مقدمة: يواجه الآلاف من أطفال سوريا انتهاكات جسيمة لحقوقهم، سواء تلك المتعلّقة بالعنف الجنسي ضدّهم في مراكز الاحتجاز وغيرها أو تلك الانتهاكات بالمرتبطة بالقتل أو تجنيدهم واستخدامهم في العمليات العسكرية بشكل روتيني في صفوف أطراف النزاع المتصارعة في سوريا.
واستجابة لقرارات مجلس الأمن المتعلّقة بالأطفال والنزاعات المسلّحة، ومنه القرار رقم 2225 في العام (2015)، فإنّ يُطلب من الأمين العام للأمم المتحدّة أن يقوم بتقديم تقارير سنوية شاملة حول قضايا الأطفال والنزاع المسلّح.
وفي آخر تقرير له، والذي صدر بتاريخ 24 آب/أغسطس 2017، أكدّ الأمين العام أنّ حالات تجنيد الأطفال واستخدامهم في سوريا في تزايد مستمر مقارنة مع الاعوام السابقة، حيث جاء في التقرير ذاته وفي معرض حديثه عن سوريا والانتهاكات الجسمية التي وقعت بحقّ الأطفال ما يلي:
"ازداد تجنيد الأطفال ازدياداً حاداً، حيث فاق عدد الحالات التي جرى التحقق منها ضعف ما سجّل في العام 2015، وقد تحققت الأمم المتحدة من 851 حالة عزيت إلى كل من الجماعات المسلّحة التي تنسب نفسها إلى الجيش السوري الحر (507)، وتنظيم الدولة الإسلامية (133)، والميليشيات الموالية للحكومة (54)، ووحدات حماية الشعب (46)، والقوات الحكومية (29)، وجيش الإسلام (28)، وأحرار الشام (17)، وجبهة النصرة (والمعروفة أيضاً باسم جبهة فتح الشام) (10)، وحركة نور الدين الزنكي (3)، وجماعات مسلّحة مجهولة (24)، وشمل 20 في المئة من الحالات التي جرى التحقق منها أطفالاً تقل أعمارهم عن 15 عاماً."
كما ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" في تقرير أصدرته بتاريخ 12 آذار/مارس 2017، بأنّ عام 2016 كان الأسوأ على الإطلاق بالنسبة لأطفال سوريا، حيث بلغ عدد الأطفال الذين تمّ الزج بهم إلى ساحات القتال (851) طفلاً في العام 2016، أي بواقع الضعف عما كان عليه في عام 2015، كما أشارت المنظمة في تقريرها إلى مقتل (652) طفلاً خلال العام 2016 وحده.
ويهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على بعض الحالات التي تمّ توثيقها والعمل عليها في العام 2018، من قبل بعض أطراف النزاع، حيث أنّ العمل مستمر لتحديث البيانات الخاصّة بموضوع تجنيد الأطفال من قبل جميع أطراف النزاع، سواء تلك التي تقاتل في صفوف الحكومة السوريّة أو في الجهات المناهضة لها. وهذه هو التقرير الأول من سلسلة متعددة من التقارير التي سوف توثّق حالات تجنيد الأطفال عند مختلف أطراف النزاع في سوريا.
في العام 2014، عمد تنظيم "داعش" إلى تجنيد العديد من الأطفال في مناطق سيطرته، وكان من بينهم طفلان لم يتجاوزا سن الثانية عشر عاماً من منطقة حوض اليرموك في ريف درعا، إذ قام تنظيم "جيش خالد بن الوليد"[1] المبايع لتنظيم "داعش" في تلك المنطقة، بتجنيد طفلين هما (علي عيسى الكناوي) و(عبد الله الكناوي)، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ هذين الطفلين كانا قد قُتلا لاحقاً بعد تنفيذهما عمليات انتحارية ضد فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال سوريا.
وفي العام 2016، تمّ تجنيد العديد من الأطفال في صفوف القتال التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وذلك في عدد من المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظة إدلب، وبحسب العديد من الشهادات التي حصل عليها الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ أحد الأطفال الذين لم يتجاوزوا الرابعة عشر بعد،ويدعى "قصي" كان قد تم تجنيده في أحد المقرات التابعة لهيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً والكائنة على أطراف مدينة معرة النعمان بريف إدلب، مع الإشارة إلى أنه ما زال مجنداً في صفوف قتالهم حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.
وبتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر 2017، قامت وحدات "حماية المرأة" التابعة للإدارة الذاتية، باختطاف الطفلة "أفين عبد الله" والتي تبلع من العمر (11) عاماً، من أمام باب مدرستها الكائنة في مدينة الدرباسية شمال غربي محافظة الحسكة، وبحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فقد علمت عائلة الطفلة لاحقاً بأنّ ابنتهم تمّ تجنيدها قسرياً في صفوف قتال الوحدات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية.
أولاً: "لديكم سبع فتيات.. واحدة لنا والبقية لكم":
بتاريخ 4 كانون الأول/ديسمبر2017، عمدت وحدات حماية المرأة التابعة للإدارة الذاتية، إلى اختطاف الطفلة "أفين عبد الله" والمعروفة باسم "أڤين صاروخان" والتي تبلغ من العمر (11) عاماً، وذلك من أمام باب مدرستها الكائنة في مدينة الدرباسية الواقعة شمال غربي محافظة الحسكة، لتُفاجاً عائلة الطفلة لاحقاً بأنّ ابنتهم "آڤين عبد الله" كان قد تمّ تجنيدها قسرياً في صفوف قتال الوحدات العسكرية التابعة للإدراة الذاتية، وذلك بحسب العديد من الشهادات التي حصلت عليها سوريون من أجل الحقيقة والعدالة وتحديداً من أحد أقارب الطفلة "آڤين"، حيث أفاد قريب الطفلة المدعو (خ.صاروخان) بأنّ تلك الحادثة كان قد سبقها اعتقال والد "آڤين" من قبل قوات "الأسايش" التابعة للإدارة الذاتية، وتحديداً في شهر آب/أغسطس 2017، وذلك على خلفية تزويج إحدى بناته القاصرات.
زواج القاصرات في نظر الإدارة الذاتية:
بتاريخ 22 أيار/مايو 2016، أصدرت هيئة المرأة التابعة للإدارة الذاتية قوانيناً خاصة بالمرأة وحقوقها داخل المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية، ومن أهم هذه البنود والقوانين هو المادة (24) من مواد حقوق المرأة والذي ينص على مايلي:
"يمنع تزويج الفتاة قبل إتمامها سن الثامنة عشر، وعقوبتها هي السجن لولي الفتاة مدة سبع سنوات، واعتبار الولي والجهة التي عقدت القران شريكين في التزوير."
ومن هذا المنطلق بدأت الإدارة الذاتية مراقبة حركة زواج الشبان المتواجدين داخل المناطق التي تسيطر عليها، وذلك عن طريق مجلس الكومينات[2] الذي يتحكم بكل شاردة وواردة من أوراق وثبوتيات في الأحياء التي يتولى الإشراف عليها.
وفي بلدة الدرباسبة قام المدعو "أكرم عبدالله/ صاروخان" بتزويج ابنته "أمينة" والبالغة من العمر (17) عاماً، من شاب تقدّم للزواج منها، وهو الأمر الذي أدى إلى ملاحقة الوالد من قبل قوات "الأسايش"التابعة للإدارة الذاتية، وذلك بحسب أحد أقارب العائلة ويدعى (خ.صاروخان)، والذي تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"قامت قوات "الأسايش" باعتقال "أمينة" مع الشاب الذي تقدّم للزواج منها، كما قامت باعتقال والدها أيضاً، وذلك قبيل موعد زفافهما وتحديداً في أوائل شهر آب/أغسطس 2017، حيث تمّ اقتيادهم إلى فروع قوات "الأسايش" داخل مدينة الدرباسية، وأطلق سراح "أمينة" في ذات اليوم التي اعتقلت به، فيما استمر اعتقال الوالد مدة ثلاثة أشهر، أما الشاب الذي تقدّم إليها فقد استمر اعتقاله مدة شهرين، كما تمّ فرض غرامة مالية على الوالد تصل حتى حدود (500) ألف ليرة سورية، طبعاً هذا عدا الرشاوي التي تمّ دفعها لمأموري السجن من أجل الاعتناء بمكان إقامة الوالد والزوج/العريس من قبل العائلتين."
وتابع قريب العائلة (خ.صاروخان) بأنّ الإدراة الذاتية أرغمت والد الفتاة على فسخ زواج ابنته "أمينة" من الشاب الذي تقدّم للزواج منها، كما جعلته يكتب تعهداً بعدم تزويج ابنته إلا بعد بلوغها سن الثامنة عشر، وذلك بعد أن استمر اعتقاله مدة ثلاثة أشهر بدون محاكمة.
خطف شقيقة "أمينة" بشكل قسري من قبل قوات الأمن التابعة للإدارة الذاتية:
عقب مرور أربعة شهور على حادثة تزويج "أمينة صاروخان" في بلدة الدرباسية، تلقّت العائلة نبأ اختطاف شقيقتها "آڤين صاروخان" والتي تبلغ من العمر (11) عاماً، وفي هذا الخصوص تحدث (خ.صاروخان) لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"في صباح يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 2017، وصلتنا أخبار تفيد بأنّ سيارة من نوع "فان" قامت باختطاف "آڤين" بالقوة من أمام باب مدرستها التابعة للإدارة الذاتية والتي ترتادها من أجل تعلم اللغة الكردية، ولدى معرفة عائلة "آڤين" بماحدث، راجع والدها على الفور المدرسة التي تمّ اختطافها منها، كما تحدث مع أصحاب المحلات التجارية الكائنة بالقرب من المدرسة، فأخبروه أنّ السيارة التي قامت باختطاف ابنته، كان قد نزل منها فتاتان ترتديان العسكري الذي يخص وحدات حماية المرأة أو مايسمى ب(YPJ)، إذ قامت هاتين الفتاتين بإخبار آڤين على أن ترتاد "الفان" بصحبتهما، إلا أنها رفضت ذلك، فعمدت الفتاتان إلى تهديدها بالضرب في حال لم تنفذ أوامرهما، فرفضت "آڤين" مجدداً، لذا تمّ سحبها بالقوة إلى داخل "الفان" والتي سرعان مامضت مبتعدة عن المكان."
وأضاف (خ.صاروخان) بأنّ والد الفتاة سارع للتوجه إلى مركز "الأسايش" العام داخل بلدة الدرباسية، وبعدها إلى أحد مراكز العلاقات العامة التابعة لوحدات حماية الشعب (YPJ)، وذلك بغية التقصي عن وضع ابنته "آڤين"، حيث تمّ إخباره في مركز"الأسايش" العام بألا فتاة لديهم بهذا الاسم، كما تمّ إعلامه بعدم قدرته على تقديم أي شكوى إو بلاغ بفقدانها إلا بعد مضي (24) ساعة، وتابع قريب العائلة قائلاً:
"قام والد الفتاة بمراجعة مركز العلاقات العامة التابع لوحدات حماية الشعب عدة مرات، وفي إحدى المرات أجابوه قائلين: "لديكم سبع فيتات، واحدة لنا والبقية لكم"، وبعد مرور حوالي (11) يوماً، وتحديداً في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، تفاجأ الوالد عندما وجد صورة ابنته وقد نشرت على صفحة "مكتب العلاقات العامة في وحدات حماية المرأة"، حيث كانت تقف وسط مجموعة من المقاتلات اللواتي يرتدين الزي العسكري، وعلى إثر ذلك عاود الوالد مراجعة المركز مجدداً، فتمّ إعلامه بأنّ الفتاة جاءت إليهم بمحض إرادتها وبأنه غير قادر على رؤية ابنته إلا في حال طلبت ذلك."
صورة للمنشور الذي وضعته صفحة (مكتب العلاقات العامّة لوحدات حماية المرأة).
صورة تظهر الوثيقة الخاصة بدفتر عائلة "آفين/عبد الله صاروخان"، مصدر الصورة: عائلة "آفين.
كما كانت قناة "آرك" الكردية، قد بثت مقابلة مع عم الطفلة المدعو "آرام صاروخان"، وذلك عقب يومين فقط من اختطاف الطفلة "آفين صاروخان"، حيث ورد في جزء من المقابلة:
"كانت آفين تذهب للمدرسة الخاصة بتعلم اللغة الكردية، ولم نكن نعلم أن ستتعرض لغسيل الدماغ داخل المدرسة على يد الإدارة الذاتية، حيث أن الفتاة كانت قد خرجت من المدرسة ومن ثمّ قامت سيارة وحدات حماية المرأة أمام العلن بسحبها بالقوة إلى السيارة."
وكانت إحدى الصفحات الأخبارية المحلّية السورية قد نشرت بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2018، خبراً يفيد باعتقال أحد الأطفال المجندين في صفوف قوات سوريا الديمقراطية وذلك من قبل ما يسمى بـ “فصائل درع الفرات"، وكانت قد نشرت الصفحة صوراً لهذا الطفل. ولم تستطع سوريون من أجل الحقيقة والعدالة التحقق من الصورة من مصدر مستقل.
صورة تظهر الطفل الذي تمّ اعتقاله من قبل "فصائل درع الفرات"، والذي قيل بأنه كان مجنداً في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، مصدر الصورة: صفحة "جيهوفا بوست".
ثانياً: أكثر من (150) طفل تمّ تجنيدهم من قبل تنظيم جيش "خالد بن الوليد" في منطقة حوض اليرموك:
قام تنظيم الدولة الإسلامية أو كما يعرف باسم تنظيم "داعش"، بتجنيد العديد من الأطفال الذين لم يتجاوزوا الثامنة عشر عاماً في صفوفه، وقد كان ذلك جلياً في منطقة حوض اليرموك بريف درعا والتي يسيطر[3] عليها التنظيم متمثلاً بجيش "خالد بن الوليد"، وهو الأمر الذي أكده لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، أبو بلال وهو أحد نشطاء بلدة حيط التابعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة في منطقة حوض اليرموك، إذ قال بأنّ طفلين اثنين من أقاربه واللذين لم يتجاوزا الثانية عشر عاماً، كان قد سيقا للتجنيد في صفوف جيش "خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم "داعش"، حيث تابع قائلاً:
"عمل جيش خالد بن الوليد على تجنيد أكثر من (150) طفلاً في مناطق سيطرته في حوض اليرموك، وخاصة في بلدتي تسيل وسحم الجولان اللتين سيطر عليهما خلال شهر شباط/فبراير 2017، كما تمّ حرمان عشرات الأطفال من التعليم عبر إتلاف المناهج التدريسية واستبدالها بأخرى حملت في طياتها التحريض على العنف والقتال وزرع الأفكار المتطرفة في عقول الأطفال، إذ أنّهم يقومون بعملية غسيل للأدمغة بما يتوافق مع مشروعهم المتطرف، فالعشرات من هؤلاء الأطفال كانوا قد تركوا مقاعد الدراسة والتحقوا بصفوف القتال التابعة للتنظيم ضد قوات المعارضة المسلحة، وهو ما ظهر جلياً خلال إحدى الهجمات التي قادها التنظيم على بلدة حيط بغية انتزاعها من قبصة المعارضة المسلحة، إذ قامت المعارضة بأسر عدة أطفال كانوا قد شاركوا في ذلك الهجوم بتاريخ 24 كانون الثاني/يناير 2018، وقد بثت قوات المعارضة مقطع فيديو لأولئك الأطفال بعد إلقاء القبض عليهم، وكانت أعمارهم تتراوح مابين (12-16) عاماً، في حين بثّ الإعلام المرتبط بجيش "خالد بن الوليد" إصداراً مرئياً، ويظهر فيه تدريت عدة أطفال على حمل السلاح وتلقيهم للتدريبات ضمن معسكرات خاصة بهذا التنظيم."
وتابع أبو بلال بأنّ طفلين من أقاربه كانا ضحية التجنيد في صفوف تنظيم "داعش"، وهما (علي عيسى الكناوي) وعمره عشر سنوات، و(عبد الله عبد الحكيم الكناوي) وعمره اثنا عشر عاماً، مشيراً إلى أنّ والد الطفلين هو من عمل على تجنيدهما خلال العام 2014، مع العلم بأنه كان يشغل سابقاً مع التنظيم منصب أمير "ولاية الخير" في محافظة دير الزور وكان يعرف باسم " أبو عبد الله الجزراوي"، كما أنه عمل على إرسال ابنه (عبد الله الحكيم الكناوي) لتنفيذ عملية انتحارية في أحد المقرات التابعة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة في شمال سوريا عام 2015، وهو ما أدى إلى مقتله، وأضاف قائلاً:
"كما ساعد والد الطفلين (عبد الحكيم الكناوي) عدة أشخاص ومن بينهم ابنه (علي عيسى الكناوي) على الوصول إلى أماكن سيطرة تنظيم "داعش" في شمال سوريا خلال العام 2016، وكان (علي) هو الآخر ضحية للفكر المتطرف، إذ كان قد قُتل هو الآخر بعملية انتحارية تمّ تنفيذها ضد قوات المعارضة في شال سوريا، وبحسب المعلومات المتوافرة لديّ، فقد استطاع والد الطفلين العودة إلى منطقة حوض اليرموك الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" في منتصف شهر شباط/فبراير 2018، ومن المرجح أن يستلم قيادة تنظيم "جيش خالد بن الوليد"، وذلك بحكم الخبرة التي اكتسبها أثناء تواجده في الشمال السوري."
ثالثاً: "ليس بيدي سوى الدعاء له":
هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، عمدت هي الأخرى إلى تجنيد العديد من الأطفال في صفوفها، ولا سيما في عدة مناطق تابعة لسيطرتها في محافظة إدلب وذلك خلال العام 2016، وهو الأمر الذي أكده أبو قصي وهو والد لأحد الأطفال الذين لم يتجاوزوا الرابعة عشر عاماً في منطقة معرة النعمان بريف إدلب، وقد تمّ تجنيده في صفوف القتال مع هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً في مطلع العام 2016، حيث تحدث قائلاً:
"كان قصي طالباً مجتهداً في مدرسته ومحبوباً من قبل زملائه وأساتذته، لكن في مطلع العام 2016، بدأت ألاحظ بعض التغيرات الحاصلة في شخصيته وفي سلوكه، وخاصة أنّ قصي أصبح يفضل العزلة والصمت وأحياناً يتأخر في العودة إلى المنزل، فحاولت الاستفسار منه عما يحصل معه، إلا أنه دائماً ماكان يؤكد على أنه بخير وبأنّ ضغط الدراسة هو ما يتعبه، وفي بعض الأحيان كنا نسمع صوت أناشيد "جهادية" ودورس لبعض المشايخ والدعاة صادرة من غرفته، كما كان هنالك تراجع كبير في مستواه الدراسي والاجتماعي، فأدركت بأنّه ثمة خطب ما، وخصوصاً أنه عقد صداقات مع أشخاص أكبر منه سناً، وحاولت جاهداً أن أبعده عنهم إلا أنني لم أتمكن من ذلك."
