الرئيسية تحقيقات مواضيعية “أجسام موقوتة متنقّلة تحمّل الموت معها”

“أجسام موقوتة متنقّلة تحمّل الموت معها”

تقرير خاصّ يسلّط الضوء على ضحايا الذخائر العنقودية الغير منفجرة في ريف حلب

بواسطة wael.m
451 مشاهدة تحميل كملف PDF هذا المنشور متوفر أيضاً باللغة: الإنجليزية حجم الخط ع ع ع

مقدّمة: ثمثّل االذخائر العنقوية غير المنفجرة والمستخدمة من قبل القوات النظامية السورية وحلفائها بشكل رئيسي خلال سنوات النزاع السوري، تهديداً خطيراً ومميتاً على حياة العديد من أطفال سوريا، فمازال العديد من الأطفال الضحايا الناجين من انفجار تلك الذخائر، يعانون حتى يومنا هذا، وذلك إثر إصابتهم بإعاقات وتشوهات دائمة غير حياتهم وجعلتهم مختلفين عن غيرهم من الأطفال.

وفي ريف حلب الخاضع لسيطرة الجماعات المناهضة للحكومة السوري تحديداً، حصدت الذخائر العنقودية غير المنفجرة أرواح عشرات الأطفال، كما غيرت حياة العديد منهم، ففُجع العديد من الأهالي بفقدان أطفالهم، بينما مازال العديد منهم يصارعون حتى يومنا هذا من أجل علاجهم.

وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ القوات النظامية السورية وحلفائها كانت قد عمدت في وقت سابق من العام 2018 و2017، إلى استخدام صواريخ محملة بذخائر عنقودية في قصف المناطق التابعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة في ريف حلب، إذ تمّ استهداف التجمعات السكنية في بلدات (أورم الكبرى والأتارب والشيخ علي وخان العسل وكفرناها وكفرناصح وعنجارة) بعدة هجمات محملة بذخائر عنقودية، وقد أدت هذه الهجمات فور حدوثها إلى مقتل وإصابة العديد من المدنيين، فيما أصبحت العديد من الذخائر العنقودية غير المنفجرة بمثابة قنابل موقوتة تنفجر بمجرد لمسها أو تحريها، كما أنها تحولت إلى هاجس بات يرعب ويقلق العديد من المدنيين في ريف حلب.

خارطة تحدد أمكان بلدات (أورم الكبرى والأتارب والشيخ علي وخان العسل وكفرناها وكفرناصح وعنجارة) في ريف حلب.

وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، قد أعدت في وقت سابق تقريراً خاصاً يسرد قصص بعض ضحايا المواد الحارقة في سوريا والآثار التي خلفتها استخدام تلك المواد كسلاح، كما كانت المنظمة قد وثقت أيضاً استخدام القوات النظامية السورية وحلفائها للذخائر العنقودية في عامي 2017 و2018، وقد كان آخرها في شهر شباط/فبراير 2018، حيث وثقت وقوع هجمات محملة بذخائر عنقودية على مدن وبلدات الغوطة الشرقية.

الذخائر العنقودية والنزاع السوري:

"الذخائر العنقودية هي أسلحة تتكون من "حاوية" تفتح في الهواء وتنثر أعدادًا كبيرةً من "القنابل الصغيرة" أو الذخائر الصغيرة المتفجرة، وذلك على مساحة واسعة. وعلى حسب الطراز، يمكن أن يتراوح عدد الذخائر الصغيرة من عدة عشرات إلى ما يربو على 600. ويمكن إلقاء الذخائر العنقودية عن طريق الطائرات أو المدفعية أو القذائف. الجزء الأعظم من الذخائر الصغيرة معدٌّ للانفجار عند الاصطدام. ويتسم أغلبها بميزة السقوط الحر، بمعنى أنها لا تـُوجه بصفة فردية نحو أي هدف ما. الذخائر العنقودية استُخدمت للمرة الأولى في الحرب العالمية الثانية، ونسبةٌ كبيرةٌ من الذخائر العنقودية المخزَّنة في الوقت الحالي صُممت للاستخدام في الحرب الباردة. وتمثل المقصد الأساسي منها في تدمير الأهداف العسكرية المتعددة المنثورة على مساحة واسعة، مثل تشكيلات الدبابات أو المشاة، وفي قتل المحاربين أو إصابتهم[1]."

