مقدّمة: واصلت القوات النظامية السورية وحلفاؤها تصعيدها العسكري على عدد من مدن وبلدات محافظة إدلب، وذلك في إطار الحملة العسكرية[1] التي كانت قد بدأتها منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2017، إذ تعرضت الأحياء السكنية في تلك المناطق إلى القصف بأنواع عديدة من الأسلحة وهو ماتسبّب في سقوط عشرات الضحايا من المدنيين مابين قتلى وجرحى، وذلك حسبما أكدّ الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
وكانت سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قد نشرت تقريراً مفصلاً عن المجازر والأحدث التي حدثت في محافظة إدلب، حيث كان التقرير يغطّي الفترة الواقعة ما بين الفترة الواقعة ما بين 25 كانون الأول 2017 و20 كانون الثاني 2018 عشيّة مؤتمر سوتشي "للحوار الوطني" والذي انعقد في روسيا. بالإضافة إلى تقرير آخر يوثق وقوع مجزرتين مروعتين في ريف إدلب وذلك جراء قصف طيران الحلف السوري/الروسي على سوقين شعبين في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2018. إلاّ أنّ هذا التقرير يغطي الفترة التي تلت عقد مؤتمر سوتشي "للحوار الوطني" في روسيا، بتاريخ 29 و30 كانون الثاني/يناير 2018.
في يوم الأربعاء الموافق 7 شباط/فبراير 2018، تعرضت مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، إلى قصف طيران حربي تابع للقوات النظامية السورية، إلى جانب طيران حربي يُعتقد أنه روسي، حيث تناوبت عدة طائرات حربية على قصف المدينة بأكثر من (14) غارة جوية أسُقط خلالها عدة صواريخ شديدة الانفجار وصواريخ فراغية على المناطق المأهولة بالسكان في الحي الشرقي والغربي من المدينة، وهو الأمر الذي تسبّب في مقتل (12) مدنياً إضافة إلى إصابة العشرات.
وفي يوم الجمعة الموافق 9 شباط/فبراير 2018، قُتل مالايقل عن (16) مدنيا بينهم نساء وأطفال وجرح آخرون، وذلك بسبب تعرض قرية حاس في ريف إدلب الجنوبي، إلى قصف طيران حربي يُعتقد أنه روسي. وبحسب شهادات العديد من المراصد فإنّ الطيران الحربي الذي قام بتنفيذ الهجوم، كان قد أقلع من مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص، ومن ثم قام باستهداف أحد الاحياء السكنية وسط القرية بستة صواريخ شديدة الانفجار، وهو ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، فضلاً عن الأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بمنازلهم.
أولا: استهداف الأحياء السكنية في مدينة معرة النعمان:
تقع مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي وتعتبر الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتبعد عن محافظة حلب مسافة (84) كم، وعن محافظة حماة مسافة (60) كم، وتتبع المدينة لإدارة مدنية متمثلة بالمجلس المحلي الذي يسيطر على كافة مناحي الحياة في المدينة (حتى تاريخ إعداد هاد التقرير).
في يوم الأربعاء الموافق 7 شباط/فبراير 2018، سقط عشرات القتلى والجرحى في مدينة معرة النعمان، وذلك جرّاء الغارات التي شنها الطيران الحربي على المدينة، والتي تجاوز عددها أكثر من (14) غارة جوية، إذ كانت الطائرات الحربية سورية/روسية، قد استهدفت الأحياء السكنية في المدينة بصواريخ شديدة الانفجار وصورايخ فراغية، وذلك حسبما أكدّ البالحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
محمد الضاهر وهو مدير مركز المعرة الإعلامي، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة حول ماجرى قائلاً:
"في تمام الساعة (6:40) من مساء يوم الأربعاء، وبينما كنت في مكتبي أتابع أخبار الطيران عبر القبضة اللاسلكية، كان مرصد المدينة يحذر من وجود طيران حربي في الأجواء، وماهي إلا دقائق حتى سمعت صوت انفجار شديد وشعرت بهزة أرضية قوية، فانطلقت مباشرة إلى مكان الغارة، والتي كانت في الحي الشرقي من المدينة، فصدمت حينما رأيت أحد المباني السكنية وقد سويت بالأرض فوق رؤوس ساكنيها. لقد تمّ استهداف هذا المبنى بصاروخ فراغي، وعلى الفور وصلت فرق الدفاع المدني وباشرت بإخلاء الجرحى، إلا أنّ الطيران الحربي كان قد عاد إلى الأجواء من جديد، فقمنا بالانسحاب من المكان المستهدف خوفاً من استهدافه مرة أخرى."
وأضاف محمد بأنّ طيراناً حربياً يُعتقد أنه روسي عاود قصف المدينة، لكن هذه المرة مستهدفاً الحي الغربي منها، فانطلق مسرعاً إلى مكان الغارة الثانية حتى يتابع توثيق ماجرى، وفي هذا الخصوص تابع قائلاً:
"لمّا وصلت إلى مكان الغارة الثانية، رأيت "محرقة" بكل معنى الكلمة، حيث تناوب على قصف الحي الغربي من المدينة، أكثر من خمس طائرات حربية روسية وسورية، ومنها طائرات من نوع حربي رشاش، وكان الطيران الحربي الروسي يعاود قصفه لنفس الحي، أما الطيران من نوع حربي رشاش فكان يستهدف المدنيين وفرق الدفاع المدني. كما تمّ استهداف محظة الوقود في الحي الغربي وهو ما أدى إلى اندلاع حريق ضخم لم تتمكن فرق الدفاع من السيطرة عليه إلا بعد ساعات، وقد بلغ عدد الغارات على المدينة في هذه الليلة أكثر من (14) غارة جوية، ناهيك عن صاروخ محمل بذخائر عنقودية كان قد انطلق من البوارج الروسية المتواجدة في البحر المتوسط واستهدف الأحياء السكنية في المدينة. لقد كانت من أصعب الأوقات التي تمر على المدينة فقد قضى حوالي (12) مدنياً نتيجة هذه الغارات، بينما جرح العشرات، أما الدمار فقد كان كبيراً إلى حد لايوصف."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي حلّ بمدينة معرة النعمان، جراء قصف الطيران الحربي على الأحياء السكنية في المدينة بتاريخ 7 شباط/فبراير 2018.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر مكان سقوط أحد الصواريخ على مبنى سكني في الحي الشرقي من مدينة معرة النعمان، وذلك بتاريخ 7 شباط/فبراير 2018.
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين مكان الضربة في مدينة معرّة النعمان
تحليل الأدلة البصرية الذي يوضّح مكان المصرف الزراعي الواضح في الصورة والبناء المستهدف
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار من الحي الغربي في مدينة معرة النعمان، إثر القصف الجوي الذي طاله بتاريخ 7 شباط/فبراير 2018.
أبو بحر وهو المشرف على أحد مراصد الطيران الحربي في مدينة معرة النعمان، أكدّ لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ (5) طائرات حربية تناوبت على قصف مدينة معرة النعمان في مساء يوم الأربعاء الموافق 7 شباط/فبراير 2018، ومنها طائرتان حربييان من نوع (سوخوي) كانتا قد أقلعتا من قاعدة حميميم العسكرية في محافظة اللاذقية، وتابع قائلاً:
"كان من بين تلك الطائرات الحربية أيضاً ثلاث حربيات من نوع (L39 حربي رشاش)، كانت قد أقلعت من مطار حماة العسكري. أول طائرة حربية أقلعت من مطار حميمم عند الساعة (6:30) من مساء يوم الأربعاء، والأخرى أقلعت عند الساعة (7:23) من مساء ذات اليوم، ثمّ تلاهم صاروخ من نوع (كليبر) كان قد استهدف المدينة من البوارج الروسية المتواجدة في البحر المتوسط عند الساعة (7:39) مساءً، وبعدها أصبحت الطائرات تتناوب على قصف المدينة، حيث أغارت إحدى الطائرات الروسيات بصاروخ فراغي على أحد المباني السكنية في الحي الشرقي من المدينة، أما الغارة الثانية فقد استهدفت الحي الغربي من المدينة."
ووفقاً للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ الأماكن التي تعرضت لقصف الطيران الحربي في مدينة معرة النعمان، هي أماكن خالية تماما من أي تواجد عسكري، مرحجاً بأنّ الهدف من تلك الغارات قد يكون الرغبة في تهجير المدنيين وإجبارهم النزوح خارج المدينة. كما قام بتوثيق أسماء الضحايا الذين قضوا في تلك الغارات، وقد عرف منهم:
- بهاء علي الحسن من قرية ام الصهاريج.
- حسن نحاس وزوجته.
- محمد علي الشواف.
- ماجد شعراوي.
- حسن الشواف.
- عبد الله صالح الكر.
- عبد المنعم محمد كعيد.
- ربيع مظهر دعدوش.
وأظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون، الأضرار الكبيرة التي سببّها قصف الطيران الحربي على الأحياء السكينة في مدينة معرة النعمان، وذلك بتاريخ 7شباط/فبراير 2018.
ثانياً: مجزرة تودي بحياة (16) مدنياً في قرية حاس في ريف إدلب الجنوبي:
تتبع قرية حاس إلى ناحية كفرنبل في منطقة معرة النعمان، وتقع غرب مدينة معرة النعمان بنحو (8) كم، وتلاصق مدينة كفرنبل من الغرب، وجبل الزاوية من الجنوب، وتتبع القرية لإدارة مدنية متمثلة في المجلس المحلي.
في يوم الجمعة الموافق 9 شباط/فبراير 2018، قام طيران حربي يُعتقد أنه ورسي، باستهداف أحد الأحياء السكنية وسط قرية حاس بالقرب من منطقة لتجمع المدارس، وهو ما أدى إلى مقتل (16) مدنيا بينهم نساء وأطفال فضلاً عن إصابة العشرات والأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بممتلكات المدنيين.
وسيم الأعرج وهو أحد أبناء قرية حاس الذين كانوا متواجدين بالقرب من مكان الهجوم، تحدث لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة قائلاً:
"عند الساعة (1:15) ظهراً من يوم الجمعة، وبينما كنت جالساً في المنزل، سمعت صوت طيران حربي قوي، فسارعت إلى الإمساك بالقبضة اللاسلكية كي أتابع مايحدث، حيث كان المرصد يحذر مدينة كفرنبل من الطيران الحربي، فركضت إلى سطح منزلي لأرى أين أصبح الطيران الحربي وأين سيتم التنفيذ، إلا أنّ الطيران الحربي كان قد أغار على قريتنا، وما إن أصبحت على السطح حتى سمعت صوت انفجار قوي وكاد الضغط الشديد أن يهوي بي إلى الأسفل، وبسرعة كبيرة انتشر الغبار والشظايا في المكان، وكان التنفيذ عبارة عن ثلاث صواريخ شديدة الانفجار استهدفت حياً سكنياً وسط القرية ويقع بقربه تجمعاً للمدارس، ثمّ سمعت صوت المشرف على المرصد وهو يقول: "الحربي دوان على نفس المحور مكان التنفيذ انتباه"، وماهي إلا دقائق قليلة حتى عاود الطيران الحربي قصفه وأغار بثلاث صواريخ أخرى شديدة الانفجار على نفس المكان، وهو ماتسبّب في مقتل (16) مدنياً ستة منهم من عائلة واحدة، ناهيك عن إصابة العشرات، والأضرار المادية الكبيرة التي حلت بالمكان."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي لحق بأحد الأحياء السكنية في قرية حاس، إثر القصف الجوي الذي تعرضت له بتاريخ 9 شباط/فبراير 2018.
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تظهر جانباً من الدمار الذي لحق بقرية حاس، إثر القصف الجوي الذي تعرضت له بتاريخ 9 شباط/فبراير 2018.
المشرف على مرصد الطيران الحربي في قرية حاس، قال لسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بأنّ طيراناً حربياً يعتقد أنه روسي كان قد أقلع من مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص، ومن ثمّ قام باستهداف القرية في يوم الجمعة الموافق 9 شباط/فبراير 2018، وأضاف قائلاً:
"في تمام الساعة (1:05) من ظهيرة يوم الجمعة، أقلعت طائرة حربية روسية من مطار الشعيرات العسكري، ومن ثمّ اتجهت شمالا على المحور الشرقي حتى وصلت قرية سنجار في ريف معرة النعمان الشرقي، ثمّ أخذت محور الغرب باتجاه قرية حاس، حيث تمّ تنفيذ أول غارة على البلدة عند الساعة (1:19) ظهراً، وكان التنفيذ عبارة عن ثلاث صواريخ شديدة الانفجار استهدفت حياً سكنياً وسط القرية، ثمّ تبعها تنفيذ الغارة الثانية بثلاث صواريخ أخرى، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين."
صورة خاصة بسوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تبين مكان سقوط أحد الصواريخ على الأحياء السكنية في بلدة حاس، وذلك بتاريخ 9 شباط/فبراير 2018.
صورة مأخوذة بواسطة القمر الصناعي تبين مكان الضربة في بلدة حاس
تحليل الأدلة البصرية التي تبيّن جامع حاس الكبير وموقعه من الضربة
ووفقاً للباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإن القصف العنيف الذي تعرضت له مدينة معرة النعمان وقرية حاس خلال شهر شباط/فبراير 2018، والذي كان سبباً في سقوط العديد من الضحايا المدنيين، جاء عقب عدة أيام فقط على إسقاط طائرة روسية في محافظة إدلب من قبل فصائل المعارضة السورية المسلحة وتحديداً بتاريخ 4شباط/فبراير 2018، كما أشار إلى أنّ الأماكن التي تم استهدفها هي مجرد مناطق مأهولة بالسكان وخالية تماماً من اي تواجد عسكري، كما قام الباحث الميداني لدى سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، بتوثيق أسماء بعض الضحايا الذين قضوا إثر القصف الجوي الذي تعرضت له قرية حاس بتاريخ 9 شباط/فبراير 2018، وقد عرف منهم:
- مالك المندو وابنه.
- زوجة عامر المندو وابنها.
- حنان عواج (من مدينة خان شيخون).
- رابعة حمود الحمود وولديها.
- أحمد خالد الدبلان (6 سنوات من بلدة اللطامنة في محافظة حماة).
- صفاء خالد الدبلان (17 سنة من بلدة اللطامنة في محافظة حماة).
- ثلاث نساء من سهل الغاب.
- ماريا الكشتو.
- عبد الله الكشتو.
وأظهر مقطع فيديو بثه ناشطون، جانباً من عمليات إخلاء الجرحى والأضرار المادية الكبيرة التي لحقت بمنازل المدنيين، إثر استهداف الأحياء السكنية في قرية حاس بتاريخ 9 شباط/فبراير 2018.
[1] يأتي هذا التصعيد من حانب القوات النظامية السورية، عقب تمكن هيئة تحرير الشام/جبهة النصرة من السيطرة على قرية أبو دالي في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة حماة وذلك بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلا أنّ القوات النظامية السورية استطاعت مدعومة بالطيران الحربي التابع لسلاح الجو الروسي، استعادة هذه القرية إضافة إلى عدة قرى في ريف حماة الشمالي، وذلك بتاريخ 29 كانون الأول/ديسمبر 2017، كما تمكنت القوات النظامية السورية وحلفاؤها من التقدم بإتجاه ريف ادلب الجنوبي الشرقي، حيث سيطرت على عدة قرى مثل (عطشان و الخوين و سنجار) بتاريخ 7 كانون الثاني/يناير 2018، وذلك بهدف الوصول الى مطار "أبو الضهور" العسكري في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، ووفقاً لباحثي سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، فإنّ العمليات العسكرية أسفرت عن السيطرة على المطار من قبل القوات الحكومية السورية والميليشيات المتحالفة معها بتايخ 27 كانون الثاني/يناير 2018.