وأشار أبو قصي إلى أنه ومع بداية شهر آذار/مارس 2016، جاء ابنه ليؤكد له خبر انضمامه إلى صفوف القتال مع هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة سابقاً، وأخبره بأنّ عمله يقتصر فقط على مساعدة المقاتلين في أحد المقرات التابعة لهم والمتواجدة على أطراف مدينة معرة النعمان، وأضاف قائلاً:
"حاولت منعه بشتى الوسائل، إذ أنني أجبرته على البقاء في المنزل، ومنعته من الخروج نهائياً، إلا أنه كان متشبثاً برأيه، وكثيراً ما كان يهرب من المنزل إلى ذلك المقر، وعلى إثر ذلك تحدثت إلى أحد الأشخاص الموجودين في المقر وطلبت منه عدم استقبال قضي عندهم، إلا أنّ أحد الشرعيين قال لي بأنّ قصي يفعل ماهو صحيح وبأنهم لا يستطيعون منعه، فأدركت نهاية الأمر بأنّ هؤلاء الأشخاص هم من يقومون بغسيل أدمغة الأطفال لإقناعهم بالانضمام إلى صفوف القتال معهم، وفي يوم 15 نيسان/أبريل 2016، تغيب قصي عن المنزل مدة (15) يوماً، وعلى الفور قمت بالتوجه إلى المقر الذي اعتاد التواجد فيه، فقالوا لي بأنّ قصي ذهب لأداء دورة شرعية خارج المدينة، ولأسباب أمنية لا نستطيع إخبارك بمكان تواجده، فأدركت بأنّ ابني قد تمّ غسل دماغه وبأنني فقدته إلى الأبد، وبعد مرور عدة أسابيع عاد قصي إلى المنزل وكان يرتدي الزي العسكري، فقدم الأعذار لي وقال بأنّ مايفعله هو الصحيح وبأنّ من الواجب عليه فعل ذلك، فعلمت حينها بأّنّ غياب الوعي وخصوصاً الوعي الديني، إضافة إلى كثرة المشاهد التي تحرض على العنف والتي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ووجود أشخاص يرحبون بانضمام الأطفال إليهم، هو ماجعلني أفقد قصي، والذي مازال حتى يومنا هذا، يقاتل في صفوف هيئة تحرير الشام، وقد أصيب عدة مرات في معسكرات التدريب وفي المعارك التي خاضها، لكن ليس بيدي إلا الدعاء له."
وبحسب باحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ تجنيد الأطفال خلال النزاع السوري اتخذ أشكالاً مختلفة، ومنها استخدام الطفل كوسيلة للتجسس على الطرف الآخر، أو حمله على المساعدة في أمور لوجستية، أو استخدامه كمقاتل يشارك في الأعمال القتالية، وترجع هذه الظاهرة لعدة أسباب ومنها غياب الوعي لدى العديد من الأهالي، فضلاً عن انتشار الجهل والأمية بسبب دمار المدارس وتعرضها للقصف، إلى جانب غياب المعيل الذي يفرض على الطفل أن يلتحق بصفوف القتال التابعة للجماعات المسلحة، بما أنها أقصر طريق لكسب المال في نظره.
تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العدائية في القانون الدولي:[4]
لا تزال ترد تقارير مستمرة حول تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال الحربية في سوريا، الأمر الذي يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
التقرير السنوي للأمين العام حول الأطفال والصراع المسلح الذي أعدته آلية الرصد والإبلاغ[5] المكلفة من قبل مجلس الأمن لرصد الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، ذكر أنه في الفترة ما بين كانون الثاني/يناير وحزيران/يونيو 2017، واصلت أطراف النزاع في سوريا تجنيد الأطفال وتدريبهم واستخدامهم الفعلي في الأعمال القتالية. آلية الرصد والإبلاغ أكدت تجنيد واستخدام 300 طفل في سن الثانية عشر، بينهم 289 صبي و11 فتاة. ومن الحالات التي تم إثباتها، استخدام 265 طفل (88 في المائة)، في دور قتالي، وعمل 35 طفل (12 في المائة) في دور مساعد، تراوح بين حراسة نقاط التفتيش، حراسة السجون، دوريات شوارع، معاونين، وللاستغلال الجنسي. وبلغ مجموع عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً 53 طفلاً (18 في المائة)[6].
وقد أُعدت هذه المذكرة لمساعدة العاملين في المجال الإنساني في سورية. والهدف منها هو تقديم لمحة عامة موجزة لهم عن القوانين ذات الصلة المطبقة في النزاع السوري فيما يتعلق بتجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال القتالية (من القانون الإنساني الدولي، القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الجنائي الدولي).
القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان:
إن "اتفاقية حقوق الطفل" تلزم الدول "بضمان احترام قواعد القانون الإنساني الدولي المتعلقة بالطفل، والتي تسري عليها في النزاعات المسلحة" و "أن تتخذ جميع التدابير الممكنة لضمان حماية الأطفال المتضررين من النزاع المسلح"[7]. وأيضاً أن تتخذ جميع التدابير الممكنة لضمان عدم اشتراك الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 15 عاماً اشتراكاً مباشراً في الأعمال الحربية، وأن تمتنع عن تجنيد أي شخص دون سن الخامسة عشر في قواتها المسلحة[8].
