية، إلا أنه وفق الرأي السائد، فإن قواعد القانون الدولي الإنساني بشأن تنظيم تأسيس وعمل المحاكم خلال النزاع المسلح ينطبق أيضا على محاكم الجهات الفاعلة غير الحكومية.  وهنا تظهر نتائج قانونية مهمة من هذا التفسير.

الجدير بالذكر، أنه عند افتراض أن محكمة الجهات الفاعلة غير الحكومية توفر شروط الاستقلالية والحيدة، وطالما أنها تصدر أحكاما أو تنفذ إعدامات بينما تقدم كل الضمانات القضائية اللازمة، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية المسؤولة عن تأسيس هذه المحكمة لا تنتهك القانون الدولي الإنساني. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأفراد المتورطين في عمل المحكمة سوف لن يتم اعتبارهم مسؤولين جنائياً من أجل جرائم حرب متمثلة ب "إصدار أحكام أو تنفيذ إعدامات بدون استيفاء الشروط والضمانات القضائية" وذلك بحسب المادة 8(2) (c)(iv) من نظام روما الأساسي، أو قبيل تنفيذ حكم بعد قرار محكمة من هذا القبيل، لجرائم الحرب كالقتل المادة 8(2)(c)(i) من نظام روما.

بناء على التفاصيل التي حصلت عليها منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فيما إذا كانت المحكمة في حوران قد استوفت شروط الاستقلال والحياد وما إذا كان المشتبه بهم قد حصلوا على الضمانات القضائية المذكورة أعلاه أثناء المحاكمة. بالإمكان القول إنه من غير المحتمل أنه قد تم تلبية هذه الشروط. فمثلاً، أثيرت الشكوك حول التزام محكمة حوران بمبدأ الشرعية (منع احتجاز أي شخص وادانته بجرم لم يكن يشكل جرماً جنائياً في الوقت الذي تم ارتكاب الجرم فيه) إذ إنه غير جلي إذا كان تصرف المشتبه به يشكل جرماً في الوقت الذي ارتكبت فيه الجريمة.

حين يتم تطبيق نتائج المحكمة السويدية المذكورة أعلاه، عندها يتوجب الاستفسار عن توفر العنصر الثاني ألا وهو أن محكمة حوران بحاجة إلى دعم القانون والنظام في الإقليم بشرط أن تكون المحكمة مزودة بأفراد كانوا قضاة ومسؤولين في القضاء قبل اندلاع النزاع وأن المحكمة تطبق القانون الذي كان سارياً قبل النزاع أو على الأقل لا تختلف جوهرياً في اتجاه صارم عن القانون الذي كان متواجداً قبل النزاع. مع العلم أن نتائج المحكمة السويدية غير ملزمة بموجب القانون الدولي لكنه يشكل سابقة يمكن أخذها بعين الاعتبار من قبل أي محكمة تتعامل مع قضايا مشابهة.

إذا وجد أن المحكمة نفسها أو حتى المحاكمة لا تلبي الشروط الموضوعة من قبل القانون الدولي الإنساني، فإن الجهة الفاعلة غير الحكومية المسؤولة عن تأسيس المحكمة سوف تقوم بأعمال تنتهك من خلالها القانون الدولي الإنساني والأفراد المشاركين في عمل المحكمة سوف يتم اعتبارهم مسؤولين عن جرائم حرب المتمثلة ب " إصدار أحكام أو تنفيذ إعدامات بدون استيفاء الشروط".[35]

 


[1] في شهر تشرين الثاني/نوفمبر2014، أعلنت قيادات عسكرية وهيئات مدنية وإغاثية عن تشكيل دار العدل في حوران، على أن تكون الهيئة القضائية الوحيدة التي تمثل القضاء في محافظتي درعا القنيطرة، مع إلغاء كافة المحاكم الأخرى التابعة للفصائل المسلحة، وتتألف من عدة قضاة ويرأسها حالياً "عصمت العبسي" وتتخذ من "القانون العربي الموحد" مرجعية لها في حل الخلافات التي تحوَل إليها.

[2] تمّ عقد مؤتمره الأول بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2017، ويتكون من (300) شخصية مدنية وعسكرية معارضة للنظام السوري، وهي تمثل معظم مناطق محافظة درعا، ويهدف إلى إنشاء واجهة سياسية وعسكرية واحدة لمحافظة درعا لتمثيلها في المؤتمرات الداخلية والخارجية، ومن خلاله تمّ تشكيل "مجلس أمناء الثورة" والذي ضم في تركيبته 48 شخصية، نصفهم من العسكريين، وتم انتخاب "عبد الحكيم المصري" أمينا عاماً للمجلس، كما تم انتخاب الدكتور محمد الزعبي كرئيس للمكتب التنفيذي.

[3] وهو تجمع مدني يضم 100 شاب من الطبقة المثقفة والوطنية في مدينة داعل بريف درعا، تم تأسيسه في أيار/مايو2017، ومن أهدافه ايجاد شكل من التنظيم المؤسساتي للمجتمع المدني في مدينة داعل، ليس له اتجاه سياسي ولا يتبع لأي ايديولوجية يسارية أو قومية أو دينية.

[4] تم تأسيسها في كانون الأول/ديسمبر 2012، وتضم عدداً من محامي محافظة درعا والمعارضين للنظام السوري.

[5]صدر القانون العربي الموحد عن جامعة الدول العربية بتاريخ 21 تشرين الثاني /نوفمبر1996 وبقرار رقم230، ويحتوي على قسمين، القسم الأول يتضمن القواعد العامة، والقسم الثاني يتضمن الحدود والقصاص، ويهدف القانون إلى توحيد القوانين الجنائية العربية على أساس أحكام الشريعة الإسلامية، وتم اعتماده كقانون نموذجي وتم تعميمه على الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.

[6] تنص المادة على ما يلي: "يؤاخذ بجريمة الخيانة، ويعاقب بالإعدام، كل مواطن ارتكب، في وقت الحرب، أحد الأفعال الآتية:

كل من حرّض العسكريين على الانضمام إلى خدمة سلطة أجنبية في حالة حرب مع بلاده أو سهل لها وسائل ذلك أو قام بعملية التجنيد لحسابها.

كل من باشر اتصالات مع سلطة أجنبية أو مع عملائها، بقصد مساعدتها في خططها ضد بلاده".

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد