مقدمة: تعرّضت الغوطة الشرقية عموماً و مدينة دوما على وجه الخصوص إلى واحدة من أعنف الهجمات العسكرية من جانب القوات النظامية السورية وحلفائها، وذلك خلال شهر آذار/مارس 2018. ففي يوم 18 آذار/مارس 2018، شهدت الأحياء السكنية في مدينة دوما قصفاً جوياً مركّزاً بواسطة صواريخ شديدة الإنفجار، وهو ما تسبّب في مقتل وإصابة عشرات المدنيين بينهم نساء وأطفال، كما عمدت القوات النظامية السورية في اليوم ذاته إلى استخدام مواداً كيمائية في قصف المدينة، لكن دون تسجيل وقوع أي أضرار بشرية.
وفي يوم 19 آذار/مارس 2018، تعرضت إحدى المستودعات التابعة للمجلس المحلي في مدينة دوما، إلى قصف جوي عنيف، ما أدى إلى إتلاف قسم من المساعدات الأممية المودعة بداخله، كما أسفر استخدام المواد الحارقة في اليوم ذاته، عن اندلاع الحرائق في عدد من منازل في مدينة دوما.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد تزامنت عمليات القصف العنيفة على مدينة دوما في يومي 18 و19 آذار/مارس 2018، مع هجوم عسكري كان قد شنه جيش الإسلام، وذلك بغية استعادة المناطق التي سيطرت عليها القوات النظامية السورية مؤخراً مثل بلدة مسرابا[1]، ومن جهتها ردت القوات النظامية السورية بقصف مدينة دوما المكتظة بآلاف المدنيين والنازحين، مشيراً إلى أنّ الطيران الحربي لم يغادر أجواء المدينة خلال هذين اليومين، مستهدفاً إياها بأكثر من (50) غارة جوية محملة بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وهو ما أدى إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، لافتاً إلى أنّ بعضهم بقي تحت الأنقاض مدة طويلة، إلى أن تمكنت فرق الإسعاف من إخراجهم.
ومن الجدير ذكره إلى أنّ القوات النظامية السورية وحلفائها كانت قد توصلت إلى اتفاق مع فيلق الرحمن بتاريخ 23 آذار/مارس 2018، وقد قضى هذا الاتفاق بإخراج مسلّحي فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة وعائلاتهم، إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا، وقد شمل هذا الاتفاق كل من بلدات (عربين وزملكا وعين ترما وجوبر)، وكان قد سبقها توصل القوات النظامية السورية وحلفائها إلى اتفاق مشابه مع حركة أحرار الشام الإسلامية في مدينة حرستا، وذلك بتاريخ 21 آذار/مارس 2018، وقد قضى هذا الاتفاق بإخراج مسلحي حركة أحرار الشام الإسلامية مع عائلاتهم إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا أيضاً.
ومن اللافت الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدولي كان قد تبنّى القرار رقم (2401) بتاريخ 24 شباط/فبراير 2018، وسط ترحيب من الأمم المتحدة، والذي طالب بوقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا في مدّة لا تقل عن (30) يوماً متتالياً، وذلك للتمكين من إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم خدمات الإجلاء الطبّي للمرضى والمصابين. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد وصف الوضع في سوريا ب"القاتم" وذلك على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف الأعمال القتالية لمدة 30 يوما في جميع أنحاء البلاد.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق، تقريراً بعنوان "المثلث الآمن المحايد" يتحول إلى مثلثٍ للموت!"، وهو تقرير موجز يوثق التصعيد العسكري على زملكا-الغوطة الشرقية بتواريخ 11 و 12 و 13 و 14 و 15 آذار / مارس 2018، كما كانت المنظمة قد أعدت تقريراً آخراً بعنوان "القصف على الأفران في الغوطة الشرقية يحرم عشرات الآلاف من الخبز"، وهو تقرير موجز يسلّط الضوء على عدّة حوادث قُصفت فيها الأفران في الغوطة الشرقية/ريف دمشق.