البروتوكول الاختياري المكمل لاتفاقية حقوق الطفل والمتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، يحظر على الدول الأطراف التجنيد الإجباري للأشخاص دون سن 18 عاماً في قواتها المسلحة[9]، ويدعوهم إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة المجندين طوعياً والذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً في العمليات القتالية بشكل مباشر.[10]
ويلزم البروتوكول الاختياري كذلك الدول الأطراف "باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع هذا التجنيد والاستخدام، بما في ذلك اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر هذه الممارسات وتجريمها".[11] وينص البروتوكول الاختياري أيضا على أن "الجماعات المسلحة، المنفصلة عن القوات المسلحة للدولة، لا يجوز لها تحت أي ظرف من الظروف، أن تجند أو تستخدم الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً في الأعمال الحربية".[12]
وبما أن سوريا طرف في كل من اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري، فهما ساريان في جميع أنحاء الأراضي السورية وتلزم بهما الجماعات المسلحة، سواء التابعة للحكومة أو المعارضة لها. كما أن إجراءات الحظر المفروضة على تجنيد الأطفال واستخدامهم في المشاركة المباشرة في الأعمال الحربية هي أيضا قواعد مقبولة عموماً في القانون الدولي العرفي المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية.[13]
تفسير:
يمكن تقسيم إجراءات الحظر الواردة في القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان المتعلقة بتجنيد الأطفال ومشاركتهم في الأعمال القتالية، مع جريمة الحرب المقابلة لها في القانون الجنائي الدولي، إلى عنصرين:[14]
1). تجنيد الأطفال.
2). استخدام الأطفال في الأعمال الحربية.
الحكومة السورية:
حظر التجنيد في القوات المسلحة:
إن تصديق سوريا على اتفاقية حقوق الطفل، وعلى القانون الدولي العرفي يحظرها من تجنيد الأطفال وإشراكهم في الأعمال القتالية من قبل الحكومة السورية.
وعلاوة على ذلك، فإن تصديق سوريا على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل يحظر على الحكومة السورية التجنيد الإجباري للأشخاص دون سن 18 عاماً في قواتها المسلحة. وينبغي أن يقرأ ذلك بالاقتران مع المادة 38 (3) من اتفاقية حقوق الطفل التي تدعو الدول إلى السعي لإعطاء الأولوية في التجنيد للأكبر سناً من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً.
ويذهب البروتوكول الاختياري أبعد من ذلك ويقدم تفصيلاً للتدابير الاحترازية المتضمنة في المادة 3، التي يجب على الحكومة السورية الالتزام بها لضمان أن تجنيد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً هو طوعي فعلاً. التدابير الاحترازية متضمنة أيضاً في المادة 4 التي تلزم الحكومة السورية بأن تتخذ جميع التدابير الممكنة لمنع تجنيد واستخدام الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً في الجماعات المسلحة المنفصلة عن القوات المسلحة للدولة.
الحظر المفروض على مشاركة الأطفال في الأعمال القتالية بشكل مباشر :
يحظر على الحكومة السورية استخدام أي شخص دون الثامنة عشر للمشاركة المباشرة في الأعمال الحربية بموجب اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري الملحق بها.[15] وفي حين أنه لا يوجد تعريف واضح لأفعال الأطفال التي تعتبر مشاركة في الأعمال القتالية، أشارت دائرة الاستئناف في حكمها في قضية توماس لوبانغا دييلو إلى الحاشية التوضيحية لعبارة "للمشاركة فعلياً في الأعمال الحربية" الواردة في مشروع النظام الأساسي للجنة التحضيرية للمحكمة الجنائية الدولية الذي يحدد معايير المشاركة التي تتطلب الحظر ويذكر أنّ:
المصطلحان "استخدام" و "مشاركة" يشملان معنى المشاركة المباشرة في القتال والمشاركة الفعلية في الأنشطة العسكرية المرتبطة بالقتال مثل الاستطلاع والتجسس والتخريب واستخدام الأطفال كأفخاخ للتمويه أو مهربين أو على نقاط التفتيش العسكرية. ولا يشملان الأنشطة التي ليس لها صلة واضحة بالأعمال العدائية، مثل توصيل الطعام إلى قاعدة جوية، أو الاستخدام في الخدمة المنزلية في منزل أحد الضباط المتزوجين.