"إنّ غالبية الذخائر العنقودية لا تنفجر كما هو متوقع بل تبقى خطرا على الحياة حتى يتم تحريكها. ويزيد خطرها على المدنيين بسبب المساحة الشاسعة (المعروفة باسم "البقع المشبوهة") التي تستطيع قنابل عنقودية متأتّية من ذخيرة واحدة أن تغطيها [2]."

"حظرت 118 دولة الذخائر العنقودية بسبب الضرر الذي تسببه وقت الهجوم، إلاّ أنّ الحكومة السورية والروسية إلى الآن لم تنضما إلى اتفاقية الذخائر العنقودية، التي تحظر الذخائر العنقودية حظرًا شاملاً وذلك بحظر استخدامها وإنتاجها وتخزينها ونقلها. وهي أيضـًا تحظر على الدول الأطراف مساعدة أي شخص على القيام بأي نشاط تحظره أحكام الاتفاقية أو تشجيعه أو حثه على ذلك.

إن الذخائر العنقودية تعتبر أسلحة عشوائية بطبيعتها، وبالتالي ينبغي عدم استخدامها في أية ظروف. إذ أن كل قنبلة عنقودية تنشر عشرات القنيبلات الصغيرة على مساحة أكبر من مساحة ملعب كرة القدم. ونظراً لارتفاع معدلات عدم انفجارها، فإنها تشكل خطراً على حياة المدنيين لسنوات قادمة. وإن الاستخدام المتكرر للقنابل غير الموجهة بالقرب من المناطق المدنية المكتظة بالسكان من شأنه أن يشكل انتهاكاً لمبدأ حظر الهجمات العشوائية [3]."

أولاً: ذخيرة عنقودية واحدة كانت كفيلة بقتل أربعة أطفال:

بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، حصدت ذخيرة عنقودية واحدة حياة أربعة أطفال دفعة واحدة في بلدة الهوتة بريف حلب الغربي، وكان من بينهم الشقيقان (محمود يونس عمر ابن السبع سنوات وأحمد يونس عمر ابن الأربع سنوات)، إذ فجُع والدهما بمقتل طفليه الاثنين مرة واحدة، على الرغم من كونه متطوع في الدفاع المدني ودائماً ماكان يجهد من أجل إبعاد المدنيين وخاصةً الأطفال عن خطر انفجار تلك الذخائر، وفي هذا الخصوص روى والد الطفلين يونس عمر لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"منذ حوالي العام ونصف، نزحت برفقة عائلتي من بلدة مريمين في ريف حلب الشمالي بسبب عمليات القصف العنيفة، ومن ثم توجهنا إلى بلدة الهوتة بريف حلب الغربي، وفي حوالي الساعة (11:00) صباحاً من يوم 1 شباط/فبراير 2018، وبينما كنت أقضى بعض حاجيات المنزل، تمّ إخباري من قبل زوجتي بأنّ أمراً ما قد حصل وبأنها سمعت صوت انفجار قوي جداً في محيط المنزل، ولمّا سارعت إلى المنزل وجدت طفليّ محمود وأحمد وهما ممددان على الأرض ودمائهما قد ملأت أرجاء المكان، فيما كان برفقتهما طفلين آخرين من الجوار وهما محمد وأمل حجي، لقد فارق طفلاي الحياة مباشرة بعد الانفجار الذي حصل، وكان ذلك من أقسى المشاهد التي مازالت عالقة في رأسي، وعلى الرغم مماحصل، حاولنا إسعاف بقية الأطفال محمد وأمل إلى المشفى، إلا أنّ محمد كان قد فارق الحياة بعد ساعة فقط من وصوله إلى أحد المشافي القريبة في المنطقة، أما أمل فقد كانت إصابتها بليغة جداً، لذا تمّ تحويلها إلى أحد المشافي التركية، لكن نتيجة تعرضها للإصابة في القسم العلوي من جسمها وتحديداً في الرأس والوجه واليدين، قرر الأطباء بتر إحد يديها، وإخضاعها لعمل جراحي من أجل استخراج شظايا القنبلة العنقودية من رأسها، إلا أنّ ذلك كله لم يكن كفيلاً ببقائها على قيد الحياة، فقد توفيت هي الأخرى بتاريخ 8 شباط/فبراير 2018."

وتابع عمر بأنّ المنطقة التي وقعت فيها حادثة الانفجار، هي منطقة مأهولة بالسكان والنازحين، مشيراً إلى أنه قد تعرضت في وقت سابق من العام 2017، إلى القصف عدة مرات بصواريخ محملة بذخائر عنقودية، وأشار إلى أنه قام بإزالة عدد كبير من تلك الذخائر غير المنفجرة بمساعدة بعض الجوار، كما قام بتحذير الأهالي منها، وتابع قائلاً:

"رغم أنني أعمل في الدفاع المدني، ويفترض بي أن أعمل على إنقاذ حياة المدنيين، إلا أنني لم أستطع فعل شيء لطفليّ وأطفال الجوار، لقد وقفت عاجزاً أمام هول ماحدث، وكانت ذخيرة عنقودية واحدة كفيلة بمقتل أربع أطفال مرة واحدة، مع الإشارة إلى انّ بعض تلك الذخائر التي يتم إلقاؤها من الطائرات الحربية تكون على شكل ألعاب لجذب انتباه الأطفال إليها."

صورة تظهر الشقيقان (أحمد ومحمود يونس عمر)، قبيل مقتلهما إثر انفجار إحدى الذخائر العنقودية في ريف حلب بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: عائلة الطفلان (أحمد ومحمود يونس عمر).

صورة تظهر جابناً من مراسم دفن الأطفال (أحمد ومحمود يونس عمر والطفل محمد حجي)، وذلك عقب مقتلهم إثر انفجار إحدى الذخائر العنقودية بتاريخ 1 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: عائلة الطفلان أحمد ومحمود يونس عمر).

صورة تظهر الطفلة (أمل حجي) قبيل مقتلها بتاريخ 8 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: عائلة الطفلة أمل الحجي.

صورة تظهر الطفلة أمل الحجي خلال تلقيها العلاج في أحد المشافي التركية، وذلك قبيل مقتلها بتاريخ 8 شباط/فبراير 2018، مصدر الصورة: عائلة الطفلة أمل الحجي.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر مكان انفجار إحدى الذخائر العنقودية التي قتلت أربعة أطفال دفعة واحدة في بلدة الهوتة في ريف حلب الغربي، وقد التقطت بتاريخ 10شباط /فبراير 2018.

ثانياً: فارق الحياة أمام عيناي ووقفت عاجزاً أمامه:

بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2017، فُجع اسماعيل المحمد بخسارة طفله (عماد) الذي يبلغ من العمر (8) سنوات فقط، وذلك بسبب انفجار إحدى الذخائر العنقودية بالقرب من منزلهم الكائن في بلدة خان العسل بريف حلب الغربي، لكن ما زاد مأساته أكثر هو رؤية ابنه وهو يفارق الحياة أمام عينينه دون أن يتمكن من عمل شيء له، وفي هذا الخصوص تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"بتاريخ 10 كانون الأول/ديسمبر 2017، نزحت برفقة أطفالي من قرى جبل الحص في ريف حلب الجنوبي إلى بلدة خان العسل، وذلك بسبب حملة القصف العنيفة التي كنا نتعرض لها، وبعد عشرة أيام فقط من تاريخ نزوحنا، ذهب ابني عماد برفقة ابن أخي محمد لشراء بعض الحاجيات من الدكان المجاور، وبعد خروجهم بدقائق قليلة سمعنا صوت انفجار قوي جداً، فسارعنا إلى الخارج، وكان على جدار منزلنا الخارجي آثار دماء، وإذ بابني عماد وابن أخي محمد وقد أصيبا إصابات بليغة نتيجة انفجار إحدى الذخائر العنقودية، وعلى الفور قمنا بإسعافهم إلى المشافي القريبة في المنطقة، إلا أننا لم ننجح في ذلك، إذ كانا قد فارقا الحياة أمام عينيّ ووقفت عاجزاً أمامهما، وسيبقى ذلك المشهد مستقراً في ذاكرتي مهما حييت، وعقب عدة أيام على الحادثة ومن خلال مشاهدتنا وبحثنا في المنطقة التي نسكن فيها، وجدنا عشرات الذخائر العنقودية غير المنفجرة، وكلها كانت قد ألقيت من جانب الطيران الحربي السوري والروسي، ومهما حاول الدفاع المدني البحث عن هذه الذخائر وإزالتها،  فسيبقى العديد منها، وستبقى أعداد الضحايا في ازدياد."

