مقدمة: لم تكتفِ القوات النظامية السورية وحلفائها خلال حملتها العسكرية الأخيرة على الغوطة الشرقية، باستخدام مختلف أنواع الأسلحة من صواريخ وبراميل متفجرة ومواد حارقة فقط، بل عمدت أيضاً إلى استخدام الغازات السامة للمرة الخامسة على التوالي منذ بدء العام 2018. ففي يوم 7 آذار/مارس 2018، تعرّضت الأحياء السكنية في المنطقة الواصلة ما بين مدينتي حمورية وسقبا، إلى هجوم تمّ استخدام المواد الكيميائية فيه، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد سقطت عدة صواريخ "راجمة" محمّلة بغازات تتوافق أعراضه مع أعراض غاز الكلور على تلك الأحياء، وهو ما تسبّب في إصابة حوالي (70) مدنياً بحالات اختناق جلّهم من النساء والأطفال.
وكان قد سبق للقوات النظامية السورية استخدام الغازات السامة على الغوطة الشرقية أربع مرات، ففي تاريخ 13 كانون الثاني/يناير 2018، وقع أول هجوم محمّل بمواد كيميائية على المنطقة الواصلة ما بين مدينتي دوما وحرستا، وهو ما أدى إلى إصابة ستة مدنيين بحالات اختناق، وذلك بحسب تقرير أعدته سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وحمل عنوان " تعرّض ست مدنيين لمواد سامّة في الغوطة الشرقية – ريف دمشق، "هذا هو الهجوم الأول في العام 2018 والذي يتمّ فيه استخدام غاز الكلور كسلاح في الغوطة".
وفي تاريخ 22 كانون الثاني/يناير 2018، عاودت القوات النظامية السورية استخدام الغازات السامة على الغوطة الشرقية للمرة الثانية في العام 2018، حيث تعرضت الأحياء السكنية في مدينة دوما إلى هجوم آخر محمل بغازات سامة، وهو ما أدى إلى إصابة (21) مدنياً بحالات اختناق، وذلك بحسب تقرير مشترك أعدته سوريون من أجل الحقيقة والعدالة و "بيلنغكات"، وحمل عنوان " القوات النظامية السورية تعيد استخدام الغازات السامة على مدينة دوما للمرة الثانية على التوالي خلال شهر واحد".
أما الهجوم الثالث فقد وقع بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، حيث تعرضت مدينة دوما إلى قصف بغازات سامة، وهو ما أدى إلى إصابة ثلاثة مدنيين بحالات اختناق، وذلك بحسب تقرير مشترك أعدته سوريون من أجل الحقيقة والعدالة و"بيلنغكات"، وحمل عنوان "مجدداً: مواد "ألمانيّة الصنع" داخل صواريخ محمّلة بغاز الكلور السام في الغوطة الشرقيّة، هذا هو الهجوم الثالث الذي تنفّذه القوّات السوريّة وحلفائها منذ بداية العام 2018 في الغوطة الشرقية".
ووقع الهجوم الرابع بتاريخ 25 شباط/فبراير 2018، حيث تعرضت بلدة الشيفونية إلى القصف بغازات سامة، وهو ما أدى إلى إصابة العديد من المدنيين بحالات اختناق، كما أسفر عن مقتل طفلين على الأقل، وذلك بحسب تقرير سابق أعدته سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، وحمل عنوان "القوّات السوريّة تقصف الغوطة الشرقيّة بمواد كيميائيّة للمرة الرابعة على التوالي منذ بداية العام 2018".
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ مدن وبلدات الغوطة الشرقية لم تشهد أياماً عصيبة كتلك التي مرت عليها خلال الحملة العسكرية الأخيرة، مشيراً إلى أنّ هنالك بعض المناطق التي تعمدت القوات النظامية السورية تدميرها بشكل شبه كامل، وذلك من أجل تحقيق أي تقدم عسكري لها على الأرض.
ومن الجدير ذكره إلى أنّ القوات النظامية السورية وحلفائها كانت قد توصلت إلى اتفاق مع فيلق الرحمن بتاريخ 23 آذار/مارس 2018، وقد قضى هذا الاتفاق بإخراج مسلحي فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام/النصرة وعائلاتهم، إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا، وقد شمل هذا الاتفاق كل من بلدات (عربين وزملكا وعين ترما وجوبر)، وكان قد سبقها توصل القوات النظامية السورية وحلفائها إلى اتفاق مشابه مع حركة أحرار الشام الإسلامية في مدينة حرستا، وذلك بتاريخ 21 آذار/مارس 2018، وقد قضى هذا الاتفاق بإخراج مسلحي حركة أحرار الشام الإسلامية مع عائلاتهم إضافة إلى من يرغب من المدنيين إلى شمال سوريا أيضاً.