أولاً: صواريخ شديدة الانفجار على الأحياء السكنية في مدينة دوما:
بتاريخ 18 آذار/مارس 2018، شهدت مدينة دوما عمليات قصف عنيفة ووحشية، إذ تمّ قصف الأحياء السكينة فيها بصواريخ شديدة الانفجار، وهو ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، وذلك حسبما أكدّ "خالد الترك" وهو أحد أهالي دوما، حيث تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"طوال الحملة العسكرية لقوات النظام على الغوطة الشرقية، كان القصف على مدينة دوما يشتد تارة ويهدأ تارة أخرى، لكن في يوم 18 آذار/مارس 2018، لم نكن نعرف الراحة ولا النوم، فكلما أغمضت عيناي محاولاً النوم مع أطفالي، كنا نعاود سماع دوي الانفجارات في كل مكان، وخصوصاً أنها كانت قريبة من مكان القبو الذي أقطن فيه، لقد كانت ليلة عصيبة جداً، فلم يترك النظام منطقة في دوما إلا وقصفها بشتّى أنواع الأسلحة، كما أنّ طائراته لم تغادر سماء المدينة في ذلك اليوم، فقد شنّ الطيران الحربي غارة على أحد الأبنية في شارع القوتلي، فأطبقت الطوابق فوق بعضها وكأنها عبارة عن علب كرتون."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الحاصل في مدينة دوما، وذلك إثر عمليات القصف العنيفة التي تعرضت لها بتاريخ 18 آذار/مارس 2018.
عشرات القتلى والجرحى من المدنيين كانوا ضحية عمليات القصف العنيفة التي تعرضت لها الأحياء السكنية في مدينة دوما، وتحديداً في يومي 18 و19 آذار/مارس 2018، وقد وثق الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة بعض أسماء القتلى في هذين اليومين، وكان من بينهم نساء وأطفال وهم:
- محمد عمر بلله.
- مصطفى نادر خيتي.
- رضوان بكري هارون.
- الطفل ماهر عبيدة الطباخ.
- حياة البرغوث.
- وفيقة البرغوث.
- باسل الشامي.
- ياسر الأجوة.
- علي محمد سليمان.
- الطفلة إيناس أيمن المليح.
- الطفل محمد خالد الأجوة.
- منال محمد المليح.
- صفاء محمد المليح.
- الطفل محمد مصطفى الباشا.
- الطفل أحمد محمد الطبجي.
ثانياً: القصف الجوي يحرم آلاف المدنيين في دوما من المساعدات الأممية:
لم تنجُ -حتى المساعدات الأممية- من قصف القوات النظامية السورية على مدينة دوما، ففي يوم 19 آذار/مارس 2018، قام الطيران الحربي باستهداف أحد المستودعات التابعة للمجلس المحلي، والتي أُودع فيها قسم من المساعدات الأممية التي دخلت إلى مدينة دوما في يومي 9 و15 آذار/مارس 2018، وهو ما أدى إلى إتلاف قسم كبير منها، وذلك حسبما أفاد "أسامة صعب" وهو أحد الناشطين في المدينة، حيث قال:
"في تمام الساعة (8:00) مساءً، تمّ استهداف أحد المستودعات التابعة للمجلس المحلي في مدينة دوما بصاروخ شديد الإنفجار، وهو ما تسببّ في دمار المبنى بشكل كامل، إذ اخترق الصاروخ المبنى ووصل إلى مكان المساعدات الغذائية التي أدخلتها الأمم المتحدة إلى دوما من أجل تخفيف الحصار على الأهالي."
وكان قد سبق للقوات النظامية السورية قصف أحد مستودعات الأغذية التابعة للمجلس المحلي لمدينة دوما في تاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وهو ما أدى أيضاً إلى إتلاف قسم من معونات الأمم المتحدة المودعة داخلها، وذلك بحسب تقرير سابق أعدته سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
صورة تظهر جانباً من الأضرار التي لحقت بالمساعدات الأممية المودعة في أحد مستودعات المجلس المحلي لمدينة دوما، وذلك إثر القصف الجوي الذي طالها بتاريخ 19 آذار/مارس 2018، مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة دوما.