صورة تظهر الطفل عماد اسماعيل محمد وذلك قبيل مقتله إثر انفجار إحدى الذخائر العنقودية في بلدة خان العسل، وذلك بتاريخ 20 كانون الأول/ديسبمر 2017، مصدر الصورة: عائلة الطفل عماد محمد.

صورة تظهر الطفل محمد المحمد، قبيل مقتله بتاريخ 20 كانون الأول/ديسمبر 2017، مصدر الصورة: عائلة الطفل محمد المحمد.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من بعض الذخائر العنقودية التي عثر عليها في بلدة خان العسل من قبل عناصر الدفاع المدني، وذلك بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بقايا إحدى الصواريخ المحملة بذخائر عنقودية والتي سقطت على بلدة خان العسل خلال شهر شباط/فبراير 2018.

ثالثاً: لم يعد بإمكانها أن تحيا كبقية الأطفال:

سندس محمد العلي (12) عاماً، كانت إحدى الأطفال التي انقلبت حياتها رأساً على عقب، عقب تعرضها لإصابة بليغة نتجت عن انفجار إحدى الذخائر العنقودية في حديقة منزلها الكائن في بلدة الشيخ علي في ريف حلب الغربي، وذلك بتاريخ 19 حزيران/يونيو 2016، وبحسب والدها فإنّ الطيران الحربي التابع للقوات النظامية السورية كان قد قام باستهداف منازل المدنيين في البلدة بصاروخ محمل بذخائر عنقودية، وذلك قبيل حادثة تعرضها للإصابة بيومين، وفي هذا الخصوص تابع والدها قائلاً:

"بينما كانت سندس تحاول اللعب في حديقة المنزل، انفجرت إحدى هذه القنابل العنقودية، فأصيب سندس إصابات بالغة في وجهها وعينيها، وتمّ تحويلها إلى المشافي التركية من أجل استخراج الشظايا من عينيها، ووضع صفائح معدنية في خدها، لقد توقفت سندس عن الذهاب إلى المدرسة بسبب ما أصابها من تشوهات، ناهيك عن سلسلة العمليات الجراحية التي أجريت لها على مدار عام كامل والتي بلغ عددها حتى الآن (6) عمليات، لقد كانت أياماً عصيبة علينا جميعاً، وخصوصاً عندما علمنا بأنّ سندس ستفقد إحدى عينيها بسبب الشظايا، أما العين الأخرى فقد بقيت نسبة النظر فيها ضعيفة جداً، إلى جانب تعرضها للإصابة بشظية في إحدى قدميها، وهو ماسببّ لها أيضاً نوعاً من الإعاقة أثناء المشي، ومازلنا حتى هذه اللحظة نحاول علاجها بأي طريقة كانت، وهي الآن في أحد المشافي التركية، كل ما أتمناه هو أن تبقى ابنتي على قيد الحياة، فقد أخبرني الأطباء في الآونة الأخيرة بأنّ وضعها الصحي ليس على مايرام وبأنها معرضة للإصابة بمرض السحايا بأي لحظة بسبب الانتانات والالتهابات الكبيرة التي حدثت معها مؤخراً، مايقهرني أكثر بأنّ سندس لم يعد بإمكانها أن تكون كغيرها من الأطفال ولن تحيا حياة طبيعية مطلقاً."

صورة تظهر مكان انفجار إحدى الذخائر العنقودية في محيط منزل الطفلة سندس في بلدة الشيخ علي في ريف حلب الغربي، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 19حزيران /يونيو 2016، مصدر الصورة: ناشطون من البلدة.

صورة تظهر إحدى الذخائر العنقودية في بلدة الشيخ علي في ريف حلب الغربي، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 14حزيران /يونيو 2016، المصدر: ناشطون من البلدة.

صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر بقايا صاروخ محمل بذخائر عنقودية كان قد سقط على بلدة الشيخ علي بريف حلب الغربي في وقت سابق من العام 2017، وقد التقطت هذه الصورة بتاريخ 3 شباط/فبراير 2018.

رابعاً: ذخيرة عنقودية غيرت حياة ثلاثة أطفال:

بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، تسبب انفجار إحدى الذخائر العنقودية في بلدة تديل بريف حلب الغربي، بإصابة ثلاثة أشقاء وهم (نجوى درويش (13) عاماً وعبد اللطيف درويش (12) عاماً ومحمد درويش (11) عاماً)، وحسبما أكدّ والد الأطفال (رامي درويش) لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ طيراناً حربياً يعتقد أنه روسي كان قد قام بإسقاط ثلاثة صواريخ محملة بذخائر عنقودية على بلدة تديل قبيل أسبوع واحد من تعرض أطفاله للإصابة، وفي هذا الصدد تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"بينما كان أطفالي في طريق العودة من المدرسة، عثروا على إحدى القنابل العنقودية، فركلوها بأرجلهم ظناً منهم أنها إحدى الألعاب، فانفجرت تلك القنبلة العنقودية مسببة لهم إصابات بلغية وفظيعة في أجسادهم وخاصة في أرجلهم، فتمّ إسعافهم إلى إحدى النقاط الطبية في البلدة حيث أعمل هنالك كفني أشعة، فصُعقت عندما رأيت قدمي طفلي محمد وهو أصغرهم سناً وقد كانت مهشمة تماماً، بينما اخترقتها شظايا تلك القنبلة بشكل مخيف من منطقة الركبة إلى أصابع القدمين، وكانت ابنتي نجوى قد تعرضت للإصابة في قدميها أيضاً إضافة إلى بعض الشظايا في منطقة الصدر، أما ولدي عبد اللطيف فكانت إصابته خفيفة نوعاً ما."

وتابع درويش بأنّ الأطباء قاموا بطمأنته عن استقرار الحالة الصحية لابنه عبد اللطيف، كما قاموا بتضميد جراح نجوى واستخراج بعض الشظايا من قدميها، حيث مكثت في المشفى مدة خمسة أشهر من أجل وضع صفائح معدنية خارجية لتثبيت قدميها الاثنتين، إلا أنّ الأطباء عجزوا عن إزالة إحدى الشظايا المعدنية التي استقرت في صدر نجوى، ولم يتم استخراجها حتى يومنا هذا، وأضاف قائلاً:

"تماثلت نجوى للشفاء إلا أنها فقدت التحكم في أصابع قدميها، بسبب الأذى الكبير الذي لحق بالأعصاب، كما سبب لها ذلك إعاقة كبيرة في المشي، فقمنا بتفصيل حذاء طبي خاص بها بكلفة (130) ألف ليرة سورية، ومازالت نجوى حتى يومنا هذا، بحاجة إلى عمل جراحي من أجل استخراج الشظية المعدنية العالقة في صدرها، أما طفلي محمد فقد قرر الأطباء بتر قدميه الاثنتين بسبب انعدام نسبة شفائهما، من كثرة الجروح والعظم المتهشم في منطقة القدمين، فلم أوافق على بتر قدمي محمد، وطلبت تحويله إلى أحد المشافي التركية في مدينة انطاكية، حيث قال الأطباء هناك بأنّ قرار بتر قدميه هو قرار خاطئ، وقاموا بإجراء عدة عمليات جراحية لترميم قدمي محمد،ـ لكن وبعد مرور خمسة أشهر، طرأ أمر سلبي على حالته الصحية، فدخل في غيبوبة وحالة من الهلوسة، الأمر الذي جعلني أفقد صوابي وأنهار بشكل كامل، إلى حد أصبحت معه أتمنى لو أنه توفي فور الإصابة ولم أره بمثل هذه الحالة."

