مقدّمة: بفعل الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها القوات النظامية السورية وحلفاؤها على الغوطة الشرقية في ريف دمشق، اعتباراً من تاريخ 18 شباط/فبراير 2018، تضاعفت معاناة عشرات الآلاف من المدنيين في الغوطة الشرقية، ولا سيّما بعدما أصبحوا بلا أي منازل تأويهم، وذلك إثر قصف واستهداف القوات النظامية لتجمعاتهم وأحيائهم السكنية بمختلف أنواع الأسلحة سواء تلك الهجمات التي حصلت بفعل القصف العشوائي أو الاستهدافات المتعمّدة الأخرى.
ففي يوم 21 شباط/فبراير 2018، تسبّب قصف الطيران الحربي على الأحياء السكنية في مدينة حمورية[1]، إلى خروج حي سكني بأكمله عن الخدمة وتدميره بشكل شبه كامل، وهو الأمر الذي جعل العديد من الأهالي ينزحون إلى مناطق "أكثر أماناً" مثل مدينة دوما، بينما دفع بالعديد منهم إلى الاحتماء داخل أقبية تفتقر إلى أدنى شروط الحياة.
وفي يوم 4 آذر/مارس 2018، تمّ قصف مدينة حمورية بأكثر من (15) برميلاً متفجراً، وكان أحدها قد سقط في قبو يأوي أكثر من (100) عائلة، وهو ماتسبب في مقتل وإصابة العديد من المدنيين، وجعل غالبيتهم بلا أي مأوى قد ينجيهم من خطر القصف.
وبحسب الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ العديد من منازل المدنيين في الغوطة الشرقية، باتت غير صالحة للسكن، فقلّما تمرّ بحي من الأحياء إلا وتجده قد تعرض للقصف، وهذا مايدلّ على أنّ القوات النظامية السورية وحلفائهاكانت ومازالت تتعمّد استهداف التجمعات السكنية في تلك المناطق، وذلك في سبيل التضييق على المدنيين وحرمانهم من الاستقرار، وجعل التهجير خياراً سهلاً بالنسبة إليهم.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد أعدت في وقت سابق تقريراً بعنوان "حفر الأنفاق تحت الأرض بات الأمل الوحيد للنجاة والبقاء على قيد الحياة في الغوطة"، وهو تقرير موجز يسلّط الضوء على الحالة الإنسانية المزرية لأشخاص يعيشون في أقبية تحت الأرض بسبب الحملة العسكرية الوحشية على الغوطة الشرقية، كما كانت قد نشرت تقريراً آخراً بعنوان "قلة المساعدات الإنسانية تضاعف مأساة حوالي 400 ألف شخص محاصر في الغوطة الشرقية".
ومن اللافت الإشارة إلى أنّ مجلس الأمن الدولي كان قد تبنّى القرار رقم (2401) وسط ترحيب من الأمم المتحدة، والذي طالب بوقف الأعمال العدائية في جميع أنحاء سوريا في مدّة لا تقل عن (30) يوماً متتالياً، وذلك للتمكين من إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم خدمات الإجلاء الطبّي للمرضى والمصابين. وكان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة قد وصف الوضع في سوريا ب"القاتم" وذلك على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف الأعمال القتالية لمدة 30 يوما فى جميع أنحاء البلاد.
أولاً: دمار الأحياء السكنية في مدينة حمورية إثر استهدافها:
بتاريخ 21 شباط/فبراير 2018، قام الطيران الحربي التابع للقوات النظامية السورية باستهداف الأحياء السكنية في مدينة حمورية بستة صواريخ شديدة الانفجار، وهو ماتسبّب في دمار حي سكني بأكمله، بحسب ما افاد به "إياد العلي" وهو أحد أهالي مدينة حمورية، إذ تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"رغم اشتداد القصف على المدينة، إلا أنني آثرت البقاء في منزلي، لكن وفي تمام الساعة (11:00) ظهراً، وبينما كنت جالساً لتناول طعام الإفطار مع أولادي، سمعت صوتاً قوياً اهتز منزلي على إثره، وسقطت بعض جدرانه، فلم أعد أرى شيئاً أمامي، وبدأت بالبحث عن أفراد عائلتي في أرجاء المنزل حتى وجدتهم وقمت بالاحتماء داخل حمام المنزل، خشية غارة أخرى قد تستهدف ذات المنطقة."
وأضاف العلي بأنّ الصواريخ الحربية التي ألقيت على التجمع السكني، كانت قد أدت إلى مقتل (3) مدنيين وإصابة العشرات، كما أنها أخرجت حياً سكنياً بأكمله عن الخدمة، مشيراً إلى أنّ القصف كان قد تسبّب في دمار منزله والبناء المقابل له بشكل كامل، فلم يعد أي منهما صالح للسكن، وأضاف:
"لقد أحدث ذلك ألماً عميقاً في نفسي، إذ أنني خسرت منزلي وتلاشت معه ذكريات كثيرة كنت قد عايشتها في هذا المكان، وعلى إثر ذلك الهجوم، قررت وعائلتي اللجوء إلى الأقبية داخل مدينة حمورية، فقمت بتجهيز أحدها، وزودته بالأشياء الضرورية والأساسية، ووضعت أطفالي في مكان ظننت أنه سيحميهم من قصف الطيران الحربي."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الحاصل في منزل الشاهد إياد العلي، إثر تعرضه لقصف جوي بتاريخ 21 شباط/فبراير 2018.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي لحق بمنازل المدنيين في مدينة حمورية، وذلك إثر القصف الذي تعرضت له خلال شهر آذار/مارس 2018.
وبتاريخ 4 آذار/مارس 2018، عاود الطيران الحربي التابع للقوات النظامية السورية، استهداف مدينة حمورية لكن هذه المرة بواسطة البراميل المتفجرة، إذ تمّ إلقاء أكثر من (15) برميلاً على ذات المربع السكني الذي تمّ استهدافه في المرة السابقة، وهو الأمر الذي أكده إياد العلي قائلاً:
" كان القبو الذي لجأت إليه يأوي مايزيد على العشر عائلات تقريباً، بينما كان يقع بقربنا أحد الملاجئ التي تأوي أكثر من (100) عائلة تقريباً، وفي تمام الساعة (9:30) تقريباً من يوم 4 آذار/مارس 2018، بدأت أولى البراميل المتفجرة بالسقوط، دون أن تتوقف طوال تلك الليلة، حتى أننا لم نجرؤ على الخروج من الأقبية حتى الساعة (9:00) من صبيحة اليوم التالي، وهو الوقت الذي تعودنا أن يخفف فيه النظام وحلفاؤه من قصفه على مناطقنا."
وقال العلي بأنّ ذلك القصف تسبّب في سقوط العديد من القتلى والجرحى بين صفوف المدنيين، ولا سيما أنّ أحد البراميل سقط داخل أحد الأقبية الذي يقع بالقرب من القبو الذي احتمى به، وهو مااضطر بعض المدنيين للنزوح إلى قبو مجاور، وأضاف قائلاً:
"لقد قتل العديد من الأهالي داخل القبو، كما أنني رأيت العديد من الأشلاء المبعثرة في كل مكان، فقمنا بانتشال العديد من العائلات من تحت الركام، وكانت إحداها عائلة من حي القابون، والحمد لله فقد خرج جميع أفرادها أحياء، لكن وعلى إثر ذلك القصف أصبحت أكثر من (100) عائلة بلا أي مأوى، وهو ما جعلهم يهيمون على وجوههم بحثاً عن مكان آخر قد يجدون به بعض الأمان."
ثانياً: نسبة الدمار بلغت (100 %) في بعض مدن وبلدات الغوطة الشرقية:
المهندس "نزار الصمادي" وهو مدير نقابة المهندسين الأحرار في ريف دمشق، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّه وفي نهاية العام 2011، بدأت القوات النظامية السورية باقتحام مدن وبلدات الغوطة الشرقية، بالدبابات والأسلحة الثقيلة، وهو ما جعل العديد من الأهالي ينزحون من منازلهم بحثاً عن الأمان وخوفاً من بطش القوات النظامية السورية، مشيراً إلى أنّ أغلب الأهالي كانوا قد نزحوا إلى منطقة المرج داخل الغوطة الشرقية على وجه الخصوص، وأضاف قائلاً:
"بعد استيلاء فصائل المعارضة السورية على الغوطة الشرقية في العام 2012، بدأ العديد من الأهالي في العودة إلى منازلهم، إلا أنّ النظام بدأ بعدها بحملة قصف ممنهج على الغوطة، فلم يكن أمام الأهالي إلا النزوح مرة أخرى، وهنا بدأت ملامح النزوح بالازدياد، إذ لم يكتفِ الأهالي بالنزوح داخل الغوطة الشرقية، بل نزحوا خارجها أيضاً واستمر النزوح بعدها بين مد وجزر، وقد بلغ عدد سكان الغوطة قبل فتح الأنفاق التي تربط الغوطة الشرقية بمنطقتي برزة والقابون، حوالي (600) ألف نسمة، لكن بعد فتح هذه الأنفاق فقد ترك الغوطة الشرقية حوالي (200) ألف نسمة، وبقي داخلها مايقارب (400) ألف نسمة، وقد كان يقطن مدينة دوما (41 %) بينما كان يقطن ريف دوما (20 %) أما بقية بلدات الغوطة الشرقية فيقطنها (40 %)."
وأشار الصمادي إلى أنّ الحملة العسكرية الأخيرة للقوات النظامية السورية على الغوطة الشرقية، أدت إلى تهجير مدن وبلدات وأحياء بكاملها وخاصة تلك الأحياء ذات البناء العشوائي داخل مدينة دوما، حيث أضاف قائلاً:
"تضررت جميع الأحياء السكينة داخل الغوطة الشرقية، إلا أنّ الأحياء العشوائية داخل مدينة دوما، مثل حارة الديرية والعب وخلف الملعب البلدي، كانت قد تضررت أكثر بسبب عمليات القصف العنيفة، لذا نزح أهالي تلك الأحياء الكائنة على الأطراف إلى وسط مدينة دوما، باعتبار أنه أكثر أماناً مقارنة بتلك المناطق، كما أنّ نسبة الدمار ازدادت بشكل كبير داخل مدن وبلدات الغوطة الشرقية في نهاية العام 2017، إذ بلغت نسبة الدمار (100 %) في بعض البلدات، ومنها الريحان وأوتايا والشيفونية، إذ لم يعد بداخلها أي منزل صالح للسكن، بينما بلغت نسبة الدمار في مدن دوما وحمورية وحرستا (70 %)، أما مدن زملكا وعربين وسقبا فقد بلغت نسبه الدمار فيها (50 %)."
صور خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الحاصل في منازل المدنيين داخل مدينة دوما، وذلك إثر القصف الذي تعرضت له خلال شهر شباط/فبراير 2018.