صورة أخرى تظهر جانباً من الأضرار التي لحقت بالمساعدات الأممية المودعة في أحد مستودعات المجلس المحلي لمدينة دوما، وذلك إثر القصف الجوي الذي طالها بتاريخ 19 آذار/مارس 2018، مصدر الصورة: المجلس المحلي لمدينة دوما.
ثالثاً: غازات سامة ومواد حارقة على دوما:
إضافة إلى الصواريخ المتفجرة التي عمدت القوات النظامية السورية إلى استخدامها في قصف الأحياء السكنية في دوما، لجأت أيضاً إلى استخدام الغازات السامة والمواد الحارقة، وتحديداً في يومي 18 و19 آذار/مارس 2018، وفي هذا الخصوص تحدث الناشط "أسامة صعب" قائلاً:
"في تمام الساعة (9:00) مساءً من يوم 18 آذار/مارس2018، وبينما كانت فرق الإسعاف تتوجه إلى منطقة "قبان بدران" الكائنة شرقي دوما، من أجل إسعاف المصابين الذين سقطوا إثر عمليات القصف الوحشية، قامت قوات النظام باستهداف ذات المنطقة بقذائف تحمل مادة الكلور، إلا أنّ اتجاه الرياح وسرعتها وقلة المادة السمّية ساهم في عدم وقوع أي إصابات بين صفوف المدنيين."
كما أشار صعب إلى أنّ مدينة دوما تعرضت أيضاً للقصف بصواريخ "راجمة" محمّلة بمواد حارقة شبيهة بالفوسفور، وذلك في تمام الساعة (8:00) مساءً من يوم 19 آذار/مارس 2018، إذ تمّ قصف المدينة بأكثر من أربعين صاروخاً محملاً بمواد حارقة، وفي هذا الخصوص أضاف قائلاً:
"لقد أضاءت سماء المدينة نتيجة انفجار هذه الصواريخ فتحول ليلها إلى نهار، وهو ما أدخل الرعب والخوف في قلوب الناس جميعاً، فقد استهدفت تلك الصواريخ عدة أحياء في البلدة، وهو ما أدى إلى اندلاع العديد من الحرائق، حتى إنّ حياً بأكمله كان قد احترق وهو الحي المحاذي لسوق الهال في دوما، كما توزعت تلك الصواريخ في أنحاء متفرقة من المدينة، وهو ما أضعف عمل فرق الإسعاف وجعلها بقمة الارتباك، وخصوصاً أن الحرائق بدأت تلتهم المنازل بالتدريج ولم يعد يعلم أحد ماذا يفعل."
صورة تظهر جانباً من قصف مدينة دوما بمواد حارقة شبيهة بالفوسفور، وذلك بتاريخ 19 آذار/مارس 2018، مصدر الصورة: وكالة داماسكي الإعلامية.
كما أظهر مقطع فيديو نشرته وكالة "داماسكي" الإعلامية، جانباً من القصف الذي تعرضت له مدينة دوما بواسطة مواد حارقة شبيهة بالفوسفور، وذلك بتاريخ 19 آذار/مارس 2018، فيما أظهر مقطع فيديو آخر نشرته وكالة "داماسكي" الإعلامية، جانباً من عمليات انتشال القتلى والجرحى المدنيين من تحت الأنقاض، وذلك إثر عمليات القصف العنيفة التي تعرضت لها مدينة دوما بتاريخ 19 آذار/مارس 2018.
[1] كانت القوات النظامية السورية قد تمكنت من السيطرة على بلدة مسرابا بتاريخ 10 آذار/مارس 2018، وذلك بعدما كانت خاضعة لجيش الإسلام.