تمّ نقل محمد ابن (11) عاماً إلى أحد المشافي التخصصية في مدينة كلس التركية، فتبين أن الأعراض التي ظهرت عليه هي نتيجة بعض الشظايا التي لازالت مستقرة في قدمه، وعلى إثر ذلك تمّ استخراج تلك الشظايا من قدم محمد ومكث في المشفى عدة أشهر،  بحسب والده الذي أضاف قائلاً:

"بقيت برفقة محمد حوالي تسعة شهور في المشافي التركية، ولا أستطيع الوصف ولا التعبير عن مدى صعوبة تلك الفترة،  لقد كان مجموع العمليات الجراحية التي أجريت له هي تسعة، وبحسب الأطباء فإنه مازال بحاجة إلى إجراء عمل جراحي آخر في منطقة المفصل وذلك لدى بلوغه سن (18)، والأهم منذ لك أنّ محمد عانى الأمرين بسبب ماحدث، وبالنسبة لي فقد خسرت عملي بسبب غيابي طوال هذه الفترة وبقائي برفقة محمد، كما أنني لم أتلقَ أي مساعدة من أحد، فقد كانت جميع هذه التكاليف على نفقتي الخاصة."

صورة تظهر الطفل (محمد درويش) خلال تلقيه العلاج في أحد المشافي التركية، مصدر الصورة: عائلة الطفل محمد درويش.

صورة تظهر الطفلة (نجوى درويش) أثناء تلقيها العلاج في أحد المشافي، مصدر الصورة: عائلة الطفلة نجوى درويش.

خامساً: لم تعد ضحى كما كانت في السابق:

ضحى جويد (11) عاماً، كانت ضحية أخرى من ضحايا انفجار إحدى الذخائر العنقودية في ريف حلب، ففي تاريخ 10 تموز/يوليو 2013، وبينما كانت ضحى في طريق عودتها من مدرستها الكانئة في بلدة الزربة بريف حلب الجنوبي، تعثرت الطفلة بإحدى القطع المعدنية وقررت اصطحابها إلى المنزل، دون أن تعلم خطورة مابحوزتها وبأنه قد يغير حياتها، وذلك بحسب والد الطفلة الذي تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:

"كانت ضحى في الصف الأول الابتدائي، وفي إحدى الأيام لمحت والدتها إحدى القطع المعدنية في يدها، وعلى الفور قامت  والدتها بإبعاد تلك القطعة المعدنية ووضعها على سطح المنزل، إلا أنّ ضحى عادت لتعبث بهذا الجسم الغريب من جديد، وهو ما أدى إلى انفجاره، فتعرضت ضحى للإصابة في إحدى قدميها إصابة بليغة، واكتشفنا فيما بعد بأنّ هذا الجسم المعدني كان عبارة عن لغم أرضي، فتمّ إسعاف ضحى إلى أحد المشافي القريبة، حيث قاموا بتضميد جراحها، وإجراء عمليات جراحية لقدمها المصابة، وعلى الرغم من ذلك تشوهت أصابع قدمها بشكل كبير، كما تضرر العصب، وهو ماجعلها لا تقوى على تحريكها مطلقاً، لقد حرمت ضحى من عام دراسي كامل بسبب استمرار العلاج الذي وصلت كلفته حتى (900) ألف ليرة سورية، وعقب مرور خمسة أعوام على علاجها، فلم تعد ضحى كما في السابق، ولازالت تواجه العديد من المشكلات كلما حاولت السير مجدداً."

 


[1] الذخائر العنقودية: ما هي؟ وما المشكلة؟ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، آب/أغسطس 2013، للمزيد يرجى زيارة الرابط التالي:

https://www.icrc.org/ara/resources/documents/legal-fact-sheet/cluster-munitions-factsheet-230710.htm

[2] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، 15 كانون الأول/ديسمبر 2016، للمزيد:

https://www.icrc.org/ara/resources/documents/feature/liban-stories-151206.htm

[3] منظمة العفو الدولية، سوريا: عدم اعتراف روسيا بمقتل مدنيين أمر مخجل، للمزيد:

https://www.amnesty.org/ar/press-releases/2015/12/syria-russias-shameful-failure-to-acknowledge-civilian-killings-1/

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

* By using this form you agree with the storage and handling of your data by this website.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك عدم المشاركة إذا كنت ترغب في ذلك. موافق إقرأ المزيد