غير أن استخدام الأطفال في المساعدة المباشرة، مثل حمل الإمدادات إلى الجبهة، أو المشاركة في نشاطات الجبهة نفسها، فهو مدرج ضمن المصطلحين.[16]
كما أن الدائرة الابتدائية للمحكمة الخاصة لسيراليون-وهي أول محكمة دولية اعتبرت تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال الحربية جريمة حرب-تقدم أيضاً تفسيراً مفيداً حيث تقول:
"إن استخدام الأطفال بالمشاركة الفعلية في الأعمال الحربية لا يقتصر على المشاركة في القتال. حيث تحتاج القوة المسلحة إلى دعم لوجستي لمواصلة عملياتها. وبالتالي أي عمل أو دعم لتنفيذ أو المساعدة على مواصلة العمليات في نزاع ما يعتبر مشاركة فعلية. ومن ثم فإن حمل شحنات الأسلحة للفصائل المتحاربة، إيجاد و/ أو الحصول على الغذاء أو الذخيرة أو المعدات، العمل كأفخاخ للتمويه، نقل الرسائل، عمل مسارات أو إيجاد طرق، حراسة نقاط التفتيش، والعمل كدروع بشرية، هي بعض الأمثلة للمشاركة الفعالة والتي تعتبر مثل القتال الفعلي.[17]"
في واقع مناطق الحرب، سيكون هناك الكثير من التداخل وعدم الوضوح في مسألة اعتبار مشاركة الأطفال مشاركة "فعلية/مباشرة" أم لا في الأعمال الحربية. ومع ذلك، فإن الصكوك ذات الصلة مصممة بوضوح من أجل حماية الأطفال من أخطار الصراع المسلح. لذلك، إذا كان هناك أي شك حول ما إذا كان الطفل الذي يقل عمره عن 18 عاماً في سوريا يقوم أم لا بدور فعلي / مباشر في الأعمال العدائية، فيجب اعتماد الاحتمال الأول.[18]
القانون الوطني:
إن اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكول الاختياري ذي الصلة يلزمان الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة لضمان الحماية المطلوبة بموجب اتفاقية حقوق الطفل.[19]
ويدعو البروتوكول الاختياري على وجه التحديد إلى اعتماد التدابير القانونية اللازمة لحظر وتجريم تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلحة. في عام 2013، تم تعديل قانون العقوبات السوري ليحظر تجنيد الأطفال دون الثامنة عشر سواء بإشراكهم في الأعمال الحربية أو غيرها من الأفعال ذات الصلة مثل حمل الأسلحة والذخائر والمعدات؛ نقل أو وضع المتفجرات؛ حراسة مراكز التفتيش؛ المراقبة أو جمع المعلومات؛ أو استخدامهم كدروع بشرية.
الجماعات المسلحة الغير تابعة للدولة:
يفرض البروتوكول الاختياري حظراً كاملاً على تجنيد أو استخدام أي جماعة مسلحة أشخاصاً دون سن الثامنة عشر في الأعمال الحربية. وبالتالي فإن ذلك يحظر على الجماعات المسلحة الغير تابعة للدولة تجنيد أي شخص دون 18 عاماً حتى وإن كان التجنيد طوعياً. وهذا يطبق على كل الجماعات المسلحة، بغض النظر عما إذا كانت تقاتل مع القوات الحكومية السورية أو ضدها أو إلى جانبها.
إعلان النوايا:
أصدرت بعض جماعات المعارضة المسلحة بيانات علنية أو وقعت على صك الالتزام" الصادر عن منظمة نداء جنيف مبينة نيتها في التقيد بحظر تجنيد الأطفا