ومن اللافت الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدولي كان قد تبنّى القرار رقم (2401) بتاريخ 24 شباط/فبراير 2018، وسط ترحيب من الأمم المتحدة، والذي طالب بوقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا في مدّة لا تقل عن (30) يوماً متتالياً، وذلك للتمكين من إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم خدمات الإجلاء الطبّي للمرضى والمصابين. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد وصف الوضع في سوريا ب"القاتم" وذلك على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف الأعمال القتالية لمدة 30 يوما في جميع أنحاء البلاد
تفاصيل الحادثة:
في حوالي الساعة (9:15) مساءً من يوم 7 آذار/مارس 2018، عمدت القوات النظامية السورية إلى قصف المنطقة الواصلة ما بين مدينتي حمورية وسقبا بالغازات السامة، وقد تزامن ذلك مع عمليات قصف عنيفة كانت قد تعرضت لها المنطقة، وهو الأمر الذي أكده لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، "أمجد ياسين" وهو أحد أهالي مدينة حمورية، حيث قال:
"تمّ استهداف المنطقة الواصلة ما بين حمورية وسقبا بصواريخ راجمة لم تنفجر عند ارتطامها بالأرض، وهو الأمر الذي أثار شكوكنا، إذ جرت العادة بأنّ الصواريخ التي لا نسمع لها أي صوت انفجار عادة ما تكون محملة بغازات سامة، وماهي إلا دقائق حتى بدأت الروائح غريبة تتسرب إلى ملاجئنا. لقد هرب الناس من منازلهم إلى داخل الاقبية خوفاً من شدة القصف المرّكز على مدنهم وبلداتهم، إلا أنّ الموت عرف طريقه إلينا من خلال الهواء هذه المرة، ففي مساء ذلك اليوم تناهى إلى مسامعنا صوت أحد الجارة وهو يصرخ "كيماوي"، فانتشر الذعر بكل مكان وأصبحت الأمهات تحتضن أطفالها في محاولة منهنّ لحمايتهم، إلا أنّ ذلك كله لم يجدِ"، فقد بدأ العديد من الأهالي يختنقون ولا يستطيعون الخروج إلى الأعلى بسبب شدة القصف، كما أنّ فرق الإسعاف لم تستطع الوصول إلى مكان الاستهداف بسبب الردم المتواجد في كافة أحياء البلدة، فبدأت الناس بالخروج والبراميل المتفجرة تتساقط فوق رؤوسهم أما الصواريخ المحملة بالمواد الحارقة فكانت تنفجر في كل مكان."
صورة تظهر أحد المصابين بحالات اختناق، جراء استنشاقهم غازات سامة في الغوطة الشرقية وذلك بتاريخ 7 آذار/مارس 2018، مصدر الصورة: الجمعية الطبية الأمريكية (سامز).
عقب هذا الهجوم، بدأت ترد أولى حالات الاختناق إلى مشفى "دار الشفاء" في مدينة حمورية، وكان معظمهم من الأطفال والنساء، وهو الأمر الذي أكده "حسن عيسى" وهو أحد الممرضين العاملين في المشفى، حيث تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"في حوالي الساعة (9:30) مساءً بدأت ترد أولى الحالات إلى المشفى، ومعظم تلك الحالات كان قد وصلت إلينا مشياً على الأقدام، نظراً لأنّ كوادرنا لم تتمكن من الوصول إلى المنطقة المستهدفة بسبب غزارة القصف وتراكم الردم في كل مكان، فضلاً عن تعمد النظام استهداف الطواقم الإسعافية، لقد وصل إلى المشفى ما يزيد على (70) حالة لمصابين بحالات اختناق، وقمنا بتوثيق (40) منهم فقط نظراً للأعداد الكبيرة التي توافدت إلى المشفى، كما أنّ أغلب الحالات تمّ إسعافها إلى مشفى سقبا، كونه الأقرب إلى المنطقة المستهدفة."
وتابع عيسى بأنّ الأعراض التي كانت بادية على المصابين هي ضيق حاد في التنفس واحتقان وصفير عند التنفس إلى جانب سيلان شديد في الأنف، مشيراً إلى أنّ رائحة شبيهة بالكلور كانت تفوح بصورة واضحة من ملابس معظم المصابين، وأضاف قائلاً:
"لم يسبق لي أن مررت بيوم كهذا اليوم، إذ كانت معظم المشافي والنقاط الطبية مكتظة بالأصل بالجرحى والمصابين جرّاء عمليات القصف العنيفة، إلا أنّها في ذلك اليوم غصت بهم، ولم تعرف الكوادر الطبية الراحة، لكننا لا نستطيع الجزم بأنّ غاز الكلور هو الغاز المستخدم في الهجوم، فمن الممكن أن يحتوي الغاز على مواد سامة أخرى غير الكلور، إلا أننا لم نستطع تحليلها بسبب ضعف الإمكانيات."
صورة تظهر إحدى الأطفال التي أصيبت بحالة اختناق، جراء استنشاقها غازات سامة في الغوطة الشرقية وذلك بتاريخ 7 آذار/مارس 2018، مصدر الصورة: الجمعية الطبية الأمريكية (سامز).
وأظهر مقطع فيديو بثه ناشطون، بعض المصابين بحالات الاختناق جرّاء استنشاقهم غازات سامة في مدينة حمورية، وذلك بتاريخ 7 آذار/مارس 2018، كما أظهر مقطع فيديو آخر نشرته وكالة سمارت للأنباء، إصابة بعض المدنيين بحالات اختناق جراء استنشاقهم غازات سامة، وذلك بتاريخ 7 آذار/مارس 2018.
كما قالت الجمعية الطبية الأميركية (سامز) عبر منشور لها في يوم 8 آذار/مارس 2018، بأنّ أحد المشافي التابعة لها في الغوطة الشرقية، كانت قد استقبلت قبيل يوم واحد (29) مصاباً يعانون من أعراض ترجّح تعرضهم لاستنشاق غاز الكلور السام، مثل ضيق في التنفس والتعرق والاحتقان وسيلان الأنف والصفير عند التنفس، مشيرة إلى أنّ هذه الهجوم هو الهجوم الخامس من نوعه والمحمل بغازات سامة على الغوطة الشرقية منذ بداية العام 2018.
صورة تظهر المنشور الذي تمّ نشره من قبل الجمعية الطبية الأميركية (سامز) بتاريخ 8 آذار/مارس 2018، حول الهجوم الذي وقع على الغوطة الشرقية بتاريخ 7 آذار/مارس 2018، وكان محملاً بغازات سامة، مصدر الصورة: الجمعية الطبية الأميركية